|
ظاهرة الاتهام
قراءات | 15-06-2017
ظَاهِرَةُ الاتِّهَام الاتِّهَامُ ابْتِدَاءً مَا لَمْ يَكُنْ بِتَحْرِيْضٍ، وَتَعَمُّدِ إِسَاءَةٍ قَدْ يَتَقَبَّلُ التَّصْدِيْقَ، أَوْ يَتَقَبَّلُ التَّكْذِيْب؛ لِذَا قِيْلَ: "الْمُتَّهَمُ بَرِيْءٌ حَتَّى تَثْبُتَ إِدَانَتُه". [اِتَّهَمَهُ فِي قَوْلِهِ: شَكَّ فِي صِدْقِهِ] وَهُوَ مَا يَعْني أَنَّ الاتِّهَامَ قَدْ يَنْتَهِي، وَبِالتَّقَصِّي إِمَّا إِلَى التَثَبُّتِ مِنِ ارْتِكَابِ الْمُخَالَفَةِ، أَو البَرَاءَةِ مِنْهَا.. دَوَافِعُ الاتِّهَامِ كَثِيْرَةٌ، مِنْهَا مَا يَسْتَهْدِفُ تَعْمِيْمَ الإِسَاءَةِ لِتَجْعَلَ الْمُسِيْءَ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ قَدْ فَكَّ عُزْلَتَهُ الاجْتِمَاعِيَّةَ جَراءَ مَا ارْتَكَبَ مِنْ جِنَايَاتٍ، وَمَا تَسَبَّبَتْ بِوَضْعِهِ مِنْ رَفْضٍ اجْتِمَاعِيٍّ، فَهُوَ لا يُفَكِّرُ فَضْلاً عَنْ أَنْ يَبْذُلَ جَهْداً فِيْ مُعَالَجَةِ مَا فِيْهِ مِنْ خَطَايَا، وَإِنَّمَا يَعْمَلُ مَا بِوِسْعِهِ لِنَشْرِ دَائِرَةِ السُّوْءِ لأَكْبَرِ عَدَدٍ مُمْكِنٍ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى "التَّعْمِيْم"، كَمَا فِي الْحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ: "ثَلاثَةٌ لا يَنْتَصِفُوْنَ مِنْ ثَلاثَةٍ شَرِيْفٌ مِنْ دَنِيْءٍ، وَبَرٌّ مِنْ فَاجِرٍ، وَحَلِيْمٌ مِنْ أَحْمَق".. ظَاهِرَةُ الاتِّهَامَاتِ الْبَاطِلَةِ عَادَةً مَا تَنْتَشِرُ فِي الأَوْسَاطِ الاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي تَتَّصِفُ بِالتَّخَلُّفِ الثَّقَافِيِّ، وَالتَّدَنِّي الأَخْلاقِيِّ وَالَّتِي تَكْشُفُ عَنْ نَوَايَا السُّوْءِ الَّتِي يَنْطَوِي عَلَيْهَا الْمتَّهِمُ نَفْسُهُ، وَلَيْسَ -بِالضَّرُوْرَةِ- تُثَبِّتُ مَا يُسَاقُ بِحَقِّ الْمتَّهَم.. مِنَ الدَّوَافِعِ الَّتِيْ تَقِفُ وَرَاءَ تَرْوِيْجِ الاتِّهَامَاتِ هُوَ سُوْءُ سَرِيْرَةِ مَنْ يُوَجِّهُ الاتِّهَامَ لأَنَّهُ وَصَلَ بِهِ السُّوْءُ حَدَّ الْمَسْخِ بِحَيْثُ لا يَرَى أَحَداً إِلا مِنْ خِلالِ سُوْءِ نَفْسِهِ. قَالَ الإِمَامُ عَلِيٌّ (عليه السلام): "الشِّرِّيْرُ لا يَظُنُّ بِأَحَدٍ خَيْراً؛ لأَنَّهُ لا يَرَاهُ إِلا بِطَبْعِ نَفْسِه".. بَعْضُ أَسْبَابِ الاتِّهَامِ مَا يَرْتَبِطُ بِسُلُوْكِ الْمُتَّهَمِ تُجَاهَ النَّاسِ، وَمَا يَتَسَبَّبُ مِنْ كَرَاهَةِ النَّاسِ لَهُ؛ وَهُوَ مَا يَجْعَلُهُمْ مُهَيَّئِيْنَ لِتَقَبُّلِ التُّهْمَةِ ضِدَّهُ، وَتَدَاوُلِهَا فِي الأَوْسَاطِ وَإِنْ لَمْ تَصِلْ حَدَّ الْعِلْمِ بِصِحَّتِهَا.. يَقُوْلُ عَلَيْهِ السَّلامُ: "مَنْ أَسْرَعَ إِلَى النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُوْنَ قَالُوْا فِيْهِ مَا لا يَعْلَمُوْن".. وَقَدْ يَضَعُ الْمُتَّهَمُ نَفْسَهُ مَوْضِعَ التُّهْمَةِ: "مَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوْضِعَ التُّهْمَةِ فَلا يَلُوْمَنَّ إِلا نَفْسَهُ".. كَمَا أَنَّ أَوْسَاطَ الاتِّهَامَاتِ كَثِيْراً مَا تَعْكِسُ السَّطْحِيَّةَ بِالتَّفْكِيْرِ وَعَدَمَ التَّأَنِّي، وَتَرْدِيْدَ آرَاءٍ، وَانْطِبَاعَاتٍ مِنْ دُوْنِ تَثَبُّت! لَقَدَ قَسَّمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- النَّاسَ عَلَى ثَلاثَةِ أَصْنَافٍ: "إِنَّ النَّاسَ ثَلاثَةٌ: عَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيْلِ النَّجَاةِ، وَهَمَجٌ رُعَاعٌ يَنْعَقُوْنَ مَعَ كُلِّ نَاعِق".. حَقِيْقَةُ اتِّهَامِ الرُّسُلِ، وَرُوَّادِ الإِصْلاحِ غَيْرُ خَافِيَةٍ عَلَى طُوْلِ التَّارِيْخِ؛ فَهُمْ وَبِسَبَبِ مَا يَحْمِلُوْنَ مِنْ أَهْدَافٍ إِصْلاحِيَّةٍ جَادَّةٍ مِنْ شَأْنِهَا اقْتِلاعُ جُذُوْرِ الْفَسَادِ تُثِيْرُ -بِكُلِّ تَأْكِيْدٍ- مَخَاوِفَ الْمُفْسِدِيْنَ وَالْفَاسِدِيْنَ؛ مِمَّا يَجْعَلُهُمْ مُسْتَنْفَرِيْنَ بِجُنُوْنٍ لاتِّهَامِ الآخَرِيْنَ بِالْفَسَاد.. مِنْ سِمَاتِ الْوَعْيِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْحَيَّةِ التَّعَامُلُ مَعَ أَيِّ خَبَرٍ بِعَيْنِ الدِّقَّةِ، وَالْحَذَرِ، وَالابْتِعَادِ عَنِ التَّفْكِيْرِ بِالْعَقْلِ الْجَمْعِيِّ الَّذِيْ مِنْ شَأْنِهِ تَعْطِيْلُ عَقْلِ الإِنْسَانِ الاعْتِيَادِيِّ لِيَكُوْنَ وَرَقَةً تَتَقَاذَفُهَا رِيَاحُ الاتِّهَامَاتِ الْبَاطِلَةِ مِمَّا يُفَسِّرُ مَا وَاجَهَهُ الأَنْبِيَاءُ -عَلَيْهِمْ السَّلامُ- وَهُمْ أَصْدَقُ النَّاسِ: )وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَٰهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جآءَكَ مِن نَّبَإِىْ ٱلْمُرْسَلِينَ( [الأنعام:34]. هَذِهِ حَقِيْقَةُ مَا حَصَلَ لِلأَنْبِيَاءِ وَهُمْ أَشْرَفُ خَلْقِ اللهِ فَمَاذَا يَتَوَقَّعُ الإِنْسَانُ الاعْتِيَادِيُّ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ حِيْنَ يَحْمِلُ مَهَمَّةَ الإِصْلاح؟! دَرْسٌ مِنْ دُرُوْسِ "الاتِّهَامِ الْبَاطِلِ" هُوَ عَلَى الْمُتَّهَمِ الضَّحِيَّةِ أَنْ يُرَاجِعَ نَفْسَهُ بِمَا يُرَدِّدُ هُوَ نَفْسُهُ مِنِ اتِّهَامٍ بَاطِلٍ بِحَقِّ الآخَرِيْنَ وَهُمْ أَبْرِيَاءُ مِنْهَا.. وَهَكَذَا تَكُوْنُ مَسْؤُوْلِيَّةُ التَّمْيِيْزِ بَيْنَ "الْمُتَّهَمِ الْجَانِي" الْمُسْتَحِقِّ وَ"الْمُتَّهَمِ الضَّحِيَّةِ" الْبَرِيْءِ عَلَى عَاتِقِ أَصْحَابِ الْوَعْيِ، وَالشُّعُوْرِ بِالْمَسْؤُوْلِيَّة..
الأربعاء 3/شعبان/1437 |
|