|
استحضار حُسْن الآخر
قراءات | 02-07-2015
هناك فارق كبير بين أن نتعامل مع الآخر ونحن نستحضر حُسنه، وفضله، وبين أن نتعامل معه من موقع استحضار خطئه، وتقصيره.. النظرة وفق التعامُل الأوَّل تمنحنا الحُبَّ، والثقة به بينما التعامُل وفق النظرة الثانية تمنحنا الكره، والسخط عليه.. عندما ينظر الأب إلى أبنائه على أنهم مُؤدَّبون، بارّون به، حَسَنو السُلوك اجتماعيّاً غير أن ينظر إليهم بصورة معكوسة مفادها أنهم مُزعِجون، مُكلـِّفون له لم يُطبِّقوا كامل ما يتمنّى، ويتلكّؤا باستجابتهم لما يُريد.. هذه نظرة الأب إلى الأبناء، أمّا إذا قابَلَ الأبَ أبناؤه بنظرة مُقابلة بأن يكون التعاطي من أيٍّ من الاثنين على غرار واحد ستـُضفي عليهما طابعاً من الحُبِّ، والثقة؛ لتـُفضي إلى الانشداد، وكذا الحال بالنسبة إلى الزوجين؛ فكلُّ زوج من الأزواج حين ينظر إلى الزوج الآخر من زاوية كفاءته، وتضحيته، ومَحبَّته، وما أبدى من دورٍ في بناء الأسرة ستقترن تلك النظرة بالمَحبّة، والثقة، والطمأنينة. وحين تلتقي بنظرة مُقابلة من الزوج ستنشر مثلُ هذه النظرة ظلـَّها الوارف على عُمُوم الأسرة.. العائلة التي يعيش أفرادها في أفياء المَحبّة، والنظرة المُتميِّزة إلى كلِّ فرد فيها تجاه الآخرين بأنهم عنصر جذب، وانشداد، مُضافاً إلى ذلك أنَّ استحضار حُسن الآخرين يمنح الإنسان شُعُوراً داخليّاً زاخراً بالسعادة، والنظرة المُتفائِلة وهو ما ينعكس على صفحات وجهه، ومُفرَدات تعامُله، وهو غير الشُعُور الناقم على الآخر، أو المُتحفـَّظ عليه؛ بسبب استحضار سلبيّاته، فهذا من شأنه أن يجعل المُستاء يرزح تحت وطأة عُقدة الانغلاق، والرفض النفسيِّ التي تُصادِر إيجابيّات الآخر مهما بلغت. هذا ما يتجسَّد في مُجمَل التعامُل الاجتماعيِّ بين الناس، ويأخذ نمطيّة الشدِّ بينهم، والانجذاب نحو بعضهم البعض على عكس الحالة المُغايرة لهم، والنافرة منهم، والتي تتمظهر على شكل استياء بينهم.. لا إنسان بلا نقاط ضعف مادام اعتياديّاً، لكنّ زاوية النظر إليه هي التي تـُحدِّد الهُويّة المشاعريّة للناظر.. إن أراد أن ينظر إلى الآخرين بعين الحُبِّ، والاقتراب فلينظر إلى أخطائهم من زاويتهم الإنسانيّة، أمّا إذا نظر إليهم من زاوية أخطائهم فسيغلب على نظرته الكره، والابتعاد. وحتى في مجال فَضِّ الخُصُومات يُصادِف أن يتولـّى شخص ما دور الوسيط بين مُتخاصِمين بالتأكيد هناك في أطراف الخُصُومة ما لهم من حقّ، وما عليهم من تقصير.. الحديث مع كلِّ طرف بحقه على الآخر، وتقصير الآخر بحقه سيزيد من وتيرة التأزيم، ويُغلِق باب العلاقة، أمّا الحديث مع كلِّ طرف بتقصيره تجاه الآخر، وبحقّ الآخر عليه سيدفعهم نحو الاقتراب، وهو مُعبَّأون بما للآخرين من حُقـُوق وما عليه هو من تقصير.. استحضار حُسن الآخر لا يعني جهل، أو إنكار سلبيّاته بقدر ما يعني إنصافه. يقول الله -تعالى- في مُحكَم كتابه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ))...}. |
|