|
تحري الحقيقة
قراءات | 02-07-2017
تَحَرِّي الْحَقِيْقَة كَثِيْراً مَا تَعَرَّضَتِ الْحَقَائِقُ فِي التَّارِيْخِ إِلَى الطَّمْسِ، وَالتَّشْوِيْهِ، وَتَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا نَتَائِجُ وَخِيْمَةٌ جَرَّتْ وَيْلاتٍ عَلَى الشُّعُوْبِ عِبْرَ الأَجْيَالِ؛ مِمَّا يَعْنِي أَنَّ الْحَقِيْقَةَ الْمَعْنَوِيَّةَ فِكْرِيَّةً كَانَتْ، أَوْ نَفْسِيَّةً، أَوْ أَخْلاقِيَّةً، أَوْ مُجْتَمَعِيَّةً، أَوْ سِيَاسِيَّةً تَخْتَلِفُ عَنِ الْحَقِيْقَةِ الْمَادِّيَّةِ جُغْرَافِيَّةً كَانَتْ، أَمْ جِسْمِيَّةً، أَمْ زِرَاعِيَّةً، وَالَّتِيْ تَفْرِضُ نَفْسَهَا عَلَى الْمُتَلَقِّي بَسُهُوْلَةٍ، وَلا تُكَلِّفُهُ جُهْداً لِيَصِلَ إِلَيْهَا؛ مِمَّا يَجْعَلُ الْحَقَائِقَ الْمَادِّيَّةَ عُمُوْماً سَهْلَةَ الإِثْبَاتِ، وَرَاسِخَةَ التَّمَسُّكِ لِمَنْ يَنْشُدُهَا، وَيَبْحَثُ عَنْهَا بِتَجَرُّدٍ، وَيَنْتَصِرُ لَهَا بِمَوْضُوْعِيَّةٍ، وَهِيَ وَإِنْ تَتَعَرَّضُ أَحْيَاناً لِلتَّشْوِيْهِ، وَلَم تُفْلِتْ مِنْ قَبْضَةِ التَّزْيِيْفِ الَّتِيْ طَالَتْهَا بِسَبَبِ الْجَهْلِ، وَالْخُرَافَةِ كَالَّذِيْ تَعَرَّضَتْ لَهُ أُوْرُوْبّا إِبَّانَ الْقَرْنِ السَابِعَ عَشَرَ، وَمَا فَرَزَ بِفِعْلِ سَطْوَةِ مَحَاكِمِ التَّفْتِيْشِ، وَاسْتِغْلالِ الدِّيْنِ اسْتِغْلالاً بَشْعاً أَدَّى إِلَى صِرَاعٍ حَادٍّ بَيْنَ الْكَنِيْسَةِ وَالسُّلْطَانِ (قَيْصَرَ) تَحْتَ شِعَارِ: "مَا للهِ للهِ، وَمَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ"، وَ"أَنَّ اللهَ مَلِكُ الأَرْوَاحِ، وَقَيْصَرَ مَلِكُ الأَبْدَان"، وَالَّذِيْ يَعْنِي الْفَصْلَ بَيْنَ الْحَيَاتَيْنِ حَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَة.. مَا مِنْ شَكٍّ أَنَّ الدِّيْنَ مِنْ ذَلِكَ بَرَاءٌ، غَيْرَ أَنَّ مَا أَسْفَرَتْ عَنْهُ تِلْكَ الصِّرَاعَاتِ كَانَتْ قَدْ كَبَّدَتِ الإِنْسَانِيَّةَ أَفْدَحَ الْخَسَائِر.. لَكِنَّ النَّتَائِجَ الْمَرْجُوَّةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ لاحِقاً وَإِنِ اسْتَغْرَقَتْ زَمَناً طَوِيْلاً، وَاسْتَنْزَفَتْ جُهْداً كَبِيْراً.. فِي الْفِيْزِيَاءِ عُمُوْماً، وَالْفِيْزِيَاءِ الْكَوْنِيَّةِ خَاصَّةً فُتِحَتْ مَجَالاتُ الاتِّصَالاتِ، وَعَبَرَتْ بِالإِنْسَانِ مِنْ أَقْصَى طَرَفٍ مِنَ الْعَالَمِ إِلَى أَقْصَى طَرَفِهِ الآخَرِ؛ وَهُوَ مَا كَانَ شِبْهَ مُسْتَحِيْلٍ فِي الأَزْمِنَةِ الْغَابِرَة. هَذَا فِيْ مَجَالِ الْحَقَائِقِ الْمَادِّيَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِيْ مَجَالِ الْحَقَائِقِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ، وَالَّتِيْ تَخْتَلِفُ تَمَاماً فِيْ هُوِيَّاتِهَا الذَّاتِيَّةِ، وَفِيْ سِيَاقَاتِهَا الْمَوْضُوْعِيَّةِ؛ مِمَّا جَعَلَ طَرِيْقَ الانْتِقَالِ إِلَى الْحَقِيْقَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ وَعْراً وَمُضَمَّخاً بِالدَّمِ، وَمَقْرُوْناً بِالانْهِيَارَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، وَالْحِصَارَاتِ السِّيَاسِيَّة.. فَالْحُرُوْبُ الَّتِيْ اشْتَعَلَتِ امْتَدَّتْ آثَارُهَا الْوَخِيْمَةُ مِئَاتِ السِّنِيْنَ، بَلْ خَلَّفَتْ ثَقَافَةً بَقِيَتْ تَتَفَاعَلُ عَلَى مَرِّ الزّمَنِ بِحَيْثُ تَوَاصَلَتْ رُغْمَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ، وَانْتِهَاءِ زَمَنِهَا، وَغِيَابِ أَجْيَالِهَا الْمُعَاصِرَة.. تَحَرِّي الْحَقَائِقِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ يَتَطَلَّبُ -بِالنَّتِيْجَةِ- جُهُوْداً جَبَّارَةً وَدِقَّةً غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، وَعَقْلِيَّةً لِفَهْمِهَا تَخْتَلِفُ عَنِ الْعَقْلِيَّةِ الرِّيَاضِيَّةِ، أَو الْمُخْتَبَرِيَّةِ؛ وَهُوَ مَا يَجْعَلُ أَصْحَابَ الْعُقُوْلِ الرِّيَاضِيَّةِ عَاجِزِيْنَ عَنْ تَفَهُّمِهَا فَضْلاً عَنِ التَّعَاطِي مَعَهَا لأَنَّهُمْ لَمْ يَتَمَتَّعُوْا بِحِسٍّ اجْتِمَاعِيٍّ، أَوْ يُفَكِّرُوْا بِعَقْلِيَّةٍ وَاقِعِيَّة..
الجمعة 22/ذو القعدة/1437 الموافق 26/8/2016
|
|