الجعفري: لابد من وقفة واعية ومسؤولة لتقييم التظاهرات المستمرة لأكثر من مائة يوم التي لم تسجل أيَّ سابقة مثيلة لها.. تقادم الزمن لا يسقط الحقوق ولا يعذر الجناة ممّا يستدعي تحديدا دقيقا في معرفتهم ومساءلتهم والابتعاد عن التوصيفات الغامضة كمصطلح الطرف الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا على الإثم وَالْعُدْوَان)) {المائدة/2}..
يا أبناء الشعب العراقيّ الأبيّ..
يا شعب صنّاع الحضارة، ومُقاومة الظلم بالثورات..
ويا رافضي كلّ أنواع التفرقة، ودعوات العنصريّة، والطائفيّة، والاحتلال، والفساد..
يمرّ العراق العزيز بظروف استثنائيّة تتكالب ضدّه بعض القوى الشِرِّيرة من الداخل والخارج على الصعيدين الدوليِّ والإقليميّ، وتستهدف تفريق صفّه، وتمزيق أنسجته الاجتماعيّة؛ طمعاً بما منحه الله من وافر الثروات المادِّية والمعنويّة..
لابُدَّ من وقفة واعية، ومسؤولة لتقييم التظاهرات المُستمِرَّة لأكثر من مائة يوم التي لم تُسجِّل أيَّ سابقة في العراق مثيلة لها من حيث الكم والتنوّع الذي حظي باحترام الشعب، كما أنّها لأوّل مرّة تمتدّ إلى هذا العدد من المحافظات بما فيها بغداد..
أمّا من حيث المطالب فهي مشروعة تصل إلى حدِّ الأساسيّات المُلِحّة، وليست كماليّة.. فمن عدم وُجُود فرص عمل في الدولة إلى انتشار الفساد والفقر إلى عدم توافر الخدمات ولو بحدّها الأدنى كالصحة، والتعليم، والزراعة، والصناعة، والأمن، وتفشّي الفساد، والمحسوبيّة في التعيين وغيرها..
وما مطالب المُتظاهِرين باستقالة الحكومة بشكل كامل، وإجراء انتخابات جديدة ضمن نظام انتخابيّ يعتمد صوت الناخب، ولا يسمح بمُصادَرته كما يفتح الباب أمام المُرشَّحين من دون إلغائهم بالمُرشّحين الأشهر، واعتماد تغيير الدائرة الخاصّة بإجراء انتخابات أصحّ، وما يتطلّب من تغيير لقانون الانتخابات بشكل جذريّ إذ يجب أن لا يضمن وُصُول الأحزاب الموجودة، والمُتورِّطة بالفساد مرّة أخرى، وتجاوز عُقدة "نظام سانت ليغو" القديم الذي يُوفّر جوّ الاحتكار للأحزاب المُنتفِعة..
كما لابُدّ من إعادة النظر بالكثير من الإجراءات التي اتُّخِذَت في أجواء الكسب الانتخابيّ في مُحاسَبة الذين تسبَّبوا بقتل الأبرياء من المدنيِّين والعسكريِّين بغير وجه حقّ، وعدالة تتطلّب أخذها على محمل الجدّ والصرامة؛ وهو ما يقتضي الإسراع في اختيار رئيس الوزراء بمُواصَفات المرحلة التي يمرُّ بها البلد بعيداً عن مبدأ المُحاصصة السيِّئ الصيت..
لقد وجّهت المرجعيّة الرشيدة برسائلها عبر خطب الجمعة بإنصاف المتظاهرين، والتفاعل مع طلباتهم..
إنّ ظاهرة القتل للمتظاهرين، وحالات الخطف، والتهديد لابُدَّ أن تُقيَّم بشكل دقيق؛ لمنع تكرارها، والتفاعل مع آثارها الإنسانيّة، ولينعم المواطن بحقه في التعبير عن رأيه..
كما يجب العمل على رعاية عوائل الشهداء الذين فقدوا أبناءهم وبناتهم في التظاهرات..
إنّ تقادم الزمن لا يُسقِط الحُقُوق، ولا يُعذِر الجُناة؛ ممّا يستدعي تحديداً دقيقاً في معرفتهم، ومُساءلتهم، والابتعاد عن التوصيفات العامّة الغامضة كمصطلح الطرف الثالث..
لقد بات استخدام القوة المفرطة ومن أيّة جهة خطراً على سلامة المُواطِنين، والوطن، كما أنّ انتشار السلاح خارج إطار الدولة يُقوِّض جُهُود الأجهزة الأمنيّة في الحفاظ على أمن، واستقرار البلاد..
قد نكون معذورين في عدم منع الأطراف الشيطانيّة من مُهاجَمة العراق حاليّاً لكنّنا غير معذورين عن عدم رصِّ صفّنا، وتوحيد كلمتنا، وتعبئة كلِّ الإمكانات للمُواجَهة..
اليوم وأكثر من أيِّ يوم مضى تستدعي الحاجة تجاوز كلّ الخلافات؛ ليكون صوت الشعب هو الأعلى من كلّ الأصوات حتى يتحقق الصبر، والثبات، والنصر..
القوى الوطنيّة السياسيّة كلها من دون استثناء مدعوّة لحماية العراق عبر وحدة الكلمة، ووعي المُشترَك للعمل به، وهو ما يُضفي عليها قوةً فوق قوة، ووفاءً على وفاء لأبناء شعبنا العراقيّ العزيز عامة، وللشهداء خاصة..
لا أوضح من صورة العداء السافر للعراق بما انطوى عليه من تكالب الأشرار ضدّه، وغفلة بعض الأصدقاء، كما لا أنصع من صورة تلاحم القوى الوطنيّة لصيانة حاضره، وصناعة مستقبله، والدفاع عن مصيره..
هذا المقطع التاريخيّ الحادّ الذي يُجلّي الوجه المُشرِق لإرادة كلّ أبنائه بمُختلِف توجُّهاتهم السياسيّة، والقوميّة، والدينيّة، والمذهبيّة، والقَبَليّة؛ ليكون الردّ الحاسم، والمرتقب للحفاظ على وحدة عراقنا، وشعبنا..
ولتتّجه كلّ الجُهُود صوب البناء، والإعمار..
والله -تبارك وتعالى- هو الناصر، والمُوفّق..
الدكتور إبراهيم الجعفريّ
رئيس تـيَّار الإصلاح الوطنيّ
الرابع من جمادى الآخرة 1441هـ
المُوافِق الخميس 2020/1/30م