|
رصيد الحب
قراءات | 12-06-2017
رَصِيْدُ الْحُبّ مَا يُحَرِّكُ الإِنْسَانَ فِيْ مَجاَلاتِ تَعَامُلِهِ مَعَ مَنْ يَدُوْرُ حَوْلَهُ فِي الْمَيَادِيْنِ الْمُخْتَلِفَةِ أَحَدُ ثَلاثَةِ دَوَافِعَ لا رَابِعَ لَهَا: حُبُّ مَا يُرِيْدُ، أَوْ كُرْهُ مَا يَخْشَى، أَوْ إِيْمَانٌ بِمَا يَعْتَقِد.. النَّظَرُ بِدِقَّةٍ إِلَى أَوْعِيَةِ مَشَاعِرِهِ سَيَكْشُفُ بِمَا لا يَدَعُ مَجَالاً لِلشَّكِّ أَنَّهُ تُجَاهَ كُلِّ مُفْرَدَةٍ سُلُوْكِيَّةٍ مَعَ نَفْسِهِ، أَوْ مَعَ أَهْلِهِ، أَوْ مَعَ مُحِيْطِهِ الاجْتِمَاعِيِّ مَغْمُوْرٌ بِوَاحِدٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الدَّوَافِعِ الثَّلاثَةِ: (حُبٌّ، أَوْ خَوْفٌ، أَوْ قَنَاعَة).. وَرُغْمَ تَفَاوُتِ الإِنْسَانِ فِيْ عُمْرِهِ وَهُوَ يَمُرُّ عِبْرَ مَرَاحِلِ حَيَاتِهِ الْمُتَعَاقِبَةِ "الرَّضَاعَةِ/الْحَضَانَةِ، أَو الطُّفُوْلَةِ الأُوْلَى، أَو الطُّفُوْلَةِ الثَّانِيَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ، أَو الْمُرَاهَقَةِ، أَو الرُّشْدِ، وَالنُّضْجِ، أَو الشَّبَابِ، وَالرُّجُوْلُةِ، أَو مَرْحَلَةِ الْكُهُوْلَةِ، أَوْ مَرْحَلَةِ الشَّيْخُوْخَةِ الْمُبَكِّرَةِ، أَوْ مَرْحَلَةِ الشَّيْخُوْخَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ، أَو أَرْذَلِ الْعُمْر".. فِيْ كُلِّ هَذِهِ الْمَرَاحِلِ تَبْقَى أَوْعِيَةُ الْمَشَاعِرِ ثَابِتَةً، لَكِنَّهَا مُوَزَّعَةٌ بَيْنَ آمَالِهِ، وَآلامِهِ، وَمَخَاوِفِهِ، وَقَنَاعَاتِه.. وَهَذِهِ الأَوْعِيَةُ وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً مِنْ حَيْثُ الأَصْلُ لَكِنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمَضَامِيْنُ، وَالْمُحْتَوَى. فَأَمَلٌ وَأَلَمٌ، وَقَنَاعَةُ الطِّفْلِ غَيْرُهَا عِنْدَ الْمُرَاهِقِ وَغَيْرُهَا عِنْدَ الْكَهْلِ، أَوْ عِنْدَ الشَّيْخ.. الإِيْمَانُ الَّذِيْ يَغْمُرُ قَلْبَ صَاحِبِهِ حِيْنَ يَمْتَزِجُ بِالْحُبِّ يَمَنْحُهُ طَاقَةً هَائِلَةً يُحِسُّ مَعَهَا بِدِفْءِ مَشَاعِرِهِ، وَرَهَافَةِ أَحَاسِيْسِهِ؛ وَبِذَلِكَ يَشْعُرُ مَعَهَا أَنَّهَا تَأَصَّلَتْ فِكْرِيّاً، وَاتَّجَهَتْ نَحُوْ بِنَاءِ حَيَاتِهِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّة. وَأَرْوَعُ مَا يُحِسُّ بِهِ الْمَرْءُ هُوَ الْقَنَاعَةُ الرَّاسِخَةُ، وَالْمُوَشَّحَةُ بِإِكْلِيْلِ الْعَاطِفَةِ الصَّادِقَة.. لا إِنْسَانَ بِلا عَاطِفَةٍ، كَمَا لا عَاطِفَةَ بِلا مَفْهُوْمٍ. مَنْ لَيْسَ لَهُ عَاطِفَةٌ يَعْنِي أَنَّهُ حَجَرٌ، وَمَنْ كَانَتْ عَاطِفَتُهُ بِلا مَفْهُوْمٍ فَهُوَ ارْتِجَالٌ بِلا هَدَفٍ، وَوَرَقَةٌ فِي مَهَبِّ الرِّيْحِ تَتَقَاذَفُهَا الأَمْوَاجُ كَيْفَمَا تَشَاءُ وَهِيَ فَاقِدَةُ الإِرَادَة.. مَادَامَ الْحُبُّ رُكْناً أَسَاسِيّاً فِي مُرَكَّبِ الشَّخْصِيَّةِ، وَلايَنْفَكُّ عَنْهَا بِأَيِّ حَالٍ يَأْتِي السُّؤَالُ: لِمَاذَا التَّفَاوُتُ بِالْحُبِّ بَيْنَ النَّاس؟ يَشْتَرِكُوْنَ فِي بَعْضِ مَا يُحِبُّوْنَ، وَيَخْتَلِفُوْنَ فِي البَعْضِ الآخَرِ، وَحِيْنَ تَتَعَارَضُ عَوَاطِفُهُمْ يَقُوْدُهُمْ "تَعَارُضُ الْعَوَاطِفِ" إِلَى الْكَثِيْرِ مِنَ الْمَشَاكِلِ تَصِلُ إِلَى حَدِّ شَنِّ الْحُرُوْبِ، وَالتَّسَبُّبِ بِإِنْزَالِ الْكَوَارِث.. الانْسِجَامُ، وَعَدَمُهُ بَيْنَ فِكْرِ الإِنْسَانِ وَعَاطِفَتِهِ شَيْءٌ، وَوَحْدَةُ الاتِّجَاهِ بَيْنَ الْفِكْرِ وَالْعَاطِفَةِ أَنْ يَكُوْنَ خَطَأً أَمْ صَوَاباً شَيْءٌ آخَر.. الْفِكْرُ النَّازِيُّ، وَالْعَوَاطِفُ النَّازِيَّةُ بِاتِّجَاهٍ وَاحِدْ وَإِنْ كَانَتْ عُدْوَانِيَّةً، وَكَذَا الْفِكْرُ الْفَاشِيُّ، وَالصَّهْيُوْنِيّ.. غَيْرَ أَنَّ اتِّجَاهَاتِهَا خَاطِئَةٌ مِثْلَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْهِنْدُوْكِيَّةُ فِي شَنَاعَتِهَا فِيْ عَادَةِ حَرْقِ الزَّوْجَةِ حَيَّةً مَعَ زَوْجِهَا الْمَيِّتِ، أَوْ مَا كَانَ عَلَيْهِ عَرَبُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الكَثِيْرِ مِنْ عَادَاتِهِمْ، وَتَقَالِيْدِهِمْ، وَفِيْ أَشْنَعِ صُوَرِهَا فِيْ "وَأْدِ الْبَنَاتِ"، وَمَا تُمَارِسُهُ بَعْضُ الأُمَمِ الْمُعَاصِرَةِ كَالصِّيْنِ، وَالْهِنْدِ مِنَ "الْوَأْدِ الْجَنِيْنِيِّ" وَهُوَ جَوَازُ قَتْلِ الْجَنِيْنِ "بِالإِجْهَاض" وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَعَادَةً مَا إِذَا كَانَ الْجَنِيْنُ أُنْثَى! وَهُنَا السُّؤَالُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَتْلِ الطِّفْلَةِ وَعُمْرُهَا بِضْعَةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ فِيْ عَالَمِ رَحِمِ أُمِّهَا عَنْ قَتْلِهَا وَعُمْرُهَا بِضْعُ سَاعَاتٍ، أَوْ أَيَّامٍ، أَوْ أَشْهُرٍ، أَوْ سَنَوَاتٍ وَهِيَ فِيْ عَالَمِ الدُّنْيَا؟ لِلْحُبِّ رَصِيْدٌ هَائِلٌ حِيْنَ يَنْطَلِقُ مِنْ فِكْرٍ، وَيَنْسَجِمُ مَعَ الْقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ هُوَ الَّذِيْ يَشُدُّ أَوَاصِرَ الْعَلاقَةِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ رُغْمَ مَا تَتَخَلَّلُهَا أَحْيَاناً مِنْ مَصَاعِب.. فَالتَّعَلُّقُ بِكِبَارِ السِّنِّ، وَبِالأَطْفَالِ الْمَرْضَى، بَلْ بِإِيْثَارِهِمْ، وَبِكُلِّ حُبٍّ، وَاحْتِرَامٍ، وَتَقْدِيْمِ أَفْضَلِ الْخِدْمَاتِ لَهُمْ لا تُوَفِّرُهُ إِلا قَاعِدَةُ الْفِكْرِ الإِنْسَانِيّ.. مَا يَجْعَلُ الإِنْسَانَ الْبَاذِلَ لأَمْوَالِهِ، وَعَوَاطِفِهِ كَرِيْماً بِلا مِنَّةٍ، وَمُضَحِّياً بِلا حُدُوْد هُوَ مِنْ مَصَادِيْقِ الْحُبِّ الَّذِيْ أَوْدَعَهُ اللهُ -تَعَالَى- فِيْ فِطْرَةِ الإِنْسَان.. وَمِنْ رَوْعَةِ آيَاتِ الْحُبِّ أَنَّهُ حِيْنَ يَبْذُلُ لا يَنْقُصُ كَمَا لا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِأَيَّةِ حَال..
الجمعة 21/رجب/1437 الموافق 2016/4/29 |
|