|
لقاء قناة الحُرّة بالدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّة 24/4/2015
الاخبار | 25-04-2015
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: القرار بالإجماع في مثل هذا الموضوع لا أعتقد أنـَّه ضرب من الخيال؛ القضيّة الإرثيّة ليست قضيّة سياسيّة، كما أنـَّها ليست مُتحيِّزة بقوميّة، أو مذهب، أو دين، أو منطقة. المسألة ترتبط بالتراث العالميِّ كلـِّه، وشاء القدر أن تكون هذه العيِّنات التي تمّ إتلافها رسالة خارجة عن الجانب الإنسانيِّ؛ لذا على الإنسان أن يتحشَّد لحماية هذا التراث، نعم.. هي في أرض العراق، لكنـَّها لكلِّ الإنسانيّة؛ إذ إنـَّها تراث زاخر يحمل حُمُولة من أجيال سابقة يُعبِّرها إلى الوضع الحاليّ، وهذا مبدأ قرآنيّ: ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى)) [يوسف : 111] نعبر إلى الماضي، ونستحضره؛ حتى نعرف التجربة التي بدأت سابقاً، وآثارهم، وهي ليست وثنيّة -أعوذ بالله- هذه عِبرة. أعتقد أنـَّه يُفترَض أن يكون رصيد الإجماع عالياً جدّاً خُصُوصاً أنـَّه يُعبِّر عن حالة مُنفتِحة تـُريد أن تبني الحاضر على التاريخ. أملي أن يحصل على إجماع، أو أغلبيّة مُلِحّة جدّاً.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بكلِّ تأكيد أنَّ تنظيماً يعمل بهذه السرعة وهو سريع الولادة، ويعمل بهذه القدرات الماليّة يُراد له مصادر، والمصادر التي تـُموِّله بهذه الأموال تتحكَّم به، وحتماً أنـَّها لا تـُصرِّح بأهدافها، لكنَّ الأهداف المطلوبة تـُوكَل إلى مثل هؤلاء الذين لا يملكون ثقافة، ولا يملكون أصالة حتى يُمثـِّلوها، إضافة إلى ذلك العناصر المشبوهة التي تـُموِّل سواء كانت دولاً، أم مُنظـَّمات، أم شخصيّات، أم شركات، أم ما شاكل ذلك، علاوة على ذلك أنَّ داعش عندما يسطون على كلِّ منطقة يهتمون بالمال اهتماماً كبيراً، فعندما دخلوا إلى الموصل كان هناك سطو على البنك في الموصل، وأخذوا 440 مليون دولار، وسيطروا على بعض شاحنات النفط التي كانت موجودة؛ ليُعزِّزوا اقتصادهم. فمصادرها معروفة، ولكن -قطعاً- هناك دول خلف الستار تـُموِّل داعش؛ لأنها تستفيد من وجود داعش، وأنَّ داعش تخدم أهدافها، وتحقق أمكانيّاتها.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: مَن يمتلك خبرة، أو مُشارَكة، أو لا أقلّ ثقافة في إدارة المعارك يُدرك أنَّ الحقيقة الماثلة هي إنَّ الحرب كرّ وفرّ. اليوم لك أن تمتدَّ، وغداً قد يمتدّ عليك عدوُّك. ليس بالضرورة مدّك هو النهاية، أو مدُّه هو النهاية، لكنَّ الذي يُعبِّر عن مشروعيّة شعب هو الذي سيكسب المعركة. أمّا على الأرض فتتقدَّم قليلاً، وتتأخـَّر قليلاً. صفحات التقدُّم والانسحاب سجالات عسكريّة مُتوقــَّعة، ولكنَّ مُحصَّلة العمليّة العسكريّة في العراق لصالح العراق. إلى الأمس القريب كانت مدفعيّة داعش على أبواب بغداد، وتـُطلِق قذائفها على بغداد، وكانت موجودة في خاصرة المحافظتين الحلة وكربلاء في جرف الصخر، وكانت في الإسحاقيّ في سامراء، وكانت في حمرين في ديالى، وكانت في بيجي والآن انسحبت من كلِّ هذه المواقع فلا يُمكِن أن ننظر -إذا صحَّت الأخبار- إلى موقع مُحدَّد تمتدُّ فيه داعش، ونـُلخِّص كلَّ ما جرى في هذه المعارك أنـَّها امتدَّت.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: داعش قضيّة أجنبيّة جاءتنا من خارج الحُدُود، كانت في درعا في الشام، ثم انتقلت إلى العراق، ولا دخل لها بالوضع السياسيِّ في العراق. داعش ليسوا عراقيِّين، هم أناس من خارج العراق. أمَّا أنـَّهم استثمروا الخلل السياسيَّ الذي كان موجوداً سابقاً، وعبَّأوا بعض أبنائنا في مرحلة ما بعد دخول داعش إلى العراق، وخدعوا بعض الشباب فهذا كلام صحيح؛ لذا لم تقفز الحكومة على هذه الحقيقة، وقبل أن تصطفَّ بكلِّ قواها لمُواجَهة داعش عسكريّاً فكَّرت أن تـُعالِج المشاكل الإداريّة، والسياسيّة، وتـُعالِج السخط ضمن توافق بيننا وبين الأطراف المُختلِفة ضمَّهم عهد شرف بعشرين نقطة، وكان أوّلها أن تتسع الحكومة لمُكوِّنات الشعب العراقيِّ. وهذا هو الذي حصل فاليوم السُنـّة، والشيعة، والعرب، والكرد، والتركمان تحت لواء هذه الحكومة؛ فقطعت الطريق أمام هذه التخرُّصات. وزير الدفاع الآن (خالد العبيديّ) من الإخوة السُنـّة، ورئيس الجمهوريّة سُنـّيّ كرديّ، ورئيس برلماننا سُنـّيّ عربيّ. لم تعُد هذه التخرُّصات تجد لها سوقاً في الوضع العراقيّ، أو الوضع العالميّ. الجميع يُدركون أنَّ العراقيِّين يتواجدون في البرلمان، وفي الحكومة، وفي المُؤسَّسات الأخرى. أمّا إيران: نحن فتحنا الباب لكلِّ مَن يمدُّ لنا يد المُساعَدة من دون أن يتدخـَّل في شُؤُوننا، أو يتحوَّل دعمه إلى حالة من التحكـُّم، ويمسّ كرامتنا. كان التحالف الدوليّ سادراً في نوم عميق، وجاء مُتأخـِّراً فقد سقطت مدينة كمدينة الموصل الحبيبة بحجمها الكبير، وبتاريخها المُوغِل في القِدَم. ماذا نفعل، هل ننتظر أن تسقط مدينة بعد أخرى. إيران جار على الحُدُود أليس من المفروض أن يُهدِّد الإرهابُ الدولَ المجاورة ألا يُهدِّد السعوديّة، ألا يُهدِّد سورية، والكويت، وتركيا؟ إيران كان لها أن تدخل، فدخلت بشُرُوطنا، وساعدت، وأرسلت مُستشارين، وفتحنا باب الاستشارة لكلِّ دول العالم في نيويورك، وكلهم دخلوا، وجاؤوا بعد إيران. إيران سبقتهم. ولا مُفارَقة في هذا الموضوع. أعتقد أنها مسألة طبيعيّة. أيّ دولة من دول العالم لو تعرَّضت لما تعرَّض له العراق لفتحت أبوابها للآخرين ليقفوا إلى جانبها. كردستان فتحت أبوابها للإخوة في إيران ليُساعِدوهم في السياقات الميدانيّة. إيران لم تدخل إلا بإذن عراقيّ، ولم تدخل إلا بعد أن سقطت الموصل في قبضة الإرهاب.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الحشد الشعبيّ هو تنظيم شعبيّ، وهو تلقٍّ، واستجابة لمُبادَرة المرجعيّة الدينيّة المُتمثـِّلة بالسيِّد السيستانيّ -حفظه الله- حين وجَّه نداءً بوجوب الجهاد الكفائيِّ على العراقيِّين؛ ليحموا أنفسهم، وأمَرَ بأن يكونوا تحت غطاء القوات العراقيّة المُسلـَّحة، ولا ينبغي أن ينحو منحى طائفيّاً، ويُمثـِّل أحداً، بل يجب أن يُمثـِّل كلَّ العراق، وكذلك كان. كلمة (حشد) معناها تعبئة أكبر عدد مُمكِن، و(شعبيّ) تعني ينطلق من الأرضيّة الشعبيّة، وبسياقات شعبيّة؛ وهو عزٌّ، وشرف فلقد سجّلوا حُضُوراً مُبكـِّراً، ودافعوا عن حرم العراق، وكرامة العراق، وحرائر العراق. هؤلاء يحملون أرواحهم على راحات أكفـُّهم؛ للدفاع عن العراق فهل تعتقد أنَّ إنساناً يذهب إلى المعركة، ويقف في الخط الأول من لهيب النار ويُفكـِّر في أن يسرق؟! يجب أن نـُقيِّم، ونـُثمِّن تجربة الحشد الشعبيِّ، وعلى الذين يتحدَّثون، ويتهمون أن يرعوا، ويُراجعوا أنفسهم، وعليهم أن يُقبِّلوا جبين هؤلاء إن لم يُقبِّلوا أياديهم. من يُضحِّ من أجل بلده، ويُدافِع عن كرامته، وعن عِرضه، وعن كلِّ ما يمتُّ للعراق بصلة أن يُحترَمهم، ويُقدَّرهم.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أمّا ما يتعلق بطبيعة التأثير والتأثر بيننا وبين سورية، وأيّة دولة جوار جغرافيّ فهذه طبيعيّة جدّاً. كنا نتوقــَّع أنَّ النار التي شبَّت في سورية ستمتدُّ إلى العراق. وامتدّت. ديمستورا له باع جيِّد، وطويل بحسب تجربتي معه في عام 2004 و2005، وهو رجل صاحب قناعة، ويعمل بنـَفـَس طويل. بادرة خير جيِّدة لإدارة هذه القضيّة، ونأمل أن يُوفـَّق بنجاح بمُبادَرته. لم نتسلـَّم دعوة رسميّة بهذا الشكل. ورُبّما وصلت دعوة وأنا في حالة سفر لا أعرف، ولكننا نـُبارك أيَّ مُبادَرة للحلّ، وأعتقد أنَّ الحلَّ السياسيَّ، والحلَّ السلميَّ هو البديل الطبيعيُّ لحُلُول البندقيّة. عندما تغيب الكلمة، ويغيب القلم يحلُّ مكانهما الطلقة والبندقيّة، ونحن لسنا مع الحرب في كلِّ منطقة. نحن مع الحُلُول السلميّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: قبل حوالى أسبوعين وأنا في طريقي إلى القِمّة العربيّة في شرم الشيخ التقيتُ مع الدكتور وليد المعلم، ومع الدكتور بشار الأسد في جلسة مُطوَّلة تحدَّثنا عن كلِّ ما يتعلـَّق بمُشكِلة سورية، والعلاقات السوريّة-العراقيّة، وبيَّنا وجهة نظرنا بأنَّ الحلَّ يبدأ من الداخل السوريِّ مع الأطراف السوريّة، ووجدتُ في حديثه تجاوباً، وفي الوقت نفسه كان يتحدَّث بثقة، وعندما بادرتُ ببضع نقاط، ومنها: يجب أن يكون هناك حوار مع الأطراف السياسيّة، فكان يُرحِّب. ويجب أن تـُلغى صفحة الحزب الواحد الذي يحكم سورية، وإطلاق سراح الأبرياء كان إيجابيّاً، ويتكلم بلغة واثقة، وشعرتُ أنه جادٌّ فيما يقول، كما أنَّ ديمستورا ليس بعيداً عن هذا الفهم، وسبق أن دارت حوارات بيني وبينه منذ زمن بعيد عن كيفيّة حلِّ المُشكِل في سورية.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ديمستورا لديه نـَفـَسٌ طويل، أعني أنـَّه مُستعِدٌّ أن يرحل مع المُبادَرة، ويُكيِّفها، نعم.. أمامه صُعُوبات ليست قليلة، وستبقى هناك صعوبات، ولكن -في تقديري- خُلُوص النيّات، والعزم، والإصرار على إيجاد حلٍّ من شأنه أن يُوصِل المُشكِلة السوريّة إلى شاطئ الحلِّ. ونحن نتمنـَّى ذلك؛ لأنَّ الحرب لا رابح فيها. الغالب والمغلوب كلاهما خاسران.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: موقفنا صريح، وهو: التدخـُّل في شُؤُون الدول اقتصاديّاً، وسياسيّاً خطأ، ونرفض التدخـُّل العسكريَّ في شأن أيّة دولة كذلك. لسنا مع الحُلُول والتدخُّل العسكريِّ. بالمُناسَبة.. ليس لدينا حساسيّة من المملكة العربيّة السعوديّة، ولكن لدينا موقف مبدئيّ استراتيجيّ ثابت. لا نـُؤيِّد التدخـُّل العسكريَّ في شُؤُون أيّ دولة من دول العالم؛ فكيف إذا كانت دول شقيقة وهي العربيّة السعوديّة على حُدُودنا، واليمن دولة شقيقة أيضاً. كيف نتقبَّل أن يدخلوا هناك، ويستخدموا السلاح وهي معركة قد تكون من السهل أن تبدأ بها، ولكن ليس من السهل أن تنتهي.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا أثبَّتُّ مبدأً واحداً، وهو: (حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد)، فلا أقول: (نعم) في أمر ما، ثم أقول: (لا) في أمر ثانٍ مُشابـِه للأوَّل. المقياس واحد، ولكن هل فعلاً إيران مُتدخـِّلة؟ أنا لا أعطي هكذا شهادة؛ لأني ليس لديَّ علم. نحن لسنا مع أيِّ تدخـُّل عسكريٍّ في شُؤُون أيّ دولة، نعم.. تستطيع أن تتبادل الثقافة، وتحاور والمقابل يُحاورك، وتـُقرِّب وجهة نظرك، وهو يُقرِّب وجهة نظره إليك. أمّا التراشُق، والتدخـُّل، واستخدام السلاح، وتصديع السيادة فلسنا معه من قِبَل أيِّ دولة، وبحقِّ أيِّ دولة. العودة إلى صفحة الأخبار |
|