الجعفري: لابد من وقفة واعية ومسؤولة لتقييم التظاهرات المستمرة لأكثر من مائة يوم التي لم تسجل أيَّ سابقة مثيلة لها.. تقادم الزمن لا يسقط الحقوق ولا يعذر الجناة ممّا يستدعي تحديدا دقيقا في معرفتهم ومساءلتهم والابتعاد عن التوصيفات الغامضة كمصطلح الطرف الثالث الجعفريّ: جرائم الاغتيال والقتل والتمثيل بجُثث الموتى انتهاك سافر لحُقوق الإنسان وهو جرس إنذار بتهديد السلم المُجتمَعي وزرع الفتنة ونشر الفوضى في وقت يجب أن يتحمَّل الجميع مسؤوليته الوطنية عبر التعاون على حفظ وحدة الصفِّ الوطني وعدم زعزعة الأمن والاستقرار الجعفريّ: يجب مُحاسَبة كلّ من تورَّط في إراقة دماء أبنائنا المُتظاهِرين والقوات الأمنيّة وإنزال القصاص العادل بحقهم.. الردّ العراقيّ الوطنيّ المُوحَّد هو الذي جعل الهمَّ العراقيَّ فوق كلِّ الهُمُوم وإنسانه فوق كلِّ اعتبار وساهم في تجنب المزيد من الأزمات الجعفريّ: التظاهرات تعبيرٌ عن المُطالَبة عن كلِّ حقّ مهدور وكرامة مُنتهَكة ومال مسروق وسياسة فاسدة وتدخّل أجنبيّ فاحش!!.. يجب منع استخدام السلاح ضدّ المُتظاهِرين وتفقُّد عوائل الشهداء ورعايتهم.. وإلغاء بدعة المُحاصَصة "سيِّئة الصيت" في التشكيلات الحكوميّة رسائل الأيام للدكتور إبراهيم الجعفري الجعفريّ للعرب: لا تنظروا إلى حجم سكاننا بل انظروا إلى قوة إرادتنا وإصرارنا على حقوقنا.. المطلوب من الجامعة العربية أن ترسم أولوياتها على ضوء المصالح والمخاطر وتُفكـِّر بحجم الإنسان العربيِّ والقدر العربيِّ.. وأن ننتهي بنتائج ولا نكتفي بالكلمات والخطب الجعفريّ للعرب: أصبح صوت العراق مسموعاً وأصبحت إنجازاته موضع احترام العالم.. نحتاج إلى وُقوفكم إلى جانبنا ونحن لا نطلب دماء أبنائكم بدلاً من دماء أبنائنا ولكن عليكم مُساعَدتنا في مُواجَهة داعش خُصُوصاً أنَّهم جاؤوا من بلدانكم ومن أكثر من مئة دولة الجعفريّ لوزراء الخارجيَّة العرب: نحن لا نـُمثـِّل حُكـَّاماً وحكومات فقط، بل نـُمثـِّل شُعُوباً عربيَّة وإضعاف أيِّ دولة إضعاف لنا جميعاً.. داعش يستهدف كلَّ دول العالم خُصُوصاً الدول العربيَّة؛ لذا عليكم أن تُتابعوا ما يجري في العراق خطوة خطوة الجعفريّ من جنيف: العراق من الدول التي تعاني من نار الإرهاب ومن الدول المنتصرة على الإرهاب وحاولتْ بعض الجهات الدوليَّة التي تدعم الإرهاب إلى إرباك جهدنا و‏تزييف الحقائق واتهام مُؤسَّسة الحشد الشعبيِّ وبلا دليل، وهي لا تخدم في حقيقتها بذلك إلا الإرهاب الجعفريّ: تـُوجَد الآن دول عظمى تفكِّر بعقليَّة (كاوبوي) -رُعاة البقر-، بينما العراق يتعامل بطريقة إنسانيَّة حتى مع خصمه؛ لأنه تعلـَّم على شيء اسمه كيفيَّة غضِّ النظر عن الجزئيَّات، ويفكر بالحلول أكثر ما يفكر بالمشاكل

كلمة الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس التحالف الوطني العراقي في المؤتمر السابع والعشرين للوحدة الإسلامية والتي تقام أعماله في العاصمة الإيرانية طهران بحضور مئات العلماء والفقهاء والمثقفين من أكثر من 50 بلدا
تنويه | 17-01-2014

 

الجعفريّ: قد يختلف المُسلِمون فيما بينهم في الحديث، والرواية، وقد يتفقون في بعض الحديث والرواية إلا أنَّ القرآن الكريم لا يختلف عليه أحد، وقد اتفقت كلمة المُسلِمين عليه جميعاً سُنّة ًوشيعة ً، وكلُّ الفِرَق الإسلامية، وعندما أُودِعت أسرار الوحدة والحياة في القرآن الكريم معنى ذلك أنَّ المُسلِمين لو أحسنوا التلقّي في كتاب الله العزيز سيحملون في داخلهم أسرار الوحدة..

 

الجعفريّ: الاختلاف بين الناس ليس في شكلهم، وفي تكوينهم، إنما في فكرهم، فلا ينبغي أن نُلغي الآخر عندما يختلف معنا في الرأي.. هذا ما أمَرَنا به الله -تبارك وتعالى- بشرط أن نلتزم بوحدة الهدف، ووحدة المعيار..

 

الجعفريّ: ليس بيد الإنسان أن يصبح فارسياً، أو عربياً، إنما هو جعل تكوينيٌّ من الله تبارك وتعالى، نعم.. بإرادتك أن تكون تقيّاً، أو غير تقيّ، وبإرادتك أن تكون عالماً، أو غير عالم، وبإرادتك أن تكون مُلتزِماً، أو غير مُلتزِم، وبما عندكَ من خطاب تُحاسَب عليه؛ لذا يُحاسِبك الله على علمك، ويسألك عن ثروتك، ولا يسألك إن كنتَ عربياً، أو أعجمياً..

 

الجعفريّ: سِرُّ القوة في الأمّة هو القلب، وسِرُّ الوحدة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر..

 

الجعفريّ: جئتكم من العراق؛ لأقول لكم: إنَّ العراق عصيٌّ على كلِّ أنواع التمزُّق، والعُقَد، والحروب التي تستهدف تمزيق نسيجه الاجتماعيِّ.. سيبقى العراق شامخاً صامداً ثابتاً؛ لأنَّ فيه بُنية اجتماعية، وفيه تآخياً حقيقياً بين مُركّباته بين السُنّة والشيعة..

 

الجعفريّ: وجدتم ما حصل في الأنبار عندما حاوَل البعض من المُتسلّلين إلى مُجتمَع الأنبار المُبارَك الشجاع العراقيّ الوطنيّ؛ ليُقطّعوا أوصالهم، وتتطاير أشلاء أجسادهم في فضاءات التفجير.. أرادوا أن يُحوِّلوها إلى معركة بين السُنّة والشيعة، وخاب الظنّ، ووقف الشيعة إلى جانب السُنّة في ميدان الأنبار؛ ليُواجِهوا العدوَّ المُشترَك، بل أكثر من ذلك عندما ضاقت بعض مناطق الأنبار بأبنائها البَرَرة اتجهوا إلى كربلاء عاصمة التشيُّع، وفتحت كربلاء قلبها لتستقبل أبناء الأنبار، وفتح الكربلائيون قلوبهم قبل بيوتهم لاستقبالهم..

 

الجعفريّ: رسالة العراق إلى كلِّ العالم، وكلِّ البلدان تونس واليمن والتي عاشت فصلاً من التغيير في الهيكل الخارجيِّ تحتاج إلى تغيير حقيقيٍّ في البُنية التحتية، فليتعلّموا من العراقيين كيف يُشيعون ثقافة الوحدة الحقيقية بين أبناء الشعب..

 

الجعفريّ: العدوَّ الحقيقيَّ هو التكفير الذي هو أعدى أعداء الفكر، كلُّ شيء من حولكم ظاهر، والفكر سواء كان بناءً أو هدماً، حُبّاً أو بغضاً، ثقة أم فقدان الثقة. كلُّ فكرة ستُنتِج موقفاً؛ لذا فالمعركة في العمق معركة فكرية، والذين كفّروا الكثيرين، ثم قتلوهم هم العدوُّ..

 

الجعفريّ: العدوُّ الحقيقيُّ هو الإرهاب، هذا الذي جاءنا، وانقضَّ على الكثيرين. رأيتم أحد نماذج النشاط الإرهابيّ كيف يرتدي أحدهم ظلماً عمامة على رأسه يتشبّه برسول الله، تلك العمامة التي استضلَّ بها العالم بكلِّ جغرافية، وامتدّت إلى كلِّ الأجيال عبر الزمن ليلبسوا عمامة، ثم يجمع فيها كلَّ مُتفجِّر..

 

الجعفريّ: ليس لنا إلا انتهاج الوسطية. هذه الوسطية التي لا نلقاها إلا في القرآن الكريم؛ كون المبادئ التي لا ترتكز على القرآن الكريم تذهب ذات اليمين وذات الشمال.. الوسطية القرآنية التي تجمع وسطية بين الروح والبدن، بين الدنيا والآخرة، بين المُجتمَع والفرد.. وسطية تركت آثارها وبصماتها على الأنظمة الاجتماعية..

 

الجعفريّ: أرجو أن تتحوَّل خطاباتكم وقراءاتكم، وكلّ ما تجود به قرائحكم إلى أفكار علمية تنزل على شكل آليات؛ حتى يتحوَّل المُؤتمَر إلى آلية تفعيل، ونشاط حقيقيٍّ على الأرض..

 

الجعفريّ: ينبغي أن تأخذ فلسطين الحصة الأساسية في هذا المُؤتمَر؛ لأنها تعبير عن القدس الشريف، وتعني أننا نشير إلى المنطقة الأكثر التهاباً في العالم هو القدس.. مصيرنا يتوقف على القدس، وينبغي أن نُعيد إلى القدس كرامتها، ونُعيد إليها شرفها المُغتصَب، وهذا واجب المُسلِمين جميعاً..

 

 

النص الكامل لخطاب الدكتور إبراهيم الجعفريّ رئيس التحالف الوطنيّ العراقيّ في المؤتمر السابع والعشرين للوحدة الإسلامية والتي تقام أعماله في العاصمة الإيرانية طهران بحضور مئات العلماء والفقهاء والمثقفين من أكثر من 50 بلداّ 17/1/2014

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة، وأتمُّ السلام على أشرف الخلق أجمعين سيِّد الأنبياء والمُرسَلين أبي القاسم مُحمَّد، وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين، وصحبه المُنتجَبين، وجميع عباد الله الصالحين.

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..

قال الله -تبارك وتعالى- في مُحكَم كتابه العزيز:

((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)) [آل عمران : 103]

 

وحدة الأمّة مطلوبة في كلِّ الظروف، أمّا عندما تتكالب قوى العدوِّ، وعندما تتسع الأمّة بسُكّانها، وتنتشر في الأرض، وعندما تتعدَّد بلدانها، وتكثر ثرواتها وتكونُ نهباً للآخرين تصبح الوحدة أمراً ضرورياً يتعلّق، ويتوقّف عليها مُستقبَلها، بل يتحدَّد مصيرها.

 

في رحاب ولادة رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن وحي هذه الولادة المُبارَكة يقف الإنسان عاجزاً أمام وصف ربِّ العِزّة رسولَه الكريم:

((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [الأحزاب : 56]

 

في مثل هذه الأيام وُلِد رسول الله، وهذه الولادة شكَّلت فيما بعد انعطافة في مسير البشرية كلّها خارج جغرافية مكة، وخارج زمن الولادة، والبعثة، والهجرة.

كانت ولادته أولاً كرسول، وقائد، وبعد ذلك بسنوات نزل القرآن الكريم ككتاب أمّة، ثم أودع الله -تبارك وتعالى- في كتابه الكريم أسرار وحدة هذه الأمّة؛ لتبدأ إسلامية في العُمق، ثم تتسع؛ لتنتشر، وتُوحِّد الإنسانية أجمع.

 

العنوان الذي اختاره الإخوة القائمون على المُؤتمَر كان بليغاً، ومُوفّقاً إلى حدٍّ كبير.. وحدة إسلامية في القرآن العظيم، وقد يختلف المُسلِمون فيما بينهم في الحديث، والرواية، وقد يتفقون في بعض الحديث والرواية إلا أنَّ القرآن الكريم لا يختلف عليه أحد، وقد اتفقت كلمة المُسلِمين عليه جميعاً سُنّة ًوشيعة ً، وكلُّ الفِرَق الإسلامية، وعندما أُودِعت أسرار الوحدة والحياة في القرآن الكريم معنى ذلك أنَّ المُسلِمين لو أحسنوا التلقّي في كتاب الله العزيز سيحملون في داخلهم أسرار الوحدة، وعندما يتعارض الحديث مع القرآن فالحكومة من الناحية الأصولية والفقهية للقرآن، وليس العكس.

 

ما هي أسرار الوحدة في القرآن الكريم؟

 

الآية القرآنية في سورة آل عمران تقول:

((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا))   

[آل عمران : 103]

 

الجميع مع الوحدة، ولا تستطيعون أن تحققوا ذلك لولا نعمة الله تبارك وتعالى:

((وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)) [الأنفال : 63]

سِرُّ الوحدة من وحي التكوين يبدأ من عمق القلب على هدي كتاب الله، ولم يترك الله -تبارك وتعالى- تكوين الأمّة في القرآن من دون أن يُعطيه السِرَّ الثاني في الآية 104 من آل عمران بعد سِرِّ التكوين، وهو سِرُّ الاستمرار، يقول الله تعالى:

((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [آل عمران : 104]

وقد حمل هذان السِرَّانِ (سِرُّ الوحدة، وسِرُّ الاستمرار) المُرتكَز التكوينيّ للوحدة:

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ)) [الحجرات : 13]

الله -سبحانه عزَّ وجلّ- خلقنا شعوباً وقبائل، و-للأسف- كلُّ النظريات التي تقول بأفضلية جنس على جنس آخر كالذين قالوا: إنَّ الجنس الآريّ أشرف، وأحسن، وأذكى، وأعلى مرتبة من الجنس الثاني، والنظرية التي جاءت فيما بعد على يد النازية التي تقول بهوية الألمانيّ، أمَّا المبدأ القرآنيّ فقد جعل السِرَّ التكوينيَّ في أصل خلق البشر من الذكر والأنثى من دون أن يُميِّز بينهم، وهو مبدأ وحدة الأصل؛ لذا ليس غريباً أن تصطفَّ المجموعة الأولى إلى جنب رسول الله -صلى الله عليه وآله-، وهم سلمان المُحمَّدي من أصل فارسيّ، وصهيب الروميّ، وبلال الحبشيّ وغيرهم الكثير، أمّا اليوم فالأمّة تمتدُّ إلى مليار وخمسمائة مليون إنسان في قرابة 60 بلداً من بلدان العالم يشهدون أن (لا إله إلا الله، وأنَّ مُحمَّداً رسول الله).

العرب الذين انبعث فيهم الإسلام في مكّة هم اليوم أقلُّ من 20% من المُسلِمين في مُختلِف مناطق العالم، وهذا الاختلاف أودعه الله -تبارك وتعالى- لحكمة، فالحيوان يختلف، والإنسان يختلف غير أنَّ اختلاف الإنسان غير اختلاف الحيوان فالأسماك عُدَّت بـ 25 ألف نوع، والطيور عُدَّت بـ 8 آلاف نوع، فبماذا تعدَّد الإنسان، والإنسان واحد من حيث التكوين؟

تعدَّد باستنتاجه الفكريّ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)) [الحجرات : 13]

الاختلاف بين الناس ليس في شكلهم، وفي تكوينهم، إنما في فكرهم، فلا ينبغي أن  نُلغي الآخر عندما يختلف معنا في الرأي.. هذا ما أمَرَنا به الله -تبارك وتعالى- بشرط أن نلتزم بوحدة الهدف، ووحدة المعيار.

 

ما هي وحدة الهدف؟

 

لتعارفوا، خلقناكم أجناساً، وشعوباً، وأمماً لا لتتقاتلوا، وتتحاربوا، وتتلاعنوا، إنما لتعارفوا.

 

وما هو المعيار؟

 

المعيار هو التقوى: ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) [الحجرات : 13]  

وليكن من أيِّ أمّة عربياً كان، أو فارسياً، أو هندياً، أو تركياً، أو غيرها. هذا هو المقياس الحقيقيُّ للتفاوت بين أبناء الأمّة، وحسناً فعل الراغب الأصفهانيّ في كتابه الموسوم (مُفرَدات غريب القرآن) عندما ينقل رواية عن الإمام الصادق -صلوات الله وسلامه عليه- يقول: قال الإمام الصادق: (إنَّ ربَّ العالمين يرأف بالناس)؛ لأنَّ كلَّ واحد من الناس هو عالم، وقائم بذاته، ونحن نختزل الآخرين في ذاتنا، ونختزل أمماً وشعوباً بذاتنا، والله -تبارك وتعالى- جعلهم أمماً، وشعوباً، وقبائل.

 

ليس بيد الإنسان أن يصبح فارسياً، أو عربياً، إنما هو جعل تكوينيٌّ من الله تبارك وتعالى، نعم.. بإرادتك أن تكون تقيّاً، أو غير تقيّ، وبإرادتك أن تكون عالماً، أو غير عالم، وبإرادتك أن تكون مُلتزِماً، أو غير مُلتزِم، وبما عندكَ من خطاب تُحاسَب عليه؛ لذا يُحاسِبك الله على علمك، ويسألك عن ثروتك، ولا يسألك إن كنتَ عربياً، أو أعجمياً.

 

سِرُّ القوة في الأمّة هو القلب، وسِرُّ الوحدة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر..

إني أستحي منك يا رسول الله أن أنظر إلى أخلاقك السامية، وفكرك الصواب المطلق، وأنظر إلى أمّة تُكفّر أبناءك، وتستبيح دماءهم، وأنت لا تُجيز قتل الحيوان، إلا إذا استفاد القاتل من لحمه، أو جلده، أو يتخلّص من خطره، وثقافة القتل، وقطع الرؤوس، وحرق الجثث تشيع بين الناس الذين يظنون أنهم ينتمون إلى أمّتك..

 

إني لأستحي منك يا رسول الله فأمّة تدّعي أنها تلتزم بسُنّتك، لكنها تخالف سُنّتك، وتشيع ثقافة الخرافات، والبِدَع، وصوتك يُدوِّي عبر الزمن، وعبر كلِّ القرون: (إذا انتشرت الفتن في أمّة فعلى العالم أن يُظهِر علمه، وإلا فعليه لعنة الله).

 

إني لأستحي منك يا رسول الله، وأنت تقول: (أحسنُكم أحسنُكم لعياله، وأنا أحسنُكم). والمُسلِمون الذين يدّعون الإسلام حوَّلوا بيوتهم إلى جحيم على أزواجهم وأطفالهم.

 

إني أستحي منك يا رسول الله من أمّة لا تستحي أن تُولّي عليها مَن يُعاقِر الخمر، ويلعب القمار.. أستحي منك وأنت تُنزِل في كتابك الكريم: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)) [الإسراء : 1]

 

يبدأ نقطة الشروع من مسجد مكة، وينتهي بنقطة النهاية بمسجد القدس، والقدس مُدنَّس والأمّة ساكتة تُعطي ظهرها لانتهاكات القدس، وتُوجِّه نبالها إلى المُقاوَمة الشريفة التي تستهدف تحرير القدس.

 

إني لأستحي منك يا رسول الله من هكذا أناس يدَّعون أنهم من أمّتك، ويحاربون أمّتك.

 

لقد عبرتَ إلى الآخر بقلبك المُفعَم بالحُبِّ، وصدقتَ وأنت تقول: (إنكم لا تسعون الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم) عبرتَ إلى الآخر، ووصلتَ إلى الحبشة حيث النجاشيّ، ووصلتَ إلى كلِّ أمم العالم، وعبرتَ التاريخ، وعبرتَ المُستقبَل، وها هو العالم يُردِّد صوتك ول ديورانت في موسوعته (قصة الحضارة) يتحدّث عنك ونهرو يتحدث عنك، ويتحدّث عنك تولي ستوي، وكنتَ مصداقاً لقولك: (إنكم لا تسعون الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم).

وصدق الله -تبارك وتعالى- عندما وصف حبيبه:

((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم : 4] 

((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)) [آل عمران : 159]

 

إخوتي الأعزّاء جئتكم من العراق؛ لأقول لكم: إنَّ العراق عصيٌّ على كلِّ أنواع التمزُّق، والعُقَد، والحروب التي تستهدف تمزيق نسيجه الاجتماعيِّ.

سيبقى العراق شامخاً صامداً ثابتاً؛ لأنَّ فيه بُنية اجتماعية، وفيه تآخياً حقيقياً بين مُركّباته بين السُنّة والشيعة.

 

وجدتم ما حصل في الأنبار عندما حاوَل البعض من المُتسلّلين إلى مُجتمَع الأنبار المُبارَك الشجاع العراقيّ الوطنيّ؛ ليُقطّعوا أوصالهم، وتتطاير أشلاء أجسادهم في فضاءات التفجير.

 

أرادوا أن يُحوِّلوها إلى معركة بين السُنّة والشيعة، وخاب الظنّ، ووقف الشيعة إلى جانب السُنّة في ميدان الأنبار؛ ليُواجِهوا العدوَّ المُشترَك، بل أكثر من ذلك عندما ضاقت بعض مناطق الأنبار بأبنائها البَرَرة اتجهوا إلى كربلاء عاصمة التشيُّع، وفتحت كربلاء قلبها لتستقبل أبناء الأنبار، وفتح الكربلائيون قلوبهم قبل بيوتهم لاستقبالهم.

 

هذه هي رسالة العراق إلى كلِّ العالم، وكلِّ البلدان تونس واليمن والتي عاشت فصلاً من التغيير في الهيكل الخارجيِّ تحتاج إلى تغيير حقيقيٍّ في البُنية التحتية، فليتعلّموا من العراقيين كيف يُشيعون ثقافة الوحدة الحقيقية بين أبناء الشعب.

 

إخوتي.. إنَّ العدوَّ الحقيقيَّ هو التكفير الذي هو أعدى أعداء الفكر، كلُّ شيء من حولكم ظاهر، والفكر سواء كان بناءً أو هدماً، حُبّاً أو بغضاً، ثقة أم فقدان الثقة. كلُّ فكرة ستُنتِج موقفاً؛ لذا فالمعركة في العمق معركة فكرية، والذين كفّروا الكثيرين، ثم قتلوهم هم العدوُّ..

 

العدوُّ الحقيقيُّ هو الإرهاب، هذا الذي جاءنا، وانقضَّ على الكثيرين. رأيتم أحد نماذج النشاط الإرهابيّ كيف يرتدي أحدهم ظلماً عمامة على رأسه يتشبّه برسول الله، تلك العمامة التي استضلَّ بها العالم بكلِّ جغرافية، وامتدّت إلى كلِّ الأجيال عبر الزمن ليلبسوا عمامة، ثم يجمع فيها كلَّ مُتفجِّر.

 

إنما قدَّم علماء الإسلام، وقد توَّجوا أنفسهم بالعمامة كانوا أساطين فكر، وقمّة في التضحية مُتأسِّين حقيقيين بذات رسول الله صلى الله عليه وآله.

ليس لنا إلا انتهاج الوسطية. هذه الوسطية التي لا نلقاها إلا في القرآن الكريم؛ كون المبادئ التي لا ترتكز على القرآن الكريم تذهب ذات اليمين وذات الشمال.

الوسطية القرآنية التي تجمع وسطية بين الروح والبدن، بين الدنيا والآخرة، بين المُجتمَع والفرد.. وسطية تركت آثارها وبصماتها على الأنظمة الاجتماعية.

 

في كلِّ شيء وسطية، هذه الوسطية اليوم ينتظرها العالم جميعاً.

وحسناً فعل الإخوة في المُؤتمَر حين اختاروا هذا العنوان، وأرجو أن تتحوَّل خطاباتكم وقراءاتكم، وكلّ ما تجود به قرائحكم إلى أفكار علمية تنزل على شكل آليات؛ حتى يتحوَّل المُؤتمَر إلى آلية تفعيل، ونشاط حقيقيٍّ على الأرض.

ينبغي أن تأخذ فلسطين الحصة الأساسية في هذا المُؤتمَر؛ لأنها تعبير عن القدس الشريف، وتعني أننا نشير إلى المنطقة الأكثر التهاباً في العالم هو القدس.

مصيرنا يتوقف على القدس، وينبغي أن نُعيد إلى القدس كرامتها، ونُعيد إليها شرفها المُغتصَب، وهذا واجب المُسلِمين جميعاً.

يجب أن تأخذ هذه طريقها، وفرصتها..

تحياتي لكلِّ القائمين على هذا المُؤتمَر، ولابدَّ أن أوجِّه جزيل شكري، وتقدير، واحترامي إلى الدولة الإسلامية المُبارَكة، وإلى قائد الدولة الإسلامية السيِّد الخامنئي حفظه الله، ولكم جميعاً، وتحياتي للشيخ الآراكي؛ لأنه بذل جهداً غير قليل، وأشكر له مبادراته كذلك في لندن عندما جمع عدداً كبيراً من أبناء الأمّة الإسلامية من مُختلِف المناطق في العام الماضي؛ لتكون تجسيداً نابضاً للوحدة الإسلامية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



 الرئيسية  |  الأخبار  |  إبراهيم الجعفري  |  تيار الإصلاح الوطني  |  رسائل الأيام  |  كلمات  |  الصور  |  المكتبة  |  الفيديو  |  اتصل بنا 
E-mail : med@al-jaffaary.net
جميع الحقوق محفوظة لـموقع الدكتور ابراهيم الجعفري©2010 - 2024
استضافة وتصميم وبرمجة ويب اكاديمي

Powered by web academy