بسم الله الرحمن الرحيم

الدكتور إياد مدنيّ الأمين العامّ لمُنظـَّمة التعاون الإسلاميِّ المُحترَم

السادة أصحاب المعالي المُحترَمون..

السيِّدات والسادة الأعزّاء..

     أبدأ كلمتي بتحيّة الإسلام، فأقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. و(السلام) في ديننا الحنيف يعني الأمن، والأمان، والاستقرار، والتآخي، ورُبَّما نكونُ مُضطرِّين إلى التذكير بأهمِّ مبادئ الإسلام.

السلام اسم من أسماء الله الحسنى، فبالسلام يختتم المُسلِم صلاته، وبالسلام يُحيِّي مَن يلتقيه، في وقت يحاول فيه مُندَّسون ومُنحرفون تشويه صورة إسلامنا العزيز في هذه الأيام، بينما يُعرَف المُسلِم بحسب الحديث: (المُسلِم مَن سلِمَ الناس من يده ولسانه).

نحن اليوم في العراق نتقدَّم بخطوات واثقة نحو ترسيخ مفاهيم الديمقراطية، والقبول بالتعدُّديّة؛ لتحقيق التفاهُم على أساس المُساواة، والإخاء وفق مُنطلـَقات إنسانيّة، وقد نجحنا في العراق ببناء أسس جديدة للتفاهُم عبر الاعتراف الكامل بحقوق الأقليّات، والطوائف، والقوميّات بعد عقود من الدكتاتوريّة والاستبداد عشنا فيها ضآلةَ الأمل، والفشل في إيجاد مُجتمَع مُتساوٍ في الحقوق والواجبات، بل تعدَّى الأمر إلى ارتكاب جرائم إبادة جماعيّة شهدها العالم بأسره.

لقد أقدمنا في العراق خلال العشر سنوات المُنصرِمة على إنجاز ثلاثة انتخابات تشريعيّة ديمقراطيّة رئيسة في الأعوام (2005، و2010، و2014) بنسبة مُشارَكة تجاوزت الـ 60%، وشهدنا ثلاثة انتخابات لمجالس المحافظات، وكذلك انتخابات رئاسة وبرلمان إقليم كردستان.

      نستطيع أن نقول: إنَّ العمليّة الانتخابيّة، وما تـُفرِزه من نتائج أصبحت جزءاً من الثقافة السياسيّة في بلدنا، وتقليداً درج عليه الشعب عبر التداوُل السلميِّ للسلطة، وعدم احتكارها، وبدأ مجلس النواب، ومُنظـَّمات المُجتمَع المدنيِّ تأخذ دورها في مُراقـَبة أداء الحكومات المُتعاقِبة، وتـُساهِم بشكل كبير، وفعَّال في نشر الثقافة الديمقراطيّة، والاعتراف بالآخر المُختلِف دينيّاً، مذهبيّاً، قوميّاً، وسياسيّاً.

أيُّها السيِّدات والسادة...

     سبق أن حذرنا من خطر الإرهاب، وانتشاره في المنطقة بعد أن جرى ما جرى في سوريّة، وقلنا، ومازلنا نـُؤكـِّد أنـَّه إرهاب عابر للحدود، بل إنـَّه عابر للدول والقارّات، وأكـَّدنا -أيضاً- أنَّ الأزمة في سوريّة يجب أن يكون لها حلٌّ سياسيٌّ بعد أن طالت نار الإرهاب العراق، وقد تطال المنطقة بأسرها ما لم نتكاتف جميعاً، ونـُدرِك خطورة الأسس الفكريّة الإجراميّة التي يحملها دُعاة التكفير، والقتل، والظلاميّة.

ونحن اليوم نـُواجـِه داعش كمُنظـَّمة إرهابيّة ذات إمكانيّات كبيرة تختلف عن تنظيم القاعدة على الرغم من صفة الإرهاب التي تـُوحِّدهما، إلا أنَّ مُنظـَّمة داعش الإرهابيّة سيطرت على أراضٍ في سوريّة، والعراق، وأسَّست لما يُسمَّى (الدولة الإسلاميّة)؛ وبإعلان (الخلافة المزعومة) أصبح التنظيم الإرهابيُّ مركز جذب لكلِّ المُتطوِّعين من المنطقة والعالم. وبدأت المُنظـَّمات الإرهابيّة الأخرى تـُعلِن تباعاً (مُبايَعتها لخليفتها)، والعمل تحت إمرته؛ لذا فقد عادت داعش أخطر ممَّا كانت عليه القاعدة.

نحن في العراق بعد إيقاف تقدُّم داعش، واستيعاب ما حصل في غرب وشمال الوطن دخلنا المرحلة الثانية في مُواجَهة داعش، وأمسكت القوات العراقيّة، وكذلك قوات البيشمركة الكرديّة، ومعهم قوات الحشد الشعبيِّ بزمام المُبادَرة، وهي الآن في مرحلة الهجوم لتحرير المناطق التي سيطرت عليها، ولا ننسى أن نـُشيد هنا بدعم المُجتمَع الدوليِّ، والدول الصديقة، ودول الجوار كالجمهوريّة الإسلاميّة، والمملكة العربيّة السعوديّة، والمُنظـَّمات، والهيئات التي قدَّمت المُساعَدات الإنسانيّة للنازحين، ونـُقدِّم الشكر للولايات المُتحِدة الأميركيّة، وفرنسا، وجميع الدول التي قدَّمت لنا الدعم العسكريَّ، وخاصة المُسانـَدة الجويّة لقواتنا في مُحارَبتها لداعش.

نحن -العراقيين- مُصمِّمون على دحر تنظيم داعش، وتطهير كلِّ أراضينا، ونـُؤكـِّد بأنَّ القضاء عليه في العراق سيكون الضربة القاضية قبل الأخيرة؛ للقضاء على هذه المُنظـَّمة الإرهابيّة، واقتلاع جذورها، وهو انتصار لكلِّ دول المنطقة، والعالم.

من جانب آخر فإنَّ العمليّة السياسيّة تسير بخطوات حثيثة، وبشكل مُوازٍ للنسق الأمنيِّ والعسكريِّ حيث تشكـَّلت الحكومة العراقيّة الجديدة الشاملة، حكومة الوحدة الوطنية التي تضمُّ جميع مُكوِّنات الشعب، وآلت على نفسها حلَّ جميع المشاكل السياسيّة التي تراكمت منذ سنوات. 

السيِّدات والسادة الأعزّاء...

  علينا أن نعترف أنـَّنا اليوم نـُواجـِه أزمة اجتماعيّة، وسياسيّة؛ بفعل جماعات تدَّعي الانتساب لفكرنا الإسلاميِّ مع أنَّ الإسلام حمل مضامين تنمية الإنسان فكريّاً واجتماعيّاً من خلال قِيَم التسامُح والمَحبّة، ودعا إلى إرساء العلاقات الإنسانيّة على قاعدة الأمن، والثقة، والنفع العامّ.

      من اللافت أن تهتمَّ مُنظـَّمات دوليّة مرموقة كالأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبيّ، وحلف الناتو، والمجلس الأمميِّ لحقوق الإنسان اهتماماً كبيراً بما يجري، ومنذ اليوم الأول لسيطرة داعش على قسم من الأراضي العراقيّة، وقدَّمت كلَّ المُساعَدات الإنسانيّة، منها والعسكرية، وبدأ قادتها بالزيارات الميدانيّة للعراق، وعُقِدت مُؤتمَرات ولقاءات، وتمخـَّضت عنها قرارات دوليّة لمُحارَبة الإرهاب، وآخِرها الاجتماع الذي عُقِد في مجلس الأمن برئاسة الرئيس الأميركيِّ باراك أوباما. 

والأمل معقود أن يحظى الموضوع باهتمام أكبر من جانب مُنظـَّمتنا المعنيّة بهذه الأمّة.

 وإنَّ داعش تنتهك سيادة دول العالم الإسلاميِّ، وتستبيح كرامة ودماء أبناء الأمة الإسلاميّة، إضافة إلى انتهاك حُرمة الديانات الأخرى، وإن كان أكثر ضحاياها من المُسلِمين من دولنا؛ لذا لا نجد اليوم أولويّة أخرى مُهـِمَّة للمُنظـَّمة غير التصدِّي للتطرُّف الذي يُسيئ إلى الدول الإسلاميّة، وديننا الحنيف.

أخيراً أقول:

1- المُنظـَّمة بحاجة إلى استراتيجيّة واضحة الملامح؛ لدحر الأفكار الطارئة، ومُكافـَحة هذه الآفة التي تفشَّت في مُجتمَعاتنا؛ ممّا يستدعي أن تكون مُواجَهة هذه الظاهرة ضمن أولويّات عملنا؛ لخطورتها، ولتهديدها كيان الدول الإسلاميّة قبل غيرها، ولابدَّ أن نـُدرِك أنَّ المُنظـَّمة الإرهابيّة تـُمثـِّل الخطر الأكبر الذي يُهدِّد مُنظـَّمتنا منذ تأسيسها.

2- إنَّ المُعادِل المُبادِر المطلوب لخطر داعش هو تأمين الأسس المعرفيّة الصحيحة، والقِيَم الحقـّة، وإيجاد الحلول لكلِّ المشاكل العالقة، وتولـِّي الشباب، والنشء الجديد بالتربية الصالحة.

3- اعتبار الاعتداء على أيِّ بلد من البلدان هو اعتداء على كلِّ بلدان عالمنا الإسلاميّ.

4- لابدَّ من الاصطفاف مع كلِّ دول العالم المُحِبّة؛ من أجل مُواجَهة داعش، وخطرها.

5- التأكيد على أنَّ الإنسان قيمة عليا، وتقع على عاتقنا صيانتها؛ انطلاقاً من قول الله تعالى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَاْ بَنِيْ آدَمَ)).