|
الجعفريّ: يجب أن تسود المقاسات المهنيّة في السلك الدبلوماسيِّ، لدينا مهمّات في الخارج وليس مكتباً سياحيّاً وجرى التركيز على مُراعاة الضوابط في التنقــُّلات واللجنة التي شُكِلت تحرَّت الدقة واختيار الأكفأ وليس الأكثر اعتماداً على واسطة
الاخبار | 26-08-2015
أكـَّد الدكتور إبراهيم الجعفري وزير الخارجيّة أنَّ هناك الكثير من الحقائق في العراق غائبة عن الخارج، ونحن نـُعوِّل على بناتنا وأبنائنا في السلك الدبلوماسيِّ أن ينهضوا بهذه المَهمّة، ويُشكـِّلوا مُعادِلاً حقيقيّاً، مُشدِّداً: أنَّ كلَّ واحد منكم يستطيع أن يُؤدِّي دور السفير، ودور الوزير، ودور رئيس الوزراء، مشيراً إلى أنَّ الناس في الخارج تسمع، وتـُصغي للذي خطابه أقوى، ومقرون بالدليل، ويمزج بين الأداء القويِّ والحُجّة القويّة، والأخلاق، والوطنيّة. جاء ذلك خلال كلمة ألقاها أمام جمع من كوادر الوزارة المنقولين إلى البعثات العراقـيّة في دول العالم. الجعفريّ بيـَّنَ: أنَّ عقد المُواطـَنة بينكم وبين العراق مُهمّ، وفي الخارجيّة أهمّ، وحين تخرج من الأرض العراقـيّة لا تخرج من الوطنيّة العراقـيّة، وإنما تبقى عراقـيّاً أينما كنت، ولا أحد يختزل نفسه بخلفيـّته الخاصّة. وأفصح بالقول: كلُّ واحد منا لديه خلفيـّة خاصّة يتشرَّف بها عربيّاً كان، أم كرديّاً، أم تركمانيّاً، مُسلِماً أم غير مُسلِم، سُنـّيّاً كان أم شيعيّاً، ولكن لا يختزل العراق بها.. العراق لكلِّ العراقـيِّين. ووزارة الخارجيّة لكلِّ العراقـيِّين. وأكـَّد معاليه أنَّ قيمة كلِّ موظف، وقيمة كلِّ مُؤسَّسة، وقيمة كلِّ بعثة بقدر ما تـُحدِث من فرق، وتأتي به لنا إلى العراق من موارد الإنتاج، وصناعة، وزراعة، وتجارة، وأمن، ومُساعَدات إنسانيّة.. كلُّ شيء يعتمد على نشاطكم في الخارج. لدينا مهمّات في الخارج، وليس لدينا مكتب سياحيّ.. وخاطب الحاضرين قائلاً: أنتم الآن تذهبون من هنا تـُوجَد حُمُولة على عاتقكم أن تنقلوا إلى الخارج ثقافة، وخطاب الوطنيّة العراقـيّة.. هذه الباقة من التنوُّع.. باقة الوُرُود المُنسجمة مع بعضها يجب أن نـُحوِّلها إلى رئة لا تختنق عندما تتنفس بالآخر.. رئة مفتوحة غير مُلوَّثة.. داعياً إلى ضرورة نقل ما في العراق إلى الخارج نقلاً مسؤولاً.. ما يحدث هو بسبب تراكم. قلتُ أكثر من مرة، وفي أكثر من مُناسَبة: يُوجَد فساد في العراق تحوَّل إلى ثقافة - وأخطر شيء في الفساد أن يتحوَّل إلى ثقافة- على سبيل التمثيل: يأتي أحد ما يُريد أن يتعيَّن في الخارجيّة يجب أن تتوافر في مُقوَّمات مُعيَّنة من شهادة، وغيرها، ويجتاز المُقابَلة، ويرون فيه مقاسات قانونيّة، ومقاسات وطنيّة، أمّا مقاسات الفساد فهي أن يتعيَّن من دون أن تتوافر فيه المُؤهِّلات القانونيّة، وليس لديه شيء إلا أنه من أقرباء هذا الوزير، أو ذاك المسؤول؛ بهذا الشكل لا تـُبنى المُؤسَّسات.. اجعل الأقرب لك هو الأكفأ، أمّا الأقارب فأدخله إلى بيتك، وساعده من راتبك، لا أن تـُحوِّل الوزارة إلى مائدة يأخذ منها مَن يشاء.. أنا أعتزُّ بالأقارب، ولا أدعو أحداً لأن يتنكـَّر لأقاربه.
وفيما يخصُّ آليّة اختيار الكوادر المُبتعَثة إلى الخارج أكـَّد الجعفريّ: جرى التركيز على مُراعاة الضوابط، والمقاسات الصحيحة في التنقــُّلات، وأشهد أنَّ اللجنة التي شُكِلت تحرَّت الدقة في تطبيق هذه المُواصَفات في كلِّ ما عملت، وأن يكون المُتقدِّم على الآخرين هو الأكفأ لا الأكثر اعتماداً على واسطة، والأكثر قرباً من مسؤول مُعيَّن، فيجب أن تسود المقاسات المهنيّة بخاصّةٍ في السلك الدبلوماسيِّ. مضيفاً: عندما نـُميِّز بين الموظفين علينا أن نـُميِّز على أساس عملهم، فقد يتقدَّم من قوميّة مُعيَّنة، والآخر من قوميّة أخرى، ولا نقول تتقدَّم من فلان قوميّة.. أنت كعراقيّ خلفيـّتك لك، أمّا الدبلوماسيّة فتـُريد منك أن تفتح آفاقاً مُغلـَقة، وتفتح فرصاً للاستثمار، وتستجلب مصالح للعراق، وتـُصحِّح صورة، وتبرم علاقات مع سفراء العالم في العاصمة التي تكون فيها.. نحن لا نطلب منكم أن تتخلوا عن شيء، وإنـَّما نـُريد منكم أن تـُمثـِّلوا العراق كلـَّه.. أروع شيء بالعراقيِّ أن يرتقي، ويتسع إلى حجم العراق، ليس فقط حجم العراق الحاليّ، بل يتكلّم بحجمه الحضاريِّ، والتاريخيِّ، والجغرافيِّ. ستتوجَّهون إلى الخارج، وسيجري التقييم.
وذكر الجعفريّ التظاهرات التي تشهدها العديد من مُدُن العراق قائلاً: العراق مسؤوليّتنا.. ترون الآن أمامكم يُوجَد حراك في الشارع.. هذا الحراك تعبير عن تراكم مضى عليه زمن ليس قصيراً تراكمت المُلاحَظات الكمّيـّة؛ فانبجست على شكل مواقف نوعيّة. لماذا نلعن الظلم كمفهوم، ولكننا نـُصافِح، ونـُعانِق الظالمين، والمُزوِّرين؟ الذي يُريد أن يُكافِح الفساد لا يقف موقفاً حياديّاً من كلِّ فاسد، نعم.. نستخدم أحسن الأساليب. البلد ثروته تتبدَّد، تتهدَّد، ونحن الآن نـُقاتِل في جبهة الفساد في داخل مُؤسَّسات الدولة، ونـُقاتِل في الخارج على جبهة الإرهاب.. لا يُوجَد غير إنقاذ العراق، والمُؤسَّسات من المحسوبيّات، والمنسوبيّات.. ما ذكرتُ المُحاصَصة في كلِّ خـُطبي إلا وقلتُ: السيِّئة الصيت مع احترامي لكلِّ مَن خضع لها.. ماذا كانت النتيجة؟ هل تقبل أن تـُطبِّق على نفسك المحاصصة، وحين تدخل المُستشفى يأتون بطبيب من مذهبك ليس كفوءاً ليُعالِج ابنك، فترحل إلى المذهب الآخر.. المُهمّ هو أن يُشفى ابنك.. أليس العراق بمعزّة ابنك.. طفل من أطفالك؟! لماذا لا تـُسلـِّم العراق للأكفاء؟ لماذا لا تـُسلـِّم العراق إلا لمن هو من جماعتك، أو من حزبك، أو من مذهبك، أو من قوميّتك، أو من منطقتك؟ ما هذه الثقافة البائسة؟ من أين أتت لنا؟ نحن نـُريد الكفوء، مثلما نـُريد المُهندِس الكفوء في مجال العمران، والمُعلـِّم الكفوء في مجال العلوم التربويّة المُختلِفة، كذلك نـُريد الكفوء في المجال السياسيِّ والدبلوماسيِّ.. نحن نـُريده، ولا نتنازل عنه.. ذهب ذلك الزمن الذي يُطوى فيه العراق برجل واحد، هذا في زمن صدام حسين حين وضعوا له 100 صفة، حتى الأدعية جعلوها باسمه.. ولـّى هذا الزمن، والآن زمن المواهب، والقابليّات المُنضبطة، والمُنسجمة ضمن سياقات الديمقراطيّة، لا فوضى. يجب أن يحضر الشعب التظاهرات، وهي ليست حالة استثنائيّة في العالم الديمقراطيِّ، بل هي أصل. مَن الذي قال: إنَّ موعدنا مع الجمهور يبدأ بصناديق الانتخابات، وينتهي بانتهاء الفصل الانتخابيّ، ولا يراك الذي اختارك إلا بعد أربع سنوات؟ الجمهور الذي أتى بك بالتصويت من حقه، بل من واجبه بعد فترة أن يُعبِّر عن رأيه مرّة بصحيفة، ومرة أخرى بقناة فضائيّة، وثالثة بتظاهرة.
وختم الجعفريّ كلمته بالحديث عن الحرب ضدَّ عصابات داعش الإرهابيّة قائلاً: يُوجَد الآن آلاف تحت الشمس المُحرقة يُدافِعون عن كرامة العراق، ويُقدِّمون أبناءهم، وبين فترة وأخرى تـُستشهَد مجموعة ليست قليلة، ويُورِّثون تركة ثقيلة، موجاً من أرامل شابات.. موجاً من الأيتام.. موجاً من الثكالى من الآباء والأمهات، وإلى جانبه خندق آخر هو الخندق الدبلوماسيّ، وهو ليس أقلَّ أهمّيـّة من الخندق العسكريِّ بشرط أن ننهض به، وأن ننطلق في ميادين الخارج، وأروقة العالم، ونـُسمِعهم بأنَّ العراق الآن يُقاتِل نيابة عنكم.. تكلموا بملء أفواهكم، ولا تخجلوا، ولا تستحوا.. عناصر داعش جاؤوا من 80 دولة، وهم موجودون على أرض العراق.. من أين أتى هؤلاء؟ من كلِّ دول العالم الديمقراطيِّ.
وإلى حضراتكم النصَّ الكامل للكلمة: كلمة الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة أمام جمع من كوادر الوزارة المنقولين إلى البعثات العراقـيّة في دول العالم بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.. فرصة طيِّبة أن نلتقيكم في هذه القاعة، وهو وإن لم يكن اللقاء الأوَّل، وأتمنى أن لا يكون اللقاء الأخير؛ فبتكرُّر اللقاءات تتوطـَّد، وتتعمَّق العلاقات بيننا أكثر فأكثر. أوّلاً أقف وإياكم وقفة إكبار، وإجلال لشهداء الخارجيّة الأربعين الذين عرجوا بأرواحهم مُضرَّجين بدمائهم في 19/8/2009، فنقرأ السورة المُبارَكة الفاتحة وقوفاً على أرواحهم. باعتباري أقف أمام مجموعة من أبنائنا وبناتنا الذين سينهضون بالمَهمّة الدبلوماسيّة في بعثاتنا في الخارج أبارك لكم هذه المَهمّة، وأتطلع أن تنهضوا بها على أتمِّ وجه. لابدَّ لي أن أنقل لكم بعض الذي حصل في الأجواء التي أفرزتكم.. جرى التركيز على مُراعاة الضوابط، والمقاسات الصحيحة في الاختيارات، وفي التنقــُّلات، وأشهد أنَّ اللجنة تحرَّت الدقة في تطبيق هذه المُواصَفات في كلِّ ما عملت. ينبغي أن تتحوَّل هذه المُبادَرات إلى سياق مُتواصِل حتى يتحوَّل إلى عُرف وتقليد، ولا يكون الأكثر اعتماداً على واسطة، والأكثر قرباً من مسؤول مُعيَّن هو المُتقدِّم على الآخرين، وإنما المُتقدِّم على الآخرين هو الأكفأ.. يجب أن تسود المقاسات المهنيّة بخاصّةٍ في السلك الدبلوماسيِّ؛ لأنه في مثل هذه الظروف يكتسب صفة استثنائيّة من حيث الأهمّيـّة. العالم الآن يسمع عن العراق صوت الصخب الإعلاميّ، والصراخ المُضادّ، وعندما ينظر إلى شاشات التلفزيون يجد أنَّ اللون الأحمر القاني الذي يُعبِّر عن الدم العراقيِّ المُتشخـِّب من عُرُوق المُواطِنين هو اللون الطاغي، فيتصوَّرون أنَّ العراق تحوَّل إلى حمّام دم، وهناك عراكات وليس عراكاً واحداً، وهناك صراع ديني بين المُسلِمين وغير المُسلِمين، صراع طائفيّ بين السُنـّة والشيعة، وصراع قوميّ بين العرب والأكراد والتركمان، وصراع سياسيّ بين القوى السياسيّة.. هذا كلـُّه هذه برزته ما يُسمَّى -للأسف- السلطة الرابعة، التي يُفترَض أن تكون السلطة الإنسانيّة المُمتازة. أخطر شيء بالإعلام أن لا تصف الحقيقة كما هي، أو تصف الآخرين كما تشتهي. هذه مُشكِلة.. ليست مَهمّة الإعلام بعيدة عن السلك الدبلوماسيِّ.. أنا لا أتصوَّر دبلوماسيّاً ليس لديه توجُّه إعلامي، واهتمام إعلامي، وأداء إعلاميّ.. كيف تتحدَّث دبلوماسيّاً مع الآخرين، وليس لديك عبارة إعلاميّة؟ بماذا تتكلم.. بلغة البندقـيّة، أم بلغة الورقة والقلم، أم بلغة التصريح الكلام؟ نحن نـُعوِّل على بناتنا وأبنائنا في السلك الدبلوماسيِّ أن ينهضوا بهذه المَهمّة، ويُشكـِّلوا مُعادِلاً حقيقيّاً.. هناك الكثير من الحقائق غائبة في الخارج وأنتم مَن تحملون هذا.. كلُّ واحد منكم يستطيع أن يُؤدِّي دور السفير، ودور الوزير، ودور رئيس الوزراء، ودور رئيس الجمهوريّة.. لا أحد يقول لك: قلـِّص من أدائك عندما يكون أداؤك صحيحاً.. لا أحد يستطيع أن يُقلـِّصك مع مُراعاة سُلـَّم المراتب.. الناس في الخارج تسمع، وتـُصغي للذي خطابه أقوى، ومقرون بالدليل، ويمزج بين الأداء القويِّ والحُجّة القويّة، والأخلاق، والوطنيّة. عقد المُواطـَنة بينكم وبين العراق مُهمّ، وفي الخارجيّة أهمّ.. الذي يربط المُواطِن بالوطن هو عقد الوطنيّة وهو مُهمّ جدّاً، وحين تخرج من الأرض العراقـيّة لا تخرج من الوطنيّة العراقـيّة، وإنما تبقى عراقـيّاً أينما كنت، ولا أحد يختزل نفسه بخلفيـّته الخاصّة.. كلُّ واحد منا لديه خلفيـّة خاصّة يتشرَّف بها عربيّاً كان، أم كرديّاً، أم تركمانيّاً، مُسلِماً أم غير مُسلِم، سُنـّيّاً كان أم شيعيّاً، ولكن لا يختزل العراق بها.. العراق لكلِّ العراقـيِّين. هذه وزارة الخارجيّة العراقيـّة، وليست وزارة خارجيّة عراقـيّين.. لا يُوجَد هكذا كلام.. وزارة الخارجيّة العراقـيّة لكلِّ العراقـيِّين.. كلُّ الوزارة لكلِّ العراقـيِّين. ظاهرة التمويج المُتكرِّر، والدوريّ يُفترَض أن يشهد عمليّة تمويج، وارتقاء على سُلـَّم الأداء، وينعكس على علاقاتنا في الخارج.. لدينا مهمّات في الخارج، وليس لدينا مكتب سياحيّ. قيمة كلِّ موظف، وقيمة كلِّ مُؤسَّسة، وقيمة كلِّ بعثة بقدر ما تـُحدِث من فرق بين ما تعطي، وما يتلقـَّى الطرف الآخر.. ما تأخذ من الخارج، وتأتي به لنا إلى العراق من موارد الإنتاج، وصناعة، وزراعة، وتجارة، وأمن، ومُساعَدات إنسانيّة.. كلُّ شيء يعتمد على نشاطكم في الخارج. عملكم كمجموعة مُتآخية، ومُتحابّة سيُضفي على الآخرين قيمة حقيقـيّة؛ لذا أستعير مصطلح (الزخم الدبلوماسيّ) بدلاً عن العمل الفرديِّ.. الزخم الذي هو بالفيزياء حاصل ضرب الكتلة في السرعة.. مصطلح الزخم كتلة كمّيّة السرعة، واتجاه السرعة.. إذا عملتم بروح الفريق الذي يتعاون مع بعضه سيكون فعلكم، وتأثيركم، ونظرة العالم إليكم مختلفة تماماً عمّا إذا عملتم كلّ واحد على حدة... يجب أن يكون عملنا مُتضامِناً مُتكافِئاً.. بعضنا يحترم البعض الآخر.. بعضنا يستعين بالبعض الآخر.. لا تـُوجَد مُؤسَّسة ليس فيها مشاكل، ونقاط ضعف، ولكننا نحكم على المُؤسَّسة من خلال مُجمَل حركة العاملين فيها. تمنياتنا أن نـُحدِث في مثل هذه المُناسَبات فـُرُوقاً جديدة.. أنتم الآن تذهبون من هنا تـُوجَد حُمُولة على عاتقكم أن تنقلوا إلى الخارج ثقافة، وخطاب الوطنيّة العراقـيّة.. هذه الباقة من التنوُّع.. باقة الوُرُود المُنسجمة مع بعضها يجب أن نـُحوِّلها إلى رئة لا تختنق عندما تتنفس بالآخر.. رئة مفتوحة غير مُلوَّثة.. عندما نـُميِّز بين الموظفين علينا أن نـُميِّز على أساس عملهم، فقد يتقدَّم من قوميّة مُعيَّنة، والآخر من قوميّة أخرى، ولا نقول تتقدَّم من فلان قوميّة.. أنت كعراقيّ خلفيـّتك لك، أمّا الدبلوماسيّة فتـُريد منك أن تفتح آفاقاً مُغلـَقة، وتفتح فرصاً للاستثمار، وتستجلب مصالح للعراق، وتـُصحِّح صورة، وتبرم علاقات مع سفراء العالم العاصمة التي تكون فيها.. نحن لا نطلب منكم أن تتخلوا عن شيء، وإنـَّما نـُريد منكم أن تـُمثـِّلوا العراق كلـَّه.. أروع شيء بالعراقيِّ أن يرتقي، ويتسع إلى حجم العراق، ليس فقط حجم العراق الحاليّ، بل يتكلم بحجمه الحضاريِّ، والتاريخيِّ، والجغرافيِّ.. العراق يعيش منطقة بلد ما بين النهرين، ولكن له حجم بالتأثير في الآخرين، وله دالـَّة على الآخرين.. خذوا حجمكم الحقيقيَّ، وتحدَّثوا بخطاب مُتوازن مع الآخرين. العراق مسؤوليّتنا.. ترون الآن أمامكم الآن يُوجَد حراك في الشارع.. هذا الحراك تعبير عن تراكم مضى عليه زمن ليس قصيراً تراكمت المُلاحَظات الكمّيـّة؛ فانبجست على شكل مواقف نوعيّة.. لماذا الخدمات مُنخفِضة بهذا الشكل؟ لماذا ظواهر الفساد دبَّت في دوائر الدولة؟ لماذا نحارب الفساد، ولكننا لا نحارب الفاسدين؟ لماذا نلعن الظلم كمفهوم، ولكننا نـُصافِح، ونـُعانِق الظالمين، والمُزوِّرين؟ الذي يُريد أن يُكافِح الفساد لا يقف موقفاً حياديّاً من كلِّ فاسد، نعم.. نستخدم أحسن الأساليب. البلد ثروته تتبدَّد، تتهدَّد، ونحن الآن نـُقاتِل في جبهة الفساد في داخل مُؤسَّسات الدولة، ونـُقاتِل في الخارج على جبهة الإرهاب.. داعش إلى الآن تجاوزت 14 شهراً منذ أن أمسكت في قبضتها على مدينة الموصل ثاني أكبر مدينة في العراق بعد بغداد، وكذلك ننظر إلى شقيقاتها من المُدُن الأخرى على حدٍّ سواء.. لا يُوجَد تفريق.. لا يُوجَد غير تحكيم المعايير.. لا يُوجَد غير إنقاذ العراق، والمُؤسَّسات من المحسوبيّات، والمنسوبيّات.. ما ذكرتُ المُحاصَصة في كلِّ خـُطبي إلا وقلتُ: السيِّئة الصيت مع احترامي لكلِّ مَن خضع لها.. ماذا كانت النتيجة؟ هل تقبل أن تـُطبِّق على نفسك المحاصصة، وحين تدخل المُستشفى يأتون بطبيب من مذهبك ليس كفوءاً ليُعالِج ابنك، فترحل إلى المذهب الآخر.. المُهمّ هو أن يُشفى ابنك.. أليس العراق بمعزّة ابنك.. طفل من أطفالك؟! لماذا لا تـُسلـِّم العراق للأكفاء؟ لماذا لا تـُسلـِّم العراق إلا لمن هو من جماعتك، أو من حزبك، أو من مذهبك، أو من قوميّتك، أو من منطقتك؟ ما هذه الثقافة البائسة؟ من أين أتت لنا؟ أرجوكم هذه تتوقــَّف عليكم جميعاً.. أنتم الكادر الذي على هرم المسؤوليّة، ويُشكـِّل الطبقة الوسطى يُعطي إشعاعين: إشعاع فوقيّ يضغط على الخط المُتقدِّم المُتصدِّي لقيادة الدولة بأن يسير على وفق هذه المعايير، والإشعاع التحتيّ الذي يُنير للطبقة العامّة فتتفاعل إلى حدِّ التماهي مع هذه المفاهيم الجديدة.. نحن نـُريد الكفوء، مثلما نـُريد المُهندِس الكفوء في مجال العمران، والمُعلـِّم الكفوء في مجال العلوم التربويّة المُختلِفة، كذلك نـُريد الكفوء في المجال السياسيِّ والدبلوماسيِّ.. نحن نـُريده، ولا نتنازل عنه.. إغلاق بعض البعثات ظاهرة حدثت اضطراراً، ولا تدوم إن شاء الله، أنتم الآن تـُراقِبون مسيرة البلد من كثب، وتدركون أنَّ هناك بعض الإجراءات اتخذها مجلس الوزراء، وباقة أخرى اتخذها البرلمان مُراعاة للظروف التي تعرفونها جيِّداً.. بالنسبة لنا نحن حريصون أشدَّ الحرص على الاستجابة، وقدر الإمكان نـُجنـِّب الموظفين والموظفات من العاملين في وزارة الخارجيّة أيَّ ضرر قد يُصيبهم.. ليس سهلاً علينا، وقد توقــَّفنا كثيراً عند هذه القضيّة، وكلفت الأخ دكتور نزار مع المجموعة التي معه أن يُكيِّفوا الاستجابة لهذه الطلبات مع تقليص دائرة الضرر في أضيق ما يُمكِن. ستتوجَّهون إلى الخارج، وسيجري تقييم، ومن الآن أخاطب كلَّ واحد منكم بأنَّ نقطة الشُرُوع (نقطة البداية) هي الحدُّ الفاصل بين تحديد مسار النجاح والفشل.. نقطة الشُرُوع الكلّ تبدأ من الصفر، وبالأخير نقول: واحد حصل على الامتياز والنجاح، والآخر فشل.. النجاح والفشل لا يأتيان بالنقطة الأخيرة كما لا يبدوان بالنقطة الأولى، وإنما بالتراكم. من الآن ضع جدولك.. هناك دوامان: الدوام الحسابيّ الرياضيّ المعروف الذي يبدأ في ساعة مُحدَّدة، وينتهي في ساعة مُحدَّدة أيضاً، ويُوجَد دوام آخر اسمه نقطة التماسِّ مع المُواطِن؛ عندئذ ستجدون أنَّ الزمن اختلف، ليس زمن الدوام، زمن الاستجابة للإنتاج، والمكان اختلف ليس الجدران الأربعة في الغرفة الجالس فيها، أو المُؤسَّسة التي تعمل فيها، وإنما تتسع إلى حيث ينتشر المُواطِنون، وتكون معهم في كلِّ مكان.. الالتصاق بالجمهور.. تنوير الجمهور.. الاستماع إلى الجمهور.. التثاقف.. تبادل الثقافة.. إيصال ما نحمل من معلومات.. نستمع للمُقترَحات.. ذهب ذلك الزمن الذي يُطوى فيه العراق برجل واحد، هذا في زمن صدام حسين حين وضعوا له 100 صفة، حتى الأدعية جعلوها باسمه.. ولـّى هذا الزمن، والآن زمن المواهب، والقابليّات المُنضبطة، والمُنسجمة ضمن سياقات الديمقراطيّة، لا فوضى. يجب أن يحضر الشعب التظاهرات، وهي ليست حالة استثنائيّة في العالم الديمقراطيِّ، بل هي أصل. مَن الذي قال: إنَّ موعدنا مع الجمهور يبدأ بصناديق الانتخابات، وينتهي بانتهاء الفصل الانتخابيّ، ولا يراك الذي اختارك إلا بعد أربع سنوات.. الجمهور الذي أتى بك بالتصويت من حقه، بل من واجبه بعد فترة أن يُعبِّر عن رأيه مرّة بصحيفة، ومرة أخرى بقناة فضائيّة، وثالثة بتظاهرة. أرجو أن يُنقـَل ما في العراق إلى الخارج نقلاً مسؤولاً.. ما يحدث هو بسبب تراكم. قلتُ أكثر من مرة، وفي أكثر من مُناسَبة: يُوجَد فساد في العراق تحوَّل إلى ثقافة - وأخطر شيء في الفساد أن يتحوَّل إلى ثقافة- على سبيل التمثيل: يأتي أحد ما يُريد أن يتعيَّن في الخارجيّة يجب أن تتوافر في مُقوَّمات مُعيَّنة من شهادة، وغيرها، ويجتاز المُقابَلة، ويرون فيه مقاسات قانونيّة، ومقاسات وطنيّة، أمّا مقاسات الفساد فهي أن يتعيَّن من دون أن تتوافر فيه المُؤهِّلات القانونيّة، وليس لديه شيء إلا أنه من أقرباء هذا الوزير، أو ذاك المسؤول.. بهذا الشكل لا تـُبنى المُؤسَّسات.. اجعل الأقرب لك هو الأكفأ، أمّا الأقارب فأدخله إلى بيتك، وساعده من راتبك، لا أن تـُحوِّل الوزارة إلى سُفرة يأخذ منها مَن يشاء.. أنا أعتزُّ بالأقارب، ولا أدعو أحداً لأن يتنكـَّر لأقاربه. أرجو أن تأخذوا هذه المَهمّة على عاتقكم، أمّا حالة اللامبالاة بأن تسكت عندما ترى في المُؤسَّسة أشياء سلبيّة.. اجلس، وأسمِع المسؤول، واصرخ، وقـُلْ له: هناك خلل. الآن المُؤسَّسات الأمنيّة.. نحن جالسون والقاعة مُبرَّدة ويُوجَد الآن آلاف تحت ضوء الشمس المُحرقة يُدافِعون عن كرامة العراق، ويُقدِّمون أبناءهم، وبين فترة وأخرى تـُستشهَد مجموعة ليست قليلة، ويُورِّثون تركة ثقيلة، موجاً من أرامل شابات.. موجاً من الأيتام.. موجاً من الثكالى من الآباء والأمهات، وإلى جانبه خندق آخر هو الخندق الدبلوماسيّ، وهو ليس أقلَّ أهمّيـّة من الخندق العسكريِّ بشرط أن ننهض به، بشرط أن ننطلق في ميادين الخارج، وأروقة العالم، ونـُسمِعهم هذا الصوت بأنَّ العراق الآن يُقاتِل نيابة عنكم.. تكلموا بملء أفواهكم، ولا تخجلوا، ولا تستحوا.. عناصر داعش جاؤوا من 80 دولة، وهم موجودون على أرض العراق.. من أين أتى هؤلاء؟ من كلِّ دول العالم الديمقراطيِّ. ما الذي يمنعهم عندما يعودون إلى بلدانهم من أن يُمارسوا العمل نفسه؟ قلنا لهم منذ البداية، ولم يأخذوها بنظر الاعتبار، ثم أحسّوا بالخطر.. العراق يُقاتِل نيابة عنكم. نحن عندما نستنهض دول العالم دبلوماسيّاً لأن تمدَّ أكفَّ المُساعَدة للعراق لم نطلب منهم دماً مكان دم أبنائنا، ولا رجالاً بدلاً من رجالنا.. رجالنا شجعان، ويُقاتِلون، ولسنا نحتاج إلى رجال، لكننا نحتاج شيئاً آخر، وهو أن يُسجِّلوا حُضُوراً على مُستوى خدميٍّ، إنسانيٍّ، لوجستيٍّ، أسلحة، طائرات، تدريب، وقوف إلى جانبنا في أروقة العالم. العراق يخوض حرباً عالميّة، ولاتزال مُعولـَمة. للأسف داعش استطاعت أن تـُجسِّد العولمة في عدوانها، ولكنَّ دول العالم لم يرتقِ إلى العولمة على مُستوى الردّ. يجب أن تشهد البعثات العراقـيّة في الخارج انعطافة في مسار التعامُل، والتعاطي.. يجب أن تكون الكلمات محسوبة. هذه مسؤوليّتكم جميعاً.. نحن سنبقى نتواصل معكم أينما تحلون، ومتى ما ترحلون.. سنبقى معكم -بإذن الله تعالى- نتواصل معاً عبر القنوات، وعبر مفاصل الوزارة، ونتمنى لكم كلَّ المُوفـّقيـّة، وأرجو لكم النجاح. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. العودة إلى صفحة الأخبار |
|