|
لقاء عدد من الصحفيين في فرنسا مع الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّة
الاخبار | 11-09-2015
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: عندما نتحدَّث عن العراق لا نتحدَّث بعيداً عن التحدِّيات، وفي مُقدّمتها الإرهاب. رأيتم ما دارَ في الساحة الفرنسيّة حين قام فرنسيّان من أصل جزائريٍّ تدرَّبا في العراق قاما بعمليّة إرهابيّة، والأمر نفسه حدث في كندا، وكذا مُحاوَلة التفجير في أستراليا. نحن الآن أمام ظاهرة عالميّة، وأنا قد أتردَّد في أن أسمِّي الحرب الأولى والثانية حرباً عالميّة، ولكن لا أتردَّد في أن أسمِّي حرب الإرهاب حرباً عالميّة بامتياز؛ لأنـَّه لا تـُوجَد قارّة من قارّات العالم غير مُهدَّدة، ولا يُوجَد بلد من بلدان العالم غير مُهدَّد.. جُنـُود داعش من كلِّ دول العالم، وضحايا داعش من كلِّ دول العالم؛ لذا لنا الحقّ أن نقول: إنَّ العراق يُقاتِل أصالة عن نفسه، ونيابة عن بلدانكم جميعاً. الكثير من الملفات تتحرَّك الآن في الساحة العراقـيّة، وتتلقـَّى أصداءً عالميّة، ودوليّة بسلبيّاتها وإيجابيّاتها.. هذه هي ضريبة الديمقراطيّة..
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: في تصوُّري اصطفاف التحالف مع بعضه لمُواجَهة داعش كان خطوة صحيحة، وتعريف دول التحالف لداعش بأنـَّها لا تمتُّ إلى الإسلام بصلة صحيح أيضاً، والقرارات التي اتـُخِذت في العام الماضي في نيويورك بإسناد العراق في مُواجَهة داعش صحيحة أيضاً، لكني أعتقد أنـَّه لا يُوجَد تناسُب بين حجم الخطورة لداعش وبين حجم الدعم من قِبـَل التحالف الدوليّ. نصيحتي لهم: أن يُكثـِّفوا من الدعم المُتنوِّع لمُواجَهة داعش في أرضنا، وفي الشام؛ لئلا يُضطرّوا لأن يُواجـِهوا داعش في أراضيهم، وفي بلدانهم، فداعش لا تـُصالِح أحداً، وهي لا تفهم إلا لغة القتل، ولغة السبي، والاعتداء؛ لذا فهكذا عدوّ لا مُعادِل له إلاّ المُواجَهة العسكريّة، وفي الوقت نفسه تحتاج الدول التي فتك بها داعش إلى الإسناد، والتجهيز. داعش في العراق تـُعبِّر عن هويّتها.. تستطيعون الآن أن تعرفوا هُويّة الجاني من خلال هُويّة الضحيّة: الأطفال.. النساء.. الشُيُوخ الكبار.. المُسلِمين وغير المُسلِمين.. الصابئة.. الإيزيديّة.. المسيحيِّين.. السُنـّة والشيعة. لا يُوجَد أحد إلا وهو ضحيّة من ضحايا داعش. هذه هي هُويّة الضحيّة، ومنها تكتشفون هويّة الجاني.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: القصف الجوّيّ وحده لا يُغيِّر النتيجة، ولكن بكلِّ تأكيد يلعب دوراً كبيراً. حلقة القصف الجوّيّ في مسلسل المُواجَهة ضدّ داعش تقع مع حجم التفجيرات التي تعتمدها داعش على الأرض من تفخيخ الشاحنات وغيرها. نحن نحتاج إلى غطاء جوّيّ، وفي الوقت نفسه رصد الحركات سواء كان من الخارج العراقيِّ، أم من الداخل العراقيِّ.. من مدينة إلى مدينة أخرى، ولكن نـُواجـِه داعش بمُركـَّبه المُتعدِّد الأطراف. إحدى الحلقات هي المُواجَهة الجوّيّة، وإدارة المعركة ميدانيّاً على الأرض إدارة عراقـيّة، كما نحتاج إلى أسلحة، وعتاد، وتجهيزات لوجستيّة، ومعلومات استخباريّة، ونحتاج إلى دعم إنسانيٍّ، ودعم خدميّ.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا أعتقد أنَّ من المُناسِب أن تتواجد قوات مُشاة غير عراقـيّة على الأرض العراقـيّة؛ لأنَّ هذا يقرع جرس التدخـُّل العسكريِّ المُباشِر، ويُعيد المخاوف المشروعة لدى المُواطِن العراقيِّ من شبح القواعد الأجنبيّة، وفي الوقت نفسه ليس لدينا أزمة في الشباب الذين يتطوَّعون للدفاع عن العراق، ولكننا نحتاج إلى تجهيزات، وإمداد، وإعلام، ومُساعَدات إنسانيّة، وخدميّة.. هذا نحتاجه حتى هذه اللحظة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: المُدرِّبون غير القطعات العسكريّة. لدينا مُدرِّبون من أميركا، ومن مُختلِف دول العالم، والمسافة بيننا وبين أميركا، وبيننا وبين أستراليا وكندا أكبر من المسافة بيننا وبين إيران.. إيران على الحُدُود. إذا احترق بيت جارك تخشى من النار أن تنتقل إلى بيتك، فتـُسارِع لإطفاء النار في بيت الجيران؛ لسبب إنسانيٍّ، وحتى تمنع انتقال النار إلى بيتك. نحن لا نقبل أن تأتي قوات أجنبيّة تـُقاتِل بدلاً عن قوّاتنا، ولكننا فتحنا باب الاستشارة، والمُستشارين، والتدريب، والتجهيز لكلِّ دول العالم، وقبل أن يتحرَّك التحالف الدوليّ في الشهر التاسع من العام الماضي كان قد مضى أكثر من شهرين على احتلال الموصل، وتهدَّدت بقيّة المحافظات. ماذا ننتظر؟ هل ننتظر سُقوط المحافظات واحدة بعد أخرى، أم نتقبَّل مُساعَدة الدول من دون أن تتدخَّل في شُؤُوننا؟ نحن نتقبَّل المُستشارين من هنا وهناك على أن لا تكون هناك قواعد تستقرُّ في الأراضي العراقـيّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا أنطلق من مبدأ عام: لا أريد أن أتدخـَّل في الشأن السوريِّ، ولكن أقول: فتح أيّة معركة مع الأنظمة في المرحلة الحاضرة سيُؤثـِّر في قوة مُواجَهة داعش. يجب أن نـُركـِّز على عدوٍّ واحد اسمه داعش، ونترك مصير كلِّ حاكم يُقرِّره شعبه. الجُهُود الدوليّة يجب أن لا تتبعثر باتجاهات مُختلِفة، ويجب أن تـُركـَّز على وُجود خطر عالميٍّ اسمه داعش. خمس سنوات يُناقِشون مصير الحكم في سورية، وماذا كانت النتيجة؟ بقِيَ النظام الحاكم على سدّة الحكم، وتقوَّت القاعدة، وفرَّخت داعش، وقد تـُفرِّخ أجيالاً من الإرهابيِّين أشدَّ ضراوة. بعض الدول تـُناقِش: هل يبقى النظام، أم لا يبقى؟ هذا ليس شأننا. نحن نـُركـِّز على المعركة الحقيقيّة.. داعش يُهدِّد السلم العالميّ.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن نعرف أنـَّه تـُوجَد مُساعَدات من دول مُجاورة لداعش سواء كانت إعلاميّة، أم أمور أخرى، ولكن في الوقت نفسه نستمع ممَّن يُعبِّرون عن هذه الدول بأنـّهم يشجبون الإرهاب، وأنهم ضدّ داعش، ولا ينسجمون مع داعش، ويحسّون أنـّه خطر عليهم، وبالفعل داعش مارَسَت عمليّات إرهابيّة في بعض هذه الدول. ودبلوماسيّاً وأنا لستُ جنرالاً في ساحة المعركة أنا دبلوماسيّ في ساحة التعاطي الإنسانيِّ مع دول العالم أبحث عن منافذ للانفتاح، ولا أوجِّه فوهات مدفع إلى هذه الدولة أو تلك الدولة؛ هذه الدول صديقة لنا، وشقيقة، وعلى الجوار فأبحث عن كلِّ الفرص التي تـُقرِّب بيننا وبينهم، وأحوِّل الانغلاق على العراق إلى انفتاح كما هو الآن؛ فبعض هذه الدول أعضاء في التحالف لإسناد العراق ضدّ داعش، وأنا أعرف وأنت تعرف رُبّما تكون هناك أمور أخرى، وأنا لستُ جالساً في محكمة حتى أحاكِم هذا وذاك.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: التنسيق بين القوات العراقـيّة وقوات التحالف جيِّد، لكننا نطمح أن يكون أفضل من هذا على مُستوى الدعم. عندما ترتفع وتيرة التنسيق تـُعطي انعكاسات إيجابيّة على سير المعارك على الأرض، أمّا المُراوَحة فطبيعة الحرب أنـَّها كرٌّ وفرّ.. اليوم تتقدَّم، وغداً عليك أن تنسحب.. صفحات الدفاع، والهُجُوم، والانسحاب عمل العسكريّ هذا عُرف، وتقليد عسكريّ. أبناؤنا يُقاتِلون باستبسال، وتضحية، والعوائل العراقـيّة تقف خلف أبنائها، وتـُقدِّم دعماً معنويّاً.. النساء، والأطفال، والشُيُوخ كلـُّهم مع المعركة، ولكننا نحتاج إلى دعم دوليٍّ عالٍ.. كلما زاد الدعم زاد تقدُّم القوات العراقـيّة على الأرض. مرّة أخرى أؤكـِّد: نحن نـُقاتِل في العراق أصالة عن نفسنا، ودفاعاً عن بلدنا، ونيابة عنكم في بلدانكم؛ لأنَّ هؤلاء سرعان ما ينتقلون إلى بلدان العالم، ويُخرِّبون البُيُوت الديمقراطيّة، ويقلبونها على ساكنيها.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نتمنـَّى استعادة الفلوجة في فترة قصيرة، لكن الذي نتمنـّاه شيء، وتداعيات الوباء على الأرض شيء آخر. القوات العراقـيّة مُستميتة، وتتقدَّم بقوة، وتـُحاصِر. أقول لك: عندما يتوافر الوضع الدوليُّ إلى جانب الإرادة الوطنيّة العراقـيّة سيتمُّ تحريرها. العشائر العربيّة من أهالي المنطقة يقفون -أيضاً- بشجاعة إلى جانب القوات العراقـيّة بنفس الإرادة، وباتجاه التحرير، لكنّ داعش تحاول أن تحصل على مصادر مُتعدِّدة بالتمويل، والتسليح، وتستخدم أساليب لا إنسانيّة، ومُدمِّرة إذ يُهدِّدون الساكنين في البيت بتهديمها، ويستخدمون أساليب الدُرُوع البشريّة عندما تتقدَّم القوات العراقـيّة؛ للحيلولة دون تقدُّمها.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بكلِّ تأكيد لا يُمكِن التفكيك بين ما يحصل في سورية عمّا يحصل في العراق. لا يُوجَد فصل، ولا نـُريد أن نتدخـَّل، ولكنَّ العدوَّ يُحاول أن يُصعِّد موجة الإرهاب في سورية، ومنها ينتقل إلى العراق، فعندما تحاول داعش، وقبلها القاعدة أن تـُضفي على الحرب حالة طائفيّة، أو مذهبيّة، أو فكريّة تجد تلقــِّياً في دول الجوار الجغرافيّ. القاعدة وُلِدت في أفغانستان، وبعدها وُلِدت داعش في سورية، والآن يُوجَد تنظيم يُوشَك أن يُولـَد أشدّ شراسة ووحشيّة في نفس الأرض في سورية. أنا أعتقد أنَّ النظام مهما كان بعيداً عن الشعب يُمكِن إخضاعه لحُلول سياسيّة، لكنَّ الإرهاب لا يُمكِن إخضاعه لأيِّ حلٍّ سياسيٍّ؛ الحُلول السياسيّة متروكة للشُعُوب. مصر بحلٍّ سياسيٍّ غيَّرت حسني مبارك، وليبيا غيَّرت معمر القذافي، واليمن غيَّرت علي عبد الله صالح، وتونس غيَّرت ابن علي هذا شأن محليّ متروك للشعب، هو عقد اجتماعيّ -على نظريّة روسو- بين الشعب وبين الحكومة يُريد أن يُبقيه، أو يُغيِّره، أمّا مجاميع إرهابية لا تعرف إلا لغة القتل فهذا غير خاضع للعقد الاجتماعيّ.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: علاقتنا مع سورية خاضعة لحقيقة الجغرافية. وهذا ليس بقرار منا إنما هو واقع جغرافيّ، وتربطنا بها حقيقة التاريخ، والمصادر الحيويّة فالمنابع العراقـيّة تأتي من سورية، لكن هناك تفاوت كبير بين طبيعة النظام السوريِّ وطبيعة النظام العراقيّ. العراق تـُحيطه ست دول، وأنظمة هذه الدول الست لها خُصُوصيّة. نظام ولاية الفقيه، ونظام ليبراليّ إسلاميّ، ونظام ملكيّ، ونظام أميريّ، ونظام جمهوريّ فلا طريق لنا إلا التعايش معها، ومنع تدخـُّلها في شُؤُوننا، ومثلما نمتنع عن التدخـُّل فيها نـُبقي العلاقة السياسيّة كجزء من استراتيجيّة عراقـيّة ثابتة مع جميع دول العالم البعيدة عنها، علاوة على القريبة، واللقاء الثلاثيّ المُقترَح حتى إذا أردنا أن نـُوافِق عليه يجب أن يكون لصالح العراق، ولصالح المنطقة، ويمنع التدخـُّل في شُؤُوننا السياديّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: عندما تـُطرَح علينا مشاكل بين أميركا وأوروبا مع إيران، أو سورية موقفنا ثابت، وهو إننا نتمنى، ونعمل من أجل تخفيف حِدّة التوتر بين الأقطاب الدوليّة، أو الأقطاب الإقليميّة؛ لأنـَّها تنعكس على العراق، لكننا لا نتحدَّث رسميّاً نيابة عن سورية، أو عن أميركا، كما أننا لسنا مُمثـِّلين لأميركا، ولا مُمثــِّلين لسورية، أو إيران، بل نحن دولة لها مصالح مُشترَكة، وتحرص على أمن المنطقة عندما نـُسأل نـُجيب بكلِّ صراحة: نحن مع تخفيف حِدّة التوتر. المُقارَبة الأخيرة بين أميركا وإيران استقبلناها بإيجابيّة؛ لأنـَّنا نعدُّها خطوة جيِّدة لا تهمُّ إيران فقط، بل تهمّ دول المنطقة. بعض الأحيان ندفع ثمن القراءة المُبكـِّرة. ففي العام الماضي في مثل هذا الوقت عُقِدَ مُؤتمَر جدّة، ومُؤتمَر باريس، وكانت وجهة نظرنا مُتقاربة مع الفرنسيِّين بأنه من المُفيد لو تحضر إيران في لقاء جدّة، ولقاء باريس، ولقاء التحالف الدوليِّ في نيويورك، لكن لم يكـُن هناك لقاء؛ بسبب التوتـُّر بين أميركا وبين إيران، والآن بعد سنة تحسَّنت العلاقة الأميركيّة-الإيرانيّة، ونحن قرأناها قبل سنة مع الفرنسيِّين بأنـَّه كان مُفيداً لو اشتركت إيران.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا شك أنَّ أميركا دولة عظمى، ولاعب أساسيّ في الأمم المُتحِدة، وإيران دولة مُهمّة في الشرق الأوسط، وتملك حُدُود 1400 كيلومتر مع العراق، ووجود حالة من التوتـُّر بين أميركا وإيران ينعكس سلباً على العراق، وعندما تتحسَّن العلاقة بين أميركا وبين إيران تتحوَّل تلك الآثار السلبيّة إلى آثار إيجابيّة. التوتـُّر في أيّة دولة في الشرق الأوسط ليس بمعزل عن الدول الأخرى خـُصُوصاً أنَّ العراق وصدق الصحفيّ الأميركيّ عندما قال مُبكـِّراً: إيران بوّابة الشرق، والعراق مفتاحها.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الإصلاحات التي أعلن عنها السيِّد رئيس الوزراء لم يمضِ عليها أشهُر، بل كانت قريبة.. مُؤخـَّراً أخذت هذا الحجم من التجاوب؛ لأنَّ الشعب كمظهر ديمقراطيٍّ في الشارع يُطالِب بمُواجَهة الفساد؛ لذا عندما تأمَّنت قاعدة شعبيّة عريضة أوسع من البرلمان، وأوسع من الحكومة تـُطالِب بمُحاسَبة الفاسدين، واتخاذ خطوات جريئة، وعادة ما تتمظهر حركات الإصلاح على شكل هَيَجان شعبيّ حتى في تاريخ ألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا. كلُّ حركات الإصلاح تنشط عندما تزداد ظواهر الفساد، فيتحرَّك الشعب. العشائر السُنيّة تـُعلِن ولاءها، وانضمامها إلى الصفِّ الوطنيِّ، والتعامُل مع القوات المُسلـَّحة لمُواجَهة داعش مع الأخذ بنظر الاعتبار أنَّ بعض هذه العشائر كانت في قبضة داعش الذي فرض نفسه فلا تستطيع أن تسمع صوت العشيرة العربيّة في الموصل في وقت تـُمسِك داعش بقبضة الحكم في الموصل. الحرس الوطنيّ جاء في ظرف استثنائيٍّ؛ لأنَّ الوطن يتعرَّض لاحتلال مُدُن من قِبَل داعش فمن الطبيعيِّ أنَّ كلَّ دول العالم ضمَّت مُبادَرات الحرس الوطنيّ، أو ما يُسمَّى الجيش الرديف عندما تتعرَّض أراضيه للاحتلال، وهذه أوروبا سبقتنا بهذه التجربة. البرلمانيّ يُناقِش اليوم بحُرّيّة كجهة تشريعيّة. هذه ضريبة الديمقراطيّة.. قد يُصوِّت، وقد لا يُصوِّت. الرئيس الأميركيّ ولسن كان صاحب نظريّة إنشاء عصبة الأمم لم يُصوِّت عليه الكونغرس. العالم كلـُّه دخل في عصبة الأمم، وأميركا لم تدخل، وانعزلت عن العالم، وعن التاريخ، وفي زمن روزفلت أُنشِئت هيئة الأمم، وأصبحت أميركا اللاعب الأساسيَّ.. هذه ضريبة الديمقراطيّة، والبرلمانات تـُخطِئ أحياناً، وكذا الحُكـّام، غير أنَّ الحقيقة لا تـُبدِّل من نفسها شيئاً.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: يهمُّنا، ولكن لم يكـُن مطروحاً على بساط البحث.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذا غير صحيح. السُنـّة والشيعة في العراق لا تـُوجَد لديهم مُشكِلة. عندما أذهب إلى الخارج أسمع أنَّ هناك مخاوف سُنـّيّة-شيعيّة، أو شيعيّة-سُنيّة، وأجدها مُضخَّمة. لا تـُوجَد لدينا مليشيات، بل لدينا حشد شعبيّ، واستفدنا من تجارب العالم في إيجاد الجُيُوش الرديفة، والساندة عندما تتعرَّض لاحتلالات. أوَّل شهيد سقط في الحشد الشعبيّ هو من السُنـّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: يُوجَد مشهدان في العراق أرجو أن تنظروا إليهما بعينين مُتوازيتين، ومُتكامِلتين. يُوجَد مشهد الواقع العراقيِّ، ويُوجَد مشهد الإعلام الذي يتناول العراق. إذا سُئِلتم: مَن رئيس جمهوريّة العراق، بماذا تـُجيبون؟ ألا تقولون: إنه سُنـّيّ كرديّ، وإذا سُئِلتم: مَن رئيس البرلمان، ألم تقولوا؟ إنه سُنـّيٌّ عربيّ، وإذا سُئِلتم عن رئيس الوزراء تقولون: إنه شيعيّ عربيّ، أي: اثنان سُنـّة، وواحد شيعيّ، وإذا سُئِلتم عن البرلمان العراقيِّ، ألا تقولوا: إنَّ نسبة كبيرة من السُنـّة، والوزراء العراقـيِّين في الحكومة: إنَّ نسبة السُنـَّة من الحكومة التي شُكـِّلت في عام 2005 كانت 7 من الإخوة السُنة العرب أعضاء في الحكومة، وكانوا في ذلك الوقت لا يملكون إلا 17 مقعداً في الجمعيّة الوطنيّة من 275، فكانت حِصّتهم وزيراً واحداً، ولكني أصررتُ على أنـَّه إمّا أن يأتي 7 أو لا أشكـِّل الحكومة، وتأخـَّر تشكيلها ثلاثة أشهُر إلى أن استطعنا أن نـُوصِل 7 من الشخصيّات السُنيّة المُحترَمة إلى مجلس الوزراء؛ لأنَّ عدم وجودهم في البرلمان ليس لأنـَّهم لا يُوجَد لديهم حجم اجتماعيّ، لكنَّ تنظيم القاعدة قطع عليهم الطريق. كلُّ الحكومات التي تشكَّلت، والتي تلت لم يغِب عنها الحجم السُنيّ، ومن مدينة الأنبار، ومدينة الموصل عناصر، ومفاصل أساسيّة، وفاعلة في داخل الحكومة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أمّا معرفتي بزيارة السيِّد رئيس البرلمان إلى قطر فلم أكـُن أعلم بها، وسمعتُ كما سمعتَ أنتَ، أمّا عن موقفي الشخصيِّ فقد كان يجب أن يكون هناك تأمُّل، ويتناول الموضوع من أكثر من زاوية؛ حتى يكون التعبير ليس عن شخصيّة عراقـيّة إنـَّما عن شخصيّة العراق.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذا تابع لمُحصِّلة قناعة البرلمان، ومن استحقاقاتها البرلمان يعتقد أو لا يعتقد.. نحن مع مُجمَل ما يقتنع به البرلمان.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أمّا عن موقف تركيا من داعش، وتطوُّر الموقف فهذا بالنسبة لنا مكسب؛ لأنَّ داعش لا تـُصالِح أحداً.. مثلما هي خطر على العراق هي خطر على المنطقة، وهي خطر على تركيا؛ فتصعيد الموقف ضدَّ داعش من قبل الحكومة التركيّة أعتبره مكسباً عراقيّاً، وإقليميّاً، وعربيّاً. أمّا عن تحليق الطائرات التركيّة في العراق، وضربها بعض المناطق فهذا أمر لم نرضَ به، وأبلغنا رسالة إلى الحكومة التركيّة من خلال سفيرها السيِّد فاروق بأنـَّنا نتفهَّم أمن تركيا، ولكن يجب أن يكون هناك تنسيق مع القوات المُسلـَّحة العراقـيّة. أمّا عن المياه فنحن أخبرنا السيِّد رئيس الجمهوريّة أردوغان، وكذلك أوغلو بضرورة إطلاق المياه بما يُناسِب حِصّة العراق، ووعدونا خيراً، وتمَّ إطلاق نسبة، ولو أقلّ ممّا نحن طلبنا، ولكن تعثـَّرت من خلال عُبُورها في سورية، إذ إنَّ السُدُود تحت سيطرة داعش في سورية، وتتحكّم بالسُدُود بحيث تحبس المياه، وتحاول على الأقلّ أن تـُقلـِّص من الكميّة المفروض أن تصل إلى العراق. حرب المياه بشَّر بها (جاك آتالي) مُستشار الرئيس الفرنسيِّ الأسبق فرانسوا ميتران في كتابه (المُستقبَل) كان يتحدَّث عن القرن الحادي والعشرين، ويُبرز مُفرَدة حرب المياه بأنـَّها ستكون علامة بارزة في هذا القرن.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الحوار مُستمِرٌّ بيننا وبينهم، وأنا زُرتهم قبل 40 يوماً، وعزوا أسباب تأخير المياه إلى عوامل فنيّة مُختصَّة بالشركة التي تنظم مجرى المياه، ورفعوا النسبة فعلاً، وأنا كنتُ طلبت نسبة أكبر من التي أطلقوها كنتُ طلبتُ 1000 متر في الثانية، وهم أطلقوا 625 متراً مُكعَّباً في الثانية.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لم تعُد مُشكِلة مُستعصية، ووُضِعت على سِكّة التفاهُم بيننا وبينهم، وهذه وإن كانت ينتابها أحياناً بعض التعثـُّر، ولكن على كلِّ حال هي مُشكِلة لا ترقى إلى حجم الأزمة مثلما كانت سابقاً قضيّة مأزومة بين الحكومة الاتحاديّة وحكومة الإقليم، ويُوجَد تفاهُم، وكلّ شهر يجري حديث، ويحدث تقدُّم هنا، وتأخـُّر هناك.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: يُوجَد الآن مجموعة في طريقها إلى أن تعود إلى تكريت مجموعة ليست قليلة بين 700 إلى 800 شخص، وهم في طريقهم إلى العراق للعودة. نبذل أقصى الجُهُود من أجل إعادة النازحين من مدينة إلى مدينة، والذين نزحوا من داخل العراق إلى خارج العراق. نعمل بجُهُود مُكثـَّفة من أجل إعادتهم لكننا لا نستخدم أيَّ أسلوب لمنع أحد؛ لأنه حُرٌّ إذا بقي في العراق فالعراق مُحتاجه، وإذا أراد أن يذهب خارج العراق فهو حُرّ.. نتمنى، ونعمل، ونطلب مُساعَدة دول العالم بأن تعمل معنا على إيجاد الأجواء، والمناخات المُناسِبة حتى يبقى العراقـيّون في مُدُنهم. قبل سنة طرحتُ في خطابي في مجلس الأمن ثلاث خطوات على مُستوى التعامُل مع ملفِّ ضحايا الإرهاب، المدى الآنيّ في ذلك الوقت الشهر التاسع 2014 في مثل هذا الشهر طرحتُ ضرورة تكثيف الجهد الأمنيِّ، والإسناد الأمنيِّ للقوات العراقـيّة لإيقاف التداعيات التي حصلت في الموصل، وبقـيّة المناطق، والمدى الثاني تقديم الخدمات الإنسانيّة، والدعم الإنسانيّ؛ لأنه كان لدينا في ذلك الوقت مليون وستمائة ألف نازح عراقيّ من الموصل، وما حولها إلى مناطق مُتعدِّدة بما فيها منطقة كردستان، وكربلاء، وديالى، ومناطق أخرى، والمدى الثالث هو دعم العراق في إعادة البُنية التحتيّة للمناطق المُتضرِّرة؛ لأنَّ داعش تقوم بتخريب البُيُوت عندما تنسحب، وتـُخرِّب مُؤسَّساتها، وطلبنا دعماً أساسيّاً للتهيئة لإعادة بناء المناطق المُتضرِّرة. على غرار ما حصل في ألمانيا مشروع مارشال في عام 1945 عندما قدَّمت أميركا المُساعَدات إلى ألمانيا، وأعادت بناءها. هذا هو الصحيح. طالبناهم بضرورة أن يكون هناك إعداد بعيد الأمد لإعادة بناء هذه المناطق؛ حتى نـُسهِّل بقاءهم، ونـُشجِّعهم على العودة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أمّا عن مُبادَرة القِمّة فنحن معها بقوّة، وأعتقد أنـّها بمثل هذه الظروف التي يُواجـِهها العالم من تحدِّيات كبيرة يجب أن يكون المُعادِل لها فعلاً مُعادِلاً على مُستوى القِمّة، ومُستوى المسؤوليّة على أعلى المُستويات. الأخ رئيس الوزراء سيكون موجوداً، وأنا كذلك. أمّا مَطالبنا فإضافة إلى أنـّها مشروعة فهي واضحة: دعم العراق، والالتزام بما اتخذه التحالف الدوليّ في العام الماضي من مُقرَّرات بشأن دعم العراق عسكريّاً، ولوجستيّاً، وخدميّاً، وإنسانيّاً، وإعادة البُنى التحتيّة. ليس لدينا إلا التأكيد على تحقيق المَطالب السابقة، وهذا حقّ مشروع خُصُوصاً أنَّ دول التحالف هي التي اتخذت القرار.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: يبدو أنك لم تـُواكِب حديثي بشكل كامل على الرغم من الذكاء الذي لديك. نحن عبرنا من المُصالـَحة الوطنيّة إلى المُشارَكة الوطنيّة، وهي واقع في العراق. السُنـَّة، والشيعة، والأكراد، والإيزيديّون، والصابئة موجودون في العراق، ونعمل في الحكومة معاً.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا مسؤول عمّا موجود في العراق، وأحسُّه، وأنظر إليه بعيني، وأحترم اجتهادات الآخرين. أنا قلتُ قبل قليل: إنَّ رئيس الجمهوريّة كرديّ، ورئيس البرلمان سُنـّيّ عربيّ هل هذا صحيح أم خطأ، وقلتُ: في التشكيلة الحكوميّة مجموعة كبيرة من الوزراء السُنـّة إلى جانب الأكراد، والشيعة. يجب أن أحيِّيكم، وأعتقد أنـّكم تحوَّلتم عندما تكتبون في الصحافة عن العراق من الشُعور بما جرى في العراق -ويد الجريمة قد طالتكم-، والآن عندما تكتبون ليس فقط من وحي ما تقرأون، بل تكتبون من وحي ما رأيتم بأعينكم. ما يحدث في العراق لم تقـُم به الحكومة العراقـيّة، ولا أيّة قوّة سياسيّة عراقـيّة إنـّما قام به أعداء العراق.. كنا سابقاً مُتواجدين في فرنسا، وبريطانيا، وأستراليا، وأميركا، ومُختلِف المناطق مُهاجرين في الخارج مثلما كان رئيسكم الفرنسيّ الأسبق ديغول عندما ترك فرنسا، ولجأ إلى بريطانيا.. نحن هربنا من العراق لأننا ضحيّة الحكومات الدكتاتوريّة. الحكومة الحاليّة لم تضطهد الشعب العراقيَّ، بل تتفانى من أجل الشعب العراقيِّ. الذين ينزحون، ويُهاجرون إنـَّما يهربون من ظلم داعش، ومن الخراب الذي جاء من تسلـُّط داعش. العودة إلى صفحة الأخبار |
|