|
موت الشجاع وحياة الجبان
قراءات | 12-06-2017
مَوْتُ الشُّجَاعِ وَحَيَاةُ الْجَبَان قَدْ تَبْدُو لِلإِنْسَانِ حَيَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَوْتٌ وَاحِدٌ. هَذَا مَا يُوَاجِهُهُ الشُّجَاعُ فِيْ حَيَاتِهِ إِذْ يَمُوْتُ حِيْنَ يَمُوْتُ، أَمَّا الْجَبَانُ فَيَمُوْتُ عَشَرَاتِ الْمَرَّات.. مَوْتٌ فِي كُلِّ تَحَدٍّ حِيْنَ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهُ، وَيَسْتَفْرِغُ ذَاتَهُ مِنَ الْقِيَمِ، وَيَخِيْبُ أَمَلُهُ عِنْدَمَا يُرَاهِنُ عَلَى تَحْقِيْقِ أَهْدَافٍ شَخْصِيَّةٍ مَا وَهِي تَتَوَارَى عَنْ وُجُوْدِه.. وَحِيْنَ يَنْحَنِي ذَلِيْلاً أَمَامَ تَحَدِّيَاتِ الْحَيَاةِ، وَيَضِيْعُ فِيْ مَتَاهَاتِهَا، وَيَتَعَثَّرُ فِي طُرُقِهَا الْمُلْتَوِيَةِ، وَحِيْنَ تَمُوْتُ إِرَادَتُهُ وَهُوَ يَفْشَلُ فِيْ مَشْرُوْعٍ جُزْئِيٍّ وَمُؤَقَّتٍ كَمَا فِي الدِّرَاسَةِ، أَوْ فِي التَّخَصُّصِ، أَوْ الزَّوَاجِ، أَو التِّجَارَةِ، أَو السِّيَاسَةِ، أَو الْعَلاقَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ مَعَ أَطْرَافٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ النَّاس.. الْفَشَلُ فِي مَشْرُوْعٍ مَا، وَمَهْمَا كَانَ غَيْرُ الْفَشَلِ فِي مَشْرُوْعِ الْحَيَاةِ كُلِّهَا.. كُلَّمَا تَكَرَّرَتْ عَمَلِيَّةُ الْفَشَلِ فِيْ حَيَاةِ الْجَبَانِ عَبَّرَتْ عَنْ مَوْتِ إِرَادَتِهِ، فِيْمَا يَكُوْنُ الْقَوِيُّ مُثَابِراً عَلَى تَحْقِيْقِ مَا يُؤْمِنُ بِهِ مِنْ أَهْدَافٍ مُتَخَطِّياً كُلَّ مَا يُوَاجِهُ مِنْ صُعُوْبَاتٍ، وَمُعَبِّراً بِذَلِكَ عَنْ قُوَّةِ إِرَادَتِه.. النَّاجِحُوْنَ فِي الْحَيَاةِ عَامَّةً، وَالْعُظَمَاءُ مِنْهُمْ خَاصَّةً اسْتَفَادُوا مِنْ مَحَطَّاتِ الْفَشَلِ، وَحَوَّلُوْهَا إِلَى حَوَافِزِ نَجَاح.. المهاتما غاندي كَانَ عَيّاً بِالْحَدِيْثِ، وَلا يَجْرُؤُ أَنْ يَتَكَلَّمَ خَاطِباً بِمَحْضَرِ بِضْعَةِ أَشْخَاصٍ، لَكِنَّهُ انْطَلَقَ لِيَكُوْنَ خَطِيْبَ الأُمَّةِ الْهِنْدِيَّة.. الَّذِيْ يَقَعُ فِي حَضِيْضِ الْكَذِبِ يَمُوْتُ مَوْتاً مَعْنَوِيّاً؛ لأَنَّهُ لا يُمْنَحُ الثِّقَةَ فِيْمَا يُرِيْدُ، وَلا يُصَدَّقُ فِيْمَا يَقُوْل.. "الْمَوْتُ الْمَعْنَوِيُّ" هَذَا يَعْزِلُ حَيَّ الْبَدَنِ عَنِ التَّعَاطِي مِنْ قِبَلِ الآخَرِيْن.. فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيْثِ الشِّرِيْفِ: "الْكَذَّابُ كَالْمَيِّتِ الْمَيِّتُ لا يُصَدَّقُ، وَالْكَذَّابُ لا يُصَدَّق".. فِيْمَا نَرَى عُبُوْرَ الْحَكِيْمِ، وَالشُّجَاعِ، وَالْعَالِمِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِلْحَيَاةِ "الْحَيَاةِ الْمَعْنَوِيَّةِ" فِيْ عَائِلَتِهِ، وَفِي دَائِرَةِ عَمَلِهِ، وَفِيْمَنْ تَعَامَلَ مَعَهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِ، وَمُحِبِّيْهِ، وَمَنْ عَاشَرُوْهُ، وَفِيْ عُمُوْمِ أَبْنَاءِ أُمَّتِهِ مُسْتَحْضِرِيْنَ مَوَاقِفَهُ، وَكَلامَهُ، وَنِتَاجَاتِهِ الَّتِي تُذَكِّرُ فِيْه.. أَمَّا الأَنْبِيَاءُ، وَالأَئِمَّةُ (عليهم السلام)، وَالْحُكَمَاءُ فَهُمْ أَطْوَادٌ شَامِخَةٌ تُطَاوِلُ عِنَانَ السَّمَاءِ، وَتَتَحَدَّى النِّسْيَانَ لِتَبْقَى عَالِقَةً فِيْ ذَاكِرَةِ التَّارِيْخ.. مَضَى عَلَى هَؤُلاءِ مِئَاتُ السِّنِيْنَ، والنَّاسُ يَتَدَاوَلُوْنَ مَوَاقِفَهُمْ، وَثَقَافَتَهُمْ وَكَأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي الوَقْتِ الَّذِيْ يَتُمُّ تَجَاهُلُ الْكَثِيْرِ مِنَ الأَسْمَاءِ الَّتِي تَعِيْشُ بَيْنَ النَّاسِ كَأَجْسَامٍ، وَأَمْلاكٍ، وَلَيْسَ كَشَخْصِيَّات.. الاسْتِحْضَارُ الأُخْرَوِيُّ يَمْنَحُ الإِنْسَانَ طَاقَةً بِلا حُدُوْدٍ، وَعَزِيْمَةً لا تَلِيْنُ، وَتَوَاصُلاً بِلا كَلَلٍ. هَذَا كُلُّهُ يُسْتَمَدُّ مِنْ وَعْيِهِ لِحَيَاةِ الآخِرَةِ وَوَاقِعِيَّتِهِ فِي العَمَلِ بِالدُّنْيَا.. يَغْمُرُهُ الشُّعُوْرُ بِأَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ كُلَّ حَيَاتِهِ، بَلْ مَرْحَلَةً مِنْ مَرَاحِلِ الْحَيَاةِ لِيَعْبُرَ مِنْ خِلالِهَا إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّة: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنعام : 32] الشُّجَاعُ يَمُوْتُ بِقَدَرِهِ، وَلا يَضْمَنُ حَيَاتَهُ لِغَدِهِ، فَانْطَلَقَ وَاثِقاً بِمَا عَمِلَ، وَعَاشَ مُطْمَئِنّاً مِنْ دُوْنِ كَلَل.. مَا خَطَرَ لَهُ أَنْ يَتَمَرَّدَ، بَلِ انْسَجَمَ مَعَ مَا اعْتَقَدَ، وَصَدَقَ فِيْمَا وَعَد.. يُوَدِّعُ أَمْسَهُ بِاطْمِئْنَانٍ، وَيَعِيْشُ يَوْمَهُ بِحَيَوِيَّة.. يَسْتَقْبِلُ غَدَهُ بِثِقَةٍ، يَمُوْتُ حِيْنَ يَمُوْتُ، وَقَد لا يَمُوْت.. وَمَادَامَ حَيّاً يُنْتِجُ، وَمَادَامَ مُنْتِجاً لا يَضَرُّهُ مَا يُقَالُ فِيْه.. أَمَّا مَيِّتُ الأَحْيَاءِ فَقَدْ قِيْلَ إِنَّهُ: هُوَ الَّذِيْ لا يُنْكِرُ بِيَدِهِ، وَلا بِلِسَانِهِ، وَلا بِقَلْبِهِ. مَا الَّذِيْ يَجْعَلُهُ كَذَلِكَ؟ إِنَّهُ الْكَذِبُ، أَو الْجُبْنُ، أَو الطَّمَعُ، وَهِيَ مِنْ مَصَادِيْقِ الْمَوْتِ الْمَعْنَوِيّ..
الأربعاء 19/رجب/1437 الموافق2016/4/27 |
|