|
الإسكات أم الإقناع
قراءات | 02-07-2015
فنُّ الحوار مع الآخر لابدَّ أن يقوم على أساس الوصول إلى الحقيقة بغضِّ النظر عن ناقلها مشهوراً كان أم مغموراً كبيراً أم صغيراً.. سياقات الحوار البنّاء تقتضي التعاطي الثقافيَّ (التثاقف) بين الأطراف.. لابدَّ أن يكون رائد المُتحاورين هو معرفة الحقيقة كما هي؛ ممّا تستدعي الإبداع بأساليب الإقناع التي تختلف من إنسان لآخر، ومن موضوع لآخر.. إقناع الطرف الثاني بالحوار يعني أنه وصل إلى ما أراده الطرف الأوَّل، أو العكس، أمّا إسكاته بما يحمل من قناعة، وما يملك من معلومات فلا يعني إيصاله إلى الحقيقة.. من الناس مَن يُجيد "فنَّ الإسكات" ولا يُجيد "فنَّ الإقناع". كان على رُوّاد المعرفة أن يطيروا بأجنحة الفكر القويِّ، والأسلوب الجيِّد، والاستدلال المُقنِع فينتقل معهم المتلقي من شاطئ رفض الفكرة إلى شاطئ قبولها. ولسان حاله أنه اقتنع بها إن لم يكن مُتبنياً لها، وداعياً لتطبيقها، أمّا إسكات المُخالِف لها فلا يعني أنَّ الفكرة امتدّت إليه، وحظيت بقناعته وهو وإن سكت إلا أنه يكون اقتنع.. القرآن الكريم يُؤكـِّد على اعتماد البرهان، والدليل في الحوار للوصول إلى الحقيقة: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} مُنطلقات الإقناع، ومُستلزَماته تختلف عن منطلقات، ومُستلزَمات الإسكات؛ وبالنتيجة تختلف في النتائج المُترتبة على كلٍّ منهما.. مَن ينوي بصدق إقناع الآخرين بفكرة ما يجد نفسه أمام مسؤوليّة فهم الفكرة إلى حدِّ اليقين، وفهم الآخر إلى حدِّ الوعي، وفهم الأسلوب المؤثر، والمُناسِب للمُخاطب ما أن يشرع معه في الحوار إلا ويتواصل حتى ينال مُبتغاه بالإقناع، ولا يجد ثمة ما يمنعه من الاقتناع برأي الآخر إذا كان دليله مُقنِعاً؛ ممّا يجعل الطرف المحاور أمام فرصة التعرُّف إلى الحقيقة، وليس في جولة تغالب، أو صراع خُصُومة.. للحوار حَرَمٌ، وللمتحاورين حُرمة لا ينبغي انتهاكها بأيِّ حال.. علامة النجاح في الحوار هي الاقتراب من الحقيقة إن لم يتمَّ التوصُّل إليها؛ وبذلك ينتصر الاثنان معاً؛ لأنهما تزوّدوا منها بفضل جهد المُتحاورين.. اللهم اشرح صُدُورنا لتقبُّل الحقيقة}. |
|