الجعفري: لابد من وقفة واعية ومسؤولة لتقييم التظاهرات المستمرة لأكثر من مائة يوم التي لم تسجل أيَّ سابقة مثيلة لها.. تقادم الزمن لا يسقط الحقوق ولا يعذر الجناة ممّا يستدعي تحديدا دقيقا في معرفتهم ومساءلتهم والابتعاد عن التوصيفات الغامضة كمصطلح الطرف الثالث الجعفريّ: جرائم الاغتيال والقتل والتمثيل بجُثث الموتى انتهاك سافر لحُقوق الإنسان وهو جرس إنذار بتهديد السلم المُجتمَعي وزرع الفتنة ونشر الفوضى في وقت يجب أن يتحمَّل الجميع مسؤوليته الوطنية عبر التعاون على حفظ وحدة الصفِّ الوطني وعدم زعزعة الأمن والاستقرار الجعفريّ: يجب مُحاسَبة كلّ من تورَّط في إراقة دماء أبنائنا المُتظاهِرين والقوات الأمنيّة وإنزال القصاص العادل بحقهم.. الردّ العراقيّ الوطنيّ المُوحَّد هو الذي جعل الهمَّ العراقيَّ فوق كلِّ الهُمُوم وإنسانه فوق كلِّ اعتبار وساهم في تجنب المزيد من الأزمات الجعفريّ: التظاهرات تعبيرٌ عن المُطالَبة عن كلِّ حقّ مهدور وكرامة مُنتهَكة ومال مسروق وسياسة فاسدة وتدخّل أجنبيّ فاحش!!.. يجب منع استخدام السلاح ضدّ المُتظاهِرين وتفقُّد عوائل الشهداء ورعايتهم.. وإلغاء بدعة المُحاصَصة "سيِّئة الصيت" في التشكيلات الحكوميّة رسائل الأيام للدكتور إبراهيم الجعفري الجعفريّ للعرب: لا تنظروا إلى حجم سكاننا بل انظروا إلى قوة إرادتنا وإصرارنا على حقوقنا.. المطلوب من الجامعة العربية أن ترسم أولوياتها على ضوء المصالح والمخاطر وتُفكـِّر بحجم الإنسان العربيِّ والقدر العربيِّ.. وأن ننتهي بنتائج ولا نكتفي بالكلمات والخطب الجعفريّ للعرب: أصبح صوت العراق مسموعاً وأصبحت إنجازاته موضع احترام العالم.. نحتاج إلى وُقوفكم إلى جانبنا ونحن لا نطلب دماء أبنائكم بدلاً من دماء أبنائنا ولكن عليكم مُساعَدتنا في مُواجَهة داعش خُصُوصاً أنَّهم جاؤوا من بلدانكم ومن أكثر من مئة دولة الجعفريّ لوزراء الخارجيَّة العرب: نحن لا نـُمثـِّل حُكـَّاماً وحكومات فقط، بل نـُمثـِّل شُعُوباً عربيَّة وإضعاف أيِّ دولة إضعاف لنا جميعاً.. داعش يستهدف كلَّ دول العالم خُصُوصاً الدول العربيَّة؛ لذا عليكم أن تُتابعوا ما يجري في العراق خطوة خطوة الجعفريّ من جنيف: العراق من الدول التي تعاني من نار الإرهاب ومن الدول المنتصرة على الإرهاب وحاولتْ بعض الجهات الدوليَّة التي تدعم الإرهاب إلى إرباك جهدنا و‏تزييف الحقائق واتهام مُؤسَّسة الحشد الشعبيِّ وبلا دليل، وهي لا تخدم في حقيقتها بذلك إلا الإرهاب الجعفريّ: تـُوجَد الآن دول عظمى تفكِّر بعقليَّة (كاوبوي) -رُعاة البقر-، بينما العراق يتعامل بطريقة إنسانيَّة حتى مع خصمه؛ لأنه تعلـَّم على شيء اسمه كيفيَّة غضِّ النظر عن الجزئيَّات، ويفكر بالحلول أكثر ما يفكر بالمشاكل

لقاء قناة العراقيّة الفضائيّة بالدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّة 17/12/2014
الاخبار | 17-12-2014

الجعفريّ: استثمرنا كل الفرص لإبرام علاقات قويّة تضع العراق على مشارف مرحلة جديدة، وأنـَّه لا يُوجَد شيء اسمه قطيعة، ولكننا لا نزعم أنـَّه لا تـُوجَد خلافات بيننا وبين بعض الدول.. الخلافات جزء من عالمنا، فلا يُوجَد عالم بلا اختلافات، لكننا نـُريد عالماً بلا احتراب، وبلا مشاكل.. الدبلوماسيّة تقول بكلِّ صراحة بوجود خلافات، لكنـَّها تـُهندِس نظريَّتها في التعامُل، ولا تـُوجَد مُشكِلة عصيّة على الحلِّ من الناحية الدبلوماسيّة.. عمل الدبلوماسيّ هو مُحاوَلة وضع حُلول، والابتعاد عن شفير الحروب، وحفظ الاختلافات في فضاء لا يضرُّ بنا، ولا يضرُّ بالآخرين..

الجعفريّ: سنتواصل مع دول العالم، ونحن صريحون في التأشير على نقاط الاختلافات بيننا وبينهم، وكنا صريحين أيضاً في حقوقنا، وصريحين في الردِّ على أيِّ تساؤل من طرفهم، والتقينا في كلِّ بلد مع قيادات الخط الأوَّل، وتحدَّثنا بكلِّ ثقة معهم جميعاً..

الجعفريّ: هناك بون شاسع بين أن يُواجـِه العراق أجواءً مُختنِقة، ومُنكفِئة، ولا تستجيب، وبين أن تتسابق دول مُتعدِّدة من أجل أن تسمع خطاب العراق، وتلتقي بالعراق، وتزور العراق، وقد التقينا بهم، واستقبلـْنا قسماً كبيراً منهم.. القسم الباقي يتحيَّن الفرصة ليزور العراق، وهناك تجاوب..

الجعفريّ: الخطابات التي سمعناها ليس في دهاليز وأروقة الغرف فقط، وإنـَّما سمعناها على منابر عامّة بشكل علنيٍّ سواء في جدّة، أم باريس، أم نيويورك كانوا يُركـِّزون على العديد من النقاط، وكأنـَّهم اجتمعوا سابقاً، واتفقوا على أنَّ داعش ليست إسلاميّة، وأنَّ الإسلام منها براء، والعراق ضحيّة داعش، ويجب أن لا نترك العراق وحده، ويجب أن نـُقدِّم المُساعَدات، ونـُثمِّن موقف الحكومة الجديدة، وكانوا يُكرِّرون هذه الكلمات.. هذا مكسب؛ لأنَّ الأمم المُتحِدة لم تشهد في تاريخها هذا، ورئيسها الذي كان يُدير جلسة مجلس الأمن (جون كيري) قال لي: لم أجد الأمم المُتحِدة تقف إلى جانب قضيّة بالإجماع، وبهذه الدرجة من القوة مثلما وقفت هذا الموقف..

الجعفريّ: العالم اتجه الآن إلى العراق، وبدأ يحسُّ أنَّ طبول الحرب قد قـُرِعت، والعمل الإرهابيَّ في العراق لا يقف عند حدود العراق -ولا نتمنى أن تمتدَّ إلى بلدان أخرى لكنـَّها لم تبدأ في العراق، ولم تنتهِ في العراق- فنحن إذن أمام موسم، وهذا الموسم بدأت فيه المِحنة على الأرض العراقيّة بشكل فاقع، وصارخ، لكنـَّها هدَّدت بقيّة دول العالم، ولم تقف عند حدود التهديد إنـَّما مارَسَت أعمالاً إجراميّة في البرلمان الكنديّ، وقتلت ثلاثة من حُرَّاس البرلمان.

الجعفريّ: في أحد خطاباتي في جامعة لأحدى هذه الدول تحدَّثت عن الدول الداعمة للإرهاب، قلتُ: لا يقتصر دعم الإرهاب على تقديم السلاح فقط، فقد يكون في التدريب، وقد يكون بالإعلام، وقد يكون بالمال، وقد يكون بالخطباء، وقد يكون بأن تسمح بمرور الإرهابيِّين بأرضها للدخول إلى العراق، فالإرهابيُّ لا يقفز من مِضلـَّة إنـَّما يحمل جنسيّة، ويمرُّ بدول الجوار الجغرافيّ، ويدخل إلى العراق؛ إذن هذه الدول مُتورِّطة بالإرهاب لتهيئة مُقدّمات عمل إجراميّ، لكنـَّنا نـُميِّز بين أن تكون هذه الدول التي عبرت منها مجاميع الإرهاب عن قصد، وتسهيل، وبمرأى ومسمع الحكومات، وبين أن تكون قد اخترقتها مجاميع الإرهاب مثلما اخترقت العراق، ووصلت إلى الموصل..

الجعفريّ: يجب أن نـُفكـِّر الآن كيف نضمُّ دول العالم إلى الإرادة العراقيّة، بل الإرادة الإنسانيّة؛ لأنَّ خطر داعش، وإن كان يتمظهر في العراق، وفي سورية قبل العراق إلا أنـَّه يُهدِّد كلَّ العالم، وعلينا أن نصنع شيئاً جديداً اسمه (تكتيل، وتكثيف الجهود الإنسانيّة لمُواجَهة خطر داعش)، وإشعارهم بأننا وإياكم نلتقي على خطر واحد.. وهو الإرهاب، ومن استراتيجياتنا في الدبلوماسيّة العراقيّة هو الموقف من داعش؛ لأنـَّه خطر ليس هامشيّاً إنـَّما هو خطر حقيقيّ، فلا تزال الموصل وهي أكبر مدينة في العراق تحت قبضة داعش، وخطرها مُستمِرّ، ويُهدِّد الأقليّات، ويُهدِّد المُسلِمين، ويُهدِّد السُنـَّة، ويُهدِّد الشيعة؛ فهذا قفز إلى مُستوى الأولويّات؛ لذا عندما نرسم سياساتنا مع كلِّ دولة مُعيَّنة لدينا مصالح وفيها تراتـُب، ولدينا أخطار، وفي أوَّلها داعش في العراق.

الجعفريّ: لسنا مَن شكـَّل التحالف الدوليّ، ولكنـَّنا استثمرناه، إذ إنَّ دولاً كبرى ساهمت فيه، وتعهَّدت، وجمعت كلَّ جهودها، وصداقاتها، وعلاقاتها من أجل أن تتمظهر على شكل تحالف، فليس بيدنا أن نشكِّله، ولكن بيدنا أن نستثمره، ونـُوجِّهه لصالحنا، واستثمرناه.. أمّا الدول خارج التحالف فنحن نستثمر دعمها، وإسنادها، فالسيِّد وزير الخارجيّة الصينيّ التقى بي في نيويورك، وقال: نـُريد أن نـُساعِدكم، لكنَّ سياستنا أن لا ندخل في تحالفات عسكريّة دوليّة. قلتُ له: لكم هذا، ونحن لا نقتصر على بوّابة التحالف الدوليّ، والأمر نفسه مع الجمهوريّة الإسلاميّة، وهي ليست عضواً في التحالف الدوليّ، ولكن يجب أن تكون بإدارة القوات المُسلـَّحة العراقية، وبالتنسيق معنا..

الجعفريّ: استثمرنا التحالف الدوليَّ، ولم نقتصر في تعاملنا مع من يُريد أن يُساعِدنا خصوصاً عندما تكون دولة جوار جغرافيّ؛ لأنَّ الخطر الذي يدهم العراق اليوم لا يقف عند حدود العراق، فليس من الغريب أن نـُنسِّق مع دولة جوار حتى وإن لم تكن عضواً في التحالف الدوليِّ؛ لمُواجَهة خطر داعش الذي قد ينتشر..

الجعفريّ: نحن لدينا ثابت استراتيجيّ لا نحيد عنه، وهو الحرص على إقامة علاقة مع أيِّ دولة من الدول بخاصّة إذا كانت مُحادِدة للعراق إذ يزداد حرصنا على ذلك، فلابدَّ من إقامة علاقة رغم الخلافات، ونحن لا ننفي وجود خلافات.. نحن نعي الخلافات، ونعي حقوقنا، وجريئون بإعطائهم حقوقهم عندما تكون لهم حقوق، لكنَّ الثابت الاستراتيجيَّ هو لابدَّ من وجود علاقة، فلا يتسنـَّى لنا أن نـُوصِل طلبات العراق المشروعة، وحقوقه الوطنيّة إلى الآخر من موقع القطيعة؟!.. لابدَّ أن نجلس إلى جانبه وجهاً لوجه من دون لغة خجولة، فنـُبيِّن الحقوق، والطلبات، والمصالح، ونـُحدِّد المخاطر؛ هذا كلـُّه يأتي من موقع العلاقات. فعلاقتنا مع تركيا، وإيران، وسورية، والكويت، والسعوديّة، والأردن أمر ثابت لا نـُناقِش فيه، وكذلك حوض ما بعد دول الجوار الجغرافيّ..

الجعفريّ: لم تعُد قضيّة داعش في أيِّ مسرح من المسارح التي ظهرت فيها أمراً محليّاً إنما هي أمر تتداخل فيه الإرادات الداخليّة والخارجيّة إقليميّة ًأو دوليّة، وكلّ وحدة يُوجَد لديها فهم لكيفيّة التعامل مع هذا، وتحسب حساباته. بالنسبة لنا نحن نبحث عن مُشترَك سواءً كان بتحقيق المصالح أم مُشترَك في الخطر الذي يُواجـِه داعش، ونبني على هذا.. استثمرنا وجودنا في تركيا، وكانت هناك تصريحات علنيّة. ألقيتُ مُحاضَرة في جامعة أنقرة، وقد حضرها عدد كبير إضافة إلى الأساتذة، و25 سفيراً، إحدى المُتحدِّثات قالت لي: أنتم حقكم، وصحيح أنَّ داعش بهذا الشكل، لكنَّ أصول داعش جيِّدة وخيِّرة.. فاستاء الحضور من هذا التعليق، فقلتُ لها: إبليس كانت بداياته جيِّدة، ولكن لا يكفي أن تكون بدايات الإنسان جيِّدة، إنما يجب أن يستمرَّ إلى نهاية الخطى..

الجعفريّ: استراتيجيتنا تعمل على إمكانيّة أن يلعب العراق دوراً في التقريب بين الفرقاء الإقليميِّين، أو الدوليِّين، أو طرف إقليميّ مع طرف دوليّ.. ليس لدينا مانع، لكننا لا نـُريد أن نتدخـَّل في شؤون أحد، وقد حصلت بعضها، وشقـَّت طريقها إلى الأمام، وبعضها رُبَّما تكون بعيدة عن الإعلام. حصلت مثلاً: بين أميركا وسورية -هناك مسافات ليست قليلة بين البلدين-، مثلما تـُوجَد مسافات بين أميركا وإيران. عندما قرَّرت أميركا أن تضرب أوكار داعش في سورية اتصل بي وزير الخارجيّة الأميركيّ، وقال لي: مُمكِن أن تـُوصِلوا رسالة إلى سورية؟ قلتُ: هذا يعتمد على مفادها. قال: قصف مواقع داعش. قلتُ: إذا كان بالشروط العراقيّة، بأن لا يكون انقضاضاً على النظام، أو تدخُّل في شؤون النظام، ولا تـُعرَّض المناطق الآهلة بالسكان، والابتعاد عن الأهداف المَدَنيّة، فأخبرتُهم بأنـَّه لا تـُوجَد لدينا مُشكِلة، وبالفعل أخبرتُهم، وكانوا مُمتنـِّين.. وقالت الخارجيّة السوريّة بأنَّ هذه الضربة فيها تنسيق، وعندما نفت الخارجيّة الأميركيّة عقـَّبت الخارجيّة السوريّة أنـَّه يُوجَد تنسيق والذي قال هو الدكتور إبراهيم الجعفريّ، ولم يُجـِب أحدٌ من الجانب الأميركيّ، ولو كانوا قد قالوا غير هذا لصرَّحت علناً بأنـَّة يُوجَد تنسيق. عندما تُضرَب منابع الإرهاب في سورية فنحن نتدخَّل بهذا القدر مادامت عوامل الإرهاب مُتداخِلة. نحن لا نتدخَّل في شؤونهم، لكنَّ طبيعة هذه الأمور فيها تداخُل، فقسم يتداخل مع عوامله وجذوره ونتائجه بين دولة ودولة أخرى. هذا التداخل لا نستطيع أن نمنعه..

الجعفريّ: إيران دولة جوار، ولديها أكثر من 1000 كم حدود مع العراق، ودول الجوار تؤثر وتتأثر.. إيران وقفت إلى جانبنا قبل أن يتشكـَّل التحالف الدوليُّ، هذه حقيقة على الأرض، فمن الطبيعيّ أن يتحرَّك مُستشار أو أكثر من مُستشار؛ لأنـَّنا نحتاجه بخاصة أنَّ إيران سبقتنا في مُواجَهة الإرهاب، وسبقتنا في ثورة 1979، وقد سمَّيتها (الثورة السادسة) في العالم، ونحن لا نخجل أم أن نـُكبـِر بها بشرط أن لا يتحوَّل هذا التداخُل على الأرض إلى تدخـُّل في السياسة، واستفراغ القرار الوطنيِّ العراقيِّ من مضامينه الحقيقيّة.. فإذا كانت أميركا تعتبر أنَّ خطر داعش في العراق يُؤثـِّر في الأهداف القوميّة الأميركيّة، والاستراتيجيّة الأميركيّة فكيف بإيران وهي دولة جوار جغرافيّ، وقد يمتدُّ إليها هذا الخطر، فمن الطبيعيِّ أن تتعبَّأ بسرعة للدفاع من الناحية الإنسانيّة والأخلاقيّة، ولأجل إيقاف تمدُّد الخطر..

الجعفريّ: عندما نبرم علاقة مع دول العالم نحن نسير على هجائيّة طريق واضحة غير معصوبي العين.. أعني أنَّ السيادة العراقيّة خط أحمر لا نسمح أبداً لأيِّ دولة مهما بلغت أن تـُحوِّل العراق إلى قاعدة، ولا نسمح باختراق سيادتنا، ولا نسمح بأن تكون القضية على حساب مصالحنا وخيراتنا.. نحن نـُؤمِن بتبادل المصالح على أن لا تتحوَّل إلى عمليّة ابتزاز حتى لو لم تمسَّ السيادة.. نحن نسير على بيِّنة من أمرنا بالتنسيق مع الوزارات المُختصَّة، وتحت ظلِّ الحكومة.. أعتقد أنه لا يُوجَد مانع من أن ننفتح بثقة بشرط أن لا تـُمَسَّ السيادة.. يجب أن لا تتضرَّر المصالح العراقيّة، ويجب أن نـُوظـِّف هذه العلاقات لخدمة المُواطِن العراقيِّ من خلال تنشيط الاقتصاد..

الجعفريّ: يجب أن لا نغفل عن أن لا تتحوَّل المُساعَدات إلى قاعدة؛ فإنـَّما سُمِّيت القاعدة؛ لتدل على شيء راسخ ومُستقِرّ واستراتيجيّ، وهذا لن نسمح به.. الدول في الحرب العالميّة الثانية إلى الآن تنوء بثقل القواعد الموجودة فيها سواء في اليابان أم تركيا، أم ألمانيا، وهي دول عظمى.. لسنا مُستعِدّين لأن نـُعيد شبح القواعد مرّة أخرى. أمّا أن تـُساعِدنا في ظروف استثنائيّة بغطاء جويّ مثلما كتبتْ الخارجيّة رسالة إلى مجلس الأمن تطلب بها مُساعَدة بشروط؛ لتـُجنـِّب العراق مغبّة الوقوع في شراك القواعد، والتواجُد الدائم..

الجعفريّ: خاطبنا الجميع، وقلنا لهم: اسبقوا داعش في المُواجَهة على أرض العراق قبل أن ينتقل داعش إلى أراضيكم، ولا تستغربوا ذلك؛ لأنَّ داعش الموجود على الأرض العراقيّة هو من قارّاتكم، وجاؤوا من بلدانكم من أميركا، ومن بريطانيا، ومن فرنسا، ومن أستراليا، ومن كندا، ومن دول عربيّة فالذي يأتي من هذا البلد إلى هنا ما الذي يمنعه من أن يقوم بنفس الفعل في بلده. وهذا ما حصل في كندا، ويُؤسِفني ذلك.. والآن صارت ثقافة لدى المُواطِنين فضلاً عن المسؤولين بأنَّ خطر داعش لا يقتصر على الأرض التي يتواجد فيها اليوم، فهو اليوم في العراق وغداً وبعد غد –لا سمح الله- قد ينتشر في كلِّ العالم..

الجعفريّ: العراق تعرَّض إلى خسائر مفاجئة بالنفط بسبب انخفاض أسعار النفط من 100 إلى 65 دولاراً، علاوة على انخفاض كمّيّة النفط المُصدَّر؛ بسبب جرائم داعش في منطقة الموصل.. كنت على مدى سنوات أركز على ضرورة استثمار الموارد النفطيّة، وتحريك الموارد، وعبَّرت عن أنَّ اقتصاد العراق يمشي بساق واحدة، والنفط قد يتعرَّض إلى انخفاض في منسوب الإنتاج، أو الأسعار، وقد يتعرَّض إلى إغلاق في السوق الدوليّ، وغيرها، وقد أتخمتُ الفضائيّات، وكيف نستفيد من تجارب العالم، وكيف يتعاملون مع الثروة؛ حتى يتلافوا المشاكل المحتملة.. نأمل استثمار الكثير من الموارد الاقتصاديّة على المدى المُتوسِّط والبعيد، علاوة على الثروة المعنويّة والسياحيّة فهناك الملايين من الزوار يأتون إلى العراق، ويُمكِن أن تأتي كمّيّات أخرى من الخارج.. اليابان ضُرِبت، وألمانيا ضُرِبت ودُمِّرت في الحرب الثانية، ولكنها استطاعت أن تبني، والآن دخل الفرد اليابانيّ هو الأعلى في العالم.. لماذا؟ لأنها عرفت كيف تتعامل مع الحصار، وإيران أيضاً عرفت كيف تتعامل مع الحصار.. يجب أن نبحث عن موارد جديدة، ونخلق فرص العمل، ونُشجِّع القطاعات الخاصّة..

الجعفريّ: هل تـُوجَد دبلوماسيّة نشطت كما نشطت الدبلوماسيّة العراقيّة في هذه الثلاثة أشهُر الأخيرة؟.. حتى في سفاراتنا التقيتُ مع أبنائنا وبناتنا في مُختلِف العواصم التي زُرتها، فلم أستثنِ العاملين في بعثاتنا، وكذا زُرتُ الجالية، واستمعتُ إليهم من كثب، وماذا يُريدون، وماذا نـُريد منهم، وسجَّلت مُلاحَظاتهم، وأبلغتهم بما نـُريد منهم.. هذه السياسة الجديدة لا يُظلـَم منكم أحد إطلاقاً، ولكن لن يُفلِت من العقاب أيُّ فاسد.. الدبلوماسية الجديدة في خدمة المُواطِنين.. نحن نـُريد عملاً، ونـُريد انسجاماً، ونـُريد أن يتعاملوا كمُؤسَّسة لا كمزاج..

الجعفريّ: وزارة الخارجيّة، وسفاراتها، وبعثاتها مُؤسَّسة تتعاطى على أساس مصالح العراق، ونحن قمنا بجولة، وفي كلِّ دولة نذهب إليها نـُكرِّر لقاءاتنا معهم جميعاً، والتقيتُ داخل الوزارة بعدد غير قليل من الدوائر، واستمعتُ إلى مُديري الأقسام والموظفين الكبار، وأسمعتهم سياستنا الجديدة.. لا تـُوجَد عندنا مُجامَلة. أنا أعرف أنَّ هناك فساداً، ونحن جادُّون في مُعالـَجته.. قلتُ في كلِّ سفارة زُرتُ البعثة فيها، وحتى في بغداد: أنا أعرف أنـَّكم مُتنوِّعون، وأنا سعيد بهذا التنوُّع، وهو كباقة ورد مُتنوِّعة الألوان، ولكن حذارِ حذارِ أن تتحوَّل عمليّة الانتماء إلى أيِّ خلفيّة إلى بديل عن الوطنيّة العراقيّة. لن أسمح بذلك أبداً.. العراق لكلِّ العراقيِّين، والوطنيّة العراقيّة تتقدَّم على كلِّ الانتماءات..

الجعفريّ: أنا أسمع أنَّ هناك تزويراً في بعض الدوائر -وكلّ شيء أسمع به لا أهمله، ولكن لا نتصرَّف معه بعقليّة الكيد، أو الهَوَس، أو هستيريا الانتقام من الآخرين- يجب أن نـُثبـِت لبناتنا وأبنائنا بأنـَّهم مؤتمنون، لكنّ مَن لديه خلل أو فساد في شهادته، أو في أمواله، أو في علاقاته، أو في تواطؤه مع دول مُعيَّنة، أو غير ذلك فهذا غير مسموح به.. التُهمة تبدأ دائماً بالادّعاء، والادّعاء كما يقولون سهل المَغنم، أنا الآن أستطيع أن أدَّعي عليك، وتستطيع أن تدَّعي عليَّ، ولكن حتى تتحوَّل هذه التهمة إلى حقيقة من صالح المُتهَم أو المُتهـِم الذي يتهمه يُراد لها تحقيق؛ وإنـَّما سُمِّيَ التحقيق تحقيقاً؛ لأنـَّه يُحاول أن يبحث عن الحقيقة كما هي، ويُعطي كلَّ ذي حقٍّ حقـَّه.. عمليّة الهتك التي نراها في بعض الأحيان، والفضائيّات تتناقل اسمه، ومُواصَفاته، أو مقرّ عمله أنا –شخصيّاً- أعتبرها شيئاً لا تنسجم مع أخلاقيّاتنا، ولا تنسجم حتى مع الدستور؛ فالمُتهَم بريء حتى تثبت إدانته، وعندما تأتي هذه الأشياء سنجدُّ بالتعامل معها، ونـُعطيها من الوقت والجهد ما تستحقه؛ حتى نستطيع أن نـُرسِيَ قاعدة إصلاح الوزارة..

الجعفريّ: ألزمتُ نفسي، والأقسام المعنيّة بالالتزام بقوانين وتعليمات الوزارة بمنح الجوازات الدبلوماسيّة، أو الخدمة، أو الخاصّة.. هذه تعليمات موجودة في الوزارة، وباعتباري على رأس جهاز تنفيذ الدبلوماسيّة فأنا مُؤتمَن على أن أطبِّق هذه التعليمات، نعم.. عندنا صلاحيّات استثنائيّة، والقانون هو الذي منحها لنا، لكنَّ الصلاحيّات الاستثنائيّة يجب أن لا تكون بديلاً عن القواعد، ويجب أن نبني الوزارة على قواعد القانون، ونقول: طبقاً للقانون، ثم نقول: تـُوجَد استثناءات.. ليس صحيحاً أن تكون الاستثناءات قبل القضايا الأصوليّة، وأكثر من القضايا الأصوليّة؛ إلى أن يصير الاستثناء هو القاعدة، والقاعدة هي الاستثناء، وهذا أمُّ الفساد.. نحن جادّون، وفي الوقت نفسه إذا تـُوجَد قضايا إنسانيّة ووطنيّة تسمح من الناحية الاستثنائيّة أن تـُعطي، وفيها غطاء قانونيّ فلن أتردَّد في استعمالها مع أنـَّها تبقى استثناء..

الجعفريّ: الجوازات يجب أن تُصرَف ضمن القواعد الصحيحة، وضمن القواعد القانونيّة، وغير هذا لا يُوجَد.. الجواز الدبلوماسيّ جواز عراقيّ ويمثل الدبلوماسيّة العراقيّة، يمثل مواقع، ويمثل سيادة، وهذا يجب أن نُحافِظ عليه، ثم إنَّ شرف المُواطِن العراقيِّ من خلال كونه وطنيّاً، ومن خلال كونه يحمل الجواز العراقيَّ.. يجب أن نُعيد للجواز العراقيّ قيمته المعنويّة بحيث عندما يدخل العراقيّ إلى أيِّ بلد في العالم لديه قوة شرعيّة.. نحن غير خجولين في الدفاع عن أبنائنا وبناتنا في أيِّ بلد من بلدان العالم ماداموا مُتحضِّرين، ويحملون اسم العراق، ولا يُخالِفون قوانين البلد الذي يدخلون فيه، وينقل ما يحصل في العراق، ونحن بكلِّ قوة نعتزُّ، ونتشرَّف بالدفاع عنهم فرداً فرداً..

الجعفريّ: فيما يخص اختيار السفراء، ستكون هناك حركة بالبحث عن الشخصيّة المُناسِبة للعاصمة المُناسِبة -وضع الشخص المُناسِب في المكان المُناسِب مبدأ عقليّ-، ثم إنَّ بعضهم انتهت مدّة عمله، فيجب أن يتحوَّل، ونحن نعمل بموازين صحيحة، وبعدالة، ونتحرَّى الدقة في اختيار الشخصيّات؛ لأنَّ السفير نافذة العراق على العالم..

 

إلى حضراتكم النص الكامل للقاء قناة العراقيّة الفضائيّة بالدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّة 17/12/2014

 

  • شهدنا بعد تشكيل الحكومة حركة مكوكيّة كبيرة جدّاً لتجسير علاقات العراق مع دول العالم بدءاً من دول الجوار، وانتقالاً إلى دول أخرى خارج الجوار العراقيّ.. هل تعتقد أنـَّها بتلك الأهمّيّة، ألم يعمل العراق طوال عشر، أو إحدى عشرة سنة على تفعيل علاقاته مع دول الجوار؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: وزارة الخارجيّة في المرحلة الحاضرة لم تأتِ بشيء جديد على مُستوى النوايا، وعلى مُستوى الحرص على إقامة علاقات عراقيّة مع دول العالم في الفضاءات المُختلِفة، فضاءات الدول المُحادِدة للعراق، وفضاءات العالم العربيِّ، والعالم الإسلاميّ، والعالم الغربيّ، نعم.. هناك شيء جديد هو الانفتاح الجيِّد على العراق؛ بناءً على وجود مُعضِل يُهدِّد كلَّ دول العالم، فاستثمرنا هذه الفرصة لإبرام علاقات قويّة تضع العراق على مشارف مرحلة جديدة، وأنـَّه لا يُوجَد شيء اسمه قطيعة، ولكننا لا نزعم أنـَّه لا تـُوجَد خلافات بيننا وبين بعض الدول.

الخلافات جزء من عالمنا، فلا يُوجَد عالم بلا اختلافات، لكننا نـُريد عالماً بلا احتراب، وبلا مشاكل.

الدبلوماسيّة تقول بكلِّ صراحة بوجود خلافات، لكنـَّها تـُهندِس نظريَّتها في التعامُل، ولا تـُوجَد مُشكِلة عصيّة على الحلِّ من الناحية الدبلوماسيّة.

عمل الدبلوماسيّ هو مُحاوَلة وضع حُلول، والابتعاد عن شفير الحروب، وحفظ الاختلافات في فضاء لا يضرُّ بنا، ولا يضرُّ بالآخرين، فاستثمرنا هذه الفرصة؛ وسنتواصل مع هذه الدول، ونحن صريحون في التأشير على نقاط الاختلافات بيننا وبينهم، وكنا صريحين أيضاً في حقوقنا، وصريحين في الردِّ على أيِّ تساؤل من طرفهم، والتقينا في كلِّ بلد مع قيادات الخط الأوَّل، وتحدَّثنا بكلِّ ثقة معهم جميعاً.

 

  • كان وجودكم على رأس الدبلوماسية العراقيّة مُتزامِناً مع تشكيل التحالف الدوليِّ للحرب على الإرهاب.. هل أثـَّر هذا سلباً أم إيجاباً، وهل أضاف أعباءً جديدة، أم ساعدكم بأداء مهامِّكم في تحسين علاقاتنا؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هناك بون شاسع بين أن يُواجـِه العراق أجواءً مُختنِقة، ومُنكفِئة، ولا تستجيب، وبين أن تتسابق دول مُتعدِّدة من أجل أن تسمع خطاب العراق، وتلتقي بالعراق، وتزور العراق، وقد التقينا بهم، واستقبلـْنا قسماً كبيراً منهم.

القسم الباقي يتحيَّن الفرصة ليزور العراق، وهناك تجاوب؛ ولأنَّ الخطابات التي سمعناها ليس في دهاليز وأروقة الغرف فقط، وإنـَّما سمعناها على منابر عامّة بشكل علنيٍّ سواء في جدّة، أم باريس، أم نيويورك كانوا يُركـِّزون على هذه النقاط، وكأنـَّهم اجتمعوا سابقاً، واتفقوا على أنَّ داعش ليست إسلاميّة، وأنَّ الإسلام منها براء، والعراق ضحيّة داعش، ويجب أن لا نترك العراق وحده، ويجب أن نـُقدِّم المُساعَدات، ونـُثمِّن موقف الحكومة الجديدة، وكانوا يُكرِّرون هذه الكلمات.

هذا مكسب؛ لأنَّ الأمم المُتحِدة لم تشهد في تاريخها هذا، ورئيسها الذي كان يُدير جلسة مجلس الأمن قال لي: لم أجد الأمم المُتحِدة تقف إلى جانب قضيّة بالإجماع، وبهذه الدرجة من القوة مثلما وقفت هذا الموقف.

العالم اتجه الآن إلى العراق، وبدأ يحسُّ أنَّ طبول الحرب قد قـُرِعت، والعمل الإرهابيَّ في العراق لا يقف عند حدود العراق -ولا نتمنى أن تمتدَّ إلى بلدان أخرى لكنـَّها لم تبدأ في العراق، ولم تنتهِ في العراق- فنحن إذن أمام موسم، وهذا الموسم بدأت فيه المِحنة على الأرض العراقيّة بشكل فاقع، وصارخ، لكنـَّها هدَّدت بقيّة دول العالم، ولم تقف عند حدود التهديد إنـَّما مارَسَت أعمالاً إجراميّة في البرلمان الكنديّ، وقتلت ثلاثة من حُرَّاس البرلمان.

 

  • هنالك دول كانت تـُتهَم بأنـَّها داعمة للإرهاب، وهي دول جوار جغرافيّ، أو قريبة من العراق. كيف تعاملتم مع هذه الدول، وما طبيعة علاقاتنا بها في ظلِّ وجود تهديد خطير أصبح يُهدِّد الجميع؟

 

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: في أحد خطاباتي في جامعة لأحدى هذه الدول تحدَّثت عن الدول الداعمة للإرهاب، قلتُ: لا يقتصر دعم الإرهاب على تقديم السلاح فقط، فقد يكون في التدريب، وقد يكون بالإعلام، وقد يكون بالمال، وقد يكون بالخطباء، وقد يكون بأن تسمح بمرور الإرهابيِّين بأرضها للدخول إلى العراق، فالإرهابيُّ لا يقفز من مِضلـَّة إنـَّما يحمل جنسيّة، ويمرُّ بدول الجوار الجغرافيّ، ويدخل إلى العراق؛ إذن هذه الدول مُتورِّطة بالإرهاب لتهيئة مُقدّمات عمل إجراميّ، لكنـَّنا نـُميِّز بين أن تكون هذه الدول التي عبرت منها مجاميع الإرهاب عن قصد، وتسهيل، وبمرأى ومسمع الحكومات، وبين أن تكون قد اخترقتها مجاميع الإرهاب مثلما اخترقت العراق، ووصلت إلى الموصل.

يجب أن نـُفكـِّر الآن كيف نضمُّ هذه الدول إلى الإرادة العراقيّة، بل الإرادة الإنسانيّة؛ لأنَّ خطر داعش، وإن كان يتمظهر في العراق، وفي سورية قبل العراق إلا أنـَّه يُهدِّد كلَّ العالم، وعلينا أن نصنع شيئاً جديداً اسمه (تكتيل، وتكثيف الجهود الإنسانيّة لمُواجَهة خطر داعش)، وإشعارهم بأننا وإياكم نلتقي على خطر واحد.

قفزت مُفرَدة الإرهاب، وارتقت إلى مُستوى الاستراتيجيّات، ومن استراتيجياتنا في الدبلوماسيّة العراقيّة هو الموقف من داعش؛ لأنـَّه خطر ليس هامشيّاً إنـَّما هو خطر حقيقيّ، فلا تزال الموصل وهي أكبر مدينة في العراق تحت قبضة داعش، وخطرها مُستمِرّ، ويُهدِّد الأقليّات، ويُهدِّد المُسلِمين، ويُهدِّد السُنـَّة، ويُهدِّد الشيعة؛ فهذا قفز إلى مُستوى الأولويّات؛ لذا عندما نرسم سياساتنا مع كلِّ دولة مُعيَّنة لدينا مصالح وفيها تراتـُب، ولدينا أخطار، وفي أوَّلها داعش في العراق.

 

  • كيف تعاملتم مع خلافات تركيا والتحالف الدوليّ بخصوص داعش؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لسنا مَن شكـَّل التحالف الدوليّ، ولكنـَّنا استثمرناه، إذ إنَّ دولاً كبرى ساهمت فيه، وتعهَّدت، وجمعت كلَّ جهودها، وصداقاتها، وعلاقاتها من أجل أن تتمظهر على شكل تحالف، فليس بيدنا أن نشكِّله، ولكن بيدنا أن نستثمره، ونـُوجِّهه لصالحنا، واستثمرناه.

أمّا الدول خارج التحالف فنحن نستثمر دعمها، وإسنادها، فالسيِّد وزير الخارجيّة الصينيّ التقى بي في نيويورك، وقال: نـُريد أن نـُساعِدكم، لكنَّ سياستنا أن لا ندخل في تحالفات عسكريّة دوليّة. قلتُ له: لكم هذا، ونحن لا نقتصر على بوّابة التحالف الدوليّ، والأمر نفسه مع الجمهوريّة الإسلاميّة، وهي ليست عضواً في التحالف الدوليّ، ولكن يجب أن تكون بإدارة القوات المُسلـَّحة العراقية، وبالتنسيق معنا.

نحن استثمرنا التحالف الدوليَّ، ولم نقتصر في تعاملنا مع من يُريد أن يُساعِدنا خصوصاً عندما تكون دولة جوار جغرافيّ؛ لأنَّ الخطر الذي يدهم العراق اليوم لا يقف عند حدود العراق، فليس من الغريب أن نـُنسِّق مع دولة جوار حتى وإن لم تكن عضواً في التحالف الدوليِّ؛ لمُواجَهة خطر داعش الذي قد ينتشر.

 

  • لم يكـُن موقف تركيا إذا كان مُتراجـِعاً، ومُتخلـِّفاً عن التحالف الدوليِّ شرطاً في تطوير علاقاتنا مع تركيا؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن لدينا ثابت استراتيجيّ لا نحيد عنه، وهو الحرص على إقامة علاقة مع أيِّ دولة من الدول بخاصّة إذا كانت مُحادِدة للعراق إذ يزداد حرصنا على ذلك، فلابدَّ من إقامة علاقة رغم الخلافات، ونحن لا ننفي وجود خلافات.

نحن نعي الخلافات، ونعي حقوقنا، وجريئون بإعطائهم حقوقهم عندما تكون لهم حقوق، لكنَّ الثابت الاستراتيجيَّ هو لابدَّ من وجود علاقة، فلا يتسنـَّى لنا أن نـُوصِل طلبات العراق المشروعة، وحقوقه الوطنيّة إلى الآخر من موقع القطيعة؟!

لابدَّ أن نجلس إلى جانبه وجهاً لوجه من دون لغة خجولة، فنـُبيِّن الحقوق، والطلبات، والمصالح، ونـُحدِّد المخاطر؛ هذا كلـُّه يأتي من موقع العلاقات. فعلاقتنا مع تركيا، وإيران، وسورية، والكويت، والسعوديّة، والأردن أمر ثابت لا نـُناقِش فيه، وكذلك حوض ما بعد دول الجوار الجغرافيّ.

أمّا موقف تركيا فقد تعرَّضت لضغط، وهو اختطاف 49 موظفاً من القنصليّة التركيّة في الموصل، ولا أعرف من حُسن الصُدُف، أم من سوء الصُدَف أنه كان السفير التركيِّ في العراق السيِّد فاروق عندي في البيت عندما دخلت داعش إلى القنصليّة التركيّة في الموصل، وكان يتكلم بثقة، وهو رجل صادق اللهجة، ونحن مُقاومون مثلكم، ونحن ضدّ داعش، وأثناء الكلام جاءت إليه إشارة، فاستلم الهاتف، وبعد أن رجع كان متألماً، فقلتُ له: خيراً؟ قال: إنَّ داعش اختطف موظفي القنصليّة. فقلتُ له: هذا هو الإرهاب، وهذا هو داعش لا يـُفرِّق بين قوميّة وأخرى، ولا بين دين وآخر، ولا بين بلد وآخر.

فكانت هذه القضيّة تضغط على القرار التركيِّ، وكان عليهم أن يُراعوا هؤلاء؛ لحقن دمائهم، وعندما التقينا في جدّة طلب مني وزير الخارجيّة التركيّ السيِّد مولود لقاءً، وأخبرني بصراحة، وقال: نحن جئنا، وشاركنا، ونحن مُتفاعِلون، لكن يُوجَد هكذا ظرف ضاغط علينا.

ونحن من طرفنا أبدينا تفهُّماً حتى ولو اختلفنا معه، والشيء نفسه كرَّره في باريس، وفي مرحلة نيويورك أطلق سراحهم؛ لذا طالبناهم، وقلنا لهم: العذر انتهى. وبالفعل عندما زُرتُ تركيا التقيتُ شخصيّاً بالسيِّد أردوغان، وصرَّح بشكل صريح، وكذا الأخ أوغلو بأنـَّهم ضدّ داعش، ولا يقبلون بذلك، لكن هناك تفاصيل ميدانيّة، ومنها: عندما نتكلّم عن داعش سيتداخل العامل الداخليّ بالإقليميِّ والدوليِّ، أي: لم تعُد قضيّة داعش في أيِّ مسرح من المسارح التي ظهرت فيها أمراً محليّاً إنما هي أمر تتداخل فيه الإرادات الداخليّة والخارجيّة إقليميّة ًأو دوليّة، وكلّ وحدة يُوجَد لديها فهم لكيفيّة التعامل مع هذا، وتحسب حساباته. بالنسبة لنا نحن نبحث عن مُشترَك سواءً كان بتحقيق المصالح أم مُشترَك في الخطر الذي يُواجـِه داعش، ونبني على هذا.

استثمرنا وجودنا في تركيا، وكانت هناك تصريحات علنيّة. ألقيتُ مُحاضَرة في جامعة أنقرة، وقد حضرها عدد كبير إضافة إلى الأساتذة، و25 سفيراً، إحدى المُتحدِّثات قالت لي: أنتم حقكم، وصحيح أنَّ داعش بهذا الشكل، لكنَّ أصول داعش جيِّدة وخيِّرة.

فاستاء الحضور من هذا التعليق، فقلتُ لها: إبليس كانت بداياته جيِّدة، ولكن لا يكفي أن تكون بدايات الإنسان جيِّدة، إنما يجب أن يستمرَّ إلى نهاية الخطى.

 

  • هناك مَن يتهم تركيا بأنـّها تـُمرِّر بعض الإرهابيِّين، أو تغضّ الطرْف عنهم مثلاً: بعض مبيعات النفط لداعش تمرُّ إلى تركيا، أو عن طريقها، وبعض قيادات داعش موجودون في داخل تركيا.. هل هذه معلومات إعلاميّة، وهل طـُرِحت عليهم أم لم تدخلوا في التفاصيل؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن طرحنا عليهم هذا الكلام، وهم من طرفهم نفوا وجود هذا الشيء.

 

  • ما مدى استثمار التحالف الدوليَّ، وقابليتنا على قتال داعش في تطوير العلاقة بين الولايات المُتحِدة وإيران بما يخدم العراق؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الخطوة الثانية في استراتيجيتنا هي إمكانيّة أن يلعب العراق دوراً في التقريب بين الفرقاء الإقليميِّين، أو الدوليِّين، أو طرف إقليميّ مع طرف دوليّ.

ليس لدينا مانع، لكننا لا نـُريد أن نتدخـَّل في شؤون أحد، وقد حصلت بعضها، وشقـَّت طريقها إلى الأمام، وبعضها رُبَّما تكون بعيدة عن الإعلام. حصلت مثلاً: بين أميركا وسورية -هناك مسافات ليست قليلة بين البلدين-، مثلما تـُوجَد مسافات بين أميركا وإيران. عندما قرَّرت أميركا أن تضرب أوكار داعش في سورية اتصل بي وزير الخارجيّة الأميركيّ، وقال لي: مُمكِن أن تـُوصِلوا رسالة إلى سورية؟ قلتُ: هذا يعتمد على مفادها. قال: قصف مواقع داعش. قلتُ: إذا كان بالشروط العراقيّة، بأن لا يكون انقضاضاً على النظام، أو تدخُّل في شؤون النظام، ولا تـُعرَّض المناطق الآهلة بالسكان، والابتعاد عن الأهداف المَدَنيّة، فأخبرتُهم بأنـَّه لا تـُوجَد لدينا مُشكِلة، وبالفعل أخبرتُهم، وكانوا مُمتنـِّين.

 

  • ألم يُنفَ هذا الخبر؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: قالت الخارجيّة السوريّة بأنَّ هذه الضربة فيها تنسيق، وعندما نفت الخارجيّة الأميركيّة عقـَّبت الخارجيّة السوريّة أنـَّه يُوجَد تنسيق والذي قال هو الدكتور إبراهيم الجعفريّ، ولم يُجـِب أحدٌ من الجانب الأميركيّ، ولو كانوا قد قالوا غير هذا لصرَّحت علناً بأنـَّة يُوجَد تنسيق. عندما تُضرَب منابع الإرهاب في سورية فنحن نتدخَّل بهذا القدر مادامت عوامل الإرهاب مُتداخِلة. نحن لا نتدخَّل في شؤونهم، لكنَّ طبيعة هذه الأمور فيها تداخُل، فقسم يتداخل مع عوامله وجذوره ونتائجه بين دولة ودولة أخرى. هذا التداخل لا نستطيع أن نمنعه.

 

  • علاقة العراق مع إيران، ومدى تدخـُّل إيران حاليّاً في الوضع العراقيّ، ووجود مُستشارين، وأسلحة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: إيران دولة جوار، ولديها أكثر من 1000 كم حدود مع العراق، ودول الجوار تؤثر وتتأثر.

إيران وقفت إلى جانبنا قبل أن يتشكـَّل التحالف الدوليُّ، هذه حقيقة على الأرض، فمن الطبيعيّ أن يتحرَّك مُستشار أو أكثر من مُستشار؛ لأنـَّنا نحتاجه بخاصة أنَّ إيران سبقتنا في مُواجَهة الإرهاب، وسبقتنا في ثورة 1979، وقد سمَّيتها (الثورة السادسة) في العالم، ونحن لا نخجل أم أن نـُكبـِر بها بشرط أن لا يتحوَّل هذا التداخُل على الأرض إلى تدخـُّل في السياسة، واستفراغ القرار الوطنيِّ العراقيِّ من مضامينه الحقيقيّة.

فإذا كانت أميركا تعتبر أنَّ خطر داعش في العراق يُؤثـِّر في الأهداف القوميّة الأميركيّة، والاستراتيجيّة الأميركيّة فكيف بإيران وهي دولة جوار جغرافيّ، وقد يمتدُّ إليها هذا الخطر، فمن الطبيعيِّ أن تتعبَّأ بسرعة للدفاع من الناحية الإنسانيّة والأخلاقيّة، ولأجل إيقاف تمدُّد الخطر.

 

  • تـُوجَد ثلاثة أقطاب قريبة من العراق، أو يتصل بها العراق بطريقة أو بأخرى: (الولايات المُتحِدة الأميركيّة، وإيران، وسورية) هل طلب أحد هذه الأقطاب منكم شخصيّاً القيام بأمر ما، أو وساطة، أو تقريب وجهات نظر، أو لقاءات مُشترَكة، أو نحن بادرنا؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا يُوجَد قرار بلغنا به، لكن يُوجَد واقع نتعاطى معه.

عندما نتعامل مع داعش، ونـُريد أن نُنسِّق، ونسمع كلَّ الدول التي نذهب إليها.

عندما نُنهي الملفَّ العراقيَّ الثنائيَّ بيننا وبين تلك الدولة نُعرِّج على الدول الأخرى.

الثنائيّة العراقيّة أولاً، الثابت العراقيّ والمُتغيِّر الإقليميّ هو المبدأ. لا يُمكِن الفصل بين العلاقة الثنائيّة وبين المُحيط الإقليميِّ والدوليّ.

 

  • كانت هناك وعود سعوديّة بأنـَّها ستفتح سفارتها في العراق. أين وصل هذا الأمر؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بالنسبة إلى السعوديّة بادَرَ الأمير سعود الفيصل في اللقاء الأول عندما ذهبتُ إلى جدّة قبل أن نجتمع بوزراء الخارجيّة بالدول الأعضاء، وطلب لقاءً معي، وتحدَّثنا أكثر من نصف ساعة، فقال: اتخذنا قراراً بأن نفتح السفارة في العراق، وأكـَّد ذلك في لقائنا بباريس، ونيويورك، وحتى في زيارتنا الأخيرة أكـَّد الملك، ثم قالوا بكلِّ صراحة مسألة البناية، وتوفير غطائها الأمنيِّ.

 

  • هل هناك وقت مُحدَّد للقضيّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: من الناحية العمليّة قيد التنفيذ.

 

  • قطر؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لم أزُر قطر بعد، وهناك إمكانيّة بسيطة للاستمرار، لكنَّ سياستنا ثابتة، نحن نـُثبِّت الأصل وهو العلاقة مع هذه الدول العربيّة، دول الجوار، وأبعد من حوض الجوار، وعندما  نـُرسِّخ العلاقة على قاعدة التعامُل تأتي الطلبات، وتأتي نقاط الخلاف، وتأتي نقاط الاتفاق.

من موقع القطيعة لا يتحقـَّق شيء، نحن نـُريد أن نـُبرم علاقات، ونـُرتـِّب عليها آثاراً تدرُّ علينا وعلى المنطقة بالخير، ولدينا رؤية نسير عليها.

 

  • أين تجد حضرتك كوزير خارجيّة العراق الحدَّ الفاصل بين مُتطلـَّبات إقامة علاقة ودّيّة بين بلدين على نفس المُستوى من القيمة والمكانة الدوليّة وبين أن نكون مُتهافِتين على أن نجذب هذه السفارة، أو تلك إلى العراق؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بالتأكيد عندما نبرم علاقة نسير على هجائيّة طريق واضحة غير معصوبي العين.

أعني أنَّ السيادة العراقيّة خط أحمر لا نسمح أبداً لأيِّ دولة مهما بلغت أن تـُحوِّل العراق إلى قاعدة، ولا نسمح باختراق سيادتنا، ولا نسمح بأن تكون القضية على حساب مصالحنا وخيراتنا.

نحن نـُؤمِن بتبادل المصالح على أن لا تتحوَّل إلى عمليّة ابتزاز حتى لو لم تمسَّ السيادة..

نحن نسير على بيِّنة من أمرنا بالتنسيق مع الوزارات المُختصَّة، وتحت ظلِّ الحكومة.

أعتقد أنه لا يُوجَد مانع من أن ننفتح بثقة بشرط أن لا تـُمَسَّ السيادة.

يجب أن لا تتضرَّر المصالح العراقيّة، ويجب أن نـُوظـِّف هذه العلاقات لخدمة المُواطِن العراقيِّ من خلال تنشيط الاقتصاد.

 

  • هل تقصد بـ(القواعد المُحتمَلة) قواعد التعاون بشكل عامّ أم القواعد العسكريّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: القواعد العسكريّة.

يجب أن لا نغفل عن أن لا تتحوَّل المُساعَدات إلى قاعدة؛ فإنـَّما سُمِّيت القاعدة؛ لتدل على شيء راسخ ومُستقِرّ واستراتيجيّ، وهذا لن نسمح به.

الدول في الحرب العالميّة الثانية إلى الآن تنوء بثقل القواعد الموجودة فيها سواء في اليابان أم تركيا، أم ألمانيا، وهي دول عظمى.

لسنا مُستعِدّين لأن نـُعيد شبح القواعد مرّة أخرى. أمّا أن تـُساعِدنا في ظروف استثنائيّة بغطاء جويّ مثلما كتبتْ الخارجيّة رسالة إلى مجلس الأمن تطلب بها مُساعَدة بشروط؛ لتـُجنـِّب العراق مغبّة الوقوع في شراك القواعد، والتواجُد الدائم.

 

  • هل هناك تعامُل على مُستوى مكافحة الإرهاب بين كلِّ الدول التي تتضرَّر من الإرهاب أم إنَّ هناك دولاً مازالت تمتنع عن مُساعَدة العراق في هذا الإطار؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ليس لديَّ إحصائيّة، لكنَّ ما سمعته من الرؤساء، ووزراء الخارجيّة في نيويورك أنـَّهم كانت كلمتهم مُوحَّدة، وجميعهم يشجبون الإرهاب، وقد سجَّلوا حضوراً، وكلـُّهم مُستعِدّون لأن يُساعِدوا العراق كبلد مُتضرِّر فعليّاً، وأنا خاطبتهم، وقلتُ لهم: اسبقوا داعش في المُواجَهة على أرض العراق قبل أن ينتقل داعش إلى أراضيكم، ولا تستغربوا ذلك؛ لأنَّ داعش الموجود على الأرض العراقيّة هو من قارّاتكم، وجاؤوا من بلدانكم من أميركا، ومن بريطانيا، ومن فرنسا، ومن أستراليا، ومن كندا، ومن دول عربيّة فالذي يأتي من هذا البلد إلى هنا ما الذي يمنعه من أن يقوم بنفس الفعل في بلده. وهذا ما حصل في كندا، ويُؤسِفني ذلك.

فالآن صارت ثقافة لدى المُواطِنين فضلاً عن المسؤولين بأنَّ خطر داعش لا يقتصر على الأرض التي يتواجد فيها اليوم، فهو اليوم في العراق وغداً وبعد غد –لا سمح الله- قد ينتشر في كلِّ العالم.

 

  • ما هي سفراتكم القادمة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن زُرنا دولاً، وسوف نتواصل حتى مع الدول التي زُرناها، وننوي أن نزور دولاً أخرى، وقد جاءت دعوة من الصين، وهي بالنسبة لنا بلد مُهـِمٌّ؛ لأنـَّها تـُريد أن تـُساعِد، وتدعم العراق.

ولديَّ دعوات من بعض الدول العربيّة الأخرى.

 

  • وقطر؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا أمتنع عن زيارة قطر، ولا أمانع.

 

  • إلى مَن أقرب زيارة، ومتى؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الإمارات. فلا تزال لدينا ملفات يجب أن نتحدَّث عنها مع الإمارات، وسأسافر -إن شاء الله- خلال يومين، أو ثلاثة أيام.

 

  • الإمارات أصدرت قائمة، وأدرجت فيها بعض القوى الوطنيّة العراقيّة على قائمة المُنظـَّمات الإرهابيّة.. ما هو موقفنا من هذا؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا سمعتُ هذا الخبر وكنتُ وقتها في الإمارات في ساعة مُتأخِّرة من الليل، ومع ذلك حاولتُ أن أتصل هاتفيّاً، ولكن تعذر عليَّ الاتصال بهم، وفور وصولي إلى بغداد اتصلوا بي، وأوصلت إليهم عتباً مريراً أنـَّه كيف تُدرَج حركات كبدر وبقيّة الحركات الأخرى، ونحن نعلم علم اليقين أنَّ هذه حركات ناضلت، وهي ليست إرهابيّة فقط بل هي ضحيّة الإرهاب، وهي اليوم تُمسِك الأرض، فعلى أيِّ أساس هذه تُدرَج؟

كانت رُدود الفعل في البداية طيِّبة، ولاتزال، وقد وُعِدنا خيراً بأنَّ القضيّة قابلة لإعادة النظر، وسيحتلُّ حجماً من الاهتمام في زيارتنا المُزمَعة قريباً إلى الإمارات.

 

  • ما الذي ستقوم به الحكومة العراقيّة لرأب الصدع بين ما هو مُمكِن من توافر ماليّ وبين إطلاق مُوازَنة لما يحتاجه البلد من خدمات، واستثمار، وغير ذلك؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: عكفت الحكومة في بعض جلساتها، وأفردت وقتاً مكثفاً لهذه القضيّة؛ لأنها قضيّة ضاغطة على وضعنا الماليِّ.

العراق تعرَّض إلى خسائر مفاجئة بالنفط بسبب انخفاض أسعار النفط من 100 إلى 65 دولاراً، علاوة على انخفاض كمّيّة النفط المُصدَّر؛ بسبب جرائم داعش في منطقة الموصل.

كنت على مدى سنوات أركز على ضرورة استثمار الموارد النفطيّة، وتحريك الموارد، وعبَّرت عن أنَّ اقتصاد العراق يمشي بساق واحدة، والنفط قد يتعرَّض إلى انخفاض في منسوب الإنتاج، أو الأسعار، وقد يتعرَّض إلى إغلاق في السوق الدوليّ، وغيرها، وقد أتخمتُ الفضائيّات، وكيف نستفيد من تجارب العالم، وكيف يتعاملون مع الثروة؛ حتى يتلافوا المشاكل المحتملة.

مع انخفاض أسعار النفط لابدَّ من التفكير، وتذليل العقبات أمام ارتفاع منسوب النفط المُصدَّر، أي: كيف نـُصدِّر النفط، وإحدى الخطوات الإيجابيّة هو الحلُّ الذي حصل بين الحكومة الاتحاديّة وحكومة إقليم كردستان، وهو ارتفاع المنسوب، وقد يصل إلى 550 ألف برميل يوميّاً.

وكلّ ما نبحث عنه هو فرص تسويق أكبر حجم مُمكِن، لنـُقلـِّص هذه الفجوة؛ دول العالم إذا تعرضت إلى مثل هذه الحالة تضع ضرائب تصاعديّة.

يجب أن تكون هناك سلسلة خطوات لاستحصال المزيد من الأموال؛ حتى نُعالِج هذا الخلل، ونأمل استثمار الكثير من الموارد الاقتصاديّة على المدى المُتوسِّط والبعيد، علاوة على الثروة المعنويّة والسياحيّة فهناك الملايين من الزوار يأتون إلى العراق، ويُمكِن أن تأتي كمّيّات أخرى من الخارج.

وهذا هو الدرس البليغ  الذي تعلَّمته من التاريخ حين أدرس الشعوب التي تعرَّضت إلى حصارات كيف أنتجت بلداً قويّاً: اليابان ضُرِبت، وألمانيا ضُرِبت ودُمِّرت في الحرب الثانية، ولكنها استطاعت أن تبني، والآن دخل الفرد اليابانيّ هو الأعلى في العالم.

لماذا؟ لأنها عرفت كيف تتعامل مع الحصار، وإيران أيضاً عرفت كيف تتعامل مع الحصار.

يجب أن نبحث عن موارد جديدة، ونخلق فرص العمل، ونُشجِّع القطاعات الخاصّة.

 

  • فيما يخصُّ التحالف الوطنيَّ كيف ستتفقون على رئاسته؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذا سؤال لطالما ساورني، بل لم يُفارِقني؛ لأنـَّه حتى الآن هو معصوب برأسي كرئيس التحالف الوطنيّ، وقد طرحناه أكثر من مرة، وما عقـُم رَحِم التحالف أن يُنجـِب شخصيّات تستطيع أن تتصدَّى.

 

  • هل أنت لا تـُريدها؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا أريدها، حتى في البداية لم أكن أريدها.

 

  • هل تقترح أحداً؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا.. لا آتي بأسماء، كلهم إخواني وأعزائي، وأنا منذ البداية لم أرِدها، ولحدِّ الآن أتذكـَّر عندما صوَّتوا على اسمي، قالوا: بالإجماع. قلتُ: لا يُوجَد إجماع؛ لأني لم أرفع يدي، وأنا لا أقبل، ولا أريدها، لكني أقول لكم: عندي ثقة بأكثر من أخ، ومن خلفيّة أيِّ كتلة يستطيع أن يتصدّى بجدارة، ونتعامَل معه، ونعاونه.

 

  • من المُرشَّح لها، وهل لديك أسماء مطروحة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا أسمع، ولكن أعتذر عن ذكر الأسماء، وفي اليوم الذي يخرج واحد منهم سأقول: كان هذا أحد المُرشَّحين، أمَّا الآن فلا أقول ذلك.

أنا مُهاجـِم على أعدائي، ومُسالِم لكلِّ إخواني حتى الذين أساؤوا لي، وحتى الذين يخونوني أبادل سيِّئاتهم بالإحسان.

 

  • مَن الذي خانك؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: إبراهيم الجعفريّ لا يأتي بأسماء بهذه البساطة. إنَّما أقول: الناس الذين يخونونني لا أسيء إليهم.

 

  • أي المَواطِن خانوك فيها؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ما أكثرها!

 

  • مثل ماذا؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا أقولها.

 

  • تُتهَم الدبلوماسيّة العراقيّة بأنـَّها ضعيفة في ردم الهوّة بين ما هو موجود على الواقع العراقيِّ، وبين ما هو في عقليّة دول مُعيَّنة.. هل تلمَّستم مثل هذه، أم إنـَّها مُبالـَغات إعلاميّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هل تـُوجَد دبلوماسيّة نشطت كما نشطت الدبلوماسيّة العراقيّة في هذه الثلاثة أشهُر الأخيرة؟

حتى في سفاراتنا التقيتُ مع أبنائنا وبناتنا في مُختلِف العواصم التي زُرتها، فلم أستثنِ العاملين في بعثاتنا، وكذا زُرتُ الجالية، واستمعتُ إليهم من كثب، وماذا يُريدون، وماذا نـُريد منهم، وسجَّلت مُلاحَظاتهم، وأبلغتهم بما نـُريد منهم.

هذه السياسة الجديدة لا يُظلـَم منكم أحد إطلاقاً، ولكن لن يُفلِت من العقاب أيُّ فاسد.

الدبلوماسية الجديدة في خدمة المُواطِنين.

نحن نـُريد عملاً، ونـُريد انسجاماً، ونـُريد أن يتعاملوا كمُؤسَّسة لا كمزاج.

وزارة الخارجيّة، وسفاراتها، وبعثاتها مُؤسَّسة تتعاطى على أساس مصالح العراق، ونحن قمنا بجولة، وفي كلِّ دولة نذهب إليها نـُكرِّر لقاءاتنا معهم جميعاً، والتقيتُ داخل الوزارة بعدد غير قليل من الدوائر، واستمعتُ إلى مُديري الأقسام والموظفين الكبار، وأسمعتهم سياستنا الجديدة.

لا تـُوجَد عندنا مُجامَلة. أنا أعرف أنَّ هناك فساداً، ونحن جادُّون في مُعالـَجته.

 

  • ممَّا تُتهَم به السفارات: أنَّ بعض السفراء يخدمون جهة بعينها، والبعض يخدم حزباً أو كتلة بعينها، وهناك اتهامات بأنَّ السفارات تعجُّ بأبناء المسؤولين، ولا وجود للعدالة في توزيع الأعمال، أو توزيع الوظائف على باقي مُواطِني العراق.. هذا كلّه بذمّتك، ورقبتك تكاد تكون في عهد سابق لك لكنها –بالنتيجة- في الوزارة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: قلتُ في كلِّ سفارة زُرتُ البعثة فيها، وحتى في بغداد: أنا أعرف أنـَّكم مُتنوِّعون، وأنا سعيد بهذا التنوُّع، وهو كباقة ورد مُتنوِّعة الألوان، ولكن حذارِ حذارِ أن تتحوَّل عمليّة الانتماء إلى أيِّ خلفيّة إلى بديل عن الوطنيّة العراقيّة. لن أسمح بذلك أبداً.. العراق لكلِّ العراقيِّين، والوطنيّة العراقيّة تتقدَّم على كلِّ الانتماءات.

 

  • ما قصة الـ(175) موظفاً ممَّن زوَّروا شهاداتهم؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا أسمع أنَّ هناك تزويراً -وكلّ شيء أسمع به لا أهمله، ولكن لا نتصرَّف معه بعقليّة الكيد، أو الهَوَس، أو هستيريا الانتقام من الآخرين- يجب أن نـُثبـِت لبناتنا وأبنائنا بأنـَّهم مؤتمنون، لكنّ مَن لديه خلل أو فساد في شهادته، أو في أمواله، أو في علاقاته، أو في تواطؤه مع دول مُعيَّنة، أو غير ذلك فهذا غير مسموح به.

 

  • قِيلَ: إنـَّكم اكتشفتم عدداً من المُزوِّرين. ما صِحّة هذه الكلام؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: التُهمة تبدأ دائماً بالادّعاء، والادّعاء كما يقولون سهل المَغنم، أنا الآن أستطيع أن أدَّعي عليك، وتستطيع أن تدَّعي عليَّ، ولكن حتى تتحوَّل هذه التهمة إلى حقيقة من صالح المُتهَم أو المُتهـِم الذي يتهمه يُراد لها تحقيق؛ وإنـَّما سُمِّيَ التحقيق تحقيقاً؛ لأنـَّه يُحاول أن يبحث عن الحقيقة كما هي، ويُعطي كلَّ ذي حقٍّ حقـَّه.

عمليّة الهتك التي نراها في بعض الأحيان، والفضائيّات تتناقل اسمه، ومُواصَفاته، أو مقرّ عمله أنا –شخصيّاً- أعتبرها شيئاً لا تنسجم مع أخلاقيّاتنا، ولا تنسجم حتى مع الدستور؛ فالمُتهَم بريء حتى تثبت إدانته، وعندما تأتي هذه الأشياء سنجدُّ بالتعامل معها، ونـُعطيها من الوقت والجهد ما تستحقه؛ حتى نستطيع أن نـُرسِيَ قاعدة إصلاح الوزارة.

 

  • هناك رقم 175.. هل هذا الرقم صحيح؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذه اتهامات، ولا صِحّة لها.

 

  • قِيلَ: إنـَّك سحبت 4000 جواز سفر دبلوماسيّ أُعطيَت لغير مُستحقيها، أو ألغيتها؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا.. أنا حدَّدتُ سياسة، بل بتعبير أدقّ ألزمتُ نفسي، والأقسام المعنيّة بالالتزام بقوانين وتعليمات الوزارة بمنح الجوازات الدبلوماسيّة، أو الخدمة، أو الخاصّة.

هذه تعليمات موجود في الوزارة، وباعتباري على رأس جهاز تنفيذ الدبلوماسيّة فأنا مُؤتمَن على أن أطبِّق هذه التعليمات، نعم.. عندنا صلاحيّات استثنائيّة، والقانون هو الذي منحها لنا، لكنَّ الصلاحيّات الاستثنائيّة يجب أن لا تكون بديلاً عن القواعد، ويجب أن نبني الوزارة على قواعد القانون، ونقول: طبقاً للقانون، ثم نقول: تـُوجَد استثناءات.

ليس صحيحاً أن تكون الاستثناءات قبل القضايا الأصوليّة، وأكثر من القضايا الأصوليّة؛ إلى أن يصير الاستثناء هو القاعدة، والقاعدة هي الاستثناء، وهذا أمُّ الفساد.

نحن جادّون، وفي الوقت نفسه إذا تـُوجَد قضايا إنسانيّة ووطنيّة تسمح من الناحية الاستثنائيّة أن تـُعطي، وفيها غطاء قانونيّ فلن أتردَّد في استعمالها مع أنـَّها تبقى استثناء.

 

  • هل لدينا أعداد بالجوازات الدبلوماسيّة المصروفة سواء ضمن القواعد، أم خارج القواعد؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الجوازات يجب أن تُصرَف ضمن القواعد الصحيحة، وضمن القواعد القانونيّة، وغير هذا لا يُوجَد.

الجواز الدبلوماسيّ جواز عراقيّ ويمثل الدبلوماسيّة العراقيّة، يمثل مواقع، ويمثل سيادة، وهذا يجب أن نُحافِظ عليه، ثم إنَّ شرف المُواطِن العراقيِّ من خلال كونه وطنيّاً، ومن خلال كونه يحمل الجواز العراقيَّ.

يجب أن نُعيد للجواز العراقيّ قيمته المعنويّة بحيث عندما يدخل العراقيّ إلى أيِّ بلد في العالم لديه قوة شرعيّة.

 

  • المُواطِن العراقيّ يُعامَل بإجحاف وتمييز في مطارات الدول التي يُسافِر إليها.. هل لديك مُخطـَّط ما لتغيير هذا الواقع؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بكلِّ تأكيد سواء على صعيد التعاطي الدوليِّ بيننا وبين هذه الدول، أم على الصعيد الفرديّ. قيل لي في إحدى الدول التي زُرتها: إنَّ مُواطِناً عراقيّاً مُعتقـَلاً منذ فترة طويلة، فاتصلت بكبير المسؤولين في ذلك البلد، وحدَّثته، وكان مُستجيباً، وعندما افترقنا في اليوم الثاني بلـَّغـَنا جهازه، وقال: جاءنا توجيه بالتعامُل بهذه الطريقة.

نحن غير خجولين في الدفاع عن أبنائنا وبناتنا في أيِّ بلد من بلدان العالم ماداموا مُتحضِّرين، ويحملون اسم العراق، ولا يُخالِفون قوانين البلد الذي يدخلون فيه، وينقل ما يحصل في العراق، ونحن بكلِّ قوة نعتزُّ، ونتشرَّف بالدفاع عنهم فرداً فرداً.

 

  • هل هناك تغيير ما في حركة السفراء داخل السفارات العراقيّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نعم.. ستكون هناك حركة بالبحث عن الشخصيّة المُناسِبة للعاصمة المُناسِبة -وضع الشخص المُناسِب في المكان المُناسِب مبدأ عقليّ-، ثم إنَّ بعضهم انتهت مدّة عمله، فيجب أن يتحوَّل، ونحن نعمل بموازين صحيحة، وبعدالة، ونتحرَّى الدقة في اختيار الشخصيّات؛ لأنَّ السفير نافذة العراق على العالم.


العودة إلى صفحة الأخبار


 الرئيسية  |  الأخبار  |  إبراهيم الجعفري  |  تيار الإصلاح الوطني  |  رسائل الأيام  |  كلمات  |  الصور  |  المكتبة  |  الفيديو  |  اتصل بنا 
E-mail : med@al-jaffaary.net
جميع الحقوق محفوظة لـموقع الدكتور ابراهيم الجعفري©2010 - 2024
استضافة وتصميم وبرمجة ويب اكاديمي

Powered by web academy