|
قبول الآخر
قراءات | 02-07-2017
قَبُوْلُ الآخَر الآخَرُ فِيْ حَيَاةِ الإِنْسَانِ هُوَ كُلُّ مَنْ يَقَعُ خَارِجَ دَائِرَةِ الذَّاتِ؛ وَمِنْ ثَمَّ فَلا عَدَّ لَهُ، وَلا حَصْرَ. فَهُنَاكَ آخَرُ عَائِلِيٌّ، وَقَبَلِيٌّ، وَسِيَاسِيٌّ، وَقَوْمِيٌّ، وَإِقْلِيْمِيٌّ، وَدِيْنِيٌّ، وَهَكَذَا يَعُجُّ عَالَمُنَا بِالآخَرِيْنَ؛ مِمَّا يُضْفِي عَلَيْهِ جَمَالاً يَزْهُو بِالتَّنَوُّعِ، بَلْ فِيْهِ الآخَرُ الذَّاتِيُّ الَّذِيْ يَنْبَعُ مِنَ الذَّاتِ ذَلِكَ عِنْدَمَا يَتَحَرَّكُ الإِنْسَانُ مِنْ دَاخِلِ نَفْسِهِ؛ لِيُحَقِّقَ نَقْلَةً بَيْنَ فَتْرَةٍ وَأُخْرَى.. فَهُوَ حِيْنَ يَقْرَأُ كِتَاباً، أَوْ يُشَاهِدُ مُسَلْسَلاً فَهُوَ يَنْتَقِلُ إِلَى آخَرَ مَا بَيْنَ أَنْ يَبْدَأَ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ بِمَا اكْتَسَبَ مِنْ مَعْلُوْمَاتٍ، وَانَكْشَفَتْ لَهُ مِنْ حَقَائِقَ، وَمَادَامَ الآخَرُ حَقِيْقَةً تَنْبَعُ أَحْيَاناً مِنْ دَاخِلِنَا لا يُمْكِنُ نُكْرَانُهَا فَإِنَّ حَقِيْقَةَ الآخَرِ أَكْثَرُ تَجَلِّياً فِيْ ذَوَاتِ الآخَرِيْنَ مَادَامَتْ خَلْفِيَّاتُهُمْ مُتَعَدِّدَةً بِالْمَذْهَبِ، وَالْقَوْمِيَّةِ، وَالْمِنْطَقَةِ، وَالاخْتِصَاصِ، وَالانْتِسَابِ الْمَنَاطِقِيِّ.. وَسِرُّ الْحَرَاكِ الاجْتِمَاعِيِّ قَائِمٌ عَلَى وُجُوْدِ الآخَرِ، وَالْعَالَمُ بِلا آخَرَ تُطْبِقُ عَلَيْهِ الْوَحْشَةُ، وَتَتَهَدَّدُهُ النِّزَاعَاتُ وَالْحُرُوْب.. وَلَمَّا كَانَ سِرُّ الْحِكْمَةِ فِي التَّنَوُّعِ التَّكْوِيْنِيِّ بَيْنَ بَنِي الْبَشَرِ هُوَ التَّعَارُفَ فَإِنَّ أَرْوَعَ مَا يُكَلِّلُ هَذِهِ التَّنَوُّعَاتِ هُوَ التَّعَارُفُ لَيْسَ إِلا.. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات : 13] الْمُجْتَمَعَاتُ الَّتِي اخْتَنَقَتْ مِنَ الآخَرِ تَعَرَّضَتْ لأَزَمَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَحَادَّةْ تَمَظْهَرَتْ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ حَيْثُ هُوِيَّةُ الصِّرَاعِ، وَمِنْ حَيْثُ دَرَجَةُ التَّدَاعِيَاتِ، وَقَدْ كَلَّفَتِ الْعَالَمَ خَسَائِرَ فَادِحَة.. فَالْحَرْبُ الأَهْلِيَّةُ فِيْ أميركا بَيْنَ الشِّمَالِ وَالْجَنُوْبِ وَالَّتِيْ رُفِضَ فِيْهَا الآخَرُ الْمَنَاطِقِيُّ، وَالْحَرْبُ فِيْ ألمانيا الَّتِيْ رُفِضَ فِيْهَا الآخَرُ الدِّيْنِيُّ، وَشَبَّتْ بَيْنَ الكاثوليك والبروتستانت، وَالَّتِيْ بَدَأَتْ ألمانية-ألمانية، ثُمَّ اتَّسَعَتْ إِلَى الْخَارِجِ الأَلْمَانِيِّ؛ لِتَكُوْنَ أوروبية-أوروبية عَلَى مَدَى ثَلاثِيْنَ عَاماً أَكَلَتْ أَعْدَاداً كَبِيْرَةً مِنَ الأَبْرِيَاءِ مِنْ أَبْنَاءِ الدِّيَانَتَيْن.. كَمَا كَانَتْ حُرُوْبِ الْعَرَبِ بِالْجَاهِلِيَّةِ الَّتِيْ رُفِضَ فِيْهَا الآخَرُ الْقَبَلِيُّ كَحَرْبِ الْبَسُوْسِ بَيْنَ بَنِي بَكْرٍ وَبَيْنَ بَنِي تَغْلُبَ، أَوْ مَا بَيْنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حَتَّى بَزَغَ فَجْرُ الإِسْلامِ، وَحُقِنَتِ الدِّمَاءُ، وَحَلَّ مَعَهُ السِّلْمُ، وَعَمَّ الأَمْنُ، وَالطُّمَأْنِيْنَة.. تَبْدَأُ عَمَلِيَّةُ التَّكَيُّفِ مَعَ الآخَرِ مِنَ الْبَيْتِ حَيْثُ يَعِيْشُ الأَبَوَانِ مَعَ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ عَلَى أَنَّهُمْ مُجْتَمَعٌ مُصَغَّرٌ يَتَوَاجَدُ فِيْهِ الآخَرُ. فَتَعَدُّدُ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ يَعْكِسُ -بِالضَّرُوْرَةِ- تَعَدُّدَ طُرُقِهِمْ بِالتَّفْكِيْرِ، وَتَعَدُّدَ أَسَالِيْبِهِمْ بِالتَّعَامُلِ، وَأَذْوَاقِهِمْ بِالْمَلْبَسِ وَالْمَأْكَل.. فَقَدْ يَتَّفِقُوْنَ، وَقَدْ يَخْتَلِفُوْنَ؛ وَهُوَ مَا يَقْتَضِي التَّعَارُفَ بَيْنَ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ رُغْمَ اخْتِلافِهَا، وَحِيْنَ يَدْرُجُ الأَبْنَاءُ عَلَى التَّعَايُشِ فِيْمَا بَيْنَهُمْ يَتَأَهَّلُوْنَ لِلتَّعَامُلِ مَعَ كُلِّ مُكَوِّنَاتِ الْمُجْتَمَعِ، وَيُحْسِنُوْنَ فَنَّ التَّعَاطِي مَعَ الآخَرِ مِنْ مَوْقِعِ الاخْتِلافِ؛ وَهُوَ مَا يَحْمِلُ فِيْ طَيَّاتِهِ سِرَّ الإِثْرَاءِ الْفِكْرِيّ..
الأربعاء 20/ذو القعدة/1437 الموافق 24/8/2016 |
|