الجعفري: لابد من وقفة واعية ومسؤولة لتقييم التظاهرات المستمرة لأكثر من مائة يوم التي لم تسجل أيَّ سابقة مثيلة لها.. تقادم الزمن لا يسقط الحقوق ولا يعذر الجناة ممّا يستدعي تحديدا دقيقا في معرفتهم ومساءلتهم والابتعاد عن التوصيفات الغامضة كمصطلح الطرف الثالث الجعفريّ: جرائم الاغتيال والقتل والتمثيل بجُثث الموتى انتهاك سافر لحُقوق الإنسان وهو جرس إنذار بتهديد السلم المُجتمَعي وزرع الفتنة ونشر الفوضى في وقت يجب أن يتحمَّل الجميع مسؤوليته الوطنية عبر التعاون على حفظ وحدة الصفِّ الوطني وعدم زعزعة الأمن والاستقرار الجعفريّ: يجب مُحاسَبة كلّ من تورَّط في إراقة دماء أبنائنا المُتظاهِرين والقوات الأمنيّة وإنزال القصاص العادل بحقهم.. الردّ العراقيّ الوطنيّ المُوحَّد هو الذي جعل الهمَّ العراقيَّ فوق كلِّ الهُمُوم وإنسانه فوق كلِّ اعتبار وساهم في تجنب المزيد من الأزمات الجعفريّ: التظاهرات تعبيرٌ عن المُطالَبة عن كلِّ حقّ مهدور وكرامة مُنتهَكة ومال مسروق وسياسة فاسدة وتدخّل أجنبيّ فاحش!!.. يجب منع استخدام السلاح ضدّ المُتظاهِرين وتفقُّد عوائل الشهداء ورعايتهم.. وإلغاء بدعة المُحاصَصة "سيِّئة الصيت" في التشكيلات الحكوميّة رسائل الأيام للدكتور إبراهيم الجعفري الجعفريّ للعرب: لا تنظروا إلى حجم سكاننا بل انظروا إلى قوة إرادتنا وإصرارنا على حقوقنا.. المطلوب من الجامعة العربية أن ترسم أولوياتها على ضوء المصالح والمخاطر وتُفكـِّر بحجم الإنسان العربيِّ والقدر العربيِّ.. وأن ننتهي بنتائج ولا نكتفي بالكلمات والخطب الجعفريّ للعرب: أصبح صوت العراق مسموعاً وأصبحت إنجازاته موضع احترام العالم.. نحتاج إلى وُقوفكم إلى جانبنا ونحن لا نطلب دماء أبنائكم بدلاً من دماء أبنائنا ولكن عليكم مُساعَدتنا في مُواجَهة داعش خُصُوصاً أنَّهم جاؤوا من بلدانكم ومن أكثر من مئة دولة الجعفريّ لوزراء الخارجيَّة العرب: نحن لا نـُمثـِّل حُكـَّاماً وحكومات فقط، بل نـُمثـِّل شُعُوباً عربيَّة وإضعاف أيِّ دولة إضعاف لنا جميعاً.. داعش يستهدف كلَّ دول العالم خُصُوصاً الدول العربيَّة؛ لذا عليكم أن تُتابعوا ما يجري في العراق خطوة خطوة الجعفريّ من جنيف: العراق من الدول التي تعاني من نار الإرهاب ومن الدول المنتصرة على الإرهاب وحاولتْ بعض الجهات الدوليَّة التي تدعم الإرهاب إلى إرباك جهدنا و‏تزييف الحقائق واتهام مُؤسَّسة الحشد الشعبيِّ وبلا دليل، وهي لا تخدم في حقيقتها بذلك إلا الإرهاب الجعفريّ: تـُوجَد الآن دول عظمى تفكِّر بعقليَّة (كاوبوي) -رُعاة البقر-، بينما العراق يتعامل بطريقة إنسانيَّة حتى مع خصمه؛ لأنه تعلـَّم على شيء اسمه كيفيَّة غضِّ النظر عن الجزئيَّات، ويفكر بالحلول أكثر ما يفكر بالمشاكل

الجعفري: قلت للإخوة الكرد إنَّ الموازنة ليست سُنية ولا شيعية ولا كردية إنما تهمُّ كلَّ المواطنين وصوَّتنا على الموازنة في البرلمان لأن القضية تلبية ًلحاجة العراق
الاخبار | 19-03-2013

اللقاء الذي أجرته جريدة هاولاتي الكردية

مع الدكتور إبراهيم الجعفريّ رئيس التحالف الوطنيِّ العراقيِّ

15/3/2013 ونشرته اليوم الثلاثاء الموافق 19/3/2013

 

- مسألة السيِّد رافع العيساوي، والخلافات بينه وبين السيِّد نوري المالكيّ.. ما الموقف الرسميُّ للتحالف الوطنيِّ إزاء هذه المشاكل؟

 

الجعفريّ: التحالف الوطنيُّ يؤكِّد دائماً، ويعمل على تطبيق قاعدة احترام السلطات الثلاث، ما يتعلّق بالسلطة القضائية، أو التنفيذية، أو التشريعية، وكذلك السلطة الإعلامية.

التحالف الوطنيُّ يفرِّق بين المشاكل والأزمات التي تحصل بين الأشخاص وبين الخروقات التي تتولّد بالخروج عن القانون في تطبيقاتها في جانب السلطة التنفيذية.

نحن نحرص أشدَّ الحرص على إيجاد مناخات سياسية تنسجم فيها القوائم والكتل كافة، وتحترم فيها المسؤوليات والإخوة المُتصدّين كافة من أيِّ خلفية كانوا سواء من العراقية أو الكردستانيّ أو التحالف الوطنيّ.

ما أثير بشأن الأخ الدكتور رافع العيساوي أخذ -كما تعلم- صفة قضائية، ولسنا طرفاً، ولم نتدخّل سلباً أو إيجاباً لصالح أحد أو لصالح من يخالفه.

نحن نؤكِّد على ضرورة نزاهة القضاء، وأن لا يخضع القضاء لأيِّ تدخُّل من السلطة التنفيذية.

نحن في التحالف الوطنيّ ينصبُّ جهدنا من أجل استقلال السلطات الثلاث أو الأربع من دون أن تؤثر أيُّ سلطة في بقية السلطات، وتطبيق الدستور بشكل صحيح.

ما يُقال: إنَّ هناك ملفاً بخصوص الأخ رافع العيساوي نحن نناشد القضاء أن يكون عادلاً، وإذا كان هناك شيء يُترَك للسلطة القضائية لا نتدخل به، ونُوصي السلطتين التنفيذية والتشريعية أن تتركا القضاء لوحده يبتُّ بكلِّ ما يتعلق بأيِّ قضية وأيِّ ملف مرتبط بأيِّ شخص.

لا نريد أن نسيِّس القضاء، ولا نريد أن نمذهب القضاء، ولا نريد أن نشخصن القضاء، ولا نتدخل به.

أؤكِّد على ذلك بغضّ النظر عمّن يُثار عليه هذا الشيء، وهذا قلناه في الوقت الذي صارت قضية الدكتور طارق الهاشمي أو شخصيات أخرى كالدكتور سنان الشبيبي، أو أيّ أحد من الإخوان.

والآن نقول مع قضية رافع العيساوي: نحن لسنا بديلاً عن القضاء، بل لا نسمح بالتدخل في الشؤون القضائية.

 

- الاجتماع الذي جرى بينكم وبين السيِّد عمار الحكيم والسيِّد نوري المالكيّ.. عن ماذا تحدّثتم في هذا الاجتماع، وما كانت نتائجه؟

 

الجعفريّ: ما يتعلق باللقاء الثلاثيّ فنحن نعمل من أجل أن يتوصّل اللقاء لرموز وشخصيات أخرى في داخل التحالف الوطنيّ.. احتلت الأزمة الحالية حصّة من الحديث، وكان بالصدارة القضية التي حصلت في البرلمان، وأنها لا ينبغي أن تؤثر في العلاقة الاستراتيجية بين التحالف الوطنيّ بشكل خاصّ، وكذلك مع الكردستانيّ.

الحلف الاستراتيجيّ الذي يربطنا بالإخوان منذ مرحلة المعارضة انتقل معنا إلى مرحلة الحكم، ويجب أن نحافظ عليه، فالتحالفان يتمتعان بنفس المفاهيم والمبادئ الأخلاقية العالية، وهو امتداد للتعاون مع إخواننا في العراقية.. هذا فهم مشترك يضمُّنا وإياهم، فتعاملنا -على ضرورة ما يحصل من تطوُّرات- يمضي باتجاه بناء البلد، ورأب الصدع، وفكِّ أيِّ التباس يمكن أن يُوهِم أيَّ طرف من الأطراف بأنَّ التحالف الوطنيَّ في معرض الصراع أو التنافس السلبيّ، وليطمئنَّ الجميع بأنَّ التحالف الوطنيَّ ثابت في استراتيجيته بالاحترام والتفاعل مع الأطراف كافة من دون استثناء خصوصاً مع الإخوة الكرد؛ نظراً للمحنة المشتركة سابقاً، ويؤكِّد ذلك حالياً.

 

- بالنسبة إلى العلاقة بينكم وبين الكرد.. الكرد والتحالف الكردستانيّ حالياً يتهمون التحالف الوطنيَّ، أو ينتقدونكم بأنكم خرقتم مبدأ التوافق الوطنيِّ في مسألة التصويت على الموازنة للعام الحالي.. هل هذا الانتقاد في محلِّه، وما ردُّكم؟

 

الجعفريّ: أنتهز هذه الفرصة؛ لأوضح، أولاً: إنَّ علاقتنا بالإخوة الكرد حميمية، ثانياً: الممارسة كانت برلمانية قانونية، وصحيحة، وأؤكِّد على النقاط التالية، أولاً: لم يخطِّط التحالف الوطنيُّ لإيجاد ثغرة، أو فجوة، أو عملية صراع بينه وبين التحالف الكردستانيّ، إنما أمر مُهِمٌّ كالموازنة تأخر عن موعده المُحدَّد بضعة أشهر، وهذا التأخير بُذِلت فيه جهود كثيرة، وعُقِدت سلسلة لقاءات من أجل التغلّب على هذه المشكلة قبل البتِّ به في فضاء البرلمان، وبعض هذه الاجتماعات دعوتُ لها في بيتي بين الإخوة في الكردستانيّ وممثلين عن التحالف الوطنيِّ، واستضفنا السيِّد وزير النفط؛ حتى يُجيب عن بعض الإشكالات، وكانوا متجاوبين، ولدى الانتهاء من ورقة الاتفاق بين الطرفين طلب الإخوة الاثنان اللذان يمثلان التحالف الكردستانيّ بأن يرجعوا إلى قيادتهما في إقليم كردستان، و-للأسف- بعد يوم أو يومين أخبروا بأنَّ القيادة ترفض ذلك، وعُرِض عليَّ مرة أخرى أن أدعو وزيري النفط المحليّ والاتحاديّ، ورحّبت، ولكنَّ هذا اللقاء لم يحدث، ولا أعرف السبب، وامتنع الإخوة عن هذا الاجتماع، وبقينا نبذل جهوداً متواصلة وحثيثة؛ حتى نتفق، وجلستُ مع الإخوة في الكردستاني وحدهم في بهو البرلمان، وقلتُ لهم: إنَّ الموازنة ليست سُنية، وليست شيعية، وليست كردية إنما تهمُّ كلَّ المواطنين، وكلَّ الموظفين. بشقيها الاستثماريّ والخدميّ، فلا يوجد شيء يستدعي أن نجعل من هذه القضية فرصة للتنافس السلبيِّ، وكنا نتمنى أنّ تُحسَم هذه القضية، ثم جئنا إلى البرلمان، والبرلمان صوَّت على الموازنة؛ فالقضية تلبية ًلحاجة العراق إليها.

أنا أعتقد أنَّ هذا تقليد ديمقراطيّ وصحيح، وأنا أذكر في الشهر الرابع من العام الماضي 2012 اجتمع الإخوة في أربيل، وكانوا ينوون استجواب رئيس الوزراء، وسحب الثقة، لكننا لم نتفق معهم، ولم نتهم هذه المبادرة.

 

- موضوع التحالف الكردستانيّ والقيادة الكردية حول سحب الثقة عن السيِّد نوري المالكي لم تتهموهم بشيء؟

 

الجعفريّ: نحن لم نتهم، ولم نتجرّأ على أحد بأنّ هذه الممارسة غير قانونية، وغير دستورية إنما قلنا لهم: نحن لا نتفق معكم، لكنَّ هذه ممارسة دستورية، ولو كانوا يأتون بها إلى البرلمان ربما يصوِّت عليها البرلمان، ولم يكن لدينا اعتراض على ذلك، وكذلك السيِّد المالكي بالمقابل عندما طرح مبادرة يدعو فيها إلى حلِّ البرلمان، والحكومة، وانتخابات مُبكِّرة قلنا: نحن لا نتفق معك على هذا، لكننا لا نتهمك بأنك خرجتَ عن الدستور؛ إذن البرلمان هو البيت، والخيمة الوطنية، وهو خيمة الشعب.

الاحتكام له مسألة تأتي في سياق الرجوع إلى ممثلي الشعب في إقرار الموازنة، فعندما نقول هناك حلف استراتيجيّ بيننا وبين إخواننا الكرد، وكذا بيننا والكرد مع الإخوة في العراقية يعني أن يكون الحلف حلفاً استراتيجياً يشمل كلَّ القضايا الدستورية والبرلمانية والحكومية. تلك جاءت من التاريخ، وتمتدُّ إلى الحاضر، وتذهب إلى المستقبل، فمن غير المعقول أن يتصدّع هذا الحلف الاستراتيجيّ على مادة مُعيَّنة في الموازنة لعام 2013.

أنا أعتقد أنَّ التصدُّع لن يحدث؛ لأنَّ الحلف الاستراتيجيَّ قائم على أساس مقاربات، وتفاعلات مجتمعية، ويعبِّر عن وجدان المجتمع الكرديّ والمجتمع الشيعيّ والمجتمع السنيّ، ويجب أن نحافظ عليه، ولا ينبغي أن نتخذ من هذه القضية مجالاً لإضعاف هذا التحالف.

 

- نقطة في موازنة عام 2013 لن تُحدِث شرخاً في الحلف الاستراتيجيّ؟

 

الجعفريّ: الحلف الاستراتيجيّ أوسع مساحة، وأعمق جذوراً بيننا وبين الإخوة الكرد، ولا ينبغي أن نتسامح به، إنما نحافظ عليه، ونبني العراق الجديد على هذه القاعدة، ويجب أن نحترم التقاليد والأعراف البرلمانية، وكلّما دخلنا في مسألة الحوار تفاعلنا مع بعضنا، وإذا لم نصل إلى نتيجة نحتكم إلى البرلمان، وهو كأداة حضارية معاصرة يحسم الأمور.

أنا أعتقد أنه تقليد صحيح ووطنيّ، وليس القصد منه إضعاف أحد؛ وأنت تعرف جيداً أنَّ الذين كانوا بالأمس القريب سوية في أربيل، يمكن كانت لهم وجهة نظر تختلف مع الأخ المالكي على سبيل المثال كتلة الأحرار التي اختلفت مع الأخ المالكي كانت تتفاعل مع لقاء أربيل، وهي اليوم صوّتت بمجموعها في داخل البرلمان لصالح الموازنة؛ فهم إخوة للكرد عندما حضروا أربيل، وهم إخوة للكرد عندما صوَّتوا داخل البرلمان لصالح الموازنة، والشيء نفسه في العراقية كان مَن يمثـِّلهم في أربيل على خلاف مع الأخ المالكي، لكنهم صوّتوا لصالح الموازنة؛ إذن القضية أننا أمام ممثلي شعب، ويجب أن لا نفرِّق بين أعضاء البرلمان؛ وبين قواعدهم الجماهيرية.

كنتُ أطمح، ولازلت أن يبارك الإخوة الكرد أو القادة بأنَّ القضية مادامت مرّت بمسارات برلمانية لا يوجد فيها فساد، ولا تشويه للحقائق حتى وإن لم تكن تطابق ما يطمحون له، ونحن على نفس الديدن فالكثير من القرارات ربما تحصل في داخل البرلمان، ونحن لا نتفق عليها، ولا نتبناها، لكننا نقبلها؛ لأنها مثـّلت الشعب.

 

- بما أنَّ العملية السياسية العراقية مرّت خلال الأعوام العشرة السابقة بصورة توافقية ألا تعتقد أنه كان من الأفضل أن تُمَرَّر الميزانية العامة لعام 2013 بصورة توافقية كما حصل في السابق؟

 

الجعفريّ: وهو كذلك، نحن لم نبدأ بالتصويت في البرلمان، وبدأنا بحوارات مستمرة، ونقاشات مستفيضة، وأخذت وقتاً طويلاً، وقلّصنا المسافة بين وجهات النظر المتفاوتة، لكننا لا يمكن أن نترك البلد بلا موازنة، وعندما انتهت فرصة الاتفاق، فليس لنا إلا الحسم، وهذا دور البرلمان.. التوافق ليس بديلاً عن البرلمان، كما أنه ليس بديلاً عن الدستور، التوافق يقلّص المسافة، ويقرِّب بين وجهات النظر؛ لكن النتيجة النهائية يجب أن نأتي إلى البرلمان.

الموازنة قضية حسّاسة، ومن دون شك ليس لدينا ملاذ في حسم الأمر إلا البرلمان، وهذا هو ما حصل.

 

- بعد التصويت على الميزانية العامة لعام 2013 رأينا أنَّ ممثلي الكرد في مجلس الوزراء والكتل الكردستانية في البرلمان غادروا بغداد.. هل هناك فرص أخرى للاتفاق بين بغداد وأربيل، هل هناك مبادرات لمثل هذا الاتفاق؟

 

الجعفريّ: عدم حضور الإخوة الكرد أو العراقية أو أيِّ طرف من الأطراف سواء كان عن البرلمان أو الحكومة بالنسبة لنا نعتبره خسارة بغضِّ النظر عن كلِّ الاعتبارات، والأسباب، والنتائج المُترتـِّبة على ذلك؛ لأننا حريصون أشدَّ الحرص على أن يبقى هذا التحالف لكلِّ الأطراف، ويتمظهر تنفيذياً في الحكومة، أو تشريعياً في البرلمان بغضِّ النظر عن كلِّ الاعتبارات نعتبر هذه خسارة، ولايزال يحدونا الأمل بأنّ ما حصل لا يتحوّل إلى حالة مستديمة، أو مستمرة إنما عبّر في جلسة ما عن وجهة نظر، وإن كان عبَّر بطريقة سلبية، لكنا نحترم ذلك حتى بهذه الطريقة، وأنا لازلت أؤمن بأن يُعيدوا النظر بموقفهم، والحفاظ على البيت الوطنيِّ العراقيِّ، والرجوع إلى مجلس الوزراء، والبرلمان، والقادم من الفرص أكثر مما فات، ويجب أن تتجسَّد الأخوّة العربية - الكردية بشقيها السُنيّ والشيعيّ بأحسن ما تكون، ويبقى العراق مُعافى، وبعيداً عن كلِّ نوع من أنواع التفرقة.

 

- في رسالتكم الجوابية على الرسالة التي بعثتها القيادة الكردية إلى التحالف الوطنيّ بخصوص المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل لم يكن الكرد راضين عن ردِّكم.. لماذا لم تخوضوا في التفاصيل، واخترتم الخوض في الخطوط العامة للمشاكل العالقة؟

 

الجعفريّ: أحبُّ أن أنتهز هذه الفرصة، وهذا السؤال لأوضّح الحقائق التالية، أولاً: الرسالة جاءت في شهر تشرين الثاني عام 2012، ولدى الحديث بيني وبين الأستاذ مسعود البارزاني كان قد التمسني بأدب بأنَّ تكون الرسالة على الأقلّ جواباً، ونحن تسلّمتُ الرسالة، وسأستثمر أول فرصة، وأطرحها في التحالف، وفي الوقت نفسه أكتب رسالة في اللجنة الخماسية وكان الأخ ممثل الطرف الكردستاني قد غاب، وصار حديث بيني وبين الأستاذ مسعود البارزاني، وبالفعل أتصل به بالتلفون هو أو الأخ روش، فعاد الأستاذ محسن السعدون؛ واحتراماً مني لهذه الاستجابة السريعة عزمتُ على كتابة الرسالة، وبقي في ذهني قوله: أصل الجواب بالنسبة لنا نعتبره احتراماً لرسالتنا، فقلت: ليس فقط أجاوب، وإنما أشير إلى أمور أخرى، وطرحت مُسوَّدة جوابي على الإخوة في التحالف، ووافقوا عليها بالإجماع، والرسالة لم تترك شيئاً من النقاط التي ذكرت إلا وعلّقت عليها وكانت ست عشر نقطة أجبتُ عنها، وقلت: علينا بالحوار؛ حتى نحوِّل هذه النقاط، ونتحاور عليها، وهناك مخاطر وملاحظات حصلت في التجربة، والجميع يتحمّلون المسؤولية.. لقد تحدّثتُ بهذه الصراحة، وهذه الجرأة.

أنا أعجب أشدَّ العجب ألم يتذكر الإخوة أنهم قالوا: ولو تأتي رسالة تذكر أنه مُجرَّد تقول: نحن تسلّمنا الرسالة، ولكني لم أكتفِ بهذا الجواب، إنما شرحتُ بالتفصيل، ثم أنا لستُ من النوع الذي يتعامل بالرسائل، لكن احتراماً لرأي الأستاذ مسعود استجبتُ، وكتبتُ رسالة على رسالة.

متى نحلُّ مشاكل العراق، ونساهم في بناء العراق بلغة الرسائل، وعلى ماذا الرسائل؟

لِمَ لا نلتقي دائماً ونتحاور، ونتاهتف بالتلفون دائماً، ونحن الآن عندنا سلطات، ودستور فكلُّ شيء حسب العائدية هذا للسلطة التشريعية، وذلك للسلطة التنفيذية، وذاك السلطة القضائية وإذا كان هناك شيء نتفاهم عليه بالتوافق.

أنا داعية للحوار، ولا أظنُّ أنَّ هناك بديلاً عن الحوار، ثم يأتي الرد بهذه الطريقة بأنّ الرسالة مُخيِّبة للآمال.

لماذا مُخيِّبة للآمال، وأيُّ آمال كانت مُعلَّقة على أن أجاوب على رسالة، ثم رسالة على رسالتي، ثم رسالتي على رسالتهم.

أنا لا أؤمن بهذا التخاطب، ولا يُجدي نفعاً إنما الصحيح أن نتحاور كإخوة من خلال أجواء الثقة، ونحوِّل هذه النقاط إلى خطوات عمل، وهذا يُولَد من رحم الحوار، وليس التراسل عبر الأوراق.

لازلت أقول: الحوار هو الرحم الطبيعيُّ لمواصلة العلاقة، وتطبيق المتأخّر من الامور، وعدم الاكتفاء بلغة الأوراق والحديث من البُعد.

يجب أن نجلس سوية، ونتحاور، ونطبّق ما نتفق عليه.

 

- في المفاوضات الثنائية بين بغداد وأربيل طالب الكرد بحلِّ قيادة عمليات دجلة، وقيادة العمليات العسكرية الأخرى في المناطق المُسمَّاة (المناطق المُتنازَع عليها). هل في نيتكم كتحالف وطنيّ الاستجابة لهذا المطلب، وحلِّ قيادة العمليات العسكرية هذه؟

 

الجعفريّ: أولاً: التحالف الوطنيُّ ليس هو الجهة الحاكمة الوحيدة، التحالف الوطنيّ في حكومة مشاركة وطنية إلى جانب التحالف الكردستانيّ، وتحالف العراقية يتحمّلون مسؤولية الحكومة، والبرلمان وكلَّ شيء في العراق. ثانياً: نحن مع ما يتوصّل إليه الإخوان في المجموع، وإذا كانت هناك أيُّ مشكلة تُحَلُّ بالحوار -الحوار هو الرحم الصحيح، والأداة الصحيحة لمناقشة مثل هذه الأمور- أنا تعاطفتُ مع بعض المخاوف التي أثارها الإخوة القياديون في الطرف الكردستانيّ، وتحدّثت مع الإخوة، وأعتقد أنَّ ما يعجز عنه الحوار بالوكالة، والتخاطب بالرسائل، والتهاتف الإعلاميّ لا يعجز عنه الحوار الأخويُّ المباشر؛ لنزع فتيل المخاوف المشروعة لدى هذا الطرف وذاك.

نحن لسنا أمام أطراف مُتعادية، نحن أمام أشقاء قدّموا ضحايا سوية يوم السادس عشر من شهر آذار قدّم أهل كردستان وتحديداً حلبجة الآلاف من الضحايا قرابين على طريق تحرير العراق، والتخلّص من الدكتاتورية, وهذا لم يعبِّر فقط عن وجدان الشعب الكرديّ إلى جانب الانتفاضة الشعبانية التي حصلت في الوسط والجنوب، وعمّت الجانب الشيعيّ إلى جانب انتفاضة الأنبار الشهيد محمد مظلوم، وما حصل في الأنبار والمنطقة الغربية؛ نحن مظلومون على حدٍّ سواء، ومسؤولون على حدٍّ سواء عن بناء العراق الجديد، فهذا يتأتى من خلال تجربة.

حين نواجه مُشكِلة لا ينبغي أن نوتـِّر الأجواء، وإنما نعمد إلى آليات للحوار، والتخاطب المباشر، والجلوس سوية على طاولة واحدة؛ حتى نسمِّي الأشياء بأسمائها، ونعرب عن مخاوفنا، وهواجسنا، وقلقنا المشروع، ثم نطالب الأطراف المعنية بأن تستجيب لذلك، ونستمع إلى مُبرِّراتها؛ حتى ننصفها فيما لها، وما عليها.

 

- بما أنَّ الكرد قدّموا مخاوفهم، ومُبرِّراتهم لتشكيل قيادة عمليات دجلة، وقيادة المناطق المُتنازَع عليها.. هل تفاوضتم حول حلِّ هذه المُشكِلة، أو هل هناك اتفاق حول حلِّ هذه العمليات، وهل كانت مُبرِّرات الكرد قوية بما فيه الكفاية؟

 

الجعفريّ: أنا أعلم أنّ الإخوة أظهروا مخاوفهم وقلقهم، وصارت مُهاتفة بيني وبين الأستاذ مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان أكثر من مرة، وأوصلتُ مخاوفه إلى الإخوان، وهم أيضاً لديهم مُبرِّرات، ويطمئنون بأنّ القضية غير مقصودة إنما هي عمل إجرائيّ؛ إذن توجد هناك نوايا عند الطرفين، وتوجد مخاوف مشروعة، لكن لا يوجد اتفاق نهائيّ؛ وهذا يُضيف مُبرِّراً جديداً بضرورة الحوار المباشر، والجلوس وجهاً لوجه.

عندما تنشر الأزمة ظلها في هذه الأجواء فكلُّ مفردة اختلاف تكبر، لأنها تُمارَس في أجواء ضعف الثقة إن لم نقُل فقدان الثقة، فنحن نحتاج إلى توطيد عُرى الثقة، وإيجاد أجواء إيجابية مُفعَمة بالتفاؤل، والمحبّة، والثقة، ثم نطرح هذه الأمور بشكل مباشر وجريء.

أنا متأكِّد عندما تلتقي الوجوه، وتتحاور على طاولة واحدة ستتقلّص المسافة بينهم، ويقدِّر بعضهم الآخر، ويتوصّلون إلى حلٍّ نهائيّ.

 

- مُراقبو الوضع السياسيِّ في العراق مُقتنِعون بأنَّ الأبعاد الاقتصادية للمشاكل الموجودة على الساحة العراقية قد طغت على الأبعاد السياسية لهذه المشاكل.. ألا تلاحظ ذلك شخصياً؟

 

الجعفريّ: أنا أحسُّ أنَّ هناك تصدُّعاً، وعدم وجود افتراج مع مرور بضع سنوات على التجربة على الصعيد الاقتصاديّ، وما يترتب عليه في الصعيد الخدميِّ، وكذلك الإعمار، والبناء، والسكن، والصناعة، والزراعة، وغيرها.

الجميع يتحمّلون هذه المسؤولية، ولا نلوم شخصاً معيَّناً أو حزباً معيّناً، فنحن لا نعيش دولة الحزب الواحد، ولا الرجل الواحد إنما نعيش دولة المشاركة الوطنية، وحكومة المشاركة الوطنية حيث كلُّ الأحزاب، وكلُّ القوى، وكلُّ الشخصيات، وكلُّ الوزارات تتحمّل مسؤوليته بقدر ما؛ وعليه عندما نطرح ورقة الإعمار، والبناء، وتحسين الوضع الاقتصاديّ سنجد أنفسنا نتنافس على بناء العراق بدلاً عن أن تستهلكنا الأزمة، وتشغلنا.

هذا يحفزنا لأن نحوِّل الثروة من حكومة غنية إلى شعب غنيّ، فموازنة العراق الآن أكثر من مائة مليار دولار، وكان واجباً على السياسيين والأحزاب كلّها أن تتنافس في برامج الإعمار والبناء، وتحويل هذه الثروات إلى عموم العراق؛ حتى يستفيد منها  كلُّ أبناء العراق من أقصى منطقة في كردستان إلى أقصى منطقة في البصرة والأنبار وديالى والمناطق كافة.

أنا أعتقد أنَّ بعض الإخوان لايزال يفكِّر بعقلية المعارضة، ولا يفكر بعقلية الدولة، نحن الآن لسنا أمام عدو؛ حتى نصطفَّ عليه، إنما أمام أصدقاء كانوا بديلاً شرعياً لحكومة غير شرعية اسمها حكومة الدكتاتور صدام.

علينا أن نبرهن أنه ذهب وقت التوتير، والتأزيم، والشكوك، وعلينا أن نطرح برامجنا، ونتسابق على بناء العراق، وسيتقبّل بعضنا البعض الآخر، وسيستجيب لنا شعبنا.. هذا ما أطمح له، ولازلتُ أعقد الأمل على القادة؛ وحتى ينطبق عليهم عنوان القادة أن يمشوا أمام الجمهور، ويضحّوا قبل الجمهور، ويتولّوا عملية تثقيف الجمهور بأنَّ العملية عملية بناء دولة، ولسنا في مهمة هدم نظام صدام.

نحن الآن نتحمَّل مسؤولية إيجاد النظام البديل نظام المَحبّة، والأخوَّة، والثقة، والبناء، والإعمار.

- تحدّثتَ عن مسألة إزالة التوتير، والتعقيد في العملية السياسية.. برأيك هل القيادة الكردية أو الأطراف السياسية في العراق بصورة عامة عملت من أجل إنهاء هذا التوتير، والتعقيد؟

 

الجعفريّ: من دون شك على مستوى معرفتي بهم أنهم حسنو النية في تحقيق هذا الشيء، لكنَّ حُسن النية وحده غير كافٍ، وكذا تصريحاتهم، وخطاباتهم، وما يقولونه نحن بحاجة إلى خطوات عملية على الأرض، ونفكِّر كيف نبني العراق فالدول التي سبقتنا في هذا المضمار أخذت وقتاً، ولعلّ القوى السياسية مرّت بمرحلة المواجهة، والاستهلاك، والتشاكس حتى وصلت إلى مرحلة النضج الكافي، وبدأ بعضهم يتفهّم البعض الآخر.. هذه الدول المُتقدِّمة في النادي الديمقراطيِّ وصلت إلى هذا الحدِّ من التكامل بأنهم قد يختلفون في برامجهم السياسية، لكنهم لا يختلفون في خدمة بلادهم في حقول الاقتصاد، والإعمار، والأمن، والبناء، وغير ذلك.

أنا أعتقد أنَّ كلَّ الأطراف تملك نوايا حسنة، لكن -بصراحة- أقول لك التجربة في بناء الدولة جديدة لمن تجربتهم في المعارضة أطول من تجربتهم في الدولة فهذا الوقت الذي ما كان غريباً حتى ننتقل من جوِّ المعارضة إلى جوِّ الحكم، حتى الدول التي سبقتنا أخذت وقتاً طويلاً إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه.

أسألك: متى جاء باراك أوباما رئيساً لجمهورية أميركا كمواطن مُلوَّن؟

بعد رحلة طويلة امتدّت من 1783 عصر انتصار الثورة إلى القرن الحادي والعشرين، ولم يأتِ بين عشية وضحاها إنما جاء بعد 44 رئيساً، و45 رئاسة.

بعض الأحيان تأخذ عملية الإصلاح والبناء وقتاً، ونحن لسنا خارجَ هذه القاعدة، لكننا لا نريد أن نأخذ وقتاً أطول، وعلينا أن نستفيد من تجارب العالم؛ حتى نحقق ما يصبو إليه شعبنا العراقي الذي يتكوّن من هذه المجتمعيات المُتنوِّعة (الكردية، والعربية، والسنية، والشيعية، والمسيحية، والإيزيدية، والصابئة).

 

- هل إنَّ زيارة السيِّد نجيرفان برزاني رئيس وزراء أربيل للسيِّد رئيس وزراء العراق نوري المالكيّ ستساهم في حلِّ هذه المشاكل العالقة؟

 

الجعفريّ: من دون شكّ المباشرة بالحوار، والجلوس وجهاً لوجه على الطاولة من شأنه أن يقلِّص المسافة، وينشر أجواء الثقة والتفاهم المباشر؛ فلسنا طرفين من دولتين متحاربتين ومتباعدتين، إنما تربطنا جغرافية واحدة، وطن واحد، ودستور واحد، وعراق واحد.

الحوار عن قرب يحقق ما لا يحققه التباعد.

أنا أتصوّر أنَّ زيارة ًكهذه ستقلِّص هذه المشاكل.

 

 

 

 

- مثل هذه الزيارات موجودة، لكن بقي الحال كما هو.. ما رأيك؟

 

الجعفريّ: الخلل ليس في اللقاء إنما الخلل في جدولة مادة اللقاء، والمادة المطروحة للحوار يجب أن تُعاد صياغتها، والأهداف المنويّ تحقيقها يجب أن تُبحَث بواقعية.

لا ينبغي أن نخاصم اللقاء، بل نعيد النظر بمادة اللقاء، فلم تكن الفرقة والابتعاد لتحقق شيئاً.

لا ينبغي أن نناقش أصل اللقاء فهو يتحقق، وإذا ما استطعنا أن نحقق الأهداف علينا أن نعيد النظر بالجدولة والنقاط، ولا ينبغي أن نعيد النظر بأن نستبدل اللقاء بالقطيعة فالقطيعة لا تحقق شيئاً أبداً.

 

- جوهر المشاكل الموجودة بين الإقليم والمركز.. هل هي مشاكل بعيدة الأمد أم إنها مشاكل مُستحدَثة؟

 

الجعفريّ: إذا أخذناها من منظور وطنيّ، ومنظور اجتماعيّ فقد استطاع العراق أن يقدّم نموذجاً إلى العالم بأنه فريد من نوعه، فمؤتمر القمة العربيّ يُعقَد في بغداد، ورئيس المؤتمر شخصية كردية متمثلة بالسيِّد جلال الطالباني، وملف وزراء الخارجية العرب شخصية كردية أيضاً وهو الأخ هوشيار زيباري، وملف الاقتصاد العربيّ أيضاً شخصية كردية.

كيف نتهم هذه التجربة بأنها عاجزة عن تحقيق مظهر من مظاهر الديمقراطية في الوقت الذي ما تحقق مثلها في الغرب، وذهبت هذه الرسالة إلى كلِّ قادة العالم العربيِّ عندما انعقد مؤتمر القمة العربيِّ في بغداد؛ إذن لسنا أمام مشاكل استراتيجية، ويبقى عندما يكون القادة جميعاً بمستوى مواصلة مسيرة إرساء الديمقراطية على قاعدة صحيحة ستتضاءل المشاكل، أمّا -لا سمح الله- إذا لم يستطع القادة إدارة هذه المشاكل فمهما تكن تتفاقم، وتتحوّل إلى مشاكل كبيرة.

المشاكل التي تجمّعت وصلت إلى مستوى الأزمة - والأزمة ليست عصيّة على الحلّ-، غير أنَّ الأطراف المعنية بحلِّها عليها أن تكون بمستوى الأزمة، ومستوى المُشكِلة، ولا ينبغي أن نصف الأزمة بأنها عصيّة على الحلِّ إنما نتهم الأطراف بأنها -للأسف الشديد- لا ترقى إلى مستوى الحلِّ بعض الأحيان.

 

- هناك مخاوف من أنَّ التركيبة المشتركة للحكم في العراق أصبحت في الوقت الحاضر أمراً غير مُمكِن.. هل تعتبر حكومة الأغلبية حلّاً، وإذا كنتَ تعتبر حكومة الاغلبية حلاً فهل بتقديرك الأغلبية المختلطة حلٌّ أم الأغلبية الشيعية؟

 

الجعفريّ: في هذا الظرف الذي يعيشه العراق أنا لستُ مع قضية حكومة الأغلبية بشرط أن لا يراوح العراق في مكانه، ويستخدم أسلوب جرِّ الحبال بين الأطراف المتنافرة، فتكون المُحصِّلة الوقوف في نفس المكان.

إذا بقي الوضع بهذا الشكل فستكون حكومة الأغلبية ليست قراراً بقدر ما هي واقع وطنيّ، لا قرار وطنيّ. أعني بالقرار أن يُخطَّط لأن يكون هناك حكومة أغلبية.

لا أحد يخطط لهذا إنما الواقع يفرض نفسه بأنه -لا سمح الله- عندما تكون أمام طريق مُغلَق ليس لنا هناك منفذ إلا الأغلبية، وعلينا أن نتحاشاها، ونبقى نتفاعل مع بعضنا، ونحافظ على هذا التنوُّع في الحكومة، وإذا تعطَّل البرلمان فلا يبقى لنا حلٌّ إلا الأغلبية، وحتى عندما تكون الأغلبية البديلة عن المشاركة الوطنية تكون أغلبية مُتسِعة لأكثر من هوية، ولا تُختزَل بهوية واحدة قومية ًكانت أو مذهبية.

 

- ما هي الأخطاء التي ارتكبها الكرد في الآونة الأخيرة بالعملية السياسية العراقية، والتي زادت من تفاقم الأزمات بين بغداد والإقليم؟

 

الجعفريّ: الأخطاء ليس فقط من الإخوة الكرد، لا أحد يستطيع أن يتهم طرفاً، ويحمّله المسؤولية كلَّها عن الأخطاء كلِّها؛ الأخطاء مُتبادَلة.

أشكر بعض الإخوة القادة الكرد؛ لأنهم أخبروني بشكل مباشر بأنهم نادمون على بعض الخطوات التي حصلت في التجربة بعد السقوط، وتسلّمتُ هذه الرسالة.

ارتكبوا خطأ، ولم يكن اعتيادياً إنما كان خطأ استراتيجياً، لكن علينا أن لا نراوح في الماضي، نعم.. نستفيد من التاريخ فيما يعمِّر واقعنا، ويفتح لنا آفاق المستقبل، فما مضى فات، وعلينا من الآن وصاعداً أن نعمل يداً بيد، وندرس الأخطاء؛ لتجاوزها، ولا نكرِّرها،؛ حتى نبني العراق معاً، وكسبُنا في ذلك أن ينعم أبناء العراق جميعاً بثروات العراق، وسيادته، وكرامته، وأمنه، وبناء مُؤسَّساته.

ربح لنا عندما تعمر أربيل والسليمانية، وتعمر الأنبار، وتعمر البصرة وكربلاء والديوانية والعمارة.

العراق القويّ قويٌّ بكلِّ محافظاته، وكلِّ مُكوِّناته، العراق كريم لم يفرِّق عندما أعطى ماءه، ونفطه، وهواءه، ونخله، ومناظر جباله. ومثلما أعطانا العراق هذه الثروات علينا جميعاً أن نبادل العراق بأن نعطيه كلَّ ما لدينا من طاقات، ونحفظ له وحدته، ونعمل بكامل الشعب من دون تمييز بين المواطنين على خلفيات قومية، أو دينية، أو مذهبية، أو سياسية.

 

- هل أنتم مُقتنِعون بأداء مُستحقات الشركات النفطية في الإقليم؟

 

الجعفريّ: عندما جمعنا الإخوان الكردستانيّ والتحالف الوطنيّ بحضور الأخ وزير النفط جرى الحوار بشكل مباشر.

أنا أتصوَّر أنَّ الصحيح هو أن يجتمع الإخوان وزير النفط الاتحادي ووزير النفط في الإقليم، وإذا كانت هناك وزارات ذات صلة بالموضوع كوزارة المالية أو غيرها فليجلسوا سوية للخروج بفهم مشترك.

لسنا في معركة؛ حتى نغلِّب طرفاً على طرف، نحن أطراف متكاملة، فالجانب الفنيُّ يقرِّره أصحاب الاختصاص، وكذا الجانب السياسيّ.

أعتقد أنَّ كلَّ هذه القضايا قابلة للحلّ، وليمضوا في طريق الحلّ، ويتحاوروا مباشرة، ولا يتحاوروا من وراء حجاب، فالحاجز والإسفين بينهم لا يزيد المسافة إلا بُعداً بينما الحوار المباشر يقلّل المسافة.

 

- يُقال: إنَّ هناك مبادرة إيرانية للتوسُّط بين الإقليم وبغداد؟

 

الجعفريّ: أنا شخصياً لم ينعكس عليَّ ذلك فيما إذا كان لها أساس وصحة.

أنا أميِّز الدعم والتوسّط عن التدخُّل والضغط والسيادة من أيِّ طرف كان.

إذا كان هناك محاولة للتقريب دون أن تتحوّل إلى تدخُّل أو ضغط على طرف من الأطراف فمرحباً بها.

عندما تحدث مشكلة لا ينبغي أن نضيق ذرعاً، ونتمرّد، إنما نحاول أن نقرِّب المسافة بيننا بشرط أن لا يكون هذا المسعى نوعاً من أنواع التدخُّل في الشأن العراقيِّ والسيادة.

 

- بعض الأطراف يتهمون حزب الدعوة بالتفرُّد بالسلطة.. أنتم كتحالف وطنيٍّ هل لديكم بديل عن المالكيّ؟

 

الجعفريّ: الحكومة ليست حكومة الحزب، ولا حزب الدعوة حزب الحكومة أبداً، الحكومة ليس فيها من حزب الدعوة إلا الأخ رئيس الوزراء والأخ وزير التعليم العالي والبحث العلميّ.

الحكومة ائتلافية فيها الكرديّ إلى جانب السُنيّ إلى جانب الشيعيّ، والشيعة فيها من الفضيلة، ومن المجلس ومن الإخوة الصدريين، ومن بدر، وأطراف أخرى.

حزب الدعوة  مضى على تأسيسه 57 سنة من عام 1957، ونحن الآن في عام 2013 هو ليس حزباً شكّلته الحكومة، ولا الحكومة من تشكيل الحزب.

هذا كلام -بتقديري- غير دقيق.

التحالف الوطنيُّ يفرِّق بين شيئين: أن يقطع الطريق الآن على رئيس وزراء مُتصدٍّ، ولا يقبل ذلك، ويُصِرُّ على أنَّ الرجل جاء بسياقات انتخابية صحيحة؛ لذا لا يؤمن بعملية قطع الطريق لأيِّ سبب كان، وأعتقد أنَّ هذه سابقة قد تصدع العملية الديمقراطية، هو لا يرفض السياقات الدستورية والبرلمانية إذا كان هناك سبب من الأسباب لكن هو بطبعه يعتقد أنَّ العملية السياسية لا تتحمّل، ونحن في بداية الديمقراطية أن نعرِّض التجربة الديمقراطية إلى التصدُّع، ونتكلم بسحب الثقة.

عندما تكون هناك انتخابات فالتحالف الوطنيّ كمُعبِّر عن كتلة برلمانية كبيرة؛ ومن ثم يعبِّر عن كتلة سكانية ديمغرافية كبيرة، فماذا يقول الشعب؟

نحن مع اختيار الشعب أمّا أن تكون هذه الدورة أو دورة أخرى فنحن مع الدستور، إذا كان يسمح، والشعب يريد أن يصوِّت نحن نتفاعل مع هذا، وإذا لم يسمح الدستور فنحن لا نقبل، وإذا كان يسمح الدستور والشعب لا يريد سنحترم إرادة شعبنا.

بهذه الروحية الدستورية الواقعية نتقبّل، أمّا أن يكون أو لا يكون فلن يعقم رحم التحالف عن أن يختار شخصية من الشخصيات عندما تستدعي الحاجة كرئيس وزراء مستقبليّ.. أعني أنَّ رحم التحالف غير عقيم، وهناك رجالات وشخصيات في العراق كثيرة يمكن أن تتصدّى لأيِّ موقع من مواقع رئاسة الجمهورية، أو رئاسة الوزراء، أو رئاسة البرلمان، أو رئاسة السلطة القضائية.

من عطاءات العراق الجديد أنه -الحمد لله- ليس دولة رجل واحد كما كان صدام، وإنما دولة الخصوبة، والكفاءات، والتعدُّدية للمُتصدّين.

 

- يُقال: إنَّ الشيعة غير راضين عن أداء الكرد في المعادلة السورية.. ما رأيك؟

 

الجعفريّ: نحن مع شعب سورية مثلما كنا، ولم نزل مع شعوب دول العالم عموماً، ودول الجوار بصورة خاصة والدول العربية كذلك.

عندما نتعامل مع الحوض العربيّ نحن نصطفُّ إلى جانب الشعوب، وعندما تجتمع كلمة الشعب ضدَّ أيِّ حاكم فكلمتنا مع الشعب، ونرفض الحاكم الذي تجتمع عليه كلمة الشعب بالرفض، فعندما اجتمعت كلمة الشعب التونسيّ والمصريّ والليبيّ على رفض زين العابدين بن علي، وحسني مبارك، ومعمر القذافي وقفنا، وهتفنا في داخل البرلمان بأننا مع شعوبهم ضدَّ حكامهم غير أنَّ الانتفاضة والثورة عندما امتدّت إلى سورية وجدنا أنَّ الشعب السوريَّ منقسم فبعضه يريد إصلاحات والآخر يريد تغيير النظام، فلم نجد من الصحيح أن نقف مع من يريد تغيير النظام أو مع من يريد إصلاح النظام، فوقفنا عند حد بأننا نريد الشعب السوريَّ هو الذي يقرِّر مصيره من دون أن نتدخل، والأمر متروك للشعب السوريّ.

هذه الاستراتيجية العراقية يُفترَض أن يلتزم بها الأطراف المعنية بالعملية السياسية كافة سواء كانت سنية، أو شيعية، أو كردية، وسواء كان البرلمان، أو الحكومة؛ لذا يجب أن ننسجم في سياستنا التفصيلية مع مُجمَل سياستنا الاستراتيجية، وقد احترَمَنا العالم عندما لم يجد ازدواجاً في الموقف.

نحن مع الشعب السوريِّ، وهو الذي يقرِّر، وعندما يقرِّر رفض النظام فنحن نرفض النظام، وعندما يريد إصلاح النظام فنحن معه.

هذا لا يعني أن نطرح شعاراً، ولا نلتزم به كقوى سياسية، ونتطلّع للإخوة والقوى السياسية أن تلتزم هي الأخرى بنفس السياسة، وتقف بشكل مُحايد مع كلِّ أطراف الشعب السوريّ، نتفق على شيء واحد، وهو تنفيذ مطالب الشعب السوريّ، ونحثُّ الحكومة السورية على أن تستجيب، وتُجري إصلاحات استراتيجية سريعة، وعاجلة.

 

- السؤال الأخير مرتبط بشخص الأستاذ إبراهيم الجعفريّ. عندما كنتَ رئيساً للوزراء كانت بعض المشاكل الحالية قائمة وقتها بين الإقليم والمركز.. برأيك عدم حلِّ هذه المشاكل في دورتك الانتخابية مَن كان السبب فيها.. هل الحكومة المركزية، أم كانت حكومة الإقليم هي السبب؟

 

الجعفريّ: القضية -في تقديري- كانت تاريخية، وامتدّت، وأنا أشرتُ لك قبل قليل إلى أنَّ رموز الحركة الكردية من كلِّ الكتل أوصلوا اعتذارهم لما حصل، وعبّروا عن ندمهم على ما حصل، لكن ما استطاع أحد أن يحوِّلني إلى عدو -لا سمح الله- للشعب الكرديّ، ولا للقوى السياسية، ولا للرموز الكردية، فبقيتُ أخاً وصديقاً، وتحمّلت ما حصل.

لأضرب لك مثلاً بسيطاً: المادة 140 تنطوي على ثلاث نقاط، واحدة منها الإعمار، وقد شكّلتُ لجنة في وقتها، وأعطيتهم المبلغ المطلوب وهو 200 مليون دولار دفعة أولى لإعمار كركوك، وتعويض المتضرّرين، وعندما تأخّر الأخوان الاستاذ جلال الطالباني -أدام الله عليه العافية- والأستاذ مسعود البارزاني ندبا أحد الشخصيات، وهو حميد مجيد، وكان عضواً في البرلمان، وتأخّر في الالتحاق باللجنة، فبقيتُ أبحث عن السبب، فقالوا: عضو برلمان لا يمكن أن يتولى مهمة تنفيذية كرئيس لجنة إلا بعد أن تنتهي عضويته في البرلمان، وبقيتُ أؤكّد على ضرورة التعجيل بالموضوع، قلت: النقطة الأولى في المادة 140 المبلغ الماليّ، والنقطة الثانية عملية التطبيع، وإنصاف المواطنين الذين أصابهم الضرر، وباشرنا بتنفيذها، وبقيت النقطة الثالثة، وهي الإحصاء، والمادة الدستورية 140 تقضي بأن يُجرى الإحصاء في نهاية 2007، لكنَّ الإخوان -للأسف الشديد- نتيجة حسّاسيات معيَّنة بدأوا يضغطون بأنَّ المادة غير مُطبَّقة، وأنا ملتزم بالدستور والآن يطالبونني في 2005 بأن تنفذ كامل النقاط في المادة 140، فيما تقول المادة نفسها بأن يُجرى الإحصاء كنقطة ثابتة في نهاية 2007، والآن ذهب عام 2007 و8 و 9 و10 و11 و12 ونحن الآن في عام 2013.

أنا أعتقد أنَّ القضية أحاطتها أجواء من الحسّاسية وضعف الثقة، ولكن يجب أن أسجِّل للتاريخ بأنَّ السادة والسيِّدات الوزراء والوزيرات الكرد والكرديات كانوا على أعلى درجات الوعي، والأدب، والالتزام في الكابينة الوزارية، ولم يعكسوا هذه الخلافات من خارج الأروقة السياسية إلى داخل الحكومة، وتعاملوا معي كأخ لهم جميعاً، وقابلتهم بالحُبِّ، والاحترام، والثقة.

لهم شكري وتقديري، ومن خلالهم إلى الشعب الكرديّ الكريم، وأملي بالقادة والمُتصدّين الكرد أن يشعروا أنهم أمام إخوانهم وأشقائهم العرب سنة ًوشيعة، ولسنا نتحسّس من أيِّ إنجاز للإخوة الكرد، وبقدر ما هم حريصون على بناء العراق في مناطقهم ومحافظاتهم هم بنفس الحرص على أن تزدهر محافظات كردستان، وهذا فيه الخير للعراق كلِّه.

العودة إلى صفحة الأخبار


 الرئيسية  |  الأخبار  |  إبراهيم الجعفري  |  تيار الإصلاح الوطني  |  رسائل الأيام  |  كلمات  |  الصور  |  المكتبة  |  الفيديو  |  اتصل بنا 
E-mail : med@al-jaffaary.net
جميع الحقوق محفوظة لـموقع الدكتور ابراهيم الجعفري©2010 - 2024
استضافة وتصميم وبرمجة ويب اكاديمي

Powered by web academy