الجعفري: لابد من وقفة واعية ومسؤولة لتقييم التظاهرات المستمرة لأكثر من مائة يوم التي لم تسجل أيَّ سابقة مثيلة لها.. تقادم الزمن لا يسقط الحقوق ولا يعذر الجناة ممّا يستدعي تحديدا دقيقا في معرفتهم ومساءلتهم والابتعاد عن التوصيفات الغامضة كمصطلح الطرف الثالث الجعفريّ: جرائم الاغتيال والقتل والتمثيل بجُثث الموتى انتهاك سافر لحُقوق الإنسان وهو جرس إنذار بتهديد السلم المُجتمَعي وزرع الفتنة ونشر الفوضى في وقت يجب أن يتحمَّل الجميع مسؤوليته الوطنية عبر التعاون على حفظ وحدة الصفِّ الوطني وعدم زعزعة الأمن والاستقرار الجعفريّ: يجب مُحاسَبة كلّ من تورَّط في إراقة دماء أبنائنا المُتظاهِرين والقوات الأمنيّة وإنزال القصاص العادل بحقهم.. الردّ العراقيّ الوطنيّ المُوحَّد هو الذي جعل الهمَّ العراقيَّ فوق كلِّ الهُمُوم وإنسانه فوق كلِّ اعتبار وساهم في تجنب المزيد من الأزمات الجعفريّ: التظاهرات تعبيرٌ عن المُطالَبة عن كلِّ حقّ مهدور وكرامة مُنتهَكة ومال مسروق وسياسة فاسدة وتدخّل أجنبيّ فاحش!!.. يجب منع استخدام السلاح ضدّ المُتظاهِرين وتفقُّد عوائل الشهداء ورعايتهم.. وإلغاء بدعة المُحاصَصة "سيِّئة الصيت" في التشكيلات الحكوميّة رسائل الأيام للدكتور إبراهيم الجعفري الجعفريّ للعرب: لا تنظروا إلى حجم سكاننا بل انظروا إلى قوة إرادتنا وإصرارنا على حقوقنا.. المطلوب من الجامعة العربية أن ترسم أولوياتها على ضوء المصالح والمخاطر وتُفكـِّر بحجم الإنسان العربيِّ والقدر العربيِّ.. وأن ننتهي بنتائج ولا نكتفي بالكلمات والخطب الجعفريّ للعرب: أصبح صوت العراق مسموعاً وأصبحت إنجازاته موضع احترام العالم.. نحتاج إلى وُقوفكم إلى جانبنا ونحن لا نطلب دماء أبنائكم بدلاً من دماء أبنائنا ولكن عليكم مُساعَدتنا في مُواجَهة داعش خُصُوصاً أنَّهم جاؤوا من بلدانكم ومن أكثر من مئة دولة الجعفريّ لوزراء الخارجيَّة العرب: نحن لا نـُمثـِّل حُكـَّاماً وحكومات فقط، بل نـُمثـِّل شُعُوباً عربيَّة وإضعاف أيِّ دولة إضعاف لنا جميعاً.. داعش يستهدف كلَّ دول العالم خُصُوصاً الدول العربيَّة؛ لذا عليكم أن تُتابعوا ما يجري في العراق خطوة خطوة الجعفريّ من جنيف: العراق من الدول التي تعاني من نار الإرهاب ومن الدول المنتصرة على الإرهاب وحاولتْ بعض الجهات الدوليَّة التي تدعم الإرهاب إلى إرباك جهدنا و‏تزييف الحقائق واتهام مُؤسَّسة الحشد الشعبيِّ وبلا دليل، وهي لا تخدم في حقيقتها بذلك إلا الإرهاب الجعفريّ: تـُوجَد الآن دول عظمى تفكِّر بعقليَّة (كاوبوي) -رُعاة البقر-، بينما العراق يتعامل بطريقة إنسانيَّة حتى مع خصمه؛ لأنه تعلـَّم على شيء اسمه كيفيَّة غضِّ النظر عن الجزئيَّات، ويفكر بالحلول أكثر ما يفكر بالمشاكل

الجعفريّ: معركة الإنسان اليوم بالعمق مع عدوِّ الإنسان وهو الإرهاب.. كلُّ المعارك الجانبية مُفتعَلة فالمعارك التي تـُوحي لنا أنها بين القوميَّات أو الأقاليم أو المذاهب أو الكتل السياسيّة معارك موهومة قابلة للحلِّ إذا تحلـَّى السياسيّون بقدر من العقلانيَّة
الاخبار | 24-08-2016

أقامت وزارة الخارجيّة العراقيّة حفلاً تأبينيّاً استذكاراً لشهداء الوزارة الذين قضوا في الحادث الإرهابيٍّ الذي طالهم ولذكرى استشهاد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة سيرجيو ديميلو في التفجير الذي طال مقر الأمم المتحدة ببغداد، وبمشاركة سفراء وممثلي البعثات الدبلوماسيّة في العراق، وخلال الحفل وضع الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّة إكليلاً من الزهور على النصب التذكاريِّ في مقرَّ الوزارة، وخلال كلمة له في الحفل التأبينيّ قال الدكتور الجعفريّ إن منطق الديانات عُمُوماً، والدين الإسلاميِّ خصوصاً يشير إلى أنَّ القتل ليس مُبادَرة وليس أصلاً أن يبدأ الإنسان المُؤمِن بالديانات وبالقيم بالقتال إنـَّما يُؤذَن له فيما إذا قـُوتِل، وحُورِب من قِبَل الآخرين، وظـُلِم.. منطق الإرهاب الذي يسود في مختلف مناطق العالم اليوم خارج عن الخلق الدينيِّ، وخارج عن القِيَم الدينية، مشيراً إلى أن في مثل يوم 19/8 في عامي 2009 و2003 كنا على موعد مع تفجير وزارة الخارجيّة المأوى، والملاذ، وعقر دار الدبلوماسيّة، والخطاب الإنسانيِّ، ونخسر باقة كبيرة من الشهداء. وإذا رجعنا عقداً من الزمن إلى الوراء في 2003 إذ فقدَت الأمم المتحدة شخصيَّة مُهمَّة وهو السيد سيرجيو ديميلو في عملية تفجيريَّة إرهابيَّة ببغداد.

مُوضحاً ماذا يعني أن تسقط قوافل الشهداء من هذه الخنادق، والخارجيّة ليست خندقاً عسكريّاً، وكذلك الأمم المتحدة ليست خندقاً عسكريّاً، وإنما هي مُفاعِلات إنسانيَّة تحمل القِيَم، وتنشر لواء المَحبَّة لعُمُوم البشريَّة؟.. هذا يعني أنَّ الإرهاب المُعاصِر قد كشف عن هويَّـته مثلما كشف، وفجَّر مناطق مُتعدِّدة في العالم، وقد استهدف العراق لأن العراق عُمق الحضارة، ولأنَّ العراق بلد التنوُّعات الدينيَّة، والمذهبيَّة، مُنوهاً أن المعركة في العمق معركة الإنسان مع عدوِّ الإنسان. كلُّ المعارك الجانبية مُفتعَلة لا أساس لها. المعارك التي تـُوحي لنا أنها بين القوميَّات، أو بين الأقاليم، أو بين المذاهب، أو بين الكتل السياسيّة معارك موهومة قابلة للحلِّ فيما إذا تحلـَّى المُتصدُّون السياسيّون، وقادة العالم بقدر من العقلانيَّة.. يُمكِن أن يحلوا هذه المشاكل، وهي ليست عصيَّة عن الحلِّ بشرط أن يكون القادة بمُستوى الأحداث.

واستطرد الجعفريّ بالقول: إن المعركة الحقيقيّة معركة الإنسان مع عدوِّ الإنسان، وهو الإرهاب. برهن الإرهاب بما فيه الكفاية بأنه يستهدفنا جميعاً لا يستثني أحداً.. الذي حصل هنا كان مُمكِناً أن يحصل معنا جميعاً. ضعوا هذه الحقيقة في بالكم: هذا الرواق الذي شهد سُقوط هؤلاء الشهداء كان يُمكِن أن يستهدفنا كلنا؛ ومن ثم يجب أن نتعامل بهذا الحجم، ونـُعطي حجماً من عواطفنا، وتفكيرنا، واهتمامنا بعوائل الشهداء، ويجب أن تكون علامة عائلة الشهيد ميزة نتشرَّف بها.. الامتيازات من قبيل هذا ابن طبيب، وهذا ابن مهندس، وهذا ابن سياسيّ نحترمها، لكننا لا نتوقـَّف عندها، الميزة الحقيقيَّة نتاج الشهداء. الشهيد مُنتِج؛ لأنه أنتج جيلاً، أنتج أولاداً، وأنتج فكراً، مشيراً إلى أن الأمم الحيّة تتغذى معنويّاً على شهدائها، وعلى قِيَمها، ولا ينبغي أن يترك الشهداء عندنا أثر فقدان الشهداء إلا المزيد من التمسُّك بالقِيَم، والمبادئ، واحترام حقوق الإنسان، ونشر المحبَّة، والعدل، والطمأنينة، والثقة في رُبُوع العالم.

الجعفريّ دعا لرصَّ الصفَّ، وتوحِّيد الكلمة، والإستفادة من رمزيَّة سيرجيو ديميلو في الأمم المتحدة الذي عبَّر عن الأمم المتحدة خير تعبير، وهو الذي ينتمي إلى المُؤسَّسة الإنسانيَّة، ويتحمَّل الاستحقاقات المترتبة عليها، أي: ما كان سيرجيو ديميلو مُجرَّد موظف ينتمي إلى مُؤسَّسة.. وان نـُتابع مسيرة هؤلاء الذين ضحَّوا.. هؤلاء يُقرِّبون بين الدول المُتباعِدة بالفكر، وبالجغرافية، وبالقوميّة، وبالديانة؛ لأنهم تعلـَّقوا بأذيال الحقيقة، وضحَّوا من أجلها، مبيناً أن العراق اليوم يُعَدُّ الخندق المُتقدِّم، والأوَّل، وأبناؤنا يخطون بدمائهم الزاكية أروع ملاحم البُطولة في جبهات المُواجَهة.. في الفلوجة وقد انتصر القوات المسلحة العراقـيَّة، والحشد الشعبيّ على هؤلاء، وكذلك -إن شاء الله تعالى- سينتصرون في الموصل.

وشدد الجعفريّ على أهمية أن نـُطارد الإرهاب، وأن نـُزيل مُخلـَّفات الإرهاب، وقبلها نـُزيل العوامل التي تـُهيِّئ للإرهاب.. الإرهاب كأخطر الأمراض التي عرفتها البشريَّة من الجدري والتدرن لا يُعشعش إلا في أوساط اجتماعيّة تستلهم الإرهاب، لذا ندعو العالم إلى احترام الثقافات المُتنوِّعة.. لا نريد عالماً أحاديَّ الهويّة، لكن نريد عالماً مُتعايشاً يُجيد فنَّ التعامُل مع بعضه عندما يختلف؛ حتى نقطع الطريق على الذين يتربَّصون بنا الدوائر ونقف جنباً إلى جنب في كلِّ معركة ضدّ الإرهاب سنقف سويّة؛ لنـُشعِر العالم بأنَّ البلد الذي يتعرَّض للإرهاب لن شعبه نفسه وحيداً، بل نحن مع كلِّ الشعوب سويّة كما تعاني منه سورية، وتونس، وليبيا، ومصر، والعراق.. يجب أن يقف العالم كلـُّه إلى جانب هؤلاء؛ حتى يدرك هؤلاء الشذاذ أنـَّه إذ دخل إلى أيِّ بلد سيجدون العالم مُصطفاً مع ذلك البلد.

 

وإلى حضراتكم النص الكامل لكلمة الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقـيّة بمُناسَبة الذكرى السنويَّة للحادث الإرهابيِّ الذي تعرَّضت له وزارة الخارجيَّة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..

قال الله -تبارك وتعالى- في مُحكـَم كتابه العزيز: )أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(  [الحج : 39].

هكذا هو منطق الديانات عُمُوماً، والدين الإسلاميِّ خصوصاً أنَّ القتل ليس مُبادَرة وليس أصلاً أن يبدأ الإنسان المُؤمِن بالديانات وبالقيم بالقتال إنـَّما يُؤذَن له فيما إذا قـُوتِل، وحُورِب من قِبَل الآخرين، وظـُلِم.

المنطق الذي يسود في مختلف مناطق العالم اليوم خارج عن الخلق الدينيِّ، وخارج عن القِيَم الدينية.. في مثل يوم 19/8 في عامي 2009 و2003 كنا على موعد مع تفجير وزارة الخارجيّة المأوى، والملاذ، وعقر دار الدبلوماسيّة، والخطاب الإنسانيِّ، ونخسر باقة كبيرة من الشهداء. وإذا رجعنا عقداً من الزمن إلى الوراء في 2003 إذ فقدَت الأمم المتحدة شخصيَّة مُهمَّة وهو السيد سيرجيو ديميلو في عملية تفجيريَّة إرهابيَّة ببغداد.

ماذا يعني أن تسقط قوافل الشهداء من هذه الخنادق، والخارجيّة ليست خندقاً عسكريّاً، وكذلك الأمم المتحدة ليست خندقاً عسكريّاً، وإنما هي مُفاعِلات إنسانيَّة تحمل القِيَم، وتنشر لواء المَحبَّة لعُمُوم البشريَّة؟

هذا يعني أنَّ الإرهاب المُعاصِر قد كشف عن هويَّـته مثلما كشف، وفجَّر مناطق مُتعدِّدة في العالم، وقد استهدف العراق لأن العراق عُمق الحضارة، ولأنَّ العراق بلد التنوُّعات الدينيَّة، والمذهبيَّة.

من دون شك أنَّ باقة الشهداء أمامكم تمثل تنوُّعات نوعيَّة مُهمَّة من ديانات مُختلِفة، ومن قوميَّات مُختلِفة، ومن مذاهب مُختلِفة، ومن خلفيّات اجتماعيّة مُختلِفة استهدفهم جميعاً، والذي يجمعهم هو مفهوم الإنسان بما هو إنسان بغضِّ النظر عن كلِّ الاعتبارات؛ لذا كشف الإرهاب عن هويّته في عام 2009 هنا في الخارجيَّة، كما كشف عنها في 2003 في بغداد عندما استهدف سيرجيو ديميلو الذي كان مُمثــِّلاً للأمم المتحدة، وصديقاً للعراق، وصديقاً لي شخصيّاً، وأعرف عنه الكثير، وقد تحدَّثتُ في أكثر من مُناسَبة عن شخصيَّته، ومُشارَكته المُهمَّة في دفع العمليَّة السياسيَّة بعد الذي حصل في العراق. كان قد أدَّى دوراً مُهمّاً، واستثنائيّاً بتسهيل تشكيل مجلس الحكم. أتذكر جيِّداً مع بدء عدَّاد عمليَّة التغيير بعد سُقوط النظام المقبور كانت هناك مُحاوَلات لاختزال التغيير، وتشكيل مكتب تنفيذيّ، ورفضتُ في حينها المكتب التنفيذيّ، والسلطة التنفيذيّة، وطالبتُ بتشكيل حكومة لديها مُقوِّمات تـُقدِم على إنجاز الدستور، وتـُؤسِّس لبرلمان، وقد أدَّى سيرجيو ديميلو دوراً مُهمّاً جدّاً في دفع هذا، وتحويله من حيِّز الآمال والتمنيات إلى حيِّز التطبيق.

دُرُوس كثيرة من هذه التضحيات ونحن نقف هذا اليوم أمام هؤلاء العظام، ونستشرف الأفق القادم، ومنها: يجب أن لا ننحني أمام التحدِّيات، ويجب أن نستمرَّ، ونتواصل، وندرك أنَّ الإرهاب يستهدفنا جميعاً من دون استثناء.. يستهدفنا دولاً.. يستهدفنا مُجتمَعات، ويستهدفنا أشخاصاً، ولن يستثني أحداً.. كلُّ أصحاب القِيَم مُستهدَفون اليوم من قِبَل الإرهاب، وحتى هذه الدول التي نراها الآن تنعم بشيء من الاستقلال ما أفلتت من قبضة الإرهاب المُعاصِر، والإرهاب الحديث كلها قدَّمت باقة من الشهداء.

في تاريخنا الإسلامي المُعاصِر في الجزائر عبد القادر الحسينيّ الجزائريّ، وفي فلسطين عزالدين القسام، وفي ليبيا عمر المختار، وفي المغرب عبد الكريم الخطابيّ، وفي العراق محمد باقر الصدر، وغيرها من دول العالم.. كلُّ هؤلاء قدَّموا جماجمهم من أجل إقامة صرح الدولة المُعاصِرة التي تحترم الإنسان، وتعطيه حقوقه.

المعركة في العمق معركة الإنسان مع عدوِّ الإنسان. كلُّ المعارك الجانبية مُفتعَلة لا أساس لها. المعارك التي تـُوحي لنا أنها بين القوميَّات، أو بين الأقاليم، أو بين المذاهب، أو بين الكتل السياسيّة معارك موهومة قابلة للحلِّ فيما إذا تحلـَّى المُتصدُّون السياسيّون، وقادة العالم بقدر من العقلانيَّة.. يُمكِن أن يحلوا هذه المشاكل، وهي ليست عصيَّة عن الحلِّ بشرط أن يكون القادة بمُستوى الأحداث.

المعركة الحقيقيّة معركة الإنسان مع عدوِّ الإنسان، وهو الإرهاب. برهن الإرهاب بما فيه الكفاية بأنه يستهدفنا جميعاً لا يستثني أحداً.. الذي حصل هنا كان مُمكِناً أن يحصل معنا جميعاً. ضعوا هذه الحقيقة في بالكم: هذا الرواق الذي شهد سُقوط هؤلاء الشهداء كان يُمكِن أن يستهدفنا كلنا؛ ومن ثم يجب أن نتعامل بهذا الحجم، ونـُعطي حجماً من عواطفنا، وتفكيرنا، واهتمامنا بعوائل الشهداء، ويجب أن تكون علامة عائلة الشهيد ميزة نتشرَّف بها.. الامتيازات من قبيل هذا ابن طبيب، وهذا ابن مهندس، وهذا ابن سياسيّ نحترمها، لكننا لا نتوقـَّف عندها، الميزة الحقيقيَّة نتاج الشهداء. الشهيد مُنتِج؛ لأنه أنتج جيلاً، أنتج أولاداً، وأنتج فكراً..

انظروا إلى هذه اللوحة من الأسماء أمامكم هؤلاء يتميَّزون بأنهم مُنتِجون أنتجوا فكراً، وصداقات، وأولاداً، وزوجات، وآباءً، وأمّهات، وهو مُنتـَج أنتجهم آباء، وأمّهات، وكتب قرأوها..

هذه القافلة من الشهداء ليست بمعزل عن قوافل التاريخ، أو امتدادات الجغرافية.. في كلِّ العالم تعرَّض الذين حملوا مبادئهم على راحة كفهم إلى الاضطهاد، وقـُتِلوا.. في كلِّ العالم قـُتِلَ مَن دعا إلى العدالة، والمُساوَاة، وحقوق الإنسان، قـُتِل مارتن لوثر كينغ في عام 1968؛ لأنه كان يدعو إلى حقوق الإنسان، والمُساوَاة بين السود والبيض في الولايات المتحدة الأميركيَّة، وكذلك الكثير من الشخصيّات رجالاً ونساءً في مُختلِف مناطق العالم، وأعاروا رؤوسهم حتى تنتصر المبادئ.

الكبار دائماً يكونون مُستهدَفين، ومن علامات الكبير أن الأعاصير التي يتعرَّض لها تكون شديدة.. انظروا إلى الأشجار العالية تجدوا أنها تتمايل مع الريح؛ لأنَّ حِصَّتها من الرياح شديدة، وكذا الإنسان صاحب القامة الطويلة تكون حِصَّته من الرياح شديدة، ورُدُود الفعل التي يصنعها أصحاب الأفعال الكبيرة تكون كبيرة كذلك. بقدر ما تكون أفعالهم كبيرة تكون رُدُود أفعالهم كبيرة أيضاً.

الأمم الحيّة تتغذى معنويّاً على شهدائها، وعلى قِيَمها، ولا ينبغي أن يترك الشهداء عندنا أثر فقدان الشهداء إلا المزيد من التمسُّك بالقِيَم، والمبادئ، واحترام حقوق الإنسان، ونشر المحبَّة، والعدل، والطمأنينة، والثقة في رُبُوع العالم.

عالم اليوم يواجه عاصفاً شديداً بدأ في منطقة من مناطق العالم، وامتدَّ إلى مناطق أخرى.. بدأ في 11 أيلول/سبتمبر عام 2001 في نيويورك وواشنطن، ثم امتدَّ إلى عُمُوم أوروبا، وجنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط، وأفغانستان، والشام، ومن الشام جاء إلى العراق، ومن العراق ينوي أن يتجه إلى مناطق أخرى.. ما لم تتضافر جُهُودنا جميعاً لمُواجَهة هذا العاصف ستكون الاستحقاقات، والنتائج المترتبة أكثر فأكثر؛ لذا نحن مدعوون جميعاً لأن نرصَّ الصفَّ، ونـُوحِّد الكلمة، ونستفيد من رمزيَّة سيرجيو ديميلو في الأمم المتحدة الذي عبَّر عن الأمم المتحدة خير تعبير، وهو الذي ينتمي إلى المُؤسَّسة الإنسانيَّة، ويتحمَّل الاستحقاقات المترتبة عليها، أي: ما كان سيرجيو ديميلو مُجرَّد موظف ينتمي إلى مُؤسَّسة.

أتذكر في اللقاءات الأخيرة، وكان مُقرَّر في اليوم الذي خرَّ فيه صريعاً أن نلتقي سويّة، ثم حدث عندي التزام خارج بغداد إذ سافرت إلى الإمارات، وهو بارَكَ لي ذلك، وقال: ولو كنتُ أريد أن ألتقي بك، ولكن عندما ترجع سنلتقي.

عندما كنتُ في الإمارات وصلني نبأ استشهاده، وقد تحدثتُ عنه في أكثر من مرَّة، وممّا قلتُ: إن سيرجيو ديميلو دخل العراق، وقرَّر أن لا يخرج من العراق، وكذلك كان دخل العراق، ولم يخرج من العراق إلى الأبد، وعندما ذهبتُ إلى البرازيل سُئِلت من قِبَل الحكومة البرازيليّة عام 2007: أيّ مناطق تحبّ أن تراها؟

فقلتُ لهم: ريو دي جانيرو، فظنَّ بعضهم أني أتوق إلى هذه المدينة لأنها المدينة الأجمل في البرازيل، ولعلها الأجمل في العالم، لكنهم ما كانوا يعلمون أني كنتُ ذاهباً إلى عائلة سيرجيو ديميلو، وعندما سألتُ عن عنوانه ما كان لديهم عنوانه، فاتصلوا بالأمم المتحدة، وقالوا لهم: نريد عنوانه؛ لأنَّ الدكتور الجعفريّ يُريد أن يزور عائلته، فأكبروا بي هذه الموقف، وذهبتُ إلى ريو دي جانيرو.

يجب أن نـُتابع مسيرة هؤلاء الذين ضحَّوا.. هؤلاء يُقرِّبون بين الدول المُتباعِدة بالفكر، وبالجغرافية، وبالقوميّة، وبالديانة؛ لأنهم تعلـَّقوا بأذيال الحقيقة، وضحَّوا من أجلها.

أجمل شيء في الإنسان أن يُؤمِن بالحقيقة، ويتمسَّك بها، وأجمل منها أن يُضحِّي من أجلها.. هؤلاء ضحَّوا، ومادام هؤلاء ضحَّوا يجب أن نقف جميعاً معهم.. لاتزال المعركة ضدَّ هؤلاء الإرهابيِّين مُستمِرّة في العراق، والعراق اليوم يُعَدُّ الخندق المُتقدِّم، والأوَّل، وأبناؤنا يخطون بدمائهم الزاكية أروع ملاحم البُطولة في جبهات المُواجَهة.. في الفلوجة وقد انتصر القوات المسلحة العراقـيَّة، والحشد الشعبيّ على هؤلاء، وكذلك -إن شاء الله تعالى- سينتصرون في الموصل.

من المهم جدّاً أن نـُطارد الإرهاب، ويجب أن نـُزيل مُخلـَّفات الإرهاب، وقبلها نـُزيل العوامل التي تـُهيِّئ للإرهاب.. الإرهاب كأخطر الأمراض التي عرفتها البشريَّة من الجدري والتدرن لا يُعشعش إلا في أوساط اجتماعيّة تستلهم الإرهاب.

المُجتمَعات مُتعدِّدة التكوين التي لا تنسجم مع بعضها تكون وسطاً جيِّداً لترويج الفكر الإرهابيِّ؛ لذا ندعو العالم إلى احترام الثقافات المُتنوِّعة.. لا نريد عالماً أحاديَّ الهويّة، لكن نريد عالماً مُتعايشاً يُجيد فنَّ التعامُل مع بعضه عندما يختلف؛ حتى نقطع الطريق على الذين يتربَّصون بنا الدوائر.

رسالة حُبٍّ، واحترام، وتقدير لأروح الشهداء، ولعوائل الشهداء، ولكلِّ شعبنا، وإصرار شديد على المُضيِّ في طريقهم، وتحقيق أهدافهم المرجوّة، وفي الوقت نفسه أقدِّم وافر شكري وتقديري لكلِّ إخواننا وزملائنا الذين شرَّفونا بهذه المناسبة، ووقفوا إلى جانبنا نتمنى لبلدانكم السلامة، ولشعبنا البناء، والتقدُّم، والوقوف جنباً إلى جنب في كلِّ معركة ضدّ الإرهاب سنقف سويّة؛ لنـُشعِر العالم بأنَّ البلد الذي يتعرَّض للإرهاب لن شعبه نفسه وحيداً، بل نحن مع كلِّ الشعوب سويّة كما تعاني منه سورية، وتونس، وليبيا، ومصر، والعراق.

يجب أن يقف العالم كلـُّه إلى جانب هؤلاء؛ حتى يدرك هؤلاء الشذاذ أنـَّه إذ دخل إلى أيِّ بلد سيجدون العالم مُصطفاً مع ذلك البلد.

أشكر لكم حُضُوركم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


العودة إلى صفحة الأخبار


 الرئيسية  |  الأخبار  |  إبراهيم الجعفري  |  تيار الإصلاح الوطني  |  رسائل الأيام  |  كلمات  |  الصور  |  المكتبة  |  الفيديو  |  اتصل بنا 
E-mail : med@al-jaffaary.net
جميع الحقوق محفوظة لـموقع الدكتور ابراهيم الجعفري©2010 - 2024
استضافة وتصميم وبرمجة ويب اكاديمي

Powered by web academy