الجعفري: لابد من وقفة واعية ومسؤولة لتقييم التظاهرات المستمرة لأكثر من مائة يوم التي لم تسجل أيَّ سابقة مثيلة لها.. تقادم الزمن لا يسقط الحقوق ولا يعذر الجناة ممّا يستدعي تحديدا دقيقا في معرفتهم ومساءلتهم والابتعاد عن التوصيفات الغامضة كمصطلح الطرف الثالث الجعفريّ: جرائم الاغتيال والقتل والتمثيل بجُثث الموتى انتهاك سافر لحُقوق الإنسان وهو جرس إنذار بتهديد السلم المُجتمَعي وزرع الفتنة ونشر الفوضى في وقت يجب أن يتحمَّل الجميع مسؤوليته الوطنية عبر التعاون على حفظ وحدة الصفِّ الوطني وعدم زعزعة الأمن والاستقرار الجعفريّ: يجب مُحاسَبة كلّ من تورَّط في إراقة دماء أبنائنا المُتظاهِرين والقوات الأمنيّة وإنزال القصاص العادل بحقهم.. الردّ العراقيّ الوطنيّ المُوحَّد هو الذي جعل الهمَّ العراقيَّ فوق كلِّ الهُمُوم وإنسانه فوق كلِّ اعتبار وساهم في تجنب المزيد من الأزمات الجعفريّ: التظاهرات تعبيرٌ عن المُطالَبة عن كلِّ حقّ مهدور وكرامة مُنتهَكة ومال مسروق وسياسة فاسدة وتدخّل أجنبيّ فاحش!!.. يجب منع استخدام السلاح ضدّ المُتظاهِرين وتفقُّد عوائل الشهداء ورعايتهم.. وإلغاء بدعة المُحاصَصة "سيِّئة الصيت" في التشكيلات الحكوميّة رسائل الأيام للدكتور إبراهيم الجعفري الجعفريّ للعرب: لا تنظروا إلى حجم سكاننا بل انظروا إلى قوة إرادتنا وإصرارنا على حقوقنا.. المطلوب من الجامعة العربية أن ترسم أولوياتها على ضوء المصالح والمخاطر وتُفكـِّر بحجم الإنسان العربيِّ والقدر العربيِّ.. وأن ننتهي بنتائج ولا نكتفي بالكلمات والخطب الجعفريّ للعرب: أصبح صوت العراق مسموعاً وأصبحت إنجازاته موضع احترام العالم.. نحتاج إلى وُقوفكم إلى جانبنا ونحن لا نطلب دماء أبنائكم بدلاً من دماء أبنائنا ولكن عليكم مُساعَدتنا في مُواجَهة داعش خُصُوصاً أنَّهم جاؤوا من بلدانكم ومن أكثر من مئة دولة الجعفريّ لوزراء الخارجيَّة العرب: نحن لا نـُمثـِّل حُكـَّاماً وحكومات فقط، بل نـُمثـِّل شُعُوباً عربيَّة وإضعاف أيِّ دولة إضعاف لنا جميعاً.. داعش يستهدف كلَّ دول العالم خُصُوصاً الدول العربيَّة؛ لذا عليكم أن تُتابعوا ما يجري في العراق خطوة خطوة الجعفريّ من جنيف: العراق من الدول التي تعاني من نار الإرهاب ومن الدول المنتصرة على الإرهاب وحاولتْ بعض الجهات الدوليَّة التي تدعم الإرهاب إلى إرباك جهدنا و‏تزييف الحقائق واتهام مُؤسَّسة الحشد الشعبيِّ وبلا دليل، وهي لا تخدم في حقيقتها بذلك إلا الإرهاب الجعفريّ: تـُوجَد الآن دول عظمى تفكِّر بعقليَّة (كاوبوي) -رُعاة البقر-، بينما العراق يتعامل بطريقة إنسانيَّة حتى مع خصمه؛ لأنه تعلـَّم على شيء اسمه كيفيَّة غضِّ النظر عن الجزئيَّات، ويفكر بالحلول أكثر ما يفكر بالمشاكل

اللقاء الذي أجرته صحيفة الشرق الأوسط بالدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّ 17/9/2014
الاخبار | 19-09-2014

-         معالي الوزير ستذهبون إلى نيويورك، وهناك اجتماعان مُهـِمَّان، الأول: يوم الجمعة على المُستوى الوزاريِّ، والثاني: يوم 24/9 برئاسة الرئيس أوباما. فيما يخصُّ الموضوع العراقيَّ، والأسباب التي أنتم موجودون من أجلها في باريس، ما هو المُتوقـَّع من هذين الاجتماعين؟

 

الدكتور إبراهيم الجعفريّ:                         بسم الله الرحمن الرحيم

لقاء باريس الحلقة الثانية بعد لقاء جدّة، والحلقة التي بعد باريس هي حلقة نيويورك، وكلُّها من الزاوية العراقيّة كانت تتمحور حول الهجوم الغاشم الذي حصل من داعش على العراق، وما تعرَّض له العراق من احتلال بين رُبع إلى ثلث مساحته تحت طائلة داعش، والفتك، والقتل، والتشريد الذي نتج عن ذلك، والاعتداء على مُكوِّنات الشعب العراقيِّ عامّة، والأقليّات العراقيّة بصورة خاصة من المسحيين، والصابئة، والإيزيديّين، وكذا المُسلِمون إذ كانوا هدفاً لداعش كما هي عادته، وثقافته، فجئنا؛ لنـُبـِلغ رسالة في جدّة، وباريس، وبعدها في نيويورك إلى المُجتمَع الدوليَّ بأنَّ المُشكِلة التي عمَّت العراق ليست عراقيّة - عراقية، نعم.. العراق هو المُستهدَف اليوم غير أنَّه هو الخندق الأول، وليس الخندق النهائيَّ، خنادق المُواجَهة القادمة ستكون ما بعد العراق، وهي دول المنطقة، بل حتى أوروبا خصوصاً أنَّ إرهابيين يُشارِكون تحت لواء داعش هم من مُختلِف دول العالم، فليس ببعيد أن يُمارِس هؤلاء الإرهابيُّون هذا الدور في هذه البلدان.

لا نتمنـّى لهم أن يتعرَّضوا لما تعرَّضنا، لكنَّ أخلاقيّة وأدبيّات داعش أنّها تفتك بكلِّ العالم، ولا تستثني بلداً، وعندما تخترق بلداً تستهدف أهدافاً إنسانيّة محضة، أعني: المعابد، والحدائق العامّة، والمساجد، والمدارس، والمطاعم، والأسواق.

هذه كانت الرسالة الأولى.

الرسالة الأخرى، هي إنَّ العراق أقدَمَ على تغييرات أساسيّة، وهو الميثاق السياسيُّ الذي اتفقت عليه الأطراف السياسيّة والفرقاء السياسيّون المُشترِكون في العمليّة السياسيّة، وعقدوا العزم على أن يضعوا العراق على مشارف مرحلة جديدة تتسع لكلِّ الفرقاء من دون استثناء، وتستفيد من أخطاء الماضي، وتـُحرِّك الملفات التي طالما تعطـَّلت في تلك المرحلة، فاتفقت كلُّ الأطراف، وبدأنا الخطوة الأولى الأساسيّة على المسرح السياسيِّّ، وهي تشكيل حكومة وطنيّة ضمَّت كلَّ الأطراف من دون استثناء.

الحكومة برهنت على أنّها جادّة في استيعاب الجميع، وتبقى هذه الثنائيّة بين السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة موجودة في أرقى دول العالم، فقد تتفق مرّة، وقد تختلف أخرى، هذه أصبحت الآن تقليداً في العُرف السياسيِّ العالميِّ، وستكون الخطوة الأخرى هي ما نـُريده من أصدقائنا وإخواننا سواء كانوا دول الجوار، أم ما بعد الجوار، أم المُجتمَع الدوليّ والمُنظـَّمات الدوليّة، وفي أقصاها مِظلـَّة الأمم المُتحِدة، والذي يتجلـَّى بدعم الحالة العراقيّة، والوقوف إلى جانبنا في مُواجَهة الإرهاب مادامت القضيّة لا تستهدف العراق فقط.

لا نـُريد لأبنائهم أن يُقاتِلوا بدلاً عن أبنائنا، إنـّما نـُريد غطاءً جويّاً، وأسلحة، ودعماً  لوجستيّاً يتناسَب وحجم التحدِّي؛ لنحفظ للعراق سيادته، وأمنه، وأداءه الوطنيَّ، ونحتاج إلى إسناد دوليٍّ لإعادة البُنية التحتيّة؛ بسبب التخريب الذي حصل جراء دخول داعش، وكذا إغاثة النازحين الذين حلـَّت بهم مآسٍ إنسانيّة بسبب النزوح الذي حصل من محافظات (الموصل، وصلاح الدين، والأنبار، وبعض أجزاء ديالى).

 

-         ما الذي يُنتظـَر عمليّاً من اجتماع يوم الجمعة، هل تنتظرون قراراً، أم بياناً، أم إعلاناً، ما طبيعة توقـُّعاتكم لهذا الاجتماع، ومن الاجتماع الذي سيرأسه أوباما، وهل هناك بحث جارٍ لاستصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدوليِّ يُغطـِّي العمليّات في العراق، ويفتح العمليّات في سوريّة، وما هو المطلوب، وما المُمكِن؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أجواء الأمم المُتحِدة جاهزة من الناحية الإجماليّة بأنَّها مع العراق، وأنَّها تُقدِّم كلَّ أنواع الدعم للعراق، فمُؤتمَر باريس ضمَّ الدول دائمة العضويّة الخمس، إضافة إلى دول أخرى، وكلُّها ركَّزت، وتحدَّثت بما فيه الكفاية، وأنا كنت مأنوساً جدّاً من وجود تفهُّم لما يحصل في العراق، وتجاوُب مُتميِّز، كما وجدتُ فرصة لأن أبرز وجوهاً أخرى قد لا تكون واضحة لديهم، لكن -بصورة عامّة- كنتُ مُمتنـَّاً للتجاوُب التي حصل منهم، وأشعروني بأنَّ ما يدور في العراق يدور في بلدانهم، ولم أجد طرفاً مُتردِّداً بالدعم وإن اختلفت زاوية هذا الدعم، لكن -بصورة عامة- دعم عسكريٌّ، وإنسانيٌّ، خدميٌّ، ودعم في الإعمار والبناء.

ستكون رسالتنا إلى الأمم المُتحِدة بتفصيل أكثر مادام عدد الدول المُشارِكة أكثر، ومُستوى المُشارَكة أعلى، فمن الطبيعيِّ أن نتواصَل فيما بدأناه في جدّة مروراً بباريس، وانتهاءً بنيويورك.

-         هل تُعَدُّ محطة جدّة فاصلة في كيفيّة التعاطي مع الأزمة العراقيّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بالتأكيد، بحسب ما سمعته بدءاً بالأمير فيصل وزير الخارجيّة السعوديّة، ووزراء الخارجيّة الآخرين الذين كانوا موجودين، والسفير الأميركيّ.

 

-         هل كنتَ حاضراً؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نعم.. كنتُ حاضراً، والتقيتُ أنا وسُموّ الأمير فيصل قـُبيل البدء بالمُؤتمَر، وتحدَّثنا قرابة نصف ساعة، ثم استمعتُ إلى كلماتهم، وفي الوقت نفسه كان وزير الخارجيّة الأميركيّة السيِّد جون كيري مُشارِكاً، وكذا بقيّة وزراء الخارجيّة.

كانت فرصة لأن نخرج ببيان، ولم أجد فيه مضامين مُختلِفة عمّاً خرجنا به في باريس.

 

-         هل نستطيع القول: إنَّ هناك تحوُّلاً تجاه التعاطي مع الأزمة العراقيّة خليجيّاً؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بل انعطافة حادّة، من الانكماش، وغياب التعامُل مع الملفِّ العراقيِّ إلى اندفاع غير مشروط مع الملفِّ العراقيِّ خصوصاً أنَّ الأمير فيصل شخصياً صرَّح أنه قرَّر فتح السفارة السعوديّة في بغداد، وأعاد ذلك في المُؤتمَر أمام الجميع، وقال: أخبرتُ السيِّد وزير الخارجيّة العراقيّ بأننا عازمون على فتح السفارة السعوديّة في أقرب وقت، والآن وجَّهت أمري لأن تبدأ السفارة عملها، وتـُفتـَح في بغداد.

 

 

-         قرأتُ البيان الذي صدر عن اجتماع باريس، والتقيتُ مسؤولين فرنسيّين وغير فرنسيين، ووجدت أنَّ هذا البيان بقي على صعيد المبادئ، ولم يكن هناك خطوات عمليّة.. فهل سبب هذا أنَّ مُراوَحة الحاضرين كانت واسعة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا يُتوقـَّع لمُؤتمَر باريس بهذا العدد، وبهذا الوقت القصير أن يدخل بالتفاصيل خصوصاً أنَّ هناك خطوات عمليّة وأموراً لوجستيّة تحصل على الأرض تُترَك للمُختصِّين.

لا يُتوقـَّع للمُؤتمَر أكثر من أن يُقرِّر؛ لأنَّ الحاضرين هم وزراء خارجيّة، وليسوا ضباطاً جالسين في قاعدة عسكريّة، فيُعطون أوامر انطلاق، وتحرُّكات عسكريّة مُعيَّنة، أمّا تفاصيل حركة الطائرات، وكيف، وأين، ومتى تبدأ فهذا متروك للمختصِّين على الأرض، وقد بدأت فعلاً الطلعات الاستطلاعيّة الفرنسيّة، لكني لم أجد خلافاً بين الحضور حول الأمور الحسَّاسة، وذات الطابع الاستراتيجيّ.

كانت كلمتهم واحدة حول دعم العراق، لم يتردَّد أحد بشيء، وثمَّنوا موقف العراق، واستجابته، واستنكروا ما حصل، وفصلوا فصلاً صريحاً بين ما يُمارسه داعش عن الإسلام، وأنَّ الإسلام لا يقتل بريئاً، وهذا لا يُمثـِّل ديناً، ولا يُوجَد دين يقبل بذلك، المُتديِّن يحبُّ الله عزّ وجلّ، والذي يحبُّ الله يحبُّ عباده.

 

-         أشرتَ إلى مُشكِلة تلميحاً بين الدول التي ستُساعِد العراق عسكريّاً، مَن هي الجهة التي ستُنسِّق، ومن هي الجهة التي ستُحدِّد هذه الأهداف، هل هي الجهة العراقيّة، وهل سيكون هناك مكتب مُشترَك، وغرفة عمليّات مُشترَكة عراقيّة مع الدول المُشارِكة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: من دون شكّ على أرض العراق، ورأس الحربة هو العراق، والسياقات الميدانيّة تتطلّب تنسيقاً مع مَن هو على الأرض (الساحة لمَن حضر).

نحن مثكولون، وليس المُعزِّي كالثُكلى، نحن مثكولون على الأرض، وهم يعرفون نقاط القوة ونقاط الضعف لنا، وللعدوِّ؛ لذا تُفرَز القضيّة العراقيّة، والآليّات العراقيّة ميدانيّاً دون غيرها، وليس من موقع المُحاباة وإنما من موقع الفرق الموضوعيِّ بين مَن يحضر على الأرض، ويُواجـِه المَخاطر، وبين مَن يدعم، ويُسنِد، وإن كان الإسناد مُهِمّاً.

الطرف العراقيُّ لا يُمكِن أن يكون خارجاً عن دائرة التنسيق، والمفصل الأساسيُّ بالتنسيق أمّا أن يدخلوا في التفاصيل حول المَحاور، والمساحات، وعدد الضباط العراقيِّين، ومَن الذي سيُمثـِّل فهذه لم تُطرَح، وستتولاها القيادات الميدانيّة من الطرفين العراقيِّ والتحالُفيّ.

 

-         فـُوجِئ الكثير بأنَّ العراق الذي صرف المليارات على تسليح جيشه، وإقامة جيش وطنيٍّ جديد بعقليّة جديدة لم يُبيِّن فعاليّته، أو قوّته في ما حصل.

هل السبب في التشكيلة، هل السبب في العقليّة، ما الذي جعل الجيش العراقيَّ ينسحب من هذه المناطق بهذه السرعة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الأسباب اجتمعت كلُّها.

حتى يكون الجيش جيشاً لابدَّ من عقيدة عسكريّة، ولابدَّ من تراتبيّة عسكريّة، ومُراعاة سلسلة المَراتب بين جهات العليا والمُتوسِّطة والدنيا، ولابدَّ من الضبط العسكريِّ.

دبَّ الفساد في كثير من دوائر الدولة خلال السنوات التي مضت، ومن جملتها في الجانب العسكريِّ، وقد لا تكون القيادات العسكريّة مُعافاة من الفساد.

لا تتوقـَّع من قائد عسكريٍّ أن يكون نموذجاً للجنديِّ في المعركة، وقد دبَّ له الفساد، لا أقول جميعهم، لكنهم عدد ليس بقليل، فمن الطبيعيِّ أنَّ لا يثق الجنديُّ بهذه القيادة؛ لذا دبَّ الرعب فيهم؛ لأنَّه غير مُؤسَّس على العقيدة العسكريّة، والتضحية، والاستبسال؛ فالجنديُّ أهمُّ دعامة.

إن تسأل عن السلاح فاسأل عن اليد التي تحمل السلاح، والعقيدة التي تقف خلف السلاح.

 

-         هل القوات العراقيّة هي التي ستكون وحدها موجودة ميدانيّاً إلى جانب البيشمركة قادرة على استعادة الأراضي، والقـُرى، والمُدُن مثل الموصل؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نعم.. مع الدعم الدوليِّ، وتأمين الغطاء الجويِّ، وهو مُهـِمٌّ جدّاً.

القوات المُسلّحة أصبحت مفهوماً مُتعدِّد المصاديق: (الجيش، والبيشمركة، والحرس الوطنيّ، قوات الحشد الجماهيريّ) كلـُّها تنضوي تحت لواء القوات المُسلّحة العراقيّة، وتتسلّم أوامرها من قيادات الجيش، لكنَّ أهدافها واحدة، وإن تعدَّدت فصائلها.

نحن نبني على أساس قوات مُسلَّحة مُدرَّبة من ذات المحافظات تقف إلى جانبها، أثبتت أنه في مثل المُواجَهة مع داعش بالذات لابدَّ من وجود قوات وطنيّة محليّة من المحافظات، لا أن يُؤتـَى بها من محافظة إلى محافظة أخرى، فتُخلَق إشكاليّات بأنّه تدخـُّل، أمّا إذا دافـَعَ أبناء المدينة، وهم أعرف بمدينتهم (أهل مكة أدرى بشِعابها) عندئذ سيجدون في حركتهم نسقاً مُتكامِلاً ومُتجانِساً مع بقيّة فصائل الجيش العراقيِّ خصوصاً أنـَّهم سيعملون ضمن هذه اللواء، وهذا هو الذي جعل (هتلر) يتحاشى دخول سويسرا على الرغم من أنـَّه لم يكن لديها جيش.

 

-         السيِّد مُقتدى الصدر غير مُوافِق على كلِّ هذه التركيبة، والدعم الدوليِّ، والحضور الجويِّ الأميركيِّ. هل هذا سيُضعِف الإجماع العراقيَّ، وكيف تُفسِّر موقف الصدر؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لم يرفض هذا الشيء إنما قال: لا نرضى بالتدخـُّل الأجنبيُّ، وعودة القواعد الأجنبيّة إلى العراق، ونحن قلنا مثل الكلام في مُؤتمَر جدّة بأنـَّنا لا يُمكِن أن نتقبَّل ما رفضناه سابقاً، وكنا نتحاشى منذ 2003 أن تأتي قوات أجنبيّة على الأرض العراقيّة، وبقينا على هذا الموقف منذ زمن، وهو موقف وطنيٌّ مُشترَك.

ولو تسألني: هل تقبل بقوات أجنبيّة على الأرض العراقيّة؟ الجواب: كلا.

 

-         هي موجودة على الأجواء؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذا موضوع آخر. اليوم تـُعطيها مجالاً، ويوم غد تمنعها بإرادة وطنيّة، أمّا أن تدخل القوات الأجنبيّة بسهولة، وتتمكَّن، وتستحكم، وتتموضع في مناطق مُعيَّنة فبعد ذلك يصعب إخراجها؛ لذا نحن حذرون، وطالبنا منذ زمن بعيد بإخراج القوات المُسلَّحة الأجنبيّة من العراق.

ليس سهلاً علينا أن نرهن الإرادة الوطنيّة العراقيّة تحت احتلال، أو حتى مُجرَّد وجود قاعدة عسكريّة في العراق.

موقفنا ثابت ولن يتبدَّل، نعم.. الذي نطلبه الآن هو الدعم الجويُّ؛ لأنَّ طبيعة المعركة غير مُتكافِئة فالقوات المُسلَّحة غير مُتعافية، والعدوُّ له دعم، وهو مُعولَم.

داعش ليس ظاهرة عراقيّة - عراقيّة، ولا عراقيّة - عربيّة، ولا عراقيّة مع دول الجوار فقط إنـَّما ظاهرة عراقيّة مُتعدِّدة الجنسيّات مُعولَمة، ويجب أن يُضاهي الردُّ، ويتكافأ مع الهجوم، فنطلب، لكننا ننظر بعين الحذر لئلا يتحوَّل هذا الدعم المُؤقـَّت على قدر مِحنتنا من داعش إلى حالة مُتحكِّمة في العراق.

 

-         ليس هناك من تفكير باتفاقيّة أمنيّة مع الأميركان؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: تُوجَد اتفاقيّة الإطار الاستراتيجيّ ببُنودها المعروفة، ولم تنتهِ، بأنّه إذا تعرَّض العراق، وسيادته، وإنسانه، وأرضه إلى انتهاك فالولايات المُتحِدة تـُساعِد العراق.

لم أوافق في حينها على هذه الاتفاقيّة، وقلتُ بصراحة: أنا لستُ مع هذه الاتفاقيّة، لكن بعدما عُدِّلت فيها 16 مادة من الموادِّ التفصيليّة؛ لأنَّها كانت في البداية تحمل شروطاً مُهينة، وافق عليها البرلمان، وعلى الرغم من تحفـُّظي تفاعلتُ معها.

حان الوقت الآن لأن تلتزم بها، فأرض العراق مُنتهَكة، وإنسان العراق مُنتهَك، وسيادة العراق مُنتهَكة.

 

-         يُتداوَل حديث بأنَّ السياسة التي تدخَّلت بناءً عليها الولايات المتحدة هي الاتفاقيّة الاستراتيجيّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: من طرفها الاتفاقيّة الاستراتيجيّة، لكنَّ بقيّة الدول ليس لدينا معها اتفاقيّة، وهم يشعرون الآن بخطر داعش على بلدانهم، وعلينا كذلك، وهذا دور الأمم المُتحِدة، وقد وقفت وقفة -في تقديري- تاريخيّة مُشرِّفة.

 

-         هل قدَّمتم طلباً لفرنسا لتغطية مُساعَدتها العسكريّة لكم؛ لأنـَّنا سمعنا من مسؤولين فرنسيِّين أنـَّهم يُريدون طلباً عراقيّاً بذلك.

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الطلب وَرَدَ على لسان رئيس الوزراء العراقيِّ حين قال بكلِّ صراحة في خطاب سمعه السيِّد رئيس الجمهوريّة الفرنسيّ عندما كان في بغداد: نحن بحاجة إلى هذا الدعم؛ لإسناد قواتنا.

 

-         لماذا تبدو تركيا كأنـَّها انسحبت من الصورة، ما هو تحليلكم؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا أتفهَّم موقف تركيا الذي أبلغنا به وزير الخارجيّة التركيّ، وقبله السفير التركيّ.

هم الآن يُعانون من مُشكِلة أنَّ هناك قرابة 50 من موظفي القنصليّة التركيّة في الموصل في قبضة الإرهاب، وهم يشعرون أنـَّه كارثة إنسانيّة بالنسبة لهم، إلا أنـَّهم حضروا في مُؤتمَر جدّة، ومُؤتمَر باريس، وعبَّروا عن آرائهم، لكنهم تعاملوا بالحدود التي تسمح لهم؛ تحاشياً لحصول مأساة قد تـُصيبهم.

 

-         لم يُوقـِّعوا بيان جدّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لهذا السبب. نحن نتفهَّم موقفهم، ونعتقد أنـَّهم في العُمق معنا، لكنـَّهم يُريدون أن يُوفـِّقوا بين هاتين المسألتين، بين دعمهم العراق، ودفاعهم ضدَّ داعش من جانب، وبين تحاشي المُشكِلة التي قد تلمُّ بهم اذا ما تخطـَّوا هذا الحدَّ من الجانب الآخر.

 

-         أنتم حاليّاً بحاجة إلى الولايات المُتحِدة الأميركيّة، وبحاجة إلى إيران أيضاً، وأميركا وإيران تعاونتا في العراق، وتقاتلتا في سوريّة. كيف تستطيعون السير بين هاتين المُفارَقتين؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هما وإن كانتا مُختلِفتين، لكنـَّهما لا تـُواجـِهان مُشكِلة في داخلهما، وإنـَّما مُشكلِة من بعض الدول العربيّة، فبعض الدول العربيّة تحفـَّظت على حضور إيران مُؤتمَر جدّة وباريس، وقد بذلنا جهوداً ليس بالقليلة لتذليل هذه العقبة، لكننا لم نستطِعْ تذويب الجليد بين هذه الدول وبين إيران؛ إذ كان الوقت قصيراً.

إيران موجودة على الأرض، وهي دولة جوار جغرافيّ بيننا وبينهم 1400 كيلومتر حدود، ولها مواقف مُشرِّفة طيلة هذه الفترة، فقد وقفت منذ وقت مُبكِّر، ودعمت العراق أمنيّاً، وسياسيّاً، وإنسانيّاً، وخدميّاً.

 

-         وعسكريّاً حسب قولهم؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: على كلِّ حال هذه كلـُّها تُشير إلى أنـَّها دولة داعمة، وهي دولة جوار جغرافيّ، ونحن لا ندعو دول الجوار للوقوف إلى جانبنا، ونستثني إيران.

ليس السؤال: لماذا تحضر، بل لماذا لا تحضر؟ فالعراق لا يُريد أن يكون نقطة تقاطـُع حادّة بين هذه الدول إنـَّما نـُريده أن يكون محطة التقاء بين هذه الدول، وسنعمل بهذه السياسة، وما عجزنا عنه الآن قد يتسع له المُستقبَل إن شاء الله.

 

-         كيف ترون مُستقبَل الوضع في سوريّة على ضوء ما يجري عندكم؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بالنسبة إلى داعش فنحن نرفضها أينما وُجـِدت فبالأمس القريب في سوريّة، واليوم في العراق، و-لا سمح الله- ستكون عند الآخر غداً، أو بعد غد.

لا يُمكِن أن نرفض داعش في العراق، ونتقبَّلها في سوريّة مادامت الأهداف أهدافاً إنسانيّة. لا فرق بين الأطفال السوريِّين والأطفال العراقيِّين، والنساء السوريّات والنساء العراقيّات.

الأقليّات في سوريّة، والأقليّات في العراق كلـُّهم ضحايا داعش، فما نرفضه في العراق نرفضه في سوريّة، لكن تبقى هناك مُشكِلة، وهي: وجود موقف إقليميٍّ ودوليٍّ من النظام السوريِّ. لا نـُريد أن نُسيِّس المعركة، بل يجب أن نُؤنسِنها مثلما أنسنـَّاها في العراق نُؤنسِنها في سوريّة.

يُوجَد ضحايا، ويُوجَد طرف جانٍ في سوريّة وهو داعش، ومثلما دعونا الصفَّ الإقليميَّ والدوليَّ إلى مُواجَهة خطر داعش عليه أن يتحمَّل مُواجَهة الخطر الداعشيِّ في سوريّة، أمّا أن تكون هناك خلافات مع الحكومة فلها سياقات أخرى.

 

-         لكنَّ المُشكِلة أنَّ المدنيِّين السوريِّين هم ضحايا داعش، وأكيد هم ضحايا النظام.

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: يُوجَد خلاف جوهريّ بين ما يحصل في العراق، وبين ما حصل في سوريّة، لا أقلَّ من وجهة نظر إرادة الدولة، وبعض الدول الإقليميّة.

علينا أن نـُواجـِه هذا الخطر المُشترَك أولاً لذات سوريّة، ولذات العراق، ولذات التداخُل على الأرض بين ما يحصل في العراق، وبين ما يحصل في سوريّة.

حين ارتفعت وتيرة الإرهاب الداعشيّ في (درعا) وعموم سوريّة أثـَّرت في العراق، وحين تسرَّبت من هذه الفصائل إلى العراق أثـَّرت في سوريّة، فلا يُمكِن الفصل بين الأسباب والنتائج في الأرضين السوريّة والعراقيّّة، نعم.. ستـُواجَه مُشكِلة التنسيق مع حكومة لا يعترف بها التحالف الدوليّ، وهذه المُشكِلة يجب أن تُحَلّ.

 

-         كيف تـُحَلّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بالفصل بين المحور السياسيِّ، والمحور الأمنيِّ خصوصاً إذا كانت على مُستوى الغطاء الجويِّ فقط من دون دخول، وبناء قواعد تستحكم، وتتمكَّن على الأرض.

عندما تـُستهدَف فصائل داعش، ومنابع تسرُّب الإرهابيِّين فالفائدة للطرفين السوريِّ والعراقيّ.

وحتى في سوريّة يجب أن ننظر إليها من المدى المُتوسِّط والبعيد أنـَّه كيف يُمكِن أن يُحَلَّ المُعضِل مع سوريّة، والنظام السوريُّ أيّاً كانت المُلاحَظات عليه قد يكون قابلاً للتفاهُم.

 

-         هل تعني بكلام آخر أنَّ هذا النظام باقٍ، وتفاهموا معه؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا لا أستطيع التكلُّم نيابة عن الشعب السوريِّ؛ لأنـَّنا نعرف أنَّ الشعب مُنقسِم عليه، فعندما اجتمعت كلمة الشعب المصريِّ، والتونسيِّ، والليبيّ ضدَّ رؤسائهم كنا في كلمة واحدة مع الشعب ضدَّ الأنظمة، كنا مع الشعب المصريِّ ضدَّ حسني مبارك، ومع الشعب الليبيِّ ضدَّ مُعمَّر القذافيّ، ومع الشعب التونسيِّ ضدَّ زين العابدين بن علي، لكن؛ لكون الشعب السوريِّ انقسم في النظر إلى قيادته فمن الطبيعيِّ، والمنطقيِّ، والإنسانيِّ، والحضاريِّ أن نقول: لا نتدخَّل في قضيّة الشعب، فهم أنفسهم مُختلِفون عليه، ولا نكون بديلاً عن الشعب السوريِّ إن رضيَ بنظامه فليُجدِّد له، وإن لم يرضَ به فليتجاوزه.

 

-         تضمَّن البيان الذي صدر عقب اجتماع باريس فقرة حول الفدراليّة في العراق، ما رأيك بهذه الفقرة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الفدراليّة موجودة في الدستور، والنظام العراقيُّ نظام ديمقراطيٌّ فيدراليٌّ. الفدراليّة تعني بالإغريقيّ trust أي: الثقة، فالمُجتمَع الذي تتعدَّد مُكوِّناته، وتضعف فيها الثقة تأتي الفدراليّة؛ لنشر ظلِّ الثقة في مُجتمَع تـُهدِّده التعدُّديّة.

 

-         هذا من ناحية المبدأ، ولكن فهمنا من المسؤولين الفرنسيِّين والأوروبيِّين الذين كانوا موجودين هنا أنـَّهم يُريدون أن تتمكَّن مناطق وسط العراق من تشكيل كيان مثلما يُوجَد كيان كرديّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: سنكون في هذه الحالة قد انتقلنا من الفدراليّة إلى التقسيم.

أكبر دولة في العالم هي أميركا تتألـَّف من خمسين ولاية، وخمسين دستوراً محليّاً، وخمسين كونغرس، وخمسين عَلَماً، وخمسين رئيس ولاية، وكلـُّها مُتواجـِدة في الولايات المتحدة الأميركيّة، وهي أكثر دولة مُتوحِّدة، والكونغرس في واشنطن هو الذي يُمثـِّلهم كلَّهم، والعَلَم الأميركيُّ هو رمزهم، والرئيس الأميركيُّ هو الذي يُمثـِّلهم، واستطاعت أن تـُحافِظ على وحدتها.

نحن لا نخشى الفدرالية، لكن يجب أن تُطبَّق بطريقة صحيحة؛ لخدمة البلد.

 

ولقراءة نص المنشور على صحيفة الشرق الأوسط الطبعة الدولية يرجى النقر على الرابط التالي:

http://www.aawsat.com/home/article/184636

العودة إلى صفحة الأخبار


 الرئيسية  |  الأخبار  |  إبراهيم الجعفري  |  تيار الإصلاح الوطني  |  رسائل الأيام  |  كلمات  |  الصور  |  المكتبة  |  الفيديو  |  اتصل بنا 
E-mail : med@al-jaffaary.net
جميع الحقوق محفوظة لـموقع الدكتور ابراهيم الجعفري©2010 - 2024
استضافة وتصميم وبرمجة ويب اكاديمي

Powered by web academy