|
كلمة الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّة في مُؤتمَر الأمم المُتحِدة الثالث عشر لمكافحة الجريمة والعدالة الجنائيّة في العاصمة القطريّة الدوحة
الاخبار | 13-04-2015
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.. أنطلق من قول الله -تعالى-: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ)) [النساء : 58] عندما تغيب روعة العدل ينتشر ترويع الظلم، والقتل، والإرهاب، وعندما تزدوج المعايير في العالم -كما هو عالمنا اليوم- يُدان البريء، ويُعفى عن الآثم، والمُسيء.. يُسعِدني أن ألتقي جمعكم هذا وأنا أعلم، وأنتم تعلمون أنَّ العالم اليوم يسوده الظلم، والفساد، والإرهاب في مُختلِف قارّات العالم، وهو لم يبدأ في منطقة الشرق الأوسط لا في سورية، ولا في العراق إنما بدأ قبل ذلك في بلدان أخرى، ولن يقف عند هذا الحدّ. مطلع القرن الواحد والعشرين شهد عمليّات إرهابية في نيويورك وواشنطن، وامتدَّ من هناك إلى أوروبا, وآسيا، وجنوب شرق آسيا، وأفريقيا، ثم جاء إلى الشرق الأوسط. قِصّة الإرهاب في عالمنا ليست قِصّة طارئة في مُختلِف مراحل التاريخ، وفي مختلف مناطق العالم انتشر الإرهاب، وظلَّ العالم يئنُّ منه غير أنَّ الإرهاب المُعاصِر يتميَّز بأنه استهدف الإنسان بكامل حجمه.. استهدف الصغير، والكبير، والمرأة، والرجل.. استهدف المعابد، والكنائس، والمناطق التي تتجمَّع فيها الحُشُود البشريّة المُتنوِّعة.. استهدف المدارس، والمستشفيات؛ وبذلك أثبت أنه مثـَّلَ أبشع أنواع الإرهاب في طول التاريخ وعرضه، ولم تسلم الأعمار المُختلِفة من أيديهم الآثمة: المرأة، والرجل، والشيخ الكبير الطاعن بالسنّ، والكهل، والشابّ، والطفل، وسرقوا الابتسامة من شفاه الأطفال. لم نعتد أن نقرأ في تاريخ العالم أنَّ إرهاباً وصل إلى هذه الدرجة من البشاعة كما هو اليوم في إرهاب داعش. ومثلما تنوَّعت أساليب الإرهاب في مُمارَسة هذه الجرائم تنوَّعت الجرائم المنظمة مُتمثـِّلة بشتى أنواع الفساد من تبييض الأموال، وتخريب الآثار، ولقد لمستم، ورأيتم بأمِّ أعينكم كيف جرى تخريب آثار الحضارة التاريخيّة التي تمتدُّ إلى آلاف السنين. العراق دولة من دول الريادة الحضاريّة إذ يعبق تاريخه منذ آلاف السنين بمسلة حمورابي، وقبلها مرحلة سرجون الأكديّ، وكثير من الحضارات نبعت، ووُلِدت في الأرض العراقيّة. واليوم تتحدَّى مجاميع داعش هذه الحضارة، وتحاول أن تفتك بها، وتقضي عليها، ولم يقف الإرهابيّون عند هذا الحدّ إنما طالت أيديهم أروع، وأرقى، وأحدث أساليب نشر المعرفة فيستبدلونها بأوعية للتخريب وهو الإنترنت الذي كان يُمكِن أن يقضي لنا حاجات كبيرة، ويُؤسِّس لمُجتمَع مُحترَم يتعاطى فيه الأداء الإنسانيّ ليقضي على الكثير من المشاكل، لكنهم استخدموا الإنترنت لتشويه الحقائق، وتزييف المعلومات، والاتصال من أجل تنفيذ أبشع أنواع الجرائم بشكل يندى له جبين التاريخ خجلاً وحياءً. ظهور هذه الآفة في عالمنا الشرقيِّ علامة سيِّئة؛ إذ العالم الشرقيّ عوَّد العالم دائماً على أنـّه مبعث الحضارات، والحُبِّ، والاطمئنان، والثقة. العالم الشرقيّ انبعثت منه الرسالات السماويّة التي بشَّرت بوحدة البشريّة، وحلـَّت مشاكل امتدَّت في العالم طوله وعرضه منذ زمن بعيد.. من هنا انبعث السلم، والحُبّ، والعدل الإلهيّ، وحمله أبناء هذه المنطقة، وبشَّروا به.. من هذه المنطقة دُعِمت المرأة، وأسنِدَت. ما من أمّة في العالم إلا وأساءت للمرأة بمُختلِف أنواع الإساءات. من هنا من الشرق الأوسط صدح صوت الرسول لأوَّل مرّة؛ ليُساوي بين المرأة والرجل، ويُشيع العدالة، ويطوي مسافة وأد البنات، وقتل البنات، وكلَّ أنواع الفساد والظلم. سيِّدي الرئيس.. لا يخفي عليك، ولا يخفى عليكم ما للعراق من تاريخ حضاريٍّ رائع، وهو اليوم يُكافِح آفة الإرهاب، ويُواجه بصُدُور أبنائه البَرَرة؛ ليُدافِع أصالة عن نفسه، ونيابة عن كلِّ بلدانكم من دون استثناء. العراق يُقاتِل قتال الأصالة عن سيادته، وكرامته، وأمواله، وثروته، وأبناؤه وبناته يُدافِعون عنكم. ما من بلد اليوم من البلدان إلا ومُهدَّد بالإرهاب، وقد يقع تحت طائلة الإرهاب.. العراقيّون يُدافِعون عنكم. عناصر الإرهاب التي تجحفلت، وتواجدت في العراق تنتمي إلى أكثر من 62 دولة من مُختلِف مناطق العالم. فما من قارّة إلا وفيها مُواطِنون لداعش، وما من بلد في كلِّ قارّة إلا وفيه مُواطِنون لداعش. العراقيّون يُواجـِهون هؤلاء، ولا يُريدون من أحد أن يقف إلى جانبهم، ويُقاتِل بدلاً عنهم. دماؤهم تتشخَّب من عُرُوقهم، وتتدفـَّق من أجل حماية الكرامة الإنسانيّة، ولكنهم لا يكتمونكم سِرّاً كان على دول العالم أن ترتقي إلى مُستوى مسؤوليّاتها، وتقف إلى جانب العراق بمدِّ يد المُساعَدة إلى الذين تضرَّروا إنسانيّاً. أكثر من مليونين وستمائة ألف مُواطِن عراقيّ نزحوا من الموصل البلدة الغنيّة أم الربيعين إلى مناطق أخرى لابدَّ أن تمتدُّ أكفـُّهم، وتهتزَّ أريحيّتهم للتفاعل مع أبناء شعبنا العراقيِّ، وكلِّ بلد يتعرَّض لداعش لابدَّ أن يُوجِّه المُجتمَع الدوليّ رسالة عندما يُقتحَم بلد ما لا يُترَك ذلك البلد وحده، بل يجد كلَّ شُعُوب العالم إلى جانبه. هذا هو معنى الإنسانيّة، والديمقراطيّة، والعدالة الاجتماعيّة.. يجب أن نقف إلى جانب هذه الشُعُوب. سبق أن انضمَّ العراق إلى معظم الاتفاقات الدوليّة، والإقليميّة، ومنها: اتفاقيّة الأمم المُتحِدة لمُكافحة الجريمة المُنظـَّمة عابرة الوطنيّة، والإقليم بموجب قانون الانضمام المُرقـَّم 20 لسنة 2007، ويُعَدُّ من أوائل الدول العربيّة التي أقدمت على تشريعات لمُكافحة الإرهاب بموجب القانون المُرقـَّم 13 لسنة 2005، وكذلك تشريع قانون مكافحة الإتجار بالبشر المُرقـَّم 28 لسنة 2012 ينطلق بذلك من منطلق معرفيّ: ((ولقد كرَّمنا بني آدم)). هذا الإنسان المخلوق المُكرَّم دون كلِّ المخلوقات يجب أن نعطيه ما يستحقّ، نحن مع الإنسان في أيِّ قارّة، وأيِّ دين، وفي أيِّ مذهب نـُدافِع عنه، وعن كرامته؛ وبذلك نـُدافِع عن الكرامة الحقيقيّة لبني آدم كما نصّت الآية القرآنيّة الكريمة. ساهمنا بالتعاون مع بقيّة الدول في مجال مكافحة الإرهاب لابدَّ أن نـُذكِّر بضرورة مُراقبة مصادر تمويل الإرهاب؛ الإرهاب مُركَّب ليس أحاديّاً. فيه المال الإرهابيّ، والخطاب الإرهابيّ، والتدريب الإرهابيّ، والسلاح الإرهابيّ، ومناطق العُبُور الإرهابيّة.. كلُّ هؤلاء يتحمَّلون آثام الجريمة التي ارتُكِبت بحقِّ الأبرياء سواء كان في العراق، أم في سورية، أم في أيِّ بلد من بلدان العالم. العراق محطة من محطات العُبُور الإرهابيِّ. الإرهاب إلى الأمس القريب كان في مُختلِف مناطق العالم، واليوم يقرع طبوله في بلدان أخرى كالذي حصل في فرنسا، والذي حصل في أستراليا، والذي حصل في كندا حين اقتحموا بيت الشعب، وقتلوا ثلاثة من حُرّاسه في أرقى ديمقراطيّات العالم يجب أن يرتقي المُجتمَع الدوليّ إلى مُستوى مسؤوليّته. هناك ترويج إعلاميّ، وهناك فقه إرهابيّ إلى جانب الإعلام الإرهابيّ لابدَّ أن نتوجَّه بمُركَّب الأمن كاملاً مقابل مُركَّب الإرهاب. الأموال التي تـُدفـَع، والتي تـُسخَّر لغرض ترويج العمليّات الإرهابيّة لابدَّ أن نعمل على تجفيفها، ونـُروِّج لأن تذهب هذه الأموال إلى المُتضرِّرين، والفقراء. قارّات العالم اليوم تعاني يعضُّها الجوع، وينهش لحمها بأنياب الفقر لابدَّ لهؤلاء أن يأخذوا حقهم. جميل أن يكون الشعار شعار العدل، ونحن إنما نـُعاني من فقدان العدل الاجتماعيِّ، وإذا أُريدَ للسلطات القضائيّة، والفقه القضائيِّ أن يدرسوا هذه الظاهرة، ويُمارسوا عمليّة العقوبة على قاعدة: (القصاص على قدر الجناية)، وألا تفوتهم هذه أناشِدكم أن تقفوا إلى جانب كلِّ الدول التي تـُعاني من مُواجَهة الإرهاب، وتقفوا إلى جانب العراق الذي أصرَّ، وهو عازم على مُواجَهة الإرهاب، ولن ينثني أبداً حرَّر بعضاً من الأراضي، وبقيت أراضٍ لم تـُحرَّر بعد.. العراق يُقدِّم خيرة أبنائه من مُختلِف مُكوِّناته، من مُختلِف دياناته، ومن مُختلِف مذاهبه، ومن مُختلِف قوميّاته، ومن مُختلِف اتجاهاته السياسيّة. ومثلما اخترق الإرهاب أرض العراق يُحاول أن يخترق الإعلام، ويُصوِّر لكم أنَّ معركة دينيّة، أو معركة مذهبيّة تحدث في العراق. هذا الكلام عارٍ عن الصِحّة 100%؛ السُنّة والشيعة يُقاتِلون معاً ضدَّ الإرهاب وهم يُدافِعون عن العراق كلـِّه، ولا يختلفون في الدفاع عن العراق، وكذلك انضوى أبناء الديانات. هل سمعتم بما حصل في سنجار في الجريمة التي ارتـُكِبت بحقِّ الإخوة الإيزديِّين الذين هم ليسوا مُسلِمين، لكنهم كانوا يعيشون في العراق الآمن، ويحظون باحترام العراقيِّين. العراق اليوم يُقدِّم نموذجاً للديمقراطيّة قلَّ نظيرها إن لم ينعدم في كلِّ العالم. العراق ليس أكبر بلد لكنه أكثر بلد تلتقي فيه الثنائيّات: ثنائيّة الأديان، وثنائيّة المذاهب، وثنائيّة الاتجاهات السياسيّة، وثنائيّة الرجل والمرأة. في البرلمان العراقيّ 82 سيِّدة برلمانيّة.. في البرلمان العراقيِّ نعيش عراقاً مُتحضِّراً يرسم خطاه، ويمشي في طريق رائع نحو المُستقبَل. إخواني.. في الوقت الذي أتقدَّم بوافر الشكر والتقدير للسيِّد الأمين العامّ، وإلى السيِّد رئيس الجلسة، والمُؤتمَر، وأوجِّه شكري -أيضاً- لمعالي الأخ وزير العدل القطريّ الدكتور حسن بن لحدان الحسن المهديّ، ولكم جميعاً أقول لكم: اعزموا على أن تنشروا ضوء الحُبِّ، والثقة، والاحترام، واطردوا روح الشكِّ التي تفشَّت في المُجتمَعات، هذا الشكّ الذي عبَّر عنه السيِّد المسيح -عليه السلام- حين قال: (يا بني آدم أتحكمون على الناس بالشكِّ، ولا تحكمون على أنفسكم باليقين). نحكم على الآخرين ظناً منا أنهم سيّئون، ونمارس معهم هذه العقوبة.. هذه الثقافة التي جاء بها الإرهاب أمّا مَن يفهم الأديان، ويفهم السيِّد المسيح فلا يفهمه بهذه الطريقة، وكذلك الذي يفهم الإسلام، ويفهم الرسول -صلى الله عليه وآله- لا يفهم الناس بهذه الطريقة. الرسول بُعِث رحمة للعالمين. والإسلام اشتـُقَّ من السِلم. يبدأ المُسلِم يومه بالتحيّة بـ(السلام عليكم)، ويُنهي صلاته بـ(السلام عليكم)، وما إن يفترق، ويلتقي إلا ويُكرِّر السلام. مَن يدَّعي انتسابه للإسلام عليه أن يُجسِّد الإسلام في كلِّ خطوة من خطوات طريقه؛ لذا أرحِّب خُصُوصاً عندما رأيتُ مجموعة من الشباب تنسجم مع ما أعتقد في عمقي بأنَّ الشباب صُنـَّاع الحاضر، ويجب أن نرعى هؤلاء؛ لأنهم صنعوا الحاضر، كما نهتمّ بالطفل لأنه صانع المُستقبَل، ثم ننتقل إلى المرأة؛ لأنها صانعة الصُنـّاع؛ هي التي تصنع الشباب، وهي التي تصنع الأطفال.. أحيِّيكم في هذا المُؤتمَر، وأتمنى أن يطوي مسافة حقيقيّة بإجراءات يلمسها المُتضرِّرون في كلِّ مكان، ويجب أن تأخذ داعش درساً من أنَّ المُجتمَع الدوليَّ لن يتخلّى عن أيِّ شعب عندما يتعرَّض لهذا التحدِّي. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. العودة إلى صفحة الأخبار |
|