الجعفري: لابد من وقفة واعية ومسؤولة لتقييم التظاهرات المستمرة لأكثر من مائة يوم التي لم تسجل أيَّ سابقة مثيلة لها.. تقادم الزمن لا يسقط الحقوق ولا يعذر الجناة ممّا يستدعي تحديدا دقيقا في معرفتهم ومساءلتهم والابتعاد عن التوصيفات الغامضة كمصطلح الطرف الثالث الجعفريّ: جرائم الاغتيال والقتل والتمثيل بجُثث الموتى انتهاك سافر لحُقوق الإنسان وهو جرس إنذار بتهديد السلم المُجتمَعي وزرع الفتنة ونشر الفوضى في وقت يجب أن يتحمَّل الجميع مسؤوليته الوطنية عبر التعاون على حفظ وحدة الصفِّ الوطني وعدم زعزعة الأمن والاستقرار الجعفريّ: يجب مُحاسَبة كلّ من تورَّط في إراقة دماء أبنائنا المُتظاهِرين والقوات الأمنيّة وإنزال القصاص العادل بحقهم.. الردّ العراقيّ الوطنيّ المُوحَّد هو الذي جعل الهمَّ العراقيَّ فوق كلِّ الهُمُوم وإنسانه فوق كلِّ اعتبار وساهم في تجنب المزيد من الأزمات الجعفريّ: التظاهرات تعبيرٌ عن المُطالَبة عن كلِّ حقّ مهدور وكرامة مُنتهَكة ومال مسروق وسياسة فاسدة وتدخّل أجنبيّ فاحش!!.. يجب منع استخدام السلاح ضدّ المُتظاهِرين وتفقُّد عوائل الشهداء ورعايتهم.. وإلغاء بدعة المُحاصَصة "سيِّئة الصيت" في التشكيلات الحكوميّة رسائل الأيام للدكتور إبراهيم الجعفري الجعفريّ للعرب: لا تنظروا إلى حجم سكاننا بل انظروا إلى قوة إرادتنا وإصرارنا على حقوقنا.. المطلوب من الجامعة العربية أن ترسم أولوياتها على ضوء المصالح والمخاطر وتُفكـِّر بحجم الإنسان العربيِّ والقدر العربيِّ.. وأن ننتهي بنتائج ولا نكتفي بالكلمات والخطب الجعفريّ للعرب: أصبح صوت العراق مسموعاً وأصبحت إنجازاته موضع احترام العالم.. نحتاج إلى وُقوفكم إلى جانبنا ونحن لا نطلب دماء أبنائكم بدلاً من دماء أبنائنا ولكن عليكم مُساعَدتنا في مُواجَهة داعش خُصُوصاً أنَّهم جاؤوا من بلدانكم ومن أكثر من مئة دولة الجعفريّ لوزراء الخارجيَّة العرب: نحن لا نـُمثـِّل حُكـَّاماً وحكومات فقط، بل نـُمثـِّل شُعُوباً عربيَّة وإضعاف أيِّ دولة إضعاف لنا جميعاً.. داعش يستهدف كلَّ دول العالم خُصُوصاً الدول العربيَّة؛ لذا عليكم أن تُتابعوا ما يجري في العراق خطوة خطوة الجعفريّ من جنيف: العراق من الدول التي تعاني من نار الإرهاب ومن الدول المنتصرة على الإرهاب وحاولتْ بعض الجهات الدوليَّة التي تدعم الإرهاب إلى إرباك جهدنا و‏تزييف الحقائق واتهام مُؤسَّسة الحشد الشعبيِّ وبلا دليل، وهي لا تخدم في حقيقتها بذلك إلا الإرهاب الجعفريّ: تـُوجَد الآن دول عظمى تفكِّر بعقليَّة (كاوبوي) -رُعاة البقر-، بينما العراق يتعامل بطريقة إنسانيَّة حتى مع خصمه؛ لأنه تعلـَّم على شيء اسمه كيفيَّة غضِّ النظر عن الجزئيَّات، ويفكر بالحلول أكثر ما يفكر بالمشاكل

كلمة الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيَّة العراقـيَّة في الاجتماع الوزاريِّ التحضيريِّ للقِمَّة العربيَّة/ الدورة العاديَّة الـ28 في البحر الميت بالمملكة الأردنيَّة الهاشميَّة
الجعفريَ لوزراء الخارجيَّة العرب في الأردن: العراق يشهد تظاهرة وطنيَّة لا خلاف وحُرُوب بين أبناء الشعب.. فالحرب بين الوطنيَّة العراقـيَّة وبين الوحشيَّة الداعشيَّة أولئك يتمتعون بالوحشيَّة والانتحاريَّة وهؤلاء يتمتعون بروح الاستشهاد البطلة والتضحية
الاخبار | 27-03-2017

قال الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيَّة العراقـيَّة إن القِمَّة في المملكة الأردنيَّة الهاشميَّة يُحيطها الكثير من التحدِّيات الخطيرة التي انتشرت هنا وهناك، كما تحفـُّها طموحات عريضة مُعطـَّلة تنتظر مَن يُفجِّر الإمكانات؛ لتشقَّ هذه الطموحات طريقها إلى التطبيق.

مُبيناً: في العراق تحتدم المعركة منذ فترة نيَّفت على الثلاث سنوات، وهي اليوم لصالح القوات المُسلـَّحة العراقـيَّة، وقد تميَّزت هذه الفترة بوُجُود القتل الوحشيِّ في المحافظات المُغتصَبة، ومارَسَ الإرهابيُّون تحت ضوء الشمس أمام مرأى، ومسمع العالم كلـِّه أعمالاً وحشيَّة يندى لها الجبين، فكيف نتصوَّر أنَّ هؤلاء لو قـُدِّر لهم أن يُمسِكوا حُكـُومة، ولديها ثروة كثروة العراق، وحجم كحجم العراق كيف سترون صورة هذه الدولة؟.

مُضيفاً: العراق يُسجِّل اليوم انتصارات، وهي لكم جميعاً، ووصل الإجرام الذي يمارسه إرهابيُّو داعش بأن عمدوا إلى دُرُوع جديدة من خلال الأنفاق البشريَّة من النساء والأطفال تحت البنايات، ومن نفس البنايات يُكثـِّفون القصف، والمُواجَهة ضدّ القوات المُسلـَّحة العراقـيَّة؛ حتى يحملوهم على قصف هؤلاء الأبرياء، وكان أبناء قواتنا العراقـيَّة يدخلون إلى هذه الأنفاق؛ حتى يُخرِجوا الضحايا من تحت الأنقاض.. وهذا أسلوب مُتعمَّد، ووحشيّ جديد خالٍ من كلِّ بُعد إنسانيّ.

مُشيراً: كلُّ أبناء هذه المحافظات تحرَّكوا بشكل جادٍّ، وقدَّموا خيرة ما لديهم من فلذات أكبادهم؛ حتى يُحقـِّقوا النصر.. واختلطت دماء العراقـيِّين سويَّة من مُختلِف الديانات، والمذاهب، والقوميَّات، والمناطق التي ينتمون إليها؛ وبذلك استطاعوا أن يُحقـِّقوا تقدُّماً رائعاً فاق التصوُّر ما بين 2014 إلى 2017 ليخطـُّوا بذلك ملحمة التحرير لهذه المحافظات الثلاث التي نيَّفت على انتهاء المُنازَلة فعلاً.

مُنوهاً: ثلاث محافظات اغتـُصِبت، وهي: محافظة الأنبار، وصلاح الدين، والموصل، وهي محافظات الضحيَّة التي ظلت تنزف دماً خلال الفترة التي مضت، والتحقت بها محافظات التضحية التي قدَّمت أعزَّ ما لديها، إذ قدَّمت أبناءها، وكلَّ ما لديها لإسعاف شقيقاتها المحافظات الأخرى، فالتحقت البصرة، والناصريَّة، والعمارة، والديوانيَّة، والسماوة، والكوت، وكربلاء، والنجف، والحلة، وبغداد، وديالى، وشملت محافظات العراق كافة.. إنـَّها حرب عريضة في المُشارَكة، وعميقة في الوجدان.

مؤكداً: ما كان لهذا الانتصار أن يتمَّ لولا التضحية الضخمة التي صبغ العراقـيُّون فيها أرض العراق بالدم الأحمر، ولم يزل يُعطي العراق أعداداً كبيرة من الشهداء، ولابُدَّ أن يُساهِم الأشقاء.. لا نـُريد منهم أن يُقدِّموا دماءهم؛ فدماء العراقيِّين آلت على نفسها أن تتفرَّد بالعطاء، ولكن يسعهم أن يُشاركوا بالدعم الماليِّ، والمعنويِّ، والإعلاميِّ، والسياسيِّ، والوُقوف إلى جانب العراق، ويبعثوا رسالة حُبٍّ لكلِّ العراقـيِّين بأنَّ أشقاءهم معهم في ميادين المُواجَهة.

مضيفاً: العراق اليوم يشهد تظاهرة وطنيَّة لا خلاف، وحُرُوب، ولا أيّ شيء بين أبناء الشعب العراقيّ.. إنها حرب واحدة بين الوطنيَّة العراقـيَّة وبين الوحشيَّة الداعشيَّة.. أولئك يتمتعون بالوحشيَّة، والشراسة، والانتحاريَّة، وهؤلاء يتمتعون بروح الاستشهاد البطلة، والتضحية من أجل إنقاذ البشريَّة.. هذا ما يحصل في العراق.

داعياً إلى أن يقف أخواننا العرب، ومُؤتمَر القِمَّة العربيَّة بأن يبعث برسالة مفادها: نحن معكم بالدعم المعنويِّ والماديّ.. قلتها، وأكرِّرها مرّة أخرى: العراق بلد غنيّ، ومُتعدِّد الثروات، ولكنه يمرُّ بظروف استثنائيَّة، والجميع يعلم ذلك.. وصدق مَن قال: عند الشدائد يُعرَف الإخوان.

مشدداً على أن هناك تحدِّيات بُثـَّت على شكل ثقافة أدَّت بأبناء أمَّتنا في مُختلِف المناطق رغم كلِّ ما حباها الله من ثروة معنويَّة، ومادّية طائلة، إذ ينتشر الفقر، والمرض، والجهل الذي استفاد، واصطادهم هم الدواعش من موقع جهلهم؛ فعبَّأهم بالاتجاه الذي يُريد.

جاء ذلك في كلمة ألقاها الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيَّة العراقـيَّة في الاجتماع الوزاريِّ التحضيريِّ للقِمَّة العربيَّة/ الدورة العاديَّة الـ28 في البحر الميت بالمملكة الأردنيَّة الهاشميَّة.

وتطرق الدكتور الجعفريّ لانتهاك القوات التركيَّة للأراضي العراقـيَّة قائلاً: تعلمون جيِّداً أنَّ القوات التركيَّة توغـَّلت في منطقة عراقـيَّة (بعشيقة) منذ سنتين وإلى اليوم دخلت 110 كيلومتر عمقاً في داخل العراق، ولم تتراجع، وهي لم تكن أمام قرار عراقيّ بالرفض، بل بعد الإجماع العربيِّ لأوَّل مرة في تاريخ الجامعة العربيَّة عندما اتخذت قراراً بضرورة الانسحاب من بعشيقة أصبحت تواجه العراق بحجم عربيٍّ؛ إذ إنَّ كلَّ الدول العربيَّة أجمعت على هذا الموقف.

وبخصوص فلسطين بيّـن الجعفريّ أن الموقف العراقيُّ هو ذات الموقف التاريخيُّ الذي لم ولن نحيد عنه.. نحن نعتقد أنَّ علينا أن نـُواصِل دعمنا لأشقائنا الفلسطينيِّين، وهم يُواجهون أعتى، وأقدم عدوٍّ في ساحة الصراع بين الدول العربيَّة وبين إسرائيل، مُبيناً: يشتبه مَن يتصوَّر أنَّ فلسطين قدر فلسطينيّ فقط؛ فهو ليس قدراً فلسطينيّاً، أو عربيّاً، أو إسلاميّاً فقط، بل هو قدر إنسانيٌّ تتجسَّد فيه الإرادة الإنسانيَّة بأجلى صُوَرها وهي تواجه أعمالاً وحشيَّة من قِبَل الصهاينة، فلابُدَّ أن نضع في سُلـَّم أولوياتنا أنَّ القدس ومُقدَّساتنا عُرضة للانتهاك بشكل مُستمِرٍّ، ولا يُمكِن التفكيك في الجريمة بتعدُّد ساحاتها.

وعن موقف العراق من سورية أشار الجعفريّ: سورية بلد عربيّ أصيل، وله تاريخ مُوغِل بالقِدَم، وله حضارته المُمتدَّة، وقد حان الوقت لأن لا نحرم أيَّ بلد عربيٍّ من الحُضُور هنا في جلسات جامعة الدول العربيَّة، والإثراء، كما علينا أن لا نحرم الجامعة العربيَّة من أبنائها المُخلِصين ومُمثـِّلي دولها بغضِّ النظر عن كلِّ الاختلافات.. الاختلافات تستحثنا لأن نفكـِّر كيف نـُعالِج هذا الاختلاف بلغة حضاريَّة، وبالحوار؛ فالمقاطعة والقطيعة لا تزيد في الطين إلا بلة.. ليس من القوة أن نـُخاصِم أحداً.. البيت العربيّ لابُدَّ أن يكون حاضراً تحت الخيمة العربيَّة، ويُمثـِّل كلَّ مُكوِّناته من دون استثناء؛ لذا علينا أن نستحثَّ الخطى، ونفكـِّر بشكل جدّي كيف نجمع أفراد البيت العربيِّ جميعاً، ونـُعالِج الأزمة السوريَّة بأفضل طـُرُق مُمكِنة.

كما جدد الجعفريّ موقف العراق بالنسبة لليمن قائلاً: قلنا من على منبر شرم الشيخ: نحن لسنا مع التدخـُّل العسكريِّ، وعبَّرنا في ذاك الوقت بأنَّ هذه الحرب لا رابح فيها؛ الغالب والمغلوب كلاهما خاسران.. فكلُّ دم عربيٍّ ينزف هناك خسارة لنا جميعاً، وكلُّ امرأة تترمَّل، وكلُّ طفل يتيتم، وكلُّ إنسان هناك يُفجَع خسارة لنا جميعاً؛ لذا حان الوقت للمُراجَعة بشجاعة.. علينا أن نـُراجِع ما حصل.. نحن مع الحلِّ السلميِّ السياسيِّ، ومع الشرعيَّة السياسيَّة، ومع الانتخابات، ومع مَن انتخب، وكلُّ هذا صحيح، ولكن عندما يكون هناك ظاهرة فيها تجاوز لا ينبغي أن نفكـِّر بغير الحلِّ السياسيِّ، وعندما يتعطـَّل الحلُّ السياسيُّ يكون الخيار الثاني هو الحلّ السياسيّ، وعندما يتعطل فالخيار الثالث هو الخيار السياسيّ -أيضاً- فلا ينبغي أن نفكـِّر بالحلِّ غير السياسيِّ عندما يتعطل أيّ منها.

وما نقوله بشأن اليمن نقوله بشأن ليبيا.. نحن مع الحلِّ السياسيِّ، ومع الشرعيَّة، فينبغي أن تتضافر جُهُودنا جميعاً..

 

وإلى حضراتكم النص الكامل لكلمة الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيَّة العراقـيَّة في الاجتماع الوزاريِّ التحضيريِّ للقِمَّة العربيَّة/ الدورة العاديَّة الـ28 في البحر الميت بالمملكة الأردنيَّة الهاشميَّة 27/3/2017

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..

قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}        [الزمر : 18]

أبدأ حديثي بتقديم الشكر لجمهوريَّة موريتانيا، والشكر كذلك للمملكة الأردنيَّة الهاشميَّة على هذه الدورة، كما أقدِّم شكري للسيِّد أحمد أبو الغيط، وأخي العزيز الدكتور أيمن..

إخوتي الأعزاء..

هذه القِمَّة التي تبدأ اليوم في المملكة الأردنيَّة الهاشميَّة يُحيطها الكثير من التحدِّيات الخطيرة التي انتشرت هنا وهناك، كما تحفـُّها طموحات عريضة مُعطـَّلة تنتظر مَن يُفجِّر الإمكانات؛ لتشقَّ هذه الطموحات طريقها إلى التطبيق.

في العراق تحتدم المعركة منذ فترة نيَّفت على الثلاث سنوات، وهي اليوم لصالح القوات المُسلـَّحة العراقـيَّة، وقد تميَّزت هذه الفترة بوُجُود القتل الوحشيِّ في المحافظات المُغتصَبة، ومارَسَ الإرهابيُّون تحت ضوء الشمس أمام مرأى، ومسمع العالم كلـِّه أعمالاً وحشيَّة يندى لها الجبين، ويكفي أن يكون نموذجاً لهذه المُمارَسة الوحشيَّة ما حصل للسيِّدة (لينا) من قِبَل ابنها العاقّ (عارف) عندما وجَّه طلقتين من مُسدَّسه إلى صدرها، وأرداها قتيلة، وهي أمُّه.. لكم أن تتصوَّروا هكذا شريحة يقتل فيها الابنُ أمَّه، وخمسة من الجُناة من كبار العمر يُوجِّهون بنادقهم لقتل خمسة أولاد، وقد انتشر هذا المشهد على شكل مقطع فيديو اطلع عليه العالم كلـُّه.

كيف نتصوَّر أنَّ هؤلاء لو قـُدِّر لهم أن يُمسِكوا حُكـُومة، ولديها ثروة كثروة العراق، وحجم كحجم العراق كيف سترون صورة هذه الدولة؟

ثلاث محافظات التي اغتـُصِبت، وهي: محافظة الأنبار، وصلاح الدين، والموصل، وهي محافظات الضحيَّة التي ظلت تنزف دماً خلال الفترة التي مضت، والتحقت بها محافظات التضحية التي قدَّمت أعزَّ ما لديها، إذ قدَّمت أبناءها، وكلَّ ما لديها لإسعاف شقيقاتها المحافظات الأخرى، فالتحقت البصرة، والناصريَّة، والعمارة، والديوانيَّة، والسماوة، والكوت، وكربلاء، والنجف، والحلة، وبغداد، وديالى، وشملت محافظات العراق كافة.. إنـَّها حرب عريضة في المُشارَكة، وعميقة في الوجدان.

كلُّ أبناء هذه المحافظات تحرَّكوا بشكل جادٍّ، وقدَّموا خيرة ما لديهم من فلذات أكبادهم؛ حتى يُحقـِّقوا النصر.

لقد اختلطت دماء العراقـيِّين سويَّة من مُختلِف الديانات، والمذاهب، والقوميَّات، والمناطق التي ينتمون إليها؛ وبذلك استطاعوا أن يُحقـِّقوا تقدُّماً رائعاً فاق التصوُّر ما بين 2014 إلى 2017 ليخطـُّوا بذلك ملحمة التحرير لهذه المحافظات الثلاث التي نيَّفت على انتهاء المُنازَلة فعلاً.

العراقيُّون ضحَّوا بكلِّ شيء، وجادت أكفـُّهم بالغالي والنفيس، وعلى الأشقاء أن يُقدِّموا الدعم المادِّيَّ لإدامة زخم الانتصار، وإعادة الإعمار، ودعم الاقتصاد. وصدق رسول الله -ص- عندما قال: ((ما قام الإسلام إلا على أخلاق مُحمَّد، وسيف عليّ، وأموال خديجة)).

هذا الثالوث الذي يحمل سِرَّ الانتصار في كلِّ أمَّة، وسِرُّ الانتصار هو الفوز في كلِّ مُواجَهة..

العراق بلد غنيّ، وأنتم تعلمون بذلك، وبلد كريم في العطاء حتى إنَّ أحد المُعاصِرين من الشعراء يقول:

إِذَا فَاضَتْ أَكُفُّهُمُ بِجُوْدٍ        تَيَتَّمَ بِالْعَطَاءِ لَهُمْ مِثَالُ

عُرِفَ عن العراقيِّين الجود، والكرم، والبذل، والعطاء.

إخوتي الأعزّاء..

ما كان لهذا الانتصار أن يتمَّ لولا التضحية الضخمة التي صبغ العراقـيُّون فيها أرض العراق بالدم الأحمر، ولم يزل يُعطي العراق أعداداً كبيرة من الشهداء، ولابُدَّ أن يُساهِم الأشقاء..

لا نـُريد منهم أن يُقدِّموا دماءهم؛ فدماء العراقيِّين آلت على نفسها أن تتفرَّد بالعطاء، ولكن يسعهم أن يُشاركوا بالدعم الماليِّ، والمعنويِّ، والإعلاميِّ، والسياسيِّ، والوُقوف إلى جانب العراق، ويبعثوا رسالة حُبٍّ لكلِّ العراقـيِّين بأنَّ أشقاءهم معهم في ميادين المُواجَهة.

لاتزال أمامنا تحدِّيات كبيرة ليست في العراق فحسب، بل في عُمُوم المنطقة، وهي اليوم تحثُّ مُؤتمَرنا الموسوم هذا: (مُؤتمَر القِمَّة العربيَّة للدورة العادية الثامنة والعشرين).

هناك تحدِّيات بُثـَّت على شكل ثقافة أدَّت بأبناء أمَّتنا في مُختلِف المناطق رغم كلِّ ما حباها الله من ثروة معنويَّة، ومادّية طائلة، إذ ينتشر الفقر، والمرض، والجهل الذي استفاد، واصطادهم هم الدواعش من موقع جهلهم؛ فعبَّأهم بالاتجاه الذي يُريد.

لابُدَّ أن نراعي الأولويَّات.. النظام العراقيّ اليوم لم يكن كما كان النظام السابق الذي أشعل حُرُوباً محليَّة ضدَّ أبنائنا، وأشقائنا الكرد في شمال العراق في كردستان (حلبجة، والأنفال) ومع إخواننا السُنـَّة في منطقة الأنبار (ثورة الشهيد محمد مظلوم) ومع مناطق الجنوب عندما اندلعت الثورة الشعبانيَّة، وقدَّمت ضحايا، وقام بدفن الناس أحياء، وعددهم زاد عن 365 ألف شهيد بما فيهم النساء الحوامل، والأطفال.

العراق اليوم ينشر لواء المَحبَّة بين أبناء مُكوِّنات الشعب العراقيِّ، ولا يكتفي بذلك، بل امتدَّ بمَحبَّته، وثقافته إلى جيرانه، وإخوانه، وأعزَّائه.. لا تـُوجَد دولة في العالم تشكو من عدوان عراقيٍّ رسميٍّ، ولا غير رسميٍّ.. هذا هو العراق الجديد.. العراق يُعتدى عليه اليوم، لكنه ما اعتدى على أحد.. النظام الجديد يُؤمِّن لمُواطِنيه، ويُؤمِّن لجيرانه كلَّ المَحبَّة، والأخوَّة، والسِلم.

تعلمون جيِّداً أنَّ القوات التركيَّة توغـَّلت في منطقة عراقـيَّة (بعشيقة) منذ سنتين وإلى اليوم دخلت 110 كيلومتر عمقاً في داخل العراق، ولم تتراجع، وهي لم تكن أمام قرار عراقيّ بالرفض، بل بعد الإجماع العربيِّ لأوَّل مرة في تاريخ الجامعة العربيَّة عندما اتخذت قراراً بضرورة الانسحاب من بعشيقة أصبحت تواجه العراق بحجم عربيٍّ؛ إذ إنَّ كلَّ الدول العربيَّة أجمعت على هذا الموقف.

الموقف العراقيُّ من فلسطين هو ذات الموقف التاريخيُّ الذي لم ولن نحيد عنه.. نحن نعتقد أنَّ علينا أن نـُواصِل دعمنا لأشقائنا الفلسطينيِّين، وهم يُواجهون أعتى، وأقدم عدوٍّ في ساحة الصراع بين الدول العربيَّة وبين إسرائيل.

يشتبه مَن يتصوَّر أنَّ فلسطين قدر فلسطينيّ فقط؛ فهو ليس قدراً فلسطينيّاً، أو عربيّاً، أو إسلاميّاً فقط، بل هو قدر إنسانيٌّ تتجسَّد فيه الإرادة الإنسانيَّة بأجلى صُوَرها وهي تواجه أعمالاً وحشيَّة من قِبَل الصهاينة، فلابُدَّ أن نضع في سُلـَّم أولوياتنا أنَّ القدس ومُقدَّساتنا عُرضة للانتهاك بشكل مُستمِرٍّ، ولا يُمكِن التفكيك في الجريمة بتعدُّد ساحاتها.

سورية بلد عربيّ أصيل، وله تاريخ مُوغِل بالقِدَم، وله حضارته المُمتدَّة، وقد حان الوقت لأن لا نحرم أيَّ بلد عربيٍّ من الحُضُور هنا في جلسات جامعة الدول العربيَّة، والإثراء، كما علينا أن لا نحرم الجامعة العربيَّة من أبنائها المُخلِصين ومُمثـِّلي دولها بغضِّ النظر عن كلِّ الاختلافات.. الاختلافات تستحثنا لأن نفكـِّر كيف نـُعالِج هذا الاختلاف بلغة حضاريَّة، وبالحوار؛ فالمقاطعة والقطيعة لا تزيد في الطين إلا بلة.. ليس من القوة أن نـُخاصِم أحداً.. البيت العربيّ لابُدَّ أن يكون حاضراً تحت الخيمة العربيَّة، ويُمثـِّل كلَّ مُكوِّناته من دون استثناء؛ لذا علينا أن نستحثَّ الخطى، ونفكـِّر بشكل جدّي كيف نجمع أفراد البيت العربيِّ جميعاً، ونـُعالِج الأزمة السوريَّة بأفضل طـُرُق مُمكِنة.

بالنسبة لليمن.. قلنا من على منبر شرم الشيخ: نحن لسنا مع التدخـُّل العسكريِّ، وعبَّرنا في ذاك الوقت بأنَّ هذه الحرب لا رابح فيها؛ الغالب والمغلوب كلاهما خاسران.. فكلُّ دم عربيٍّ ينزف هناك خسارة لنا جميعاً، وكلُّ امرأة تترمَّل، وكلُّ طفل يتيتم، وكلُّ إنسان هناك يُفجَع خسارة لنا جميعاً؛ لذا حان الوقت للمُراجَعة بشجاعة.

علينا أن نـُراجِع ما حصل.. نحن مع الحلِّ السلميِّ السياسيِّ، ومع الشرعيَّة السياسيَّة، ومع الانتخابات، ومع مَن انتخب، وكلُّ هذا صحيح، ولكن عندما يكون هناك ظاهرة فيها تجاوز لا ينبغي أن نفكـِّر بغير الحلِّ السياسيِّ، وعندما يتعطـَّل الحلُّ السياسيُّ يكون الخيار الثاني هو الحلّ السياسيّ، وعندما يتعطل فالخيار الثالث هو الخيار السياسيّ -أيضاً- فلا ينبغي أن نفكـِّر بالحلِّ غير السياسيِّ عندما يتعطل أيّ منها.

ما نقوله بشأن اليمن نقوله بشأن ليبيا.. نحن مع الحلِّ السياسيِّ، ومع الشرعيَّة، فينبغي أن تتضافر جُهُودنا جميعاً..

إخواني.. بدأت معكم في العراق، وأختم في العراق.. العراق يُسجِّل اليوم انتصارات، وهي لكم جميعاً، ووصل الإجرام الذي يمارسه إرهابيُّو داعش بأن عمدوا إلى دُرُوع جديدة من خلال الأنفاق البشريَّة من النساء والأطفال تحت البنايات، ومن نفس البنايات يُكثـِّفون القصف، والمُواجَهة ضدّ القوات المُسلـَّحة العراقـيَّة؛ حتى يحملوهم على قصف هؤلاء الأبرياء، وكان أبناء قواتنا العراقـيَّة يدخلون إلى هذه الأنفاق؛ حتى يُخرِجوا الضحايا من تحت الأنقاض.. وهذا أسلوب مُتعمَّد، ووحشيّ جديد خالٍ من كلِّ بُعد إنسانيّ..

أبشِّركم أنَّ الشعب العراقيَّ من كلِّ محافظاته مُوحَّد ضدّ الإرهاب.. محافظات التضحية التي تأتي، وتبادر.. فمحافظة الديوانية ضمَّت نفسها لبقيَّة المحافظات، وأنها تأتي إلى الموصل من أجل أن تعبِّر عن تفاعلها مع إخوانها، وأعزِّائها في الموصل..

العراق اليوم يشهد تظاهرة وطنيَّة لا خلاف، وحُرُوب، ولا أيّ شيء بين أبناء الشعب العراقيّ.. إنها حرب واحدة بين الوطنيَّة العراقـيَّة وبين الوحشيَّة الداعشيَّة.. أولئك يتمتعون بالوحشيَّة، والشراسة، والانتحاريَّة، وهؤلاء يتمتعون بروح الاستشهاد البطلة، والتضحية من أجل إنقاذ البشريَّة.. هذا ما يحصل في العراق..

وأتطلع لأن يقف أخواننا العرب، ومُؤتمَر القِمَّة العربيَّة بأن يبعث برسالة مفادها: نحن معكم بالدعم المعنويِّ والماديّ.. قلتها، وأكرِّرها مرّة أخرى: العراق بلد غنيّ، ومُتعدِّد الثروات، ولكنه يمرُّ بظروف استثنائيَّة، والجميع يعلم ذلك.. وصدق مَن قال: عند الشدائد يُعرَف الإخوان..

شكراً لكم جميعاً..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


العودة إلى صفحة الأخبار


 الرئيسية  |  الأخبار  |  إبراهيم الجعفري  |  تيار الإصلاح الوطني  |  رسائل الأيام  |  كلمات  |  الصور  |  المكتبة  |  الفيديو  |  اتصل بنا 
E-mail : med@al-jaffaary.net
جميع الحقوق محفوظة لـموقع الدكتور ابراهيم الجعفري©2010 - 2024
استضافة وتصميم وبرمجة ويب اكاديمي

Powered by web academy