|
لقاء صحيفة "أي بي سي" الاسبانيَّة مع الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيَّة العراقـيَّة
الجعفريّ لصحيفة "أي بي سي" الاسبانيَّة: العراق يبرم العلاقة مع دول العالم حتى المُتحاربة منها، لكن لا يسمح لنفسه أن يكون جزءاً من المحاور الدوليَّة المُتصارِعة.. هذا هو عالم اليوم عالم مصالح مُشترَكة وأخطار مُشترَكة
الاخبار | 28-05-2017
الجعفريّ: لا، أنا أوَّل مرَّة في حياتي.
الجعفريّ: فتح علاقات بأوسع مجال مُمكِن، وعلى مُختلِف الصُعُد.. نظرتنا إلى اسبانيا أنَّها دولة تعيش حالة من الديمقراطيَّة السياسيَّة جيِّدة، واقتصادها جيِّد، ومواقفها السياسيَّة بشكل عامٍّ جيِّدة، ولديها تاريخ عميق، وحضارة.. نعم، هناك بُعد جغرافيّ بين اسبانيا والعراق، لكنَّ العالم اليوم لا يعيش عُقدة البُعد الجغرافيِّ. مواقفها من العراق جيِّدة، خُصُوصاً التحدِّيات العراقـيِّة، وأقصد تحديداً داعش، والإرهاب هذا كلـُّه كنتُ أقرأه من بُعد، ولمَّا أتيتُ إلى اسبانيا، وهي أوَّل سفرة التقيتُ بالسيِّد وزير الخارجيِّة، والسيِّدة وزيرة الدفاع، ولجنة العلاقات الخارجيَّة، ومع جلالة الملك شعرتُ أنَّ الطابع العامَّ في هذا البلد هو أنَّ رجالاته، وشخصيَّاته لديهم ثقافة؛ لذا أشعر أنَّ مسؤولـيَّتي ازدادت في تعميق العلاقات العراقـيَّة-الاسبانيَّة، ولمَّا سمعتُ خطاب الملك شعرتُ أني أمام مثقف، وكذا بقـيَّة الوزراء الذين التقيتُ بهم. أعتقد أنَّ البلد الذي تحكمه طبقة من السياسيِّين تغلب عليهم الثقافة يكون بلداً مُستقِرّاً، وقابلاً للتعاون مع دول العالم.
الجعفريّ: هذا يبعث على السُرُور، ولكن لا أكتمك سِرّاً أنـَّنا بحاجة إلى دعم أكثر، نحن نحتاج إلى فرص للتدريب، وتقديم مُساعَدات لوجستـيَّة، وتأمين غطاء جوّيّ، لكنَّ الخط الأحمر لدينا هو أننا لا نـُريد قوات عسكريَّة على الأرض العراقـيَّة، ولا نفصل الدعم العسكريَّ؛ لتحقيق الأمن، ودحر داعش عن الدعم الاقتصاديِّ لإعادة إعمار، وبناء المُدُن المُخرَّبة.
الجعفريّ: واحدة من عناصر القوة في غلبة القوات المُسلـَّحة العراقـيَّة على داعش هو تأمين الغطاء الجوّيِّ.. نعم، العنصر الاوَّل، والأساسيّ هو السواعد العراقـيَّة التي حملت السلاح بشجاعة، وساهمت بها المُكوِّنات العراقـيَّة كافة من الجيش، والشرطة، والحشد الشعبيّ، والبيشمركة، وقوات مكافحة الإرهاب، لكنَّ هذا لا يعني أن نستغني عن الغطاء الجوّيِّ الذي ساهمت به قوات التحالف؛ فقد سَاعَدَنَا.
الجعفريّ: عندما تكون حاجة بلدنا لغطاء جوّيٍّ يُسنِد القوات العراقـيَّة نطلب من الدول الصديقة كافة.. نعم، عليها أن تـُنسِّق بين القوات المُسلـَّحة العراقـيَّة، وكذا مع مُكوِّنات التحالف الدوليِّ؛ لأنَّ هذا ليس تعامُلاً بمُفرَدات الأوراق، والأقلام، وإنـَّما هذا تعامُل طائرات، واشتباك في سماء عراقـيَّة، ويحتاج إلى تنسيق، ونحن مُنفتِحون على كلِّ الدولة الصديقة لأن تـُساعِدنا ضمن الضوابط العراقـيَّة.
الجعفريّ: بصورة عامَّة لم نتناول هذه المُفرَدة بمعزل عن بقـيَّة الأشياء، وإنـَّما أكـَّدنا على ضرورة تواصُل الدعم، والتنسيق بيننا وبين اسبانيا، ووجدتُ أجوبة إيجابيَّة، وجيِّدة، وأمَّا التفاصيل، وتحديد محاور التعاون هل هو جوّيٌّ، أو غير هذا فمتروك لأصحاب الاختصاص من الوزارات المُختصَّة.
الجعفريّ: العراق سوق مفتوحة للدول التي تتمتع بقدرة إنتاجيَّة، وتجارة جيِّدة تغمر السوق العراقـيَّة، وتستفيد من الدول انفتحت عليها.. تركيا إلى الآن تصدِّر للعراق، ويُوجَد حجم تجاريّ خارجيّ غير قليل، وكذا دول أخرى، وفي الوقت نفسه نتطلع لبعض الصناعات التي تـُحوِّل العراق إلى مُنتِج اقتصاديٍّ، فيسع دولة اسبانيا أن تستثمر في العراق، وتـُساهِم في تمتين القاعدة الاقتصاديَّة العراقـيَّة. خذ بنظر الاعتبار أنـَّه لا تجد هنالك سابقة تاريخيَّة بين العراق واسبانيا حصل فيها تقاطع، أو رفض، أو توتـُّر. التصدير من بلد إلى آخر يقوم على قاعدة بسيطة: أن تكون بضاعة، ومنتوج ذلك البلد ذات نوعيَّة مُمتازة، وتكلفة معقولة. العراق مرَّ بثلاث حُرُوب: حرب الخليج الأولى، والثانية، والثالثة.. دعنا نـُسمِّي حرب الإرهاب "الحرب الرابعة"؛ هذا سبَّب تصدُّعاً في البنية الاقتصاديَّة، ويحتاج اقتصاده لإعادة بناء.. نعم، تـُوجَد الآن أزمة ماليَّة، ولكن لا تـُعيق عن الاستثمار من قبل الدول الصديقة، وأن تـُساهِم في إعادة البناء.
الجعفريّ: كلُّ القطاعات مفتوحة.. نعم، قد يغلب قطاع على آخر، ولكن -بصورة عامة- القطاعات مفتوحة. المنتوج المُعتدِل السعر، والحسن الجودة، والسريع الإحضار في السوق يحظى عادة بالتنافس أكثر؛ وهذا الأمر متروك لأصحاب الاختصاص، والشركات، ورجال الأعمال. علاقتنا مع اسبانيا جيِّدة، وهي دولة منتوجاتها جيِّدة، وأسعارها مُعتدِلة، ودعمت العراق من الناحية الأمنيَّة ضدّ داعش.. هذه كلـُّها عوامل تـُساعِد في تبادُل المصالح.
الجعفريّ: القوات العراقـيَّة الآن تمارس زحفها ضدَّ الدواعش من الساحل الأيسر إلى الأيمن من الموصل، وحرَّرت الأحياء، وأنا أتابعها حيّاً بعد حيّ. المُشكِلة أنَّ الدواعش يستخدمون أساليب لعرقلة القوات المُسلـَّحة، فهم لا يُقاتِلون بشجاعة، بل يُقاتِلون بوحشيَّة إذ يضعون دُرُوعاً آمنة من المدنيِّين في الأمام؛ حتى يُعرقِلوا حركة القوات المُسلـَّحة، لكنَّ الحركة الإجماليَّة لمُحصِّلة توجُّه القوات المُسلـَّحة العراقـيَّة جيِّدة جدّاً، وحظيت باحترام العالم.
الجعفريّ: كان مُتوقـَّعاً أن تقوم داعش بضرب التجمُّعات البشريّة. ماذا يعني أن تستهدف داعش سوق الكرادة الشرقـيَّة، وتـُودي بحياة أكثر من 300 بريء؟ عندما استهدفت داعش المعابد، والمساجد، والحسينيَّات، والكنائس في بغداد ألا يعني هذا استباحة المعابد في كلِّ العالم؟ ما الفرق بين المرأة العراقـيَّة والمرأة الألمانيَّة، وبين الطفل العراقيِّ والطفل الألمانيّ؟ رسالة لكلِّ دول العالم: ألم تروا في شاشات التلفزيون داعشيّاً يقتل أُمَّه؟ ماذا تنتظرون من هؤلاء؟ يجب أن نتعاون سويَّة لمُواجَهة الخطر الحقيقيِّ؛ ولأنَّ الثقافة تـُؤدِّي دوراً كبيراً جدّاً في هذه الحرب؛ لتصبح مسؤوليتكم كإعلاميِّين أكثر من السياسيِّين، بل أكثر حتى من العسكريِّين. المعركة -في العمق- معركة ثقافـيَّة. أَمَا سألتم أنفسكم عن هؤلاء الذين يقتلون أبناءهم، وأمّهاتهم. ما هذه الثقافة؟ الحيوان لا يفعلها. هل قـُدِّمَت برامج، وكـُتِبَت مقالات صحفيَّة بمُستوى هذا الخطر، وكشفت النقاب عن هذه الثقافة، وقدَّمت ثقافة مُعادِلة؟ رسالتكم كإعلاميِّين أن تـُسلـِّطوا الضوء على أعداء البشريَّة من الفكر الإرهابيِّ الذي يُحارب الإنسان بكلِّ قِيَمِه.
الجعفريّ: ظهور ترامب كرئيس جمهوريَّة في أميركا شأن داخليّ. من يُراجِع تاريخ الانتخابات الأميركيَّة، وترؤُّس خمسة وأربعين رئيساً أميركيّاً، ويتنوَّعون، إلا أنَّ أميركا دولة مُؤسَّسات؛ وعادة دولة المُؤسَّسات أنَّ الدولة هي التي تتحكـَّم، وليس الرؤساء.. نعم، يُوجَد هامش مُرُونة للرؤساء أن يُؤدُّوا دوراً، لكنه محدود. هناك فرق في خطاب ترامب عندما كان مُرشَّحاً، وبين خطابه عندما أصبح حاكماً. المُرشَّح في أثناء الانتخابات يُخاطِب جمهوره، وبعد الحكم يكون جزءاً من مفاصل الدولة، وينظر إلى الدستور، وما المسموح، وما الدستوريّ، وينظر إلى الأمّة التي يحكمها، وليس إلى الحزب الجمهوريّ فقط. أوَّل تصدِّيه أثار رُدُود فعل في كثير من دول العالم خُصُوصاً عندما وضع سبع دول في لائحة المنع من دخول أميركا، وجعل العراق واحدة من هذه الدول.. هذا شيء مُضحِك؛ لأنَّ العراق دولة الضحيَّة الإرهابيَّة، هذا فعل المُستشارين الذين حوَّلوه. العراق دولة الشجاعة التي كسرت إرادة الإرهاب صنـَّفوها خطأً أنـَّها دولة إرهاب، لكنَّ هذا ما زادنا إلا ثقة في أنفسنا، ووجَّهنا رسائل مفتوحة لكلِّ دول العالم، ولأميركا عبر الطرق التقليديَّة، وغير التقليديَّة بأنَّ العراق لا يُمكِن أن يُصنـَّف كدولة إرهاب، بل هو دولة ضحيَّة الإرهاب، وهو دولة كاسرة لإرادة الإرهاب. مثلما كان قرارهم سريعاً في تصنيف العراق مع هذه الدول كان قرار الانسحاب أسرعَ من ذلك. أتعقـَّل أن يُحكـَم على الإرهابيِّ كفرد، وكمجموعة، ولكن لا أتعقـَّل أن يُحكـَم على الإرهابيِّ بواسطة الشعب بأكمله.
الجعفريّ: العراق يبرم العلاقة مع دول العالم حتى المُتحاربة منها، لكن لا يسمح لنفسه أن يكون جزءاً من المحاور الدوليَّة المُتصارِعة، وخذ بنظر الاعتبار أنَّ ما يربطنا مع إيران مجموعة حقائق: الحقيقة الجغرافية، فهناك 1400 كيلو متر حدود مُشترَكة.. الحقيقة التاريخيَّة، والحقيقة المُجتمَعيَّة، فهناك قبائل عراقـيَّة على الحُدُود العراقـيَّة-الإيرانيَّة بعضها إيرانيّ وبعضها عراقيّ.. وحقيقة المصالح المُشترَكة، والخطر المُشترَك؛ لذا نظريتنا في التعامل قائمة على فهم، وثقافة، وقاعدة معرفيَّة مُعيَّنة. تركيا جوار العراق دخلت 110كم إلى بعشيقة، وإلى الآن موجودة قواتهم، ورفضنا هذا التدخـَّل، ولكننا تمسَّكنا بالعلاقة. العراق بلد مُتحضِّر، بل أقدم حضارة كانت في العراق يعرف عندما يتعامل مع الدول ماذا يقبل منها، وماذا يرفض منها، وما يُطبِّق. هذه قاعدة فيزيائيَّة ميِّتة: إمَّا أن أقبلك كلـَّك، أو أرفضك كلـَّك، بل أرفض منك شيئاً، وأقبل منك أشياء أخرى.. هذا هو عالم اليوم عالم مصالح مُشترَكة، وأخطار مُشترَكة.
الجعفريّ: عندنا لاجئون في خارج العراق، وعندنا نازحون داخل العراق. بدأنا مشروع إعادة اللاجئين، والنازحين منذ وقت مُبكـِّر، وسنـُكثـِّف، ونـُشجِّع هؤلاء. اللاجئ، والنازح هو أحسن مَن يبني مدينته المُخرَّبة، هو ابن المدينة، وأوَّل شيء يُفكـِّر به عندما يعود إلى مدينته هو أنـَّه يجب وُجُود مُستشفى يُعالِج بها مريضه، ومدارس لأولاده، وأسواق يتبضَّع منها، ويشتري؛ حتى يُمارس حياته اليوميَّة؛ لذا نحمِّل دول العالم مسؤوليَّة مُساعَدة العراق في تأمين الحياة الكريمة للمُواطِنين، ومُساعَدتهم على العودة. هناك أهداف أخرى وُضِعَت لها خُطط: كيف تـُدار هذه المحافظات إدارة محليَّة، وكيف تنشأ مجالس تشريعيَّة، أي: مجلس المحافظة كسلطة تشريعيَّة. أمامنا عمل ليس قليلاً، ونأمل من الدول الصديقة أن تقف إلى جانب العراق بتحقيق هذه الأهداف. |
|