الجعفري: لابد من وقفة واعية ومسؤولة لتقييم التظاهرات المستمرة لأكثر من مائة يوم التي لم تسجل أيَّ سابقة مثيلة لها.. تقادم الزمن لا يسقط الحقوق ولا يعذر الجناة ممّا يستدعي تحديدا دقيقا في معرفتهم ومساءلتهم والابتعاد عن التوصيفات الغامضة كمصطلح الطرف الثالث الجعفريّ: جرائم الاغتيال والقتل والتمثيل بجُثث الموتى انتهاك سافر لحُقوق الإنسان وهو جرس إنذار بتهديد السلم المُجتمَعي وزرع الفتنة ونشر الفوضى في وقت يجب أن يتحمَّل الجميع مسؤوليته الوطنية عبر التعاون على حفظ وحدة الصفِّ الوطني وعدم زعزعة الأمن والاستقرار الجعفريّ: يجب مُحاسَبة كلّ من تورَّط في إراقة دماء أبنائنا المُتظاهِرين والقوات الأمنيّة وإنزال القصاص العادل بحقهم.. الردّ العراقيّ الوطنيّ المُوحَّد هو الذي جعل الهمَّ العراقيَّ فوق كلِّ الهُمُوم وإنسانه فوق كلِّ اعتبار وساهم في تجنب المزيد من الأزمات الجعفريّ: التظاهرات تعبيرٌ عن المُطالَبة عن كلِّ حقّ مهدور وكرامة مُنتهَكة ومال مسروق وسياسة فاسدة وتدخّل أجنبيّ فاحش!!.. يجب منع استخدام السلاح ضدّ المُتظاهِرين وتفقُّد عوائل الشهداء ورعايتهم.. وإلغاء بدعة المُحاصَصة "سيِّئة الصيت" في التشكيلات الحكوميّة رسائل الأيام للدكتور إبراهيم الجعفري الجعفريّ للعرب: لا تنظروا إلى حجم سكاننا بل انظروا إلى قوة إرادتنا وإصرارنا على حقوقنا.. المطلوب من الجامعة العربية أن ترسم أولوياتها على ضوء المصالح والمخاطر وتُفكـِّر بحجم الإنسان العربيِّ والقدر العربيِّ.. وأن ننتهي بنتائج ولا نكتفي بالكلمات والخطب الجعفريّ للعرب: أصبح صوت العراق مسموعاً وأصبحت إنجازاته موضع احترام العالم.. نحتاج إلى وُقوفكم إلى جانبنا ونحن لا نطلب دماء أبنائكم بدلاً من دماء أبنائنا ولكن عليكم مُساعَدتنا في مُواجَهة داعش خُصُوصاً أنَّهم جاؤوا من بلدانكم ومن أكثر من مئة دولة الجعفريّ لوزراء الخارجيَّة العرب: نحن لا نـُمثـِّل حُكـَّاماً وحكومات فقط، بل نـُمثـِّل شُعُوباً عربيَّة وإضعاف أيِّ دولة إضعاف لنا جميعاً.. داعش يستهدف كلَّ دول العالم خُصُوصاً الدول العربيَّة؛ لذا عليكم أن تُتابعوا ما يجري في العراق خطوة خطوة الجعفريّ من جنيف: العراق من الدول التي تعاني من نار الإرهاب ومن الدول المنتصرة على الإرهاب وحاولتْ بعض الجهات الدوليَّة التي تدعم الإرهاب إلى إرباك جهدنا و‏تزييف الحقائق واتهام مُؤسَّسة الحشد الشعبيِّ وبلا دليل، وهي لا تخدم في حقيقتها بذلك إلا الإرهاب الجعفريّ: تـُوجَد الآن دول عظمى تفكِّر بعقليَّة (كاوبوي) -رُعاة البقر-، بينما العراق يتعامل بطريقة إنسانيَّة حتى مع خصمه؛ لأنه تعلـَّم على شيء اسمه كيفيَّة غضِّ النظر عن الجزئيَّات، ويفكر بالحلول أكثر ما يفكر بالمشاكل

كلمة العراق التي ألقاها الدكتور إبراهيم الأشيقر الجعفريّ في الجمعيّة العامة للأمم المتحدة الدورة (72) في نيويورك
الاخبار | 24-09-2017

بسم الله الرحمن الرحيم

ولقد كرَّمنا بني آدم

السيِّد رئيس الجمعيَّة العامة المحترم

السادة أصحاب الفخامة والسعادة المحترمون

يطيب لوفد بلادي أن يبارك للسيِّد ميروسلاف لايچيك رئاسته للجمعيَّة العامّة للأمم المتحدة، ويُهنـِّئ بهذا الصدد جمهوريَّة سلوفاكيا، ويتمنّى له التوفيق في عمله، ولا يفوتني أن أتقدَّم بوافر شكري، وتقديري لجُهُود سلفه السيِّد بيتر تومسون لإدارته الحكيمة لأعمال الدورة السابقة.

نُعرِب عن مُواساتنا لضحايا الكوارث الطبيعيَّة التي شهدتها عدد من الولايات الأميركيَّة، والمكسيك، وبعض دول منطقة البحر الكاريبيّ.

حقـَّقت القوات العراقيَّة البطلة انتصاراً تاريخيّاً أنهى خرافة دولة الإرهاب، والتطرُّف في الموصل، فقد استعادت تلك القوات الباسلة مدينة الموصل بتضحيات كبيرة، وجسيمة بمُساعَدة الدول الصديقة، وتعمل القوات المُسلحة العراقـيَّة على تحرير المُدُن كافة، وقد حرَّرت توّاً مدينة تلعفر، وساهمت في ذلك بمُختلِف صُنـُوفها على إنهاء البُؤَر الإرهابيَّة في بعض المُدُن العراقية الأخرى كالحويجة.

ولا يسعني اليوم إلا أن أبارك لقواتنا المسلحة، وشعبنا الأبيِّ المُضحِّي، ولجميع شُرَفاء العالم المُتحضِّر الذين ناصروا العراق، ودعموا قواته البطلة في حربه ضدّ عصابات داعش الإرهابيَّة.. هذا النصر العظيم الذي تمَّ مع حرص شديد على الحفاظ على سلامة المدنيِّين الذين يتخذهم الإرهابيُّون دُرُوعاً بشريَّة، واحترام تامّ لوحدة العراق، وسيادته، وحرمة أراضيه.

أبناء العراق من الجيش، والشرطة، والحشد الشعبيّ، والبيشمركة، وقوات مكافحة الإرهاب كلهم ساهموا ببُطولة استثنائيَّة في تحقيق هذا النصر الذي يُعَدُّ نصراً لكلِّ العالم، وإن دارت رحا الحرب في العراق، لكنه واجه عدداً كبيراً من أبناء بعض البلدان وصل عددهم إلى 120 بلداً.

تُنبئنا التجارب التاريخيَّة أنَّ مرحلة ما بعد الحرب تُشكِّل تحدِّياً كبيراً يفوق تحدِّي الحرب ذاتَها، إذ يتوجَّب علينا أن نعمل على إعادة الاستقرار، والبناء، وإعادة الأمل بعد تحرير المُدُن العراقيَّة بتضحيات جسيمة على مُستوى الإنسان، والعمران، والبيئة التي تدهورت كثيراً في العقود الثلاثة الأخيرة، إضافة إلى الإرهاب البيئيِّ الذي مارسته عصابات داعش عِبْرَ حَرْقِ آبار النفط، وتدمير السُدُود الصغيرة، وإغراق الأراضي الزراعيَّة، وتخريب الآثار والتراث العراقيِّ العريق.

اليوم يقف العراق على أعتاب مرحلة جديدة في حربه العادلة ضدّ عصابات داعش الإرهابيَّة لمُواجَهة التحدِّيات التي تفرضها مرحلة ما بعد داعش، ولاسيَّما الماليَّة منها؛ نتيجة انخفاض أسعار النفط العالميَّة؛ وقد عملت حكومة بلادي على وضع رؤية شاملة مبنيَّة على مُحدِّدات، وأولويَّات ذات طبيعة اجتماعيَّة، واقتصاديَّة، وأمنيَّة تصُبُّ في خدمة المُواطِن العراقيِّ، وتتلخَّص تلك الرؤية بالنقاط الآتية:

أوّلاً: إعادة الأمن، والاستقرار، والخدمات الأساسيَّة، وتمكين النازحين من العودة إلى ديارهم، ومُشارَكتهم في بناء، وإعمار ما دمَّرته داعش، ورعاية عوائل الشهداء، والجرحى، والمُقاتِلين الذين ضحَّوا بأرواحهم دِفاعاً عن الوطن، وكذلك المُتضرِّرون من الإرهاب، وتأهيل المُجتمَع لمحو مُخلَّفات داعش، وثقافة العنف، والكراهية، وتحشيد كلِّ الجُهُود الوطنيَّة؛ من أجل تحقيق هذه الأهداف الوطنيَّة، والإنسانيَّة.

ثانياً: الالتزام باحترام الآخر، والتعايش السلميّ مع جميع الشركاء في الوطن المُختلِفين دينيّاً، ومذهبيّاً، وفكريّاً، واحترام معتقداتهم، وإشاعة روح الثقة والمَحبَّة بين أفرادهم، وحماية الأقلِّيَّات، وصيانة دُور العبادة لجميع الأديان، والمذاهب؛ وهذا يُمثـِّل أساساً للمُصالـَحة المُجتمَعيَّة.

ثالثاً: عدم السماح بعودة الحالات، والمظاهر الشاذة التي كانت سائدة في العراق في مرحلة ما قبل سيطرة داعش على المُدُن، وهي حالة التحريض، والتوتـُّر، والتخندق الطائفيّ، والقوميّ البغيض على حساب المصالح العليا للبلاد؛ وهذا ما ساهم في تمكين داعش من السيطرة على المُدُن والمحافظات؛ وعليه يجب الالتزام بالخطاب الذي يُكرِّس روح المُواطَنة، ويحثُّ على الوحدة والتعاون، وعدم السماح لعصابات داعش الإرهابيَّة، أو أيِّ تنظيم إرهابيٍّ إجراميٍّ آخر بالعودة من جديد، وتوفير الغطاء له في المُدُن التي استُعِيدَت السيطرة عليها، أو السماح بنُمُوِّ خلايا إرهابيَّة جديدة.

رابعاً: أهمِّـيَّة إقامة علاقات حُسن الجوار المبنيَّة على المصالح المُشترَكة مع الدول كافة، والعمل بإرادتنا الوطنيَّة، ووفق قرارنا العراقيِّ المُستقِلِّ، وعدم إخضاع إرادتنا لأيِّ إرادة أجنبيَّة.

خامساً: حصر السلاح بيد الأجهزة الأمنيَّة للدولة، وإلغاء المظاهر المُسلَّحة بشكل نهائيٍّ، واحترام أحكام القضاء، وسيادة القانون في جميع مفاصل الدولة، والمُجتمَع.

سادساً: الاستمرار بكلِّ قوة، وعزيمة، وبتعاون الجميع بمُحارَبة الفساد بجميع أشكاله، وصُوَره؛ لأنَّه أكبر حاضنة للإرهاب، والجريمة.

سابعاً: إبعاد مُؤسَّسات، ودوائر الدولة عن التدخُّلات السياسيَّة، والمُحاصَصة، وعدم الاستئثار بمواقع المسؤوليَّة، والوظائف العامَّة؛ من أجل تحقيق العدالة، وتكافؤ الفرص، والاعتماد على العناصر الكفوءة، والمُتخصِّصة القادرة على العمل باستقلاليَّة، ومهنيَّة.

أيُّها السادة..

إنَّ العراق دولة اتحاديَّة واحدة مُوحَّدة، ومُستقِلَّة ذات سيادة كاملة تقوم على دستور ديمقراطيّ فيدراليّ شارَكَ في اعتماده جميع مُكوِّنات الشعب العراقيِّ في عام 2005 عِبْرَ استفتاء شعبيّ شفّاف، وديمقراطيّ، وهو يقوم على الاحترام الكامل للحقوق، والالتزامات المُتساوية لجميع المُكوِّنات العراقيَّة، وتعزيز قِيَمِ المُواطَنة، والمُشارَكة في العمليَّة السياسيَّة الديمقراطيَّة، والتمثيل السياسيّ الفعليّ للجميع في الرئاسات الثلاث، والوزارات، والهيئات المُستقِلَّة على نحو يضمن للجميع مُمارَسة حقوقه الدستوريَّة، والقانونيَّة الفعليَّة، ومُتابَعة شُؤُونه السياسيَّة، والاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة، والثقافيَّة، واللغويَّة؛ وهو ما تفتقرُ إليه أنظمة العديد من الدول المُتنوِّعة عِرقِيّاً ودينيّاً.

إنَّ الحكومة العراقيَّة كانت، ولاتزال حكومة مُنسجِمة في مُكوِّناتها، وتعمل ولاتزال لترويج الحوار البنَّاء لتسوية القضايا العالقة بين الحكومة الاتحاديَّة وحكومة إقليم كردستان العراق من دون شُرُوط مُسبَّقة؛ ولا يُمكِن -بأيِّ حال القبول- بالقرارات اللادستوريَّة من قِبَل حكومة إقليم كردستان العراق، والتفريط بوحدة العراق المضمونة دستوريّاً؛ وقد صوَّت مجلس النواب العراقيِّ من مُنطلَق حرصه على وحدة العراق أرضاً وشعباً على رفض الاستفتاء، وإلزام حكومة العراق باتخاذ التدابير التي تحفظ وحدة العراق، والبدء بحوار جادٍّ لمعالجة المسائل العالقة؛ انطلاقاً من المادة الأولى في الدستور العراقيّ الذي ينص على أنَّ وحدة العراق واحدة، وسيادته واحدة، وغير قابلة للتجزئة، وطالبت الحكومة العراقيَّة بحكم مسؤوليتها المحكمةَ الاتحاديّة العليا بإصدار أمر ولائيٍّ يرفض عمليَّة الاستفتاء المُزمَع إجراؤه في إقليم كردستان العراق في 25/9/2017، والذي يُشكِّل مُخالَفة كبيرة، وخرقاً للدستور العراقيِّ، ولاسيَّما فيما يتعلـَّق بوضع المناطق المُتنازَع عليها التي تمتاز بتعدُّد القوميَّات، والمذاهب، والديانات، والتي قد تُؤدِّي إلى نزاعات داخليَّة، وإقليميَّة.

يتطلَّع العراق في السنة المقبلة لإجراء الانتخابات التشريعيَّة البرلمانيَّة التي ستجري في الربع الأوَّل من عام 2018، وإنَّ استعدادات القوى السياسيَّة المُمثـِّلة لجميع العراقيِّين قد بدأت تلوح في الأفق السياسيِّ، وإنَّ النجاح في هذه الانتخابات سينقل النظام السياسيَّ العراقيَّ الديمقراطيَّ والتعدُّديَّ القائم على التداول السلميِّ للسلطة إلى تكريس الاستقرار السياسيِّ بما يمتاز به من ثقافة ديمقراطيَّة مُستدامة تجعل العراق مُحصَّناً إزاء الأزمات، كما تُعزِّز لديه الاستقرار، والنُهُوض الاقتصاديَّ، والتوجُّه نحو تحقيق أهداف التنمية المُستدامة في 2030.

وعلى مُستوى علاقة العراق بالأمم المتحدة فإنَّ العراق يعمل مع الأطراف ذات العلاقة، والجهات المعنيَّة فيها على تسوية القضايا العالقة في مجلس الأمن؛ من أجل التخلـُّص من أعباء الالتزامات التي ورثها العراق من النظام البائد، والتي نجحت الحكومة العراقيَّة في التخلـُّص منها شيئاً فشيئاً، مع الحفاظ على الوفاء بتلك الالتزامات الدوليَّة وُصُولاً إلى استعادة العراق لمكانته الدوليَّة التي كان يتبوَّؤها قبل اعتماد قرار مجلس الأمن 661 لعام 1990، فقد حرص العراق على احترام الشرعيَّة الدوليَّة، والتعامُل مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة به وما بينه وبين الكويت الشقيق بأعلى قدر من المسؤوليَّة، والاحترام، وقد وقـَّع العراق الترتيبات اللازمة؛ تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 1958 الخاصِّ بالنفط مقابل الغذاء، ومازالت أمامنا تعويضات دولة الكويت الشقيقة، والتفاوض جارٍ على قدم وساق لإنهائها مع أشقائنا الكويتيِّين.

اعتمد مجلس الأمن في يوم 21/9/2017 قراره التاريخيَّ (2379) في مجال جمع الأدلة الجنائيَّة لمحاكمة إرهابيِّي داعش على جرائمهم التي ارتكبوها في العراق، أو في أيِّ دولة أخرى إذا طلبت تلك الدولة مُساعَدة الفريق التحقيقيِّ المُشترَك الذي سيضمُّ قضاةً، ومُحقـِّقين، وخبراء جنائيِّين عراقيِّين يعملون جنباً إلى جنب مع خبراء دوليِّين؛ من أجل جمع، وحفظ، وخزن تلك الأدلة في العراق، وهو تعبير عن رغبة شعبنا العزيز في إنجاح الحملة العالميَّة لجلب داعش إلى العدالة؛ بسبب جرائمهم في العراق، ولاسيَّما الإبادة الجماعيَّة، وجرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانيَّة، وقد بُنِيَ القرار الحاليّ على دعائم أساسيَّةٍ تدور في إطار واضح هو احترام كامل لسيادة العراق، واختصاصه القانونيِّ، والقضائيِّ في مجال جمع الأدلة الجنائيَّة عن جرائم داعش، وندعو الدول الأعضاء إلى تمويل نشاطات الفريق التحقيقيِّ، وتزويده بالمُعدّات، أو الخدمات لنجاح عمله.

يطلُبُ العراق من على منبركم الموسوم منبر الأمم المتحدة هذا مُساعَدة الدول الصديقة النوويَّة في بناء مُفاعِل نوويّ للأغراض السلميَّة في العراق؛ استناداً إلى حقه في الوُصُول إلى التكنولوجيا النوويَّة، والنُهُوض بمُختلِف القطاعات ذات الصلة بتلك التكنولوجيا وفق الأسس القانونيَّة لحقِّ الدول في الاستخدامات السلميَّة المنصوص عليها في مُعاهَدة عدم انتشار الأسلحة النوويَّة، بخاصَّةٍ المادَّة الرابعة التي أشارت إلى الحقوق غير القابلة للتصرُّف لجميع الدول الأطراف في المُعاهَدة في إنماء بحث، وإنتاج، واستخدام الطاقة النوويَّة للأغراض السلميَّة من دون أيِّ تمييز، ولاسيَّما بالنسبة للدول النامية.

السيِّد الرئيس..

تُدرِكُ حكومة بلادي جيِّداً أنَّ طبيعة التحدِّيات، والتهديدات للسلام، والأمن، والاستقرار، والتطوُّر في دول العالم تستلزم وُجُود حوار أصيل بين مُختلِف الثقافات، والحضارات؛ إذ إنَّ الأحداث التي تمرُّ بها العديد من المناطق الجغرافيَّة تُؤكِّد على الحاجة إلى تعزيز ثقافة السلام، والدفع بها إلى جدول أعمال الأمم المتحدة، خُصُوصاً بعد أن اتفقت الدول الأعضاء على الهدف (16) من أهداف التنمية المُستدامة حول المُجتمَعات المُسالِمة، والشاملة.

إنَّ التعايش السلميَّ بين الشُعُوب، وبين أفراد المُجتمَعات ذاتِها لا يُمكِن إدراكه من دون نظرة تُعزِّز التسامُحَ بوصفه طريقاً مضموناً لتأسيس المُجتمَعات المُعاصِرة، ولتقوية الروابط الاجتماعيَّة، وإثراء الجانب الإنسانيِّ في العلاقات بين أفراد المُجتمَع.

ممَّا لا شك فيه أنَّ أفضل الطُرُق لضمان السلام الدائم، والتسامُحِ هو تعزيز التنمية المُستدامة، وضمان الفرص المُتساوية للجميع، واعتماد العدالة في توزيع الثروات الوطنيَّة بشكل يشمل الجميع بغضِّ النظر عن الجنس، أو العِرْقِ، أو الدين، أو المُعتقَد.

ولا يُمكِن -بأيِّ حال- أن نُنكِرَ الدور الذي تُؤدِّيه القيادات الدينيَّة، والاجتماعيَّة في إشاعة ثقافة السلام في دولنا، إذ إنَّ الديانات المُختلِفة تدعو إلى السلام، والتعايش الإنسانيّ.

ولعلَّ من أروع الأمثلة التي برزت على المسرح المُعاصِر دور المرجعيَّة الدينيَّة، وتحديداً دور السيِّد السيستانيّ عندما ساهم في أكثر من مُناسَبة في إخماد الفتن التي كادت تعصف بالعراق كلـِّه.

وهنا نودُّ أن نُشير إلى أنَّ تبنِّي المناهج التربويَّة التي تدعو إلى تكفير الإنسان، ونشر المفاهيم، والفتاوى التكفيريَّة الخاطئة عِبْرَ وسائل الإعلام، ومواقع التواصُل الاجتماعيِّ تُؤدِّي إلى ظـُهُور الانحرافات الفكريَّة، والآيديولوجيَّة المُتطرِّفة التي تتخذ الإرهاب بمُختلِف صُوَره وأشكاله وسيلة لفرض أفكارها المُتخلـِّفة التي تُعرِّض السلم والأمن الدوليّين إلى خطر كبير، والحضارة البشريَّة إلى إضرار فادحة؛ وهو ما يُوجِب علينا العمل مع اليونسكو، والجهات الفاعلة الأخرى لإيصال رسالة مفادها: أنَّ التربية السليمة لا يُمكِن الاستغناء عنها من أجل نشر قِيَمِ التسامُحِ، ونبذ التطرُّف، والإرهاب.

وقد اقترن الجهد الأمنيُّ للحكومة العراقيَّة، وسعيها إلى إحلال الأمن والسلام في البلاد بتبنّي مشروع المصالحة الوطنيَّة الذي تمَّ اعتماده من أجل تأكيد التلاحُم بين أبناء الشعب العراقيِّ، وترسيخ قواعد الوحدة الوطنيَّة، وإشاعة أجواء المَحَبَّة، والانسجام بين مُكوِّنات الشعب العراقيِّ، وتعميق روح المُواطَنة المُخلِصَة للعراق التي يتساوى عندها كلُّ العراقيِّين في حُقوقهم، وواجباتهم من دون أيِّ تمييز بينهم؛ من أجل بناء، وتجذير الحالة الوطنيَّة الواسعة لمُواجَهة التحدِّيات، وتهيئة مُستلزَمات عمليَّة بناء العراق، ورفاهية شعبه.

تشهد منطقتنا موجات نُزُوح كبيرة؛ بسبب تنامي الأزمات والصراعات؛ ممَّا أدَّى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانيَّة بصورة حرجة للنازحين، وعدم قدرة الدول المُستضيفة على تقديم المُساعَدة المطلوبة في هذا المجال.

وفي العراق أخذت هذه الأزمة أبعاداً أكثر تعقيداً؛ بسبب زيادة عدد النازحين العراقيِّين الذين هربوا من المناطق التي سيطرت عليها عصابات داعش الإرهابيّة؛ الأمر الذي يُشكِّل ثقلاً إضافيّاً على كاهل الشعب العراقيِّ الذي يُعاني من أزمة ماليَّة حادَّة؛ جراء انخفاض أسعار النفط، وتصاعُد نفقات الحرب على الإرهاب.. ومن هذا الواقع نُؤكـِّد على ضرورة تكثيف الجُهُود الدوليَّة؛ من أجل حلِّ مُشكِلة النازحين المُتفاقِمة، وتخصيص الأموال اللازمة للتخفيف من مُعاناتهم في العراق.

تبذل الحكومة العراقيَّة جُهُوداً مُستمِرَّة في تعزيز علاقاتها مع الدول العربيَّة الشقيقة، والدول المجاورة، ونخصُّ بالذكر المملكة العربيَّة السعوديَّة، والكويت، والأردن، وسورية، وتركيا، وإيران.

نُؤكِّد مُجدَّداً على أنَّ السلام العادل، والشامل هو الخيار الستراتيجيُّ الأمثل، وأنَّ عمليَّة السلام لابُدَّ أن تكون شاملة غير مُجتزَأة.

وأنَّ السلام في المنطقة لا يُمكِن أن يتحقق إلا بواسطة الانسحاب الإسرائيليّ الكامل من الأراضي الفلسطينيَّة، والعربيَّة المُحتلَّة، وإقامة الدولة الفلسطينيَّة المُستقِلَّة وعاصمتها القدس الشرقيّة؛ بناءً على حُدُود الرابع من حزيران 1967.

       إنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة كانت، وماتزال قضيَّـتنا المركزيَّة، ولا يدَّخر العراق جُهداً في دعم الشعب الفلسطينيِّ؛ من أجل نيل حقوقه المشروعة في إقامة دولة فلسطينيَّة مُستقِلَّة، كما نُدين السياسات التي تُخالِف القانون الدوليَّ، وتُؤدِّي إلى تقويض كلِّ المُبادَرات الإيجابيَّة من أجل حلِّ مُشكِلة الشعب الفلسطينيِّ.

وفيما يخصّ الوضع في سورية فإنَّ موقف العراق واضح منذ اندلاع الشرارة الأولى للأزمة في عام 2011 الذي يتمثـَّل بالدعوة إلى الحلِّ السياسيِّ بدلاً من الحلِّ العسكريِّ، ويتبنَّى العراق سياسة عدم التدخـُّل في الشُؤُون الداخليَّة للدول الأخرى، والابتعاد عن سياسة المحاور.

ويدعم العراق الجُهُود الرامية لحلِّ الأزمة سلميّاً؛ حقناً لدماء الشعب السوريِّ الشقيق، والحفاظ على وحدة، وسلامة أراضيه، كما يدعم العراق الحلَّ السياسيَّ في تسوية المشاكل والخلافات كافة في منطقة الشرق الأوسط، ولاسيَّما في اليمن، وليبيا.

إنَّ حملة الإبادة الجماعيَّة التي تتعرَّض لها أقليَّة الروهينغا في إقليم راخين في ماينمار التي تقوم بها القوات البورميَّة بصورة مُمنهَجة تتطلَّب موقفاً دوليّاً مُنسَّقاً وصارماً، وإنسانيّاً، ومسؤولاً يتناسب مع مُستوى الانتهاكات والجرائم الواسعة التي وَرَدَتْ في تقرير لجنة التحقيق التي كلَّفها المُفوَّض السامي لحقوق الإنسان.

يُقدِّم العراق حكومةً، وشعباً الشكر إلى جميع الدول المُشارِكة في التحالف الدوليِّ، ولاسيَّما الولايات المتحدة الأميركيَّة، ودول الاتحاد الأوروبيّ، والدول الأخرى من خارج التحالف الدوليِّ لتصدِّيها للإرهاب، ومساندتها العسكريَّة، واللوجستيَّة للقوات الأمنيَّة العراقيَّة في إطار احترام سيادة، وحرمة الأراضي العراقيَّة، والتنسيق مع القوات الأمنيَّة.

تزداد الحاجة لدعم المُجتمَع الدوليِّ، ومُشارَكته بإعادة إعمار المناطق المُحرَّرة، وإعادة الحياة إليها بأسرع وقت مُمكِن، كما أنَّ المحافظات العراقيَّة الأخرى، ونتيجة للحرب على الإرهاب، ومُشارَكة أبنائها في عمليَّات التحرير قد تعطـَّلت فيها مشاريع البناء، وفرص التنمية، ولابُدَّ من شُمُولها بحملة البناء والإعمار، وانتشرت فيها ظواهر التيتـُّم للأطفال، والترمُّل للزوجات، والثـُكل للآباء والأمهات.

ونتطلع إلى مُشارَكة فعَّالة للمُجتمَع الدوليِّ في مُؤتمَر المانحين في مطلع العام المقبل الذي سيُعقـَد في دولة الكويت الشقيقة، ونُقدِّر جُهُودها الصادقة عالي التقدير في مُساعَدة العراق، والتخفيف من أزمة النازحين.

 إنَّنا مُهتمُّون -أيضاً- بتخليص المُجتمَعات المُحرَّرة من ثقافة القتل، والكراهية، والإقصاء التي نشرها داعش بين الأطفال، والنساء، والشباب، والكبار، ونعمل على إزالة آثارها الخطيرة، ونحتاج إلى تعاون المُجتمَع الدوليِّ في توفير الخدمات في هذا المجال إذ إنَّ ذلك يستلزم -بالضرورة- الدعم الماليَّ، والاستشاريَّ من قبل الشركاء الدوليِّين.

ونُجدِّد الدعوة لشركات الدول الصديقة إلى الاستثمار في المجالات الاقتصاديَّة، والطاقة، والسكن، والنقل، والصِّحَّة، وبناء المدارس، والاتصالات في بيئة صالحة للعمل، إضافة إلى توفيرنا قوانين، وبيئة تشريعيَّة مُلائِمة، ومُشجِّعة للشركات، والمُستثمِرين.

لا يفوتني أن أسجِّل أمام هذا المحفل العالميِّ تقدير العراق حكومةً وشعباً لتضحيات القوات العراقيَّة بمُختلِف صُنُوفها، وتشكيلاتها، ومُسمَّياتها التي تُواصِل تقدُّمها في جبهات القتال ضدّ داعش الإرهابيّ سواء أكانت مرتبطة بالجيش، أم الشرطة، أم الحشد الشعبيّ، أم البيشمركة، أم قوات مكافحة الإرهاب.

صحيح أنَّ داعش الإرهابيَّ لم يمتدَّ إلى محافظات الجنوب، لكنَّ إنسان الجنوب بكامل حجمه امتدَّ إلى ميادين المُواجَهة في كلٍّ من محافظات الموصل، والأنبار، وصلاح الدين، وسالت دماء أبناء البصرة، والناصرية، والعمارة، وكربلاء، والنجف، والحلة، والسماوة، والديوانية، والكوت، وأربيل، وكركوك، والسيلمانيّة، ودهوك؛ وبذلك سجَّلَ العراقيُّون كلُّهم ملحمةً استشهاديَّة صبغوا بها أرض العراق كلـَّها بدمائهم الطاهرة كلـِّها، وأحيِّي التضحيات الغالية التي قدَّمها الشعب العراقيُّ الشجاع، كما أحيِّي أرواح الشهداء من الجيش، والشرطة، والحشد الشعبيِّ، والبيشمركة، وقوات مكافحة الإرهاب.

نتطلَّع معكم إلى عهد جديد من السلام، والاستقرار، والتعايش الآمن، والرخاء الاقتصاديّ لجميع دولنا، وشُعُوبنا، وإلى تعاون وثيق في جميع المجالات وعالمٍ خالٍ من الإرهاب، والفساد، والفقر.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


العودة إلى صفحة الأخبار


 الرئيسية  |  الأخبار  |  إبراهيم الجعفري  |  تيار الإصلاح الوطني  |  رسائل الأيام  |  كلمات  |  الصور  |  المكتبة  |  الفيديو  |  اتصل بنا 
E-mail : med@al-jaffaary.net
جميع الحقوق محفوظة لـموقع الدكتور ابراهيم الجعفري©2010 - 2024
استضافة وتصميم وبرمجة ويب اكاديمي

Powered by web academy