|
لقاء قناة دريم 2 المصريّة بالدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّة برنامج العاشرة مساءا مع وائل الابراشي
الاخبار | 30-03-2015
المُؤيِّدون والمُتحمِّسون لعاصفة الحزم لديهم أسانيدهم القويّة، فلا يُمكِن القبول باختطاف هويّة دولة عربيّة وهي اليمن لحساب إيران، ولا يُمكِن تهديد الأمن القوميِّ العربيِّ، والأمن القوميِّ الخليجيِّ، والأمن القوميّ المصريّ مُمثـَّلاً بتهديدات باب المندب.. كلُّ المُتحمِّسين لعاصفة الحزم يرفعون هذه الشعارات، والعراق رفع شعار الرفض الشديد للعمليّات العسكريّة في اليمن.. لماذا؟ الدكتور إبراهيم الجعفريّ: شكراً لك، على هذا الحديث، وإن كان في سؤالك نمطيّة غريبة ومُثيرة؛ إذ إنـَّك تبدأ، وتنقل لي الذين لا يُوافِقون بمُختلِف اتجاهاتهم، ولم تبدأ برحلة السؤال حيث هو: "ما هو رأيك بهذه العمليّة؟" وإنما نقلت الآراء الأخرى التي أختلف معها، وأحترمها كثيراً، فكان من المُتوقـَّع أن تقول: "لماذا أنتم ترفضون؟"
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: دع مُبرِّرك لك، لك السؤال ولي الجواب، وأنا قلتُ لك منذ البداية: إنَّ باب السؤال مفتوح لك، المسألة لم تكن قضيّة اليمن كبلد فيه مُشكِلة، أو السعوديّة التي لها مُبادَرة، الأمر ليس كذلك، الأمر هو إنَّ لدينا مبدأً استراتيجيّاً، هو: لسنا مع منطق الحُرُوب، والتدخـُّل في شُؤُون بلد من قِبَل أيِّ بلد آخر. هذا المبدأ نـُطبِّقه على اليمن عندما تتعرَّض إلى مشروع دُخُول عسكريّ، أو حتى تدخـُّل سياسيّ، ونـُطبِّقه على كلِّ دول العالم من دون استثناء. العراق أكثر دول العالم له الحقُّ في أن يتكلم بهذا المنطق؛ لأنه يمتلك خلفيّة تدخـُّلات حصلت فيه وأرَتـْه الأمرَّين، فنحن نحرص أن نجعل القِمّة العربيّة تبدأ صفحة جديدة تـُعالِج مشاكلها بنفسها من دون أن تـُعرِّض أيَّ بلد إلى تدخـُّل. هذا هو جوهر الموضوع، وحينما انطبق على اليمن قلنا رأينا، وحين انطبق على سورية أعطينا رأينا، وحين انطبق على ليبيا قلنا الجواب نفسه -حكم الأمثال فيما يجوز، وما لا يجوز واحد- ليس لدينا مقياسان.. لسنا مع أيِّ تدخـُّل. شِدّة علاقتنا مع السعوديّة؛ بحكم الجغرافية، والتاريخ، والجوار الجغرافيّ، ومع علاقتنا الطيِّبة مع اليمن، نحن مع كلِّ الشرعيّات، نحن مع كلِّ هذه الدول، ولكن لا نـُوافِق على تدخـُّل دولة في شُؤُون دولة أخرى خُصوصاً عندما يكون التدخـُّل عسكريّاً؛ لأنَّ هذا العمل سيضع المنطقة على مشارف مرحلة جديدة، حيث تنزف الدماء، وكلُّ الجهات تخسر: اليمنيّ، والسعوديّ، الليبيّ، والفلسطينيّ، المصريّ، خسارة في خسارة في خسارة، ألم يحِن الوقت لأن نـُوقِف نزيف الدماء. نحن مع كلِّ الجُهُود التي تـُبذل من أجل أن نـُرسي اليمن على قاعدة الاستقرار، وحلِّ المشاكل بين الفرقاء السياسيِّين اليمنيِّين، وردم الثغرة والهُوّة بين الشعب وبين الحكومة، ودفع عجلة اليمن باتجاه الاستثمار، والبناء، والتنمية. نحن نـُريد عالماً عربيّاً بلا حُرُوب؛ فالغالب والمغلوب كلاهما خاسران.. نـُريد عالماً عربيّاً مُستقِرّاً، ويستثمر ثرواته، ويُشغل عقله، وإعلامه في البناء، وليس في الأمور الجزئيّة التي تستهلك، وتـُربِّي جيلاً على الأحقاد.. هذا مُختصَر ما نـُريده.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذا في ذهنك، أنت لا تـُحمِّلني إسقاطاتك الذهنيّة الشخصيّة، هذا موجود في عقلك، وذهنك، وغير موجود في العقل العراقيّ، ولا في العقل الشيعيّ، ويُشرِّفني أني شيعيّ، وأتشرَّف بك أن تكون سُنـّيّاً، ولكن لا تـُسقِط القضيّة عليّ. إذا كنتَ تـُريد أن تـُفكـِّر بطريقة طائفيّة فأنا أحترمك لكني لا أتفاعل معك، وأنت لا تجلس مع طائفيٍّ، وقد قلتَ لي قبل البداية: المعروف عنك أنـَّك لست طائفيّاً.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنت تسألني، وقلتَ لي: إني لستُ طائفيّاً، وأتشرَّف أني لستُ طائفيّاً، وأتشرَّف أنـّي شيعيّ، مثلما أتشرَّف بك حين تكون سُنـّيّاً إن كنتَ سُنيّاً، نحن نعتبر مصر شقيقتنا ونحن في قارّتين، ولكن لماذا لا نـُقيم علاقة مع إيران وتربطنا معهم 1400 كيلومتر من الحُدُود، ونتشرَّف بتركيا لأنَّ بيننا وبينها جواراً جغرافيّاً؛ هذا استحقاق الجوار، وكما تقول العرب: (الجار قبل الدار، والرفيق قبل الطريق). لماذا تـُحصَر العلاقة بيننا وبين إيران من الزاوية الطائفيّة. نحن نتعامل مع إيران، ونتعامل مع تركيا، ومع سورية، ومع الأردن، والكويت، والسعوديّة، نتعامل مع ثلاث قوميّات: (عربيّة، تركيّة، وفارسيّة) وستة أنظمة: (ولاية الفقيه، وليبراليّة إسلاميّة، وملكيّ، وأميريّ، إلى آخره، نتعامل معها جميعاً باستحقاقات، فليس بقرار جئنا بإيران، ووضعناها في الشرق، ولم نضع تركيا في الشمال، ولا الكويت في الجنوب. وُلِدنا ببلد هذه جغرافيّته، كما أنَّ لدينا مصالح مُشترَكة فإيران، وتركيا، وسورية تـُشكـِّل روافد دجلة والفرات منبع الحضارة في العالم كلـِّه، الذي أتى من العراق حضارة الرافدين في أهوار العمارة، والناصريّة، والبصرة، وبعد ثمانمائة سنة أتت أهرام مصر.. أنا أتكلـَّم معك ولي قامة حضاريّة شاهقة، وهذه المنابع مثل منابع النيل المائيّة التي هي المنابع الحضاريّة، النيل ليس مصريّا المنبع، بل مصريّ الاجتياز، ليس لمصر إلا أن يُقيم علاقات طيِّبة مع دول المنبع؛ حتى يُوشِّج، ويُكمِل ما بينه وبين بقيّة الدول؟! نحن في العراق نفس الأمر. هل نحترب؟ وإذا لم نحترب، ونتعايش نـُتهَم بالطائفيّة، وهل تركيا طائفة شيعيّة، أم السعوديّة شيعيّة؟! لماذا لا نتهم بأننا وهابيون بسبب علاقتنا بالسعوديّة، أو إننا شافعيون بسبب علاقتنا مع الكويت؟ لماذا لا نـُتهَم بذلك؟ لماذا هذا الضِيق؟! ألستُ عربيّاً، وأتكلـَّم معك بلسان عربيّ مُبين، وهل التشيُّع عربيّ أم غير عربيّ؟ لماذا يُسمَّى الشيعة شيعة؟ لأنـّهم شيعة عليٍّ، ومَن هو عليّ؟ هو كما يقول مُحمَّد عبده المصريّ: (كلام عليّ دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوق).. عليّ بن أبي طالب عربيّ، وعاصمته الكوفة لا شيراز، ولا أصفهان. نحن بلد التشيُّع العربيِّ لا الطائفيّ، ونمدُّ قلوبنا قبل أيدينا لنتصافح مع الجميع، ونقول: إنَّ حلَّ المُشكِلة في اليمن ليس بالتدخُّل، وقد قلنا مثل ذلك في ليبيا قبل اليمن.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنت تـُحدِث إسقاطات، وتتكلـَّف، ومن حقك، ولكن دعني أصحِّح لك، ولا تجعلني أسير بالطريقة التي تـُفكـِّر فيها: الحوثيّون لهم خلفيّة شيعيّة، فالعراق اعترض، وقال: نحن لسنا مع التدخـُّل العسكريّ، نحن عندما نختلف مع السعوديّة في مبدأ التدخُّل العسكريِّ هل يعني ذلك أنَّ القضيّة أصبحت قضيّة سُنـّيّة-شيعيّة؟! موقفنا ثابت، وقد رفضنا التدخُّل في ليبيا سابقاً. كلُّ ذلك يخضع لمبدأ واحد -حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد- وليس مُتعدِّداً. نحن نقول: لا يجوز التدخـُّل في شُؤُون أيِّ دولة، ولأيِّ سبب؛ لأنـَّنا عانينا من ذلك في العراق.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: مُستنِدة إلى اتفاقيّة الدفاع المُشترَك؟!! هل صُوِّت على اتفاقيّة الدفاع العربيِّ المُشترَك؟ هذا الموضوع لم يُصوَّت عليه بعدُ، بينما العمليّات بدأت قبله، فهل تدخل الغرفة، ثم يُفتـَح لك الباب؟ أم تفتح الباب، ثم تدخل؛ هذا كلام عجيب. إعلاميّ بهذه الشهرة، ولا تربط بين هذه القضايا. مُؤتمَر القِمّة العربيّة لم ينتهِ بعد.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن غير مسؤولين عن الردِّ إنما نحن مسؤولون عن طرح وجهة نظرنا، نحن غير مسؤولين أن نتنابز مع إخواننا وأعزّائنا، حتى المملكة العربيّة السعوديّة شقيقتنا نختلف معها في هذا، ولكن تبقى شقيقتنا، وتبقى تـُمثـِّل لنا حقيقة جغرافيّة، وحقيقة إسلاميّة، ونحن دولة مُسلِمة وهم دولة مُسلِمة. نحن لا نعبر الخطوط الحُمر، ولكن كلّ ما في الأمر أننا ثبَّتنا موقفاً، ونحترم الذي اختلف معنا. يجب أن نعتاد على أننا عندما نختلف مع الآخر نـُدير الاختلاف بعقليّة مُتكامِلة، وإنسانيّة، ومُتحضِّرة.. هذه هي الروعة؛ لا عالم بلا اختلاف، ولكن عالم بلا احتراب.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذا نرفضه، وهذا نقبله إذا كان واحداً فهو فعلاً تناقض، لكن إذا كان هذا يختلف باختلاف الموضوع، فنحن بماذا نواجه، نواجه عناصر إرهابيّة جاءت من أكثر من اثنتين وستين دولة من كلِّ قارّات العالم تجمَّعوا في العراق، أمّا الحوثيّة فظاهرة يمنيّة، وداعش ظاهرة ليس عراقيّة إنـَّما جاؤوا من الخارج، وزحفوا إلينا. ألم تسمع بهم في التلفزيون؟!
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: إن كان في ذهنك فارسيّة فلك أن تستنتج ما تشاء، ولكن لا تـُحمِّلني استنتاجاتك، الحوثيّة يمنيّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أرجو أن تـُراعي الدِقة في المصطلح -على تعبير هيغل: (حدِّد مصطلحك)- هل الفارسيّة دين أم قوميّة؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: كيف حصلت الحوثيّة في اليمن، وأصبحت فارسيّة في إيران؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: التشيُّع ليس لغة، التشيُّع ولاء لأهل البيت، وعندما تقول (فارسيّة) فهذا تعبير عن القوميّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لنـُعرِّف موقفنا بثقة، وبصدق، وبلا أيِّ خوف من أحد: نحن لا نرضى بتدخـُّل أيِّ دولة في شأن دولة أخرى، حتى لو كان تدخّلاً سياسيّاً يمسُّ السيادة، وعندما يكون عسكريّاً تتضاعف عمليّة الرفض، وعندما تقول لي: من زاوية شيعيّة فأنا بريء من هذا الكلام. نحن الآن على الأرض، وعندما انتـُهـِكت المحافظات الثلاث من إخواننا أبناء السُنـّة، الموصل وهي سُنيّة -وأنا خِرِّيج جامعة الموصل-، والأنبار وهي سُنيّة، وتكريت وهي سُنيّة ما الذي جعلنا نذهب إلى هناك، ونحمل أرواحنا على الأكفِّ دفاعاً عنها، هل لحماية الشيعة؟!! لا.. إنما لحماية إخواننا وأعزّائنا يحموننا ونحميهم، تشابكت أيدينا وأيديهم معاً؛ دفاعاً عن حياض العراق.. هذا هو المنطق الذي نعمل به.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هل أنت تحتكـَّم إلى العدسة كإعلاميّ، عندما تـُوصِلك العدسة إلى الحقائق تأخذ بها، أم لا؟ كم شيعيّاً قتل سُنـّيّاً رأيته بعينك في التلفزيون؟ قـُل لي: إنَّ مجموعة من الشيعة أمسكوا جماعة من السُنـّة، وقتلوهم، ورأيتهم في التلفزيون، هل رأيت بعينيك؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: سأقول لك ذلك، ولكن دعني أحكمك بكلامك: هل تعرف ماذا حصل في سبايكر؟ 1700 شاب قـُتِلَ، والجميع شاهدوا ذلك. أين كنت عنهم، وهم أكثر من 1700 شخص؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أريدك أن تـُثبـِت لي أنك شجاع في التراجُع، أنا أتكلم من العراق، وأنا ابن هذه الدار أنظر ما بها، وسواي ينظر من شُقوق الباب، أنا ابن العراق، وأنا خِرِّيج جامعة الموصل المدينة المنكوبة، فإذا كان هناك سُنـّيّ أحمق يقتل شيعيّاً، أو شيعيٌّ أحمق يقتل سُنـّيّاً فأنا بريء من الاثنين، وليس أنا فقط، وإنما المرجعيّة الدينيّة لها موقف، وصدحت بصوتها، وأطبق على الآفاق، فلا يُوجَد لدينا شيء اسمه طائفيّة. هذه فرصة أن تسمع مني حقيقة ما يجري، ولك عليَّ أن أستضيفك ببغداد، وأذهب بك إلى أيِّ منطقة؛ حتى ترى بعينيك. نحن لم نتهم السُنـَّة بأنـَّهم قتلوا الشيعة؛ لأنه حرام؛ لأننا نعلم أنَّ السُنـَّة والشيعة تتشابك أيديهم، وتمتزج أرواحهم ودماؤهم للدفاع عن العراق، فلا ينبغي أن نـُطلِق العنان بسهولة، وإذا حدث صدفة أنَّ هناك شخصاً سيِّئاً فلا نختزل الطائفة كلـَّها به، سواء كان سُنيّاً أم شيعيّاً، أمّا رسالة شيخ الأزهر فعندما قرأتها فـُجـِعت.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نعم.. فـُجـِعت؛ لأني أتوسَّم برجل بهذا الحجم أن لا يأخذ الخبر أحاديّاً: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبيَّنوا أن تـُصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أيُّ تأييد، هل حصلت مُظاهَرات تأييد؟!! نحن يا عزيزي في عصر النت، يجلس الشخص وبنقرة واحدة يُفرِّخ أصواتاً، وأنت تعرفها أكثر مني، لماذا تجذبك هذه الأشياء؟!
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أقول بكلِّ ثقة. إن تقـُل إنني مُشتبـِه -والله الذي لا إله إلا هو- لن أجد أيَّ تردُّد في أن أقول لك: إنني مُشتبـِه، لديَّ من الشجاعة ما أقول لك إنني مُشتبـِه، ولديَّ من الشجاعة أن أقول لك: إنـَّك مُشتبـِه. ما من مدينة في العراق إلا وفيها ثنائيٌّ مُتكامِل بين السُنـّة والشيعة، ولا تـُوجَد قبيلة عراقيّة من كبرى القبائل إلا وفيها سُنـّة وشيعة: تميم، وخزاعة، وعبيد، وشمر سُنـَّة وشيعة كلُّ قبيلة فيها سُنـَّة وشيعة، وكلُّ مدينة فيها سُنـّة وشيعة، علاوة على حالة التصاهُر بين السُنـّة والشيعة التي وصلت إلى 26.9%، أي: من كلِّ أربعة عراقيِّين أب وأبناء من مذهب، وأم وأخوال من مذهب آخر. هل تفي هذه كلها؟ أمّا دعوى أنَّ هناك مَن قال: إنَّ من الحشد الشعبيِّ مَن ارتكب كذا وكذا، فالحشد الشعبيُّ هو مَن أنقذ العراق يوم كان الكثير من الدول سادرة في سُبات عميق، حتى الحشد الدوليّ الذي جاء عندما انهارت الموصل. مَن الذي شمَّر عن ساعد الجـِدّ، ومَن حفظ أعراضهم، وحقن دماءهم، وحمى مُدُنهم؟ الحشد الشعبيّ، لأنَّ القوات العراقيّة المُسلـَّحة بعد لم تصحُ من النكبة التي أصيبت بها.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنت تـُحمِّل شيخ الأزهر كلاماً لم يقـُله.. هو استنكر، ونبَّه، وحصلت عليه الأجوبة. هذا الكلام غير صحيح، وأنت تعيد عليَّ نفس الكلام، ما تعني إعادة الكلام؟ أنت تـُعيد عليَّ الاتهام وأنا أنسف سببه، وأقول لك: هذا غير صحيح؛ أنت لستَ عراقيّاً، أنا عراقيّ، أنا أسألك عن مصر لأنك ابن مصر -أبناء مكة أدرى بشعابها- ليس من المعقول أن أنافسك في معرفة المُجتمَع المصريّ، أنت تسمع من عراقيّ. هل استضفتني حتى تسمع مني، أم تـُريد أن تـُملِي عليَّ قناعاتك؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لكن هناك أولويّة في المعرفة؛ وحتى تعرف لماذا حدَّد العراق موقفاً، ولم يقبل بالتدخـَّل في الشُؤُون اليمنيّة. إنَّ خلفيّة الرفض هو خشية أن يكون هناك تدخُّل عربيّ-عربيّ، وتـُفتـَح صفحات من التشابُك، والصراعات، ونحن لا نـُريد هذا. هذا كلامي وأنا مسؤول عنه، قلتُ لك هذا الرأي، ومَن الذي صنعه، وأنا أوصله بأمانة، أمّا قولك: إنَّ الحوثيِّين لهم خلفيّة شيعيّة، وهذا معناه أنهم مرتبطون بإيران فهذا في ذهنك، وليس في ذهني.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هل بقيّة الرؤساء قالوا هذا الكلام؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا.. هناك أكثر من دولة تحفـَّظت.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: كلاهما منع. هم بمُستوى التحفـُّظ، ونحن بمُستوى الرفض؛ فلا تـُكرِّر العراق فقط.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا.. لم نعترض، ولكن كانت لدينا مُلاحَظات تكميليّة، أنا أثنيتُ على المُبادَرة باعتبارها كشفت النقاب عن قراءة واعية للخطر الذي دهم العراق والشام، وقد يمتدُّ إلى دول أخرى؛ هذا يعني أن يُصبح تنهُّد لإيجاد قوّة عسكريّة بحجم الدول العربيّة، وفي الوقت نفسه تنتقل من تشخيص الخطر وردِّ الفعل إلى المُبادَرة لإيجاد درع أمنيّ، لكنَّ مشروعاً بهذا الحجم كان يجب أن يسبقه تداول بين الدول التي لديها جُيُوش، ولديها تجربة، ومدارس عسكريّة مُتميِّزة والعراق له هذه التجربة، فقد تأسَّس الجيش العراقيُّ عام 1920، وفي الوقت نفسه لديه تجارب، وقد خاض غمار حُرُوب مُتعدِّدة؛ ففي الماضي القريب حرب الخليج الأولى، والثانية، والثالثة فيجب أن يُعطى حِصّة من الحوار، وعندما تتلاقح بواكير الأفكار في البداية تأتي بمشروع من رحم الجامعة العربيّة، وحسناً فعل أن نادى بهذا، وأنا اليوم قلتُ: إنَّ أوروبا لم تتوحَّد، وتصبح الاتحاد الأوروبيّ إلا عندما بدأت بالناتو الدرع الأمنيّ، وثنـَّت بالسوق الأوروبيّة المُشترَكة، وأتمنى أن تكون السوق العربيّة المُشترَكة، وأمن للعرب يـُدافِع عنهم كلـِّهم، ولكن يجب التوافر على مُقدّمات كافية، وكيف يُؤسِّس أهدافه، واستحقاقاته، وطريقة إدارته، ثم: {واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} قد لا تنسجم مع وزراء خارجيّة، ووزراء دفاع، وقيادات عامّة للقوات المُسلـَّحة، للأمانة أقول: إنَّ السيِّد رئيس الجمهوريّة قال قبل فترة قصيرة يدعو مفاصل عسكريّة للتعرُّف إلى آرائها.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: كشف النقاب في خطابه قال: نحن بصدد التداول مع العناصر العسكريّة المُختصّة؛ حتى تـُرشِّد المُبادِرة؛ هذا كان يجب أن يُسبَق المُبادَرة، وبعد ذلك يُحرَّر.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: كان هناك تحفـُّظ على القوّة العسكريّة، أمّا إذا أردتَ أن تنقلني إلى اليمن فلدينا تحفـُّظات.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أثناء الحديث كنتُ أسمع بعض المُلاحَظات من هذا وذاك، وأفهمها، وعندما أحلـِّلها أنـَّهم كانوا يتطلـَّعون لأن تكون هذه القضيّة مطروحة مسبقاً، وبتعريف أدقّ: كيف يتشكـَّل هذا الجيش؟ من السُهُولة أن تبدأ به، ولكن يجب أن يأخذ حِصّة كافية من التفاهُم، والاتفاق، ثم يُدفـَع إلى طريق التنفيذ.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن مع كلِّ الحلول السياسيّة، ومع كلِّ الحلول السلميّة، ونـُؤيِّدها، ونتفاعل معها. أيّ بلد شقيق يتعرَّض لمُشكِلة يجب أن تتضافر جُهُودنا جميعاً من أجل حلـِّها، وهذا لا نقاش فيه، لكننا لا نـُريد تدخـُّل دولة في دولة أخرى خـُصُوصاً التدخل العسكريّ؛ هذا جزء من استراتيجيّة ثابتة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الدعم السياسيّ لا مُشكِلة فيه حتى إذا اختلفنا، وعلى الحكومة أن تبرهن أنَّ لديها مصداقيّة، وتتمتـَّع بهذه القدرة، وإدارة الملفِّ السياسيّ.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أن تتدخـَّل دولة في منع تسليح دولة فهذا لا نراه صحيحاً، ويخضع لنفس الشيء الذي قلناه في اليمن. نحن نرفض التدخـُّل.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الذي يحصل في العراق هو حُشُود دوليّة تجاوزت 60 دولة تواجدت في العراق، أي: إنَّ مُواطِني داعش من مُختلِف دول العالم، وعلى دول العالم أن تبرهن أنَّ هؤلاء لا يُمثـِّلونها.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: متى صرَّح السيد حسن نصر الله؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ومتى انعقد مُؤتمَر وزراء الخارجيّة العرب؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا بيـَّنت هذا الموقف بكلِّ وُضُوح، بأنـَّنا لن نقبل التدخـُّل في شأن اليمن، وذكـَّرت بزمن جمال عبد الناصر عندما دخل إلى اليمن في الستينيّات. هل قرأتَ ذلك، ماذا كانت النتيجة؟ من السُهُولة أن تبدأ بحرب، ولكن ليس من سهلاً أن تـُنهي الحرب؛ حتى في منطق القرآن الكريم: {أذن للذين يُقاتـَلون بأنهم ظـُلِموا وأنَّ الله على نصرهم لقدير}، لا أن تبدأ.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا لا أحيِّز خطابي. رفض الحرب واحد، أقول: لا للكلّ، ونعم للكلّ.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن لا نقبل بأيِّ طرف مُعتدٍ، وأيِّ دم يُهدَر، وأيِّ عمل عنفيّ يُسيء إلى النظام العامّ، ولكني أقول: إنَّ على الحكومة أن تبرهن أنَّ أبوّتها للشعب كلـِّه. ماذا يعني أن تكون كبيراً؟ أن تستوعب الأصغر منك، وعلى الحاكم أن يستوعب كلَّ المُكوِّنات، ويستوعب المُواطِنين كلـَّهم. الحوثيّون مُواطِنون من اليمن، ولديهم مُلاحَظات، وما على الحاكم إلا أن يفتح معهم حوارات. ما الذي عملناه نحن في العراق؟ عملنا آليّات الحوار، والحلِّ السياسيِّ، والحلِّ السلميِّ، ونفعَنا ذلك حتى ضدَّ داعش الذي جاء على فراغ، وتوتر، وخلافات سياسيّة موجودة بين الكتل السياسيّة سواء كانت في الإدارة المحليّة بالموصل، أم بالحكومة الاتحاديّة في بغداد، أم بين الحكومة الاتحاديّة وبين حكومة إقليم كردستان. عشرون نقطة اجتمعنا عليها تـُسمَّى (مُعاهَدة الشرف)، واتفقنا عليها، ونحن بصدد تطبيقها نقطة بعد أخرى، كان أوّلها تشكيل حكومة تضمُّ كلَّ الأطياف، وردم الثغرة بين المركز وبين كردستان، وغيرهما. السياسة تـُكمِل، وتـُمهِّد لقاعدة الأمن، لا أن نبدأ مُباشَرة: إذا لم تكن إلا الأسنـّة مركباً فما حيلة المضطر إلا ركوبها لا أبدأ بالأسنة والحراب، بل أبدأ بالحلول السلميّة، والاقتصاديّة، والثقافيّة. نحن نحتاج إلى إعادة نظر مرّة أخرى بمناهجنا في التربية والإعلام، ونفكـِّر بشكل استراتيجيٍّ لماذا هذه الأحقاد تأخذ منا؟ لماذا يسبق صوت الاختلاف على صوت الاتفاق؟ نحتاج إلى ثقافة جديدة، ولا نـُفكـِّر بعقليّة العسكر إمّا جُيُوش، أو نـُعسكِر المُؤسَّسات المَدَنيّة؛ هذا لا يُوصِلنا إلى نتيجة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هل الإيرانيّون يحتلون الكعبة؟!!
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هل أنت تعتقد بهذا الشيء؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: وكان جوابي أنـَّنا لا نسمح به؛ العراق بلد عربيّ، وبغداد عاصمة العراق، ونحن لدينا علاقات من موقع الثقة، ولن نسمح لأحد أن يتدخـَّل في سيادتنا.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: اسمح لي.. أنتم في مصر لديكم مَن يعبد الشيطان، ولكننا لم نتهمكم بأنكم تعبدون الشيطان، هل سمعتَ بعَبَدة الشيطان في مصر؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هل يحقُّ لي أن أحكم على كلِّ مصر بأنـَّهم عَبَدة الشيطان؟!! أرجوك دعنا نـُعقلِن الحوار. هل تعرف أنَّ هذا التصريح الإيرانيَّ أحدث وقفة مسؤولة من المسؤولين الإيرانيِّين. هناك فرق بين وجهة نظر إيرانيّ، وبين وجهة النظر الإيرانيّة، مثلاً: فخامة رئيس الجمهوريّة السيسي إذا صرَّح تصريحاً ما هل أعتبر أنَّ ذلك يُمثـِّل وجهة النظر المصريّة أم لا؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: فإذا قال السيسي سأقول وجهة النظر المصريّة، أمّا ركبت في مركبة مع سائق مصريٍّ شابّ، وقال كلمة مُعيَّنة، فهناك آراء مُتعدِّدة، فلا يُحكـَم على شعب بهذه الطريقة، الرجل الذي قال لك إنَّ إيران تستبيح الكعبة يجب أن يتقي الله.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا يخصُّني الرجل -حدِّث العاقل بما لا يُعقـَل فإن صدَّق فلا عقل له- أنا لا أعرف الرجل، ولا أسحق على ضميري. أقول: رأيتهم يتقرَّبون إلى الكعبة، ويتشرَّفون بالكعبة، مثلما رأيت المصريِّين، والليبيِّين، والأردنيِّين، واللبنانيِّين جميعاً. فكيف أتعقـَّل أنَّ الإيرانيِّين يستبيحون الكعبة. الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ضرب الكعبة بالمنجنيق هل تعلم بذلك أم لا؟ الناس يقفون طوابير لسنين؛ حتى يزوروا الكعبة، ويتشرَّفون بها، حتى يُؤدّوا الحجّ والعمرة. بهذه البساطة يُريدون أن يسرقوا الكعبة، ويُسيئوا إليها! هذا -يا أخي- غير صحيح.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هل كنتَ في القاعة؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا أيضاً كنتُ جالساً في القاعة، ولكني لم أسمع هذا الكلام.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنت تقيس على خبر واحد، وشخص واحد -مع احترامي له- إنَّ هناك تهديداً -وأنا لست إيرانيّاً؛ حتى أدافع، ولا كان هناك إيرانيّ حتى يُدافِع عن نفسه- أسألك أنت عندما تقول: الرؤساء العرب ووزراء الخارجيّة، فأنا واحد منهم وجالس في القاعة. كم واحداً منهم قال هذا الكلام؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لو سألتهم، هذه (لو الشرطيّة)؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: وأنت عمَّمت، وقلتَ: إنَّ هناك دولاً كثيرة، ثم قلتَ: إنَّ إيران تـُريد أن تسرق الكعبة. ما هكذا يا سعد تورد الإبل.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الدول العربيّة كلها كانت مُحتلة إلى الأمس القريب. أين مُعاهَدة سايكس بيكو، وما مصير الدول العربيّة بعد الحرب العالميّة الثانية، والمصائب التي وقعت علينا، لماذا لم يتكلم أحد؟ لماذا لم تتكلموا؟ لماذا لا تتحدَّثون عن هذا الواقع المُمزَّق الآن؟ أُتخِمنا بشعارات الوحدة: (أمّة عربية واحدة ذات رسالة خالدة). هذا الواقع المُتمزِّق أين أنتم منه؟! لنصنع تقارباً على الأقلّ إن لم يكن توحُّداً. لماذا نستهلك أنفسنا بمعارك موهومة لا أساس لها من الصِحّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنتم يا أخي صاهرتم الفرس، وأنتم من أصل واحد هم آريّون وأنتم آريّون، وأدخلتمونا في الوسط، هل قرأتَ في التاريخ أن بين الملك فاروق والأميرة فوزيّة مُصاهَرة، هل هذا التقارُب لديكم، فلا إيران عادت كما كانت سابقاً، ولا مصر عادت كما كانت سابقاً.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لنـُصالِح الشُعُوب.. الشُعُوب مُتحابّة، ومُتآخية، وكما قلتُ لك: عليك أن ترى العراق بعينك، وترى الأتراك، وترى الإيرانيِّين بعينك؛ فليس مَن رأى كمَن سمع. هؤلاء لديهم ثقافة استلاب الكعبة؟! أعوذ بالله، فلا يصحّ أن تضع في بالك.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنتظر جواباً منك.. أريد جواباً دبلوماسيّاً واضحا، بماذا تـُجيبه؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنت تـُصِرُّ على وجود ارتباط. ما هو الارتباط؟ لأنَّ هناك حقيقة جغرافية نحن نرتبط بإيران، ونرتبط بتركيا، ونرتبط بالسعوديّة. مرّة أخرى أقول لك: ماذا تقصد؟ أنا أتكلم معك وأنا عربيّ، هل لديك شكّ؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنت معروف عنك بالجرأة، ولكن دعني أكون أجرأ منك، هل لأني شيعيّ -ويُشرِّفني أني شيعيّ- أصبح العراق إيرانيّاً. هل تعلم متى دخل التشيُّع إلى إيران؟ دخل التشيُّع إلى إيران في القرن السابع الهجريّ/ القرن السادس عشر الميلاديّ، وكلهم كانوا سُنـّة، وسُنـّة مُتطرِّفين؛ ولسبب من الأسباب ارتبطوا بمذهب أهل البيت، فهل يجب أن نـُغيِّر التاريخ، ونـُغيِّر الحقائق، والإمام علي يقول عن المصريّين لمالك: ((يا مالك لقد ولـَّيتك خيار جُندي)) كان يحبُّهم، والمصريون يحبّونه. هذا القول قبل نشوء الدولة الفاطميّة. اقرأ التاريخ بطريقة مُستقبَليّة، وليس بطريقة ماضويّة، التاريخ نافذة المُستقبَل. اقرأه جيِّداً حتى عندما تـُقدِّم برنامجك كـُنْ مُستوعِباً وسابر غور الواقع، ومُستشرِفاً المُستقبَل. اقرأ، واتعب على كلِّ حلقة، وعلى كلِّ ضيف، ولا ترتجل؛ لأنَّ هذا سيُؤدِّي إلى ثقافة ليست صحيحة. أروع شيء بالمُثقـَّف أنه يُبحِر بسفينة رائدها وشراعها الحقائق والصدق، ابحث وأبحر. العالم اليوم -يا عزيزي- يعيش إعلاماً مُزيَّفاً -وأجلـُّك عنه- ومَن يُرِدْ أن يصل إلى الحقيقة بالضبط كأنه يغوص بالبحر حتى يستخرج لؤلؤة. لو كنتُ مكانك لقرأتُ عن حقيقة العراقيِّين الشيعة، وهل أصبحوا من الفرس، وهل إيران تـُريد أن تحتلَّ العراق، حتى لو تطلـَّب الأمر أن تـُسافِر.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنتَ تحتاج إلى رحلة للتعرُّف إلى الحقيقة، تحتاج إلى مُقارَبة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا أنا أحتكرها، ولا أنت تحتكرها. الحقيقة نسبيّة، والنسبيّة أقصد أنـَّها من الناحية الموضوعيّة كما تعلم أنا طبيب، وأنت عندما تتكلم بالطبّ هل تستكثر عليَّ أني أعرف بالطبّ أكثر منك، كما أني لا أستكثر عليك أنك تعرف الإعلام أكثر مني؟ فليس هذا بعيب، القرآن الكريم لديه مبدأ: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} فليس معنى ذلك احتكار الحقيقة، ولكن هذا مُختصّ، فلا أنا ولا أنت نفهم تركيا مثل التركيّ، والمصريّ يفهم مصر أكثر مني، والعراقيّ يفهم العراق أكثر من المصريّ. ليس هذا عيباً.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أعوذ بالله هذا نفاق، وليس تقيّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: دعنا أوّلاً نتحدَّث عن التقيّة، التعريف الذي تفضّلت به يعني النفاق وهو أن تـُظهـِر ما لا تـُبطِن، ولكن متى يضطرّ الإنسان لأن يُظهـِر ما لا يُبطِن؟ القرآن الكريم فرَّق التقيّة عن النفاق، وبينهما هناك خيط رفيع، الآن ماذا تعتقد لو أنَّ أحداً في العراق جاءت إليه مجموعة داعشيّة، وسألوه عن أناس يُريدون أن يفتكوا بهم، ويقتلوهم.. هل يُخبرهم أم ماذا يفعل؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نعم.. هذا هو في القرآن: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} يجب أن نـُطبِّق المفهوم.. المُنافِق يُخفي شيئاً يُريد أن يضرّك، ويُوقِعَك في الشراك، أمّا المُتقي فيتكلم معك على بشكل طبيعيّ، ولكن عندما تصل إلى حدِّ انتهاك حُرمة، وقتل إنسان بريء يحاول أن يُجيبك بجواب يبتعد عن هذا الخطر، كالإرهاب وما شاكل، وهذا مبدأ قرآنيّ، وأقرَّه الرسول صلى الله عليه وآله. امّا بالنسبة للسيِّدات زوجات الرسول -صلى الله عليه وآله- فمَن يقول لك: إنَّ الشيعة تقول بالسبِّ فليرجع إلى مراجع الشيعة المشهورين، ونحن لدينا مراجع معروفون، لا يُوجَد مَن يقول بالسبِّ، ولا يُجيز السبَّ أبداً.. لدينا مفهوم هو إنَّ زوجة النبيِّ -صلى الله عليه وآله- جزء من عِرضه، وكرامته؛ والنيل من عِرضها، وسبِّها، وشتمها غير مسموح به.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: سلـِّم لي عليها، وقل لها: اتقي الله بالرجل. هذا الكلام عارٍ عن الصِحّة، أنا لا أتهم الكويت، ولا أذكر الكويت إلا وأقول: دولة الكويت، وأحنُّ عليها، وأعلم كيف فتك بها صدّام، وصدام الذي احتلها لم يكن شيعيّاً، ولم يكن إبراهيم الجعفريّ، بل نعتقد أنَّ كلَّ دولة لها سيادتها، ولها أرضها، ولها كرامتها. يتقاربون -إن شاء الله-، ويُنشِئون سوقاً اقتصاديّة مُشترَكة، وينعمون بالأمن والحفاظ على دولهم، وعلى خـُصُوصيّاتهم.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ألم يكن قبل قليل الموضوع المطروح هو عن تدخـُّل إيران في اليمن. قلنا: إنَّ هذا شأن داخليّ، ولا نرى من المصلحة أن نـُعسكِر الحلول، وهذا يُمكِن أن يحصل مع ليبيا -لا سمح الله- ومع مصر، ومع العراق، ومع أيِّ دولة في العالم، ولكن ما علاقته بإيران؟ أنا أناقش قضيّة أننا لسنا مع عسكرة الحُلـُول، وأنـّنا مع الحلول السلميّة فقط. هذا ينطبق على كلِّ دول العالم، ولا علاقة لإيران بهذا.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الرئيس اليمنيّ في أقصى مداه رجل اجتهد بهذا الفهم، وهذا يخصّه، أنا أتكلم على وجهة النظر العراقيّة. نحن إنما قلنا: إنَّ موقفنا لا يُؤيِّد دُخُول قوات عسكريّة في أيِّ بلد عربيٍّ، وعندما أقول: لا نـُوافِق على دُخُول قوات مُسلـَّحة إلى اليمن؛ لأني أريد أن أجنــِّب اليمن والمملكة العربيّة السعوديّة والبلدان الأخرى تجارب حُرُوب عربيّة تجرُّ إلى اقتتال، وإلى مشاكل، وتـُورَّث جيلاً بعد جيل. ألم يدخل جمال عبد الناصر في قضيّة اليمن ماذا كانت النتيجة؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: من السابق لأوانه أن نتحدَّث عن النتائج المُترتـِّبة، فنحن نتمنـَّى الخير لليمن، وأن تحلَّ مشاكلها بنفسها من دون أن تدخـُّل أيِّ دولة أخرى.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: قد يكون من مصلحة بعض الدول أن تجعل المنطقة مُلتهـِبة، باختصار: عالم عربيّ مُضطرب؛ لتحقيق استقرار دولة واحدة، دولة تستمدُّ استقرارها من الدول التي من حولها، نعم.. قد يكون هذا موجوداً، ولكننا نتكلم على ظاهرة داعش، وما هو الذي ولـَّدها، وهو ثقافة السخط، والاستياء. المُواطِن المُسلِم ينتمي إلى عالم ثريّ هائل بثرواته وهو يعيش فقيراً؛ لذلك ولـَّدت لديه استياءً وسخطاً، وجاءت أصابع السوء لتـُوظـِّف هذا الاستياء بطريقة تجعله أداة للانتقام، وهو لا يشعر كيف توجِّهه أصابع السوء.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: مرّة أخرى أجدِّد لها السلام، ومرّة أخرى أرجوها أن تـُفسِّر كلامي من خلال كلامي. هذا نقاش في علم الكلام بين علماء المُسلِمين سنة ًوشيعة. أنا لست مُتفرِّغاً لهذه القضايا، ولا أرجِّح، ولا أحبّذ أن أدخل في متاهاتها، ولكن هناك مُعتقـَد لدى الشيعة بأنَّ الإمام عليّاً أولى بالخلافة، ولديهم نـُصُوص يعتمدون عليها، وهذا المُعتقـَد لم يصنع لنا مُشكِلة؛ لأننا لسنا في عصر الإمام عليٍّ -عليه السلام- ولا في عصر أبي بكر وعمر وعثمان، وهذا شيء تاريخيّ، ولكن كيف تعامَل الإمام عليّ مع أبي بكر، وعمر، وعثمان؟ ألم يقـُل الخليفة الثاني عُمَر بن الخطاب: لا أبقاني الله لمُعضِلة ليس فيها أبو الحسن، ألم يجعل من ولديه الحسن والحسين يقفان، ويُدافِعان عن عثمان، وعندما دخل الجاني على عثمان دخل من الباب الأخرى، وتجنـَّب الباب الذي يقف عليه الحسنان؛ حتى يقتله، وقتله. لماذا لا نأخذ هذه النقاط الإيجابيّة؟ فيجب أن نقرأ التاريخ بما يُعمِّر، ويُشيِّد واقعنا الجديد. هل تعلم سنـُصبـِح مثل مَن؟ سنصبح مثل بيزنطا.. عندما احتلوها تناقشوا مَن يحكم اللاهوت أم الناسوت، أي: الجانب الروحيّ، أم الجانب البدنيّ، وجاءت القوات، واحتلت بيزنطا، وهم مُستغرِقون في النقاش البيزنطيِّ. إلى أين يُوصِلنا هذا.. سلامي لهذه الفتاة (يحفظها الله) لنـُفرِّغ أنفسنا لواقعنا الحاليّ. أقول لك: هل كان عليّ، وعُمَر، وأبو بكر، وعثمان يُصلـُّون أم لا؟ ليُصلِّ المُسلِمون مثلما كانوا يُصلـّون، ويعلموا من أجل الإسلام. هم اختلفوا فيما بينهم، ونحن نعلم ذلك، وكلُّ واحد لديه اجتهاده، ويُعطي لهذا الحقَّ أو لهذا الحقّ، لكنَّ هذا لا يعني أن يُكفـِّر الآخر.. نعوذ بالله.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هي دعوة وُجِّهت لي، وأنا استجبتُ، ومثلما زرتُ أغلب دول العالم فمن الطبيعيِّ أن أزور سورية وهي على الحُدُود، فزرتُ سورية، والتقيت وليد المعلم، ثم التقيتُ الدكتور بشار، وجرى حوار مفتوح؛ لتقييم التجربة السوريّة، وبيـَّنا رُؤيتنا، وركـَّزت كثيراً على ما تكلـَّمت به معك، ولمسته اليوم في مُؤتمَر القِمّة العربيّة، وضرورة اعتماد الحلِّ السياسيِّ، والرجل كان يُظهر استجابة بأنـَّه من الضروريِّ وجود القوى السياسيّة المُختلِفة، والحُرّيّة السياسيّة، والتعدُّديّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذا التفصيل ليس شأني.. عندما رفض الشعب الليبيّ القذافي وقفنا مع الشعب الليبيّ، ووجَّهت خطاباً إلى البرلمان العراقيّ، وقبلها الشعب التونسيّ حين وقف ضدَّ زين العابدين بن علي، ووجَّهت خطاباً لصالح الشعب التونسيّ، ولكن عندما رأينا الشعب السوريَّ مُنقسِماً، بعضهم مع النظام، وبعضهم ضدّ النظام ليس من حقي أن أقف مع أيِّ النصفين، وأقول: أنا ضدّ أو أنا مع، بل يجب أن أحترم الشعب السوريَّ، فقلنا: إنَّ التغيير السياسيَّ في سورية للشعب السوريّ، ونأمل إطلاق سراح السجناء، وتطوير العمليّة السياسيّة، ونأمل التعدُّديّة الحزبيّة، والحُرّيّة للشعب السوريّ.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: موقفنا ليس من زاوية طائفيّة.
العودة إلى صفحة الأخبار |
|