الجعفري: لابد من وقفة واعية ومسؤولة لتقييم التظاهرات المستمرة لأكثر من مائة يوم التي لم تسجل أيَّ سابقة مثيلة لها.. تقادم الزمن لا يسقط الحقوق ولا يعذر الجناة ممّا يستدعي تحديدا دقيقا في معرفتهم ومساءلتهم والابتعاد عن التوصيفات الغامضة كمصطلح الطرف الثالث الجعفريّ: جرائم الاغتيال والقتل والتمثيل بجُثث الموتى انتهاك سافر لحُقوق الإنسان وهو جرس إنذار بتهديد السلم المُجتمَعي وزرع الفتنة ونشر الفوضى في وقت يجب أن يتحمَّل الجميع مسؤوليته الوطنية عبر التعاون على حفظ وحدة الصفِّ الوطني وعدم زعزعة الأمن والاستقرار الجعفريّ: يجب مُحاسَبة كلّ من تورَّط في إراقة دماء أبنائنا المُتظاهِرين والقوات الأمنيّة وإنزال القصاص العادل بحقهم.. الردّ العراقيّ الوطنيّ المُوحَّد هو الذي جعل الهمَّ العراقيَّ فوق كلِّ الهُمُوم وإنسانه فوق كلِّ اعتبار وساهم في تجنب المزيد من الأزمات الجعفريّ: التظاهرات تعبيرٌ عن المُطالَبة عن كلِّ حقّ مهدور وكرامة مُنتهَكة ومال مسروق وسياسة فاسدة وتدخّل أجنبيّ فاحش!!.. يجب منع استخدام السلاح ضدّ المُتظاهِرين وتفقُّد عوائل الشهداء ورعايتهم.. وإلغاء بدعة المُحاصَصة "سيِّئة الصيت" في التشكيلات الحكوميّة رسائل الأيام للدكتور إبراهيم الجعفري الجعفريّ للعرب: لا تنظروا إلى حجم سكاننا بل انظروا إلى قوة إرادتنا وإصرارنا على حقوقنا.. المطلوب من الجامعة العربية أن ترسم أولوياتها على ضوء المصالح والمخاطر وتُفكـِّر بحجم الإنسان العربيِّ والقدر العربيِّ.. وأن ننتهي بنتائج ولا نكتفي بالكلمات والخطب الجعفريّ للعرب: أصبح صوت العراق مسموعاً وأصبحت إنجازاته موضع احترام العالم.. نحتاج إلى وُقوفكم إلى جانبنا ونحن لا نطلب دماء أبنائكم بدلاً من دماء أبنائنا ولكن عليكم مُساعَدتنا في مُواجَهة داعش خُصُوصاً أنَّهم جاؤوا من بلدانكم ومن أكثر من مئة دولة الجعفريّ لوزراء الخارجيَّة العرب: نحن لا نـُمثـِّل حُكـَّاماً وحكومات فقط، بل نـُمثـِّل شُعُوباً عربيَّة وإضعاف أيِّ دولة إضعاف لنا جميعاً.. داعش يستهدف كلَّ دول العالم خُصُوصاً الدول العربيَّة؛ لذا عليكم أن تُتابعوا ما يجري في العراق خطوة خطوة الجعفريّ من جنيف: العراق من الدول التي تعاني من نار الإرهاب ومن الدول المنتصرة على الإرهاب وحاولتْ بعض الجهات الدوليَّة التي تدعم الإرهاب إلى إرباك جهدنا و‏تزييف الحقائق واتهام مُؤسَّسة الحشد الشعبيِّ وبلا دليل، وهي لا تخدم في حقيقتها بذلك إلا الإرهاب الجعفريّ: تـُوجَد الآن دول عظمى تفكِّر بعقليَّة (كاوبوي) -رُعاة البقر-، بينما العراق يتعامل بطريقة إنسانيَّة حتى مع خصمه؛ لأنه تعلـَّم على شيء اسمه كيفيَّة غضِّ النظر عن الجزئيَّات، ويفكر بالحلول أكثر ما يفكر بالمشاكل

اللقاء الذي أجرته قناة BBC عربيَّ مع الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيَّة العراقـيَّة في لندن
الجعفريّ لقناة BBC: لستُ سادناً لأيِّ أحد.. وأتشرَّف بانتمائي للعراق وفي الوقت نفسه أتسع للعلاقات وللبحث عن مُشترَكات مع الدول.. استطاع العراق أن يستنشق العلاقات الواسعة مع كلِّ دول العالم فحظي بالإجماع حتى أصبحت لغة الإجماع ظاهرة في مواقف الدول من العراق
الاخبار | 19-12-2017

الجعفريّ: الدبلوماسيَّة العراقـيَّة تعمل بمبدأ المُبادَرة، والفعل، لا بردِّ الفعل..

الجعفريّ: رسمت الخارجيَّة العراقـيَّة خُصُوصاً في المرحلة الأخيرة من عام 2014 عندما شعرت أنَّ المسؤوليَّة الاستثنائيَّة تقتضي أن يكون هناك حراك دبلوماسيّ لا يقلُّ أهمِّـيَّة عن العمل العسكريِّ لصون البلد، وحمايته من وطأة الإرهاب..

الجعفريّ: فكـَّرنا بالدول التي تجاورنا، وما بعد حوض الجوار الجغرافيِّ، وإنشاء علاقات ثنائيَّة تقوم على أساس القطبيَّة الثنائـيَّة: العراق وكلّ دولة وحدها بغضِّ النظر عن الخلافات، فابتعدنا عن شيء اسمه "سياسة المحاور"، وأقمنا العلاقات الثنائـيَّة على أساس المصالح المُشترَكة، والأهداف المُشترَكة، وفي مُقدّمتها الإرهاب، ووجدنا مساحة للتخاطـُب.

الجعفريّ: نـُدرك جيِّداً أنَّ هناك مُشترَكات بيننا وبين هذه الدول، وهناك اختلافات -أيضاً-، فعملنا جاهدين على تحريك الملفات المُشترَكة، منها: اقتصاديّ، وأمنيّ، وسياسيّ، وفكريّ، واجتماعيّ مُتداخِل بين العراق ودول الجوار، وجمَّدنا نقاط الخلاف، وحرَّكنا المُتفـَق..

الجعفريّ: استطاع العراق أن يستنشق هذه العلاقات الواسعة مع كلِّ دول العالم، ولم يتلكـَّأ، فحظي بالإجماع حتى أصبحت لغة الإجماع ظاهرة الآن في مواقف الدول  من العراق..

الجعفريّ: بيننا وبين السعودية مصالح مُشترَكة، وبيننا وبين إيران مصالح مُشترَكة.. تـُوجَد تقاطعات، وخلافات بين إيران والسعوديَّة إن لم نـُساهِم في حلـِّها فعلى الأقلِّ لا نكون جزءاً منها..

الجعفريّ: منذ زمن وأنا أعمل بهذا الاتجاه، وحدَّثتُ السعوديِّين، وقبلها حدَّثتُ المسؤولين الإيرانيِّين بضرورة طيِّ صفحة الماضي، والبدء بصفحة جديدة؛ لأنَّ إيران الجارة الشرقـيَّة للعراق، والسعوديَّة الجارة الغربيَّة للعراق.. هناك مصالح مُشترَكة، ومخاطر مُشترَكة؛ لذا تحرَّكتُ، ورأيتُ أنَّ هناك تلقـِّياً، ومساحة مُشترَكة.. بالمُناسَبة.. أيّ توتير في العلاقة بين دول الجوار الجغرافيِّ لن يكون العراق بمنأى عنه..

الجعفريّ: ألدُّ أعدائي المُحاصَصة السياسيَّة، واجتزاء العراق، وأعدُّ هذه النقطة قاتلة في تاريخ العراق، وآذت العراق.. أنا لا أؤمن بالمُحاصَصة السياسيَّة، وإنـَّما أؤمن بالتعدُّديَّة، وأؤمن بأنَّ الوزارات يجب أن تفتح أبوابها لأبناء العراق بغضِّ النظر عن خلفـيَّاتهم المذهبيَّة، والدينيَّة، والقوميَّة، والسياسيَّة، وتقوم على أساس الكفاءة، والمُمارَسة، والشهادة العلميَّة؛ فتكون النتيجة أن نحتضن هذه التنوُّعات، لا ننطلق منها..

الجعفريّ: لستُ سادناً لأيِّ أحد.. أنا عراقيّ إلى مُخِّ العظم، وأتشرَّف بانتمائي للعراق، وفي الوقت نفسه أتسع للعلاقات، وللصداقات، وللبحث عن مُشترَكات مع الدول، وأتشرَّف أني أتسع لدول الجوار الجغرافيِّ كلـِّها..

الجعفريّ: لديَّ صداقة مع إيران، وصداقة مع السعوديَّة، وصداقة مع الكويت، وصداقة مع الأردن، ومع الدول كافة، بل حتى مع دول ما بعد الحوض الجغرافيّ.. أتشرَّف أنَّ لديَّ صداقة، فالساحة لمن يُبادِر، ولمَن يُسجِّل حُضُوراً.. حيثما تتواجد العلاقة مع هذه الدول يتواجد..

الجعفريّ: بدأ العراق -أنا لا أتحدَّث عن مُستقبَل، وإنـَّما عن واقع العراق- بدأ يُمارس دوره مثلما كنا نتحدَّث في العام الماضي عن النصر نتحدَّث عن مُستقبَل النصر.. اليوم نتحدَّث، ونحن واقفون على أرض النصر، حقـَّقنا النصر، نحن نتحدَّث عن مسألة التقريب بين الدول المُختلِفة الاتجاه.. العراق يُجيد فنَّ تحريك المُشترَكات لما يدرُّ على عُمُوم المنطقة بالخير.. ولن نتعب منه، وسنـُواصِل إلى أن نُحقـِّقه؛ لأنَّ الواقع أثبت أنـَّه لا يُمكِن أن تتصدَّع عُرى الأمن في بلد ما من دون أن تنعكس على دول الجوار الجغرافيّ..

الجعفريّ: في شرم الشيخ عندما أسَّست ما يُسمَّى القوة العسكريَّة العربيَّة قلنا لهم: المبدأ صحيح، ولكن أن تدخلوا إلى اليمن فهذا نرفضه؛ فوصلوا إلى هذه النتيجة، وأدركوا أنـَّه كان خطأ، وكان العراق صوتاً غريباً، وقلناها بصراحة: إنَّ هذه لا طائل من ورائه، وسيُكلـِّف العرب عُمُوماً ثمناً غالياً..

الجعفريّ: الشُعُوب تبرم علاقات فيما بينها مثلما يُوجَد بين العراق وبين شُعُوب المنطقة تداخل ديمغرافيّ وسكانيّ، كذلك الدول يُمكِن أن تـُنشِئ العلاقات، ونحن لا نختنق من العلاقات بشرط أن لا يتحوَّل التداخُل المُجتمَعيُّ، والصداقات إلى تدخـُّل في الشُؤُون السياديَّة، واللعب في مصائر الشُعُوب.. هذا لا نقبله، أمَّا أن تكون لدينا علاقة مع هذه الدولة وتلك الدولة فهذا شيء نعتزّ به..

الجعفريّ: لدينا علاقة مُمتازة مع تركيا، وعلاقة مُمتازة مع السعوديَّة، وعلاقة مُمتازة مع إيران، ومع الكويت، ومع الأردن..

الجعفريّ: نحن لسنا في معركة مع الأكراد، بل هم أبناء شعبنا، وإنـَّما نحن مع إقرار النظام، وتطبيق الدستور، وفي أيِّ منطقة، مثلما كان في زمن الأخ المالكيّ في البصرة عندما ارتبك الوضع شنَّ حملة.. فنحن نفس العقلـيَّة، ونفس الأخلاقـيَّة بصدد تطبيق الدستور، والتعامُل مع شرائح المُجتمَع العراقيِّ كافة..

الجعفريّ: الشهر الماضي بعض الجُيُوب تحرَّكت، وعندما تحرَّكت القوات العسكريَّة العراقـيَّة كان منهم البيشمركة يُقاتِلون، وفي كركوك عندما دخلت القوات العسكريَّة العراقـيَّة إليها رحَّبت بها كلُّ مُجتمَعيَّات كركوك بما فيها الإخوة الكرد..

الجعفريّ: الفاصل بيننا وبين كلِّ تصرُّف هو الدستور العراقيّ الذي لم يترك نقاط فراغ.. هو دستور مُتكامِل، وجيِّد على الرغم ممَّا عليه من بعض المُلاحَظات، وهو الحدُّ الفاصل في قبول ورفض أيِّ شيء، ولا نتعامل بمزاجيَّة، بل نتعامل بنمطيَّة سُلوكيَّة مُتوازنة.. الاحتكام إلى الدستور دليل حضاريَّة كلِّ بلد، وقانونيَّة كلِّ بلد، ومشروعيَّة كلِّ حكومة..

الجعفريّ: أبرزتُ الدستور العراقيَّ في مُؤتمَر القِمَّة العربيَّة، وقلتُ: هذا هو الدستور العراقيُّ، وهذه المادَّة الأولى لا تسمح بوُجُود شيء اسمه استفتاء، وانفصال؛ لذا جاء القرار بالإجماع، وأدان هذا التصرُّف منذ وقت مُبكـِّر، وعدُّوه خلاف الدستور العراقيِّ، وخلاف القانون العراقيِّ، وقُلْ مثل ذلك مع منظمة التعاون الإسلاميِّ إذ شجبت الاستفتاء بنفس الخلفيَّة..

الجعفريّ: أحترم العلاقة بين فرنسا في تاريخها، وحاضرها، ولكن أعتقد أنَّ التجربة في العمل السياسيِّ تـُعطيك ما لا يُعطيك الكتاب، ولا يُعطيك التصويت في الشارع.. مع احترامي للرئيس الفرنسيّ ما كان ينبغي أن يصدر عنه هذا الموقف الخاص بكردستان خُصُوصاً أنَّ الحكومة العراقـيَّة برهنت على أنـَّها تمتلك علاقات جيِّدة مع فرنسا، وهي بلد الدستور.. وحقوق الإنسان انطلقت من مبادئ من فرنسا.. كان المفروض أن لا يصدر هذا التصريح أصلاً بهذا الشكل الفاقع؛ لأنـَّه خلاف الدستور العراقيِّ، والظاهرة الدستوريَّة علامة مُميِّزة لكلِّ بلدان العالم المُستقِرَّة ديمقراطيّاً..

الجعفريّ: نحن نتعامل مع الأكراد، أوّلاً: كجزء من شعبنا، ثانياً: نتعامل مع إقليم كردستان كقضيَّة أقرَّها الدستور.. خلافنا هو عندما حدث الاستفتاء، وأعطى إشارات مُبكـِّرة للانفصال، والتجاوز على الحُدُود.. هذا هو الذي رفضناه، نحن لا نرفض أن تكون إقليماً؛ لأنَّ الدستور أقرَّ أنـَّه يحِقُّ لأيِّ ثلاث محافظات أن تـُقيم إقليماً.. ليس لدينا مُشكِلة في أن يكون هناك إقليم في العراق مادامت الحقوق تـُؤخَذ وفق الدستور.. لا اعتراض للحكومة العراقـيَّة عليه..

الجعفريّ: حُصُول البيشمركة على السلاح من مصادر خارجيَّة هذا لا يسمح به الدستور أصلاً.. ونقل السلاح، وتداول السلاح يجب أن يكون عبر الحكومة الاتحاديَّة.. ودول العالم نـُسمعها ما نرضى به، وما لا نرضى به.. نحن لسنا خجولين من المطالبة بحقوقنا، وبإشعار الطرف المقابل..

الجعفريّ: تـُوجَد كلُّ الشرائح العراقـيَّة في الوزارات بما فيها الشريحة الكرديَّة، والسُنـَّة، والشيعة، والتركمان، والمسيحيُّون، الإيزديَّة، والصابئة..

الجعفريّ: المُمثليَّات الكرديَّة في الخارج هي أساساً لم تكن بقرار مركزيّ حكوميّ.. والوزارات كلـُّها، ووزارة الخارجيَّة بالذات باعتبارها الوزارة السياديَّة الأولى في العراق، وفي الوقت نفسه السفارات التي تـُفتـَح من قِبَل الخارجيَّة يكون ضمن سياق، ونمطيَّة قانونيَّة.. الممثليَّات إنـَّما فـُتِحَت في الخارج بمعزل عن الحكومة..

الجعفريّ: ليس لدينا معركة مع الأكراد، بل هناك مجموعة تمرَّدت على القانون، وتعسَّفت في استخدام قرارها في حالة ضعف، والعراق كان يُقاتِل على أكثر من جبهة ضدّ داعش، ويسعى من أجل تحسين الوضع الاقتصاديِّ في الوقت الذي كان يُعاني من أزمة اقتصاديَّة حدثت بعض هذه الظواهر، وفي الوقت نفسه ننوي تصحيحها بطريقة حضاريَّة صحيحة وفق الدستور..

الجعفريّ: أيُّها أصعب على المُجتمَع الدوليِّ مشروع مارشال عام 1946-1947، أم مشروع مارشال المُطوَّر لصالح العراق؟.. هذا (مشروع مارشال المُطوَّر) أسهل بكثير من ذاك.. جزء من مُحتويات مشروع مارشال تتحرَّك على الأرض في العراق، وما رأيتُ من الدول مُعارَضة، أو مُحارَبة حادَّة أبداً من كثير من الدول.. مشروع مارشال كان مشروعاً مُتحضِّراً.. ألمانيا جرَّت العالم إلى حرب كلـَّفت 50 إلى 80 مليون ضحيَّة، ومع ذلك انتبهت أميركا بالذات، وبقـيَّة الدول إلى خطيئتها في الحرب العالميَّة الأولى، وما كرَّرت الخطأ..

الجعفريّ: نحن تصدَّينا للإرهاب على صعيد، وتصدَّينا لمُواجَهة الفساد بكلِّ أنواعه على صعيد آخر، والعمليَّة لا تتجزَّأ.. حركة الإصلاح، والإصرار على الإصلاح جاء كمُبادَرة عراقـيَّة؛ لأنـَّهم يشعرون أنَّ هذه مُعوِّقات لإعادة بناء الدولة..

الجعفريّ: لستُ مع لغة الهتك، والتشهير بأيِّ شخصيَّة مهما كانت ما لم يثبت بالدليل القاطع أنـَّه مُتلبِّس بالفساد، وأعدُّ حتى بعض الأسماء التي وَرَدَت كانت خطيئة، وليس خطأ فقط خُصُوصاً عندما تكون من جهة قضائيَّة، أو النزاهة، أو ما شاكل ذلك.. يبقى المُتهَم بريئاً حتى تثبت إدانته، هذا شيء طبيعيّ، ومبدأ إنسانيّ اتفقت عليه كلُّ الشرائع السماويَّة، والوضعيَّة، وفي الوقت نفسه يجب أن يكون القصاص على قدر الجناية، ويكون القصاص بعد إثبات الجناية، أمَّا أن يكون القصاص أكثر من الجناية، أو القصاص قبل أن تثبت الجناية فهذه كلـُّها مُفارَقات..

الجعفريّ: أنا ابن العراق، وأقول لك: العراق مُصمِّم على مكافحة الفساد بكلِّ أنواعه، ومُصمِّم على تجاوز المُحاصَصة السياسيَّة التي نخرت أجهزة الدولة، ومُصمِّم على الإقدام على كثير من الخطوات التي سيتفاجأ بها العالم، كما تفاجأ بهزيمة داعش..

الجعفريّ: يُوجَد شيء مُتعلـِّق بالقوات المُسلـَّحة العراقـيَّة، وهو أن يخضع كلُّ أفراده إلى الانصهار في وعاء القوات المُسلـَّحة العراقـيَّة تحت أمرة الأخ رئيس الوزراء، هذا من الطرف الحكوميِّ..

الجعفريّ: العراق دولة قانون، والذي يحكم فيه هو القانون، والدستور هو المائز بين القبول والرفض، وليست قبولاً مزاجيّاً، ورفضاً مزاجيّاً، بل قبولاً دستوريّاً، ورفضاً دستوريّاً..

الجعفريّ: المرجعيَّة الدينيَّة ذاتها أشارت في أوَّل صُدُور الفتوى إلى ضرورة أن يكون هذا التحرُّك تحت مظلة الحكومة العراقـيَّة، وقامت ببادرة استباقـيَّة مُبكـِّرة بأنـَّه لا ينبغي أن تتحوَّل هذه إلى حالة نِدّيَّة؛ ومن ثم تـُزرَع وكأنـَّها حالة ضدّ..

الجعفريّ: التحالف الدوليّ تشكـَّل في شهر أيلول/ سبتمبر 2014، وشاركتُ في ذلك، ووجَّهتُ رسالة، وطلبتُ التدخـُّل بشُرُوط ستة كان أبرزها هو أن لا يمسّ الدستور، أن لا تـُمَسَّ السيادة، وأن لا تـُزرَع قواعد في العراق؛ لأنَّ شعبنا يخشى شبح الحرب العالميَّة الثانية إذ لايزال في خاطره القواعد الموجودة الآن في كوريا، والقواعد الموجودة في تركيا إنجرليك، والقواعد الموجودة في ألمانيا.. لا نـُريد أن نـُعِيد شبح هذه القواعد إلى العراق..

الجعفريّ: طلب مني وزير الخارجيَّة الأميركيّ جون كيري أن أوصل رسالة إلى سورية بأنـَّهم نووا أن يقصفوا قواعد لداعش كانت تنطلق من هناك لقصف العراق.. قلتُ له: لا مانع لديَّ بشرط أن تـُحترَم السيادة السوريَّة، مثلما تـُحترَم السيادة العراقـيَّة، فالعراق لم يُشدِّد على احترام سيادته فقط، بل شدَّد على سيادة الدول الأخرى التي توسَّط في أن يُؤدِّي دوراً فيها..

 

وإلى حضراتكم النص الكامل للقاء قناةBBC  عربيَّ مع الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيَّة العراقـيَّة في لندن

  • باعتبارك رئيساً للدبلوماسيَّة العراقـيَّة ما تصوُّرك للنظام الإقليميِّ الآن؛ لأنَّ النظام العربيَّ كما عهدناه، أو عرفناه رُبَّما انهار، أو انتهى؟

الجعفريّ: الدبلوماسيَّة العراقـيَّة تعمل بمبدأ المُبادَرة، والفعل، لا بردِّ الفعل.

رسمت الخارجيَّة العراقـيَّة خُصُوصاً في المرحلة الأخيرة من عام 2014 عندما شعرت أنَّ المسؤوليَّة الاستثنائيَّة تقتضي أن يكون هناك حراك دبلوماسيّ لا يقلُّ أهمِّـيَّة عن العمل العسكريِّ لصون البلد، وحمايته من وطأة الإرهاب؛ وفكـَّرنا بالدول التي تجاورنا، وما بعد حوض الجوار الجغرافيِّ، وإنشاء علاقات ثنائيَّة تقوم على أساس القطبيَّة الثنائـيَّة: العراق وكلّ دولة وحدها بغضِّ النظر عن الخلافات، فابتعدنا عن شيء اسمه "سياسة المحاور"، وأقمنا العلاقات الثنائـيَّة على أساس المصالح المُشترَكة، والأهداف المُشترَكة، وفي مُقدّمتها الإرهاب، ووجدنا مساحة للتخاطـُب.

نـُدرك جيِّداً أنَّ هناك مُشترَكات بيننا وبين هذه الدول، وهناك اختلافات -أيضاً-، فعملنا جاهدين على تحريك الملفات المُشترَكة، منها: اقتصاديّ، وأمنيّ، وسياسيّ، وفكريّ، واجتماعيّ مُتداخِل بين العراق ودول الجوار، وجمَّدنا نقاط الخلاف، وحرَّكنا المُتفـَق؛ لذا استطاع العراق أن يستنشق هذه العلاقات الواسعة مع كلِّ دول العالم، ولم يتلكـَّأ، فحظي بالإجماع حتى أصبحت لغة الإجماع ظاهرة الآن في مواقف الدول  من العراق.

 

  • أخذتني إلى محور التوازن في العلاقات بين بغداد وطهران من جهة، وبغداد والرياض من جهة أخرى، ولكن هناك مَن يقول: إنَّ السعوديَّة أحوج ما تكون إلى الانفتاح على العراق بخاصَّة بعد أن استبدَّ العنف، والعمل الإرهابيُّ بمناطق مُعيَّنة في العراق؟

الجعفريّ: هذا لا يتعارض مع سياستنا في البحث عن المُشترَك بيننا وبين هذه الدول.

بيننا وبين السعودية مصالح مُشترَكة، وبيننا وبين إيران مصالح مُشترَكة.

تـُوجَد تقاطعات، وخلافات بين إيران والسعوديَّة إن لم نـُساهِم في حلـِّها فعلى الأقلِّ لا نكون جزءاً منها.

 

  • هل الإيرانـيُّون مُستعِدُّون للقبول بهذا المنطق، كيف أقنعتَ الإيرانيِّين، والسعوديِّين على حدٍّ سواء بأن يقبلوا رغم خلافاتهما المريرة، وصراعهم الإقليميِّ على النفوذ، وهو صراع دمويّ في كثير من المواقع أن يقبلوا بأنَّ العراق يُمكِن أن يقف في نقطة المُنتصَف بينهم؟

الجعفريّ: منذ زمن وأنا أعمل بهذا الاتجاه، وحدَّثتُ السعوديِّين، وقبلها حدَّثتُ المسؤولين الإيرانيِّين بضرورة طيِّ صفحة الماضي، والبدء بصفحة جديدة؛ لأنَّ إيران الجارة الشرقـيَّة للعراق، والسعوديَّة الجارة الغربيَّة للعراق..

هناك مصالح مُشترَكة، ومخاطر مُشترَكة؛ لذا تحرَّكتُ، ورأيتُ أنَّ هناك تلقـِّياً، ومساحة مُشترَكة.

بالمُناسَبة.. أيّ توتير في العلاقة بين دول الجوار الجغرافيِّ لن يكون العراق بمنأى عنه.

 

  • أنتَ رئيس الدبلوماسيّة العراقـيَّة، ولا تنجو من سهام النقد.. هناك مَن يقول: إنَّ الأدوار مُوزَّعة في تنفيذ السياسة الخارجيَّة العراقـيَّة، أو توجُّهات السياسة الخارجيَّة العراقـيَّة في المرحلة الجديدة على أساس الكتل، أو الأحزاب، أو الطائفة.. ما ردُّك على هذا الاتهام؟

الجعفريّ: أبرأ منها براءة الذئب من دم يوسف، ألدُّ أعدائي المُحاصَصة السياسيَّة، واجتزاء العراق، وأعدُّ هذه النقطة قاتلة في تاريخ العراق، وآذت العراق.

أنا لا أؤمن بالمُحاصَصة السياسيَّة، وإنـَّما أؤمن بالتعدُّديَّة، وأؤمن بأنَّ الوزارات يجب أن تفتح أبوابها لأبناء العراق بغضِّ النظر عن خلفـيَّاتهم المذهبيَّة، والدينيَّة، والقوميَّة، والسياسيَّة، وتقوم على أساس الكفاءة، والمُمارَسة، والشهادة العلميَّة؛ فتكون النتيجة أن نحتضن هذه التنوُّعات، لا ننطلق منها.

 

  • السيِّد رئيس الحكومة لديه سُمعة أنـَّه رجل يجنح بالبلاد إلى الإصلاح، ومكافحة الفساد، ورأيناه يزور السعوديَّة أكثر من مرَّة، في حين أنَّ الانتقادات في عرقلة حُدُوث توسُّع أكبر في العلاقات مع السعوديَّة تنصبُّ على شخصك، وهو حراسة النفوذ الإيرانيّ في العراق؟

الجعفريّ: ماذا يقولون تحديداً؟

 

  • تهمة هكذا تـُقال.

الجعفريّ: إنـَّه تـُوجَد علاقة مع إيران؟

 

  • أنَّ هناك سدنة للنفوذ الإيرانيِّ في العراق؟

الجعفريّ: لستُ سادناً لأيِّ أحد.. أنا عراقيّ إلى مُخِّ العظم، وأتشرَّف بانتمائي للعراق، وفي الوقت نفسه أتسع للعلاقات، وللصداقات، وللبحث عن مُشترَكات مع الدول، وأتشرَّف أني أتسع لدول الجوار الجغرافيِّ كلـِّها.

لديَّ صداقة مع إيران، وصداقة مع السعوديَّة، وصداقة مع الكويت، وصداقة مع الأردن، ومع الدول كافة، بل حتى مع دول ما بعد الحوض الجغرافيّ..

أتشرَّف أنَّ لديَّ صداقة، فالساحة لمن يُبادِر، ولمَن يُسجِّل حُضُوراً.. حيثما تتواجد العلاقة مع هذه الدول يتواجد.

 

  • هل تتوقـَّع أن يكون العراق عنصراً فاعلاً بطريقة إيجابيَّة بالنظر إلى الاستعصاء بالعلاقة.. لديك مثال حيّ هو ما يجري في اليمن، هل تتصوَّر أن يكون للعراق يوماً ما دور في تبديد هذا الصراع المرير بين الإيرانيِّين، والسعوديِّين مثلاً؟

الجعفريّ: بدأ العراق -أنا لا أتحدَّث عن مُستقبَل، وإنـَّما عن واقع العراق- بدأ يُمارس دوره مثلما كنا نتحدَّث في العام الماضي عن النصر نتحدَّث عن مُستقبَل النصر.

اليوم نتحدَّث، ونحن واقفون على أرض النصر، حقـَّقنا النصر، نحن نتحدَّث عن مسألة التقريب بين الدول المُختلِفة الاتجاه.

العراق يُجيد فنَّ تحريك المُشترَكات لما يدرُّ على عُمُوم المنطقة بالخير.

 

  • هل هناك عمل يجري في هذه الأثناء على هذا الصعيد؟

الجعفريّ: نعم.. ولن نتعب منه، وسنـُواصِل إلى أن نُحقـِّقه؛ لأنَّ الواقع أثبت أنـَّه لا يُمكِن أن تتصدَّع عُرى الأمن في بلد ما من دون أن تنعكس على دول الجوار الجغرافيّ.

 

  • ناقشتَ في قمة لندن الدبلوماسيَّة هذا الملفَّ بالدرجة الأولى الذي هو النظام، أو النظم الإقليميَّة مثلما قلتُ لك: النظام العربيّ تضعضع، أو رُبَّما انتهى.. هل هناك صيغة يشتغل العراق عليها، وهل يُصغي لكم السعوديُّون، وهل الإيرانيُّون مُستعِدُّون لصيغة تفاهم؟

الجعفريّ: يُصغون، وفي بعض الأحيان ولدت هذه المصطلحات في أجواء قد تكون في البداية محمومة.

في شرم الشيخ عندما أسَّست ما يُسمَّى القوة العسكريَّة العربيَّة قلنا لهم: المبدأ صحيح، ولكن أن تدخلوا إلى اليمن فهذا نرفضه؛ فوصلوا إلى هذه النتيجة، وأدركوا أنـَّه كان خطأ، وكان العراق صوتاً غريباً، وقلناها بصراحة: إنَّ هذه لا طائل من ورائه، وسيُكلـِّف العرب عُمُوماً ثمناً غالياً.

 

  • المنطقة العربيَّة تحفل بصراعات مريرة، وأذرع إيرانيَّة في المنطقة: في اليمن حركة أنصار الله، وحزب الله في لبنان كيف التعامل مع هذه الملفات العويصة مُستقبَلاً؟

الجعفريّ: الشُعُوب تبرم علاقات فيما بينها مثلما يُوجَد بين العراق وبين شُعُوب المنطقة تداخل ديمغرافيّ وسكانيّ، كذلك الدول يُمكِن أن تـُنشِئ العلاقات، ونحن لا نختنق من العلاقات بشرط أن لا يتحوَّل التداخُل المُجتمَعيُّ، والصداقات إلى تدخـُّل في الشُؤُون السياديَّة، واللعب في مصائر الشُعُوب.. هذا لا نقبله، أمَّا أن تكون لدينا علاقة مع هذه الدولة وتلك الدولة فهذا شيء نعتزّ به.

لدينا علاقة مُمتازة مع تركيا، وعلاقة مُمتازة مع السعوديَّة، وعلاقة مُمتازة مع إيران، ومع الكويت، ومع الأردن.

 

  • العلاقة مع الكويت، وتركيا، وإيران كانت مُفيدة جدّاً للحكومة العراقـيَّة بخاصَّة في البتِّ بطريقة فعّالة، وناجعة في الاستفتاء الكرديِّ، وما بتَّ به القضاء الأعلى في العراق من إلغاء نتائج الاستفتاء.. ألم تعتمدوا على قوى إقليميَّة؟

الجعفريّ: يُضاف إليها عامل آخر، هو أنَّ هذه الدول في مُجتمَعاتها يُوجَد عنصر مُشترَك مع العراق، وهو وُجُود الإخوة الكرد في تركيا، ولعلَّ أكثر حجم سكانيّ ديمغرافيّ من الأكراد موجود في تركيا، وهو 18 مليون كرديٍّ على ما قِيلَ؛ إذن ما هدَّد العراق اليوم سيُهدِّد غيره غداً، وأنَّ عدوى هذه القضيَّة ستنتقل إلى تركيا، وإيران، وسورية، وروسيا.

خمس دول فيها مُجتمَعيِّات كرديَّة.. الأكراد جزء حيويّ من شعبنا، وقدَّموا ما قدَّموا.

 

  • ماداموا أعلنوا قبولهم بما خلـُصت إليه المحكمة العراقـيَّة العليا هل معنى هذا أنَّ حكومة السيِّد حيدر العباديّ ستنبري لكلِّ هذه الملفات العالقة، وتـُنهي ملفَّ الخلاف، والمناطق المُتنازَع عليها؟

الجعفريّ: نحن لسنا في معركة مع الأكراد، بل هم أبناء شعبنا، وإنـَّما نحن مع إقرار النظام، وتطبيق الدستور، وفي أيِّ منطقة، مثلما كان في زمن الأخ المالكيّ في البصرة عندما ارتبك الوضع شنَّ حملة.

فنحن نفس العقلـيَّة، ونفس الأخلاقـيَّة بصدد تطبيق الدستور، والتعامُل مع شرائح المُجتمَع العراقيِّ كافة.

 

  • ليست الحكومة العراقـيَّة بصدد تقليم أظفار الأكراد كما يُقال؟

الجعفريّ: تـُقلـِّم أظفار أبناء شعبك الذي إلى الأمس القريب قدَّم ضحايا في حلبجة، وفي الأنفال، وساهم في تحرير الموصل.

إلى الشهر الماضي بعض الجُيُوب تحرَّكت، وعندما تحرَّكت القوات العسكريَّة العراقـيَّة كان منهم البيشمركة يُقاتِلون، وفي كركوك عندما دخلت القوات العسكريَّة العراقـيَّة إليها رحَّبت بها كلُّ مُجتمَعيَّات كركوك بما فيها الإخوة الكرد.

 

  • هناك دول خارجيَّة قد تتدخـَّل في المسألة، وهناك قلق من حُصُول الأكراد على السلاح من مصادر خارجيَّة، كيف تتعاملون مع هذه الملفات الدقيقة، والحسَّاسة؟

الجعفريّ: الفاصل بيننا وبين كلِّ تصرُّف هو الدستور العراقيّ الذي لم يترك نقاط فراغ.

هو دستور مُتكامِل، وجيِّد على الرغم ممَّا عليه من بعض المُلاحَظات، وهو الحدُّ الفاصل في قبول ورفض أيِّ شيء، ولا نتعامل بمزاجيَّة، بل نتعامل بنمطيَّة سُلوكيَّة مُتوازنة.

الاحتكام إلى الدستور دليل حضاريَّة كلِّ بلد، وقانونيَّة كلِّ بلد، ومشروعيَّة كلِّ حكومة.

أبرزتُ الدستور العراقيَّ في مُؤتمَر القِمَّة العربيَّة، وقلتُ: هذا هو الدستور العراقيُّ، وهذه المادَّة الأولى لا تسمح بوُجُود شيء اسمه استفتاء، وانفصال؛ لذا جاء القرار بالإجماع، وأدان هذا التصرُّف منذ وقت مُبكـِّر، وعدُّوه خلاف الدستور العراقيِّ، وخلاف القانون العراقيِّ، وقُلْ مثل ذلك مع منظمة التعاون الإسلاميِّ إذ شجبت الاستفتاء بنفس الخلفيَّة.

 

  • إدلاء الرئيس الفرنسيّ ماكرون بدلوه في الموضوع ليس شيئاً طبيعيّاً، بماذا تـُعلـِّق؟

الجعفريّ: أحترم العلاقة بين فرنسا في تاريخها، وحاضرها، ولكن أعتقد أنَّ التجربة في العمل السياسيِّ تـُعطيك ما لا يُعطيك الكتاب، ولا يُعطيك التصويت في الشارع.. مع احترامي للرئيس الفرنسيّ ما كان ينبغي أن يصدر عنه هذا الموقف خُصُوصاً أنَّ الحكومة العراقـيَّة برهنت على أنـَّها تمتلك علاقات جيِّدة مع فرنسا، وهي بلد الدستور.. وحقوق الإنسان انطلقت من مبادئ من فرنسا.

كان المفروض أن لا يصدر هذا التصريح أصلاً بهذا الشكل الفاقع؛ لأنـَّه خلاف الدستور العراقيِّ، والظاهرة الدستوريَّة علامة مُميِّزة لكلِّ بلدان العالم المُستقِرَّة ديمقراطيّاً.

 

  • بالنظر إلى الوزن الإيرانيِّ، والتركيِّ في التعامُل مع المسألة الكرديَّة، وكيف حلـَّت بعد الاستفتاء، ما النهج الذي تسعى إليه بغداد من الآن فصاعداً في التعامُل مع كردستان كإقليم لديه هذا الشكل من الحكم الذاتيّ؟

الجعفريّ: نحن نتعامل مع الأكراد، أوّلاً: كجزء من شعبنا، ثانياً: نتعامل مع إقليم كردستان كقضيَّة أقرَّها الدستور.

خلافنا هو عندما حدث الاستفتاء، وأعطى إشارات مُبكـِّرة للانفصال، والتجاوز على الحُدُود.. هذا هو الذي رفضناه، نحن لا نرفض أن تكون إقليماً؛ لأنَّ الدستور أقرَّ أنـَّه يحِقُّ لأيِّ ثلاث محافظات أن تـُقيم إقليماً.

ليس لدينا مُشكِلة في أن يكون هناك إقليم في العراق مادامت الحقوق تـُؤخَذ وفق الدستور.. لا اعتراض للحكومة العراقـيَّة عليه.

 

  • القلق من احتمال حُصُول البيشمركة على السلاح من مصادر خارجيَّة كيف تتعاملون معه؟

الجعفريّ: هذا لا يسمح به الدستور أصلاً.. نقل السلاح، وتداول السلاح يجب أن يكون عبر الحكومة الاتحاديَّة.

 

  • تتعاملون مع الحكومات الأجنبيَّة التي لها دور من قريب أو بعيد في هذا الموضوع؟

الجعفريّ، نـُسمعها ما نرضى به، وما لا نرضى به.. نحن لسنا خجولين من المطالبة بحقوقنا، وبإشعار الطرف المقابل.

 

  • بغداد في معرض إلغاء نظام الحكم الذاتيِّ، أو الإدارة الإقليميَّة في كردستان العراق، بغداد عائدة إلى الحكم المركزيّ؟

الجعفريّ: تهذيبه، وتطبيق الدستور عليه بشكل صحيح.. ما يُقِرُّه الدستور ستـُعطيه، فضلاً عن أن تستجيب له.

تـُوجَد كلُّ الشرائح العراقـيَّة في الوزارات بما فيها الشريحة الكرديَّة، والسُنـَّة، والشيعة، والتركمان، والمسيحيُّون، الإيزديَّة، والصابئة.

 

  • هناك مُمثليَّات كرديَّة في الخارج للحكومة الإقليميَّة في كردستان.. كيف تتعاملون مع هذا الملفِّ، وهل صحيح أنَّ هناك اتجاهاً لتقليص عدد الأكراد الذين يشغلون مناصب قنصليَّة، أو دبلوماسيَّة؟

الجعفريّ: هي أساساً لم تكن بقرار مركزيّ حكوميّ..

الوزارات كلـُّها، ووزارة الخارجيَّة بالذات باعتبارها الوزارة السياديَّة الأولى في العراق، وفي الوقت نفسه السفارات التي تـُفتـَح من قِبَل الخارجيَّة يكون ضمن سياق، ونمطيَّة قانونيَّة.

الممثليَّات إنـَّما فـُتِحَت في الخارج بمعزل عن الحكومة.

 

  • في مرحلة ضعف الدولة؟

الجعفريّ: مثلاً هذه علامة على وُجُود ضعف في الدولة، أمَّا بالنسبة لنا فالشيء الذي يكون وفق الدستور نـُوافِق عليه، والذي لا يكون وفق الدستور نرفضه بضرس قاطع.

 

  • الأكراد يُصغون لهذه الحُجَج؟

الجعفريّ: ليس لدينا معركة مع الأكراد، بل هناك مجموعة تمرَّدت على القانون، وتعسَّفت في استخدام قرارها في حالة ضعف، والعراق كان يُقاتِل على أكثر من جبهة ضدّ داعش، ويسعى من أجل تحسين الوضع الاقتصاديِّ في الوقت الذي كان يُعاني من أزمة اقتصاديَّة حدثت بعض هذه الظواهر، وفي الوقت نفسه ننوي تصحيحها بطريقة حضاريَّة صحيحة وفق الدستور.

 

  • تـُنادي بخطة مارشال لإعادة الإعمار والبناء، ما معايير المُجتمَع الدوليّ إذا أراد أن يهبَّ لمُساعَدة العراق في هذا المجال؟

الجعفريّ: أيُّها أصعب على المُجتمَع الدوليِّ مشروع مارشال عام 1946-1947، أم مشروع مارشال المُطوَّر لصالح العراق؟

هذا (مشروع مارشال المُطوَّر) أسهل بكثير من ذاك.

 

  • هل هناك آذان صاغية لهذا، ومَن يتفاعل معك؟

الجعفريّ: جزء من مُحتويات مشروع مارشال تتحرَّك على الأرض، وما رأيتُ منها مُعارَضة، أو مُحارَبة حادَّة أبداً من كثير من الدول.

مشروع مارشال كان مشروعاً مُتحضِّراً.. ألمانيا جرَّت العالم إلى حرب كلـَّفت 50 إلى 80 مليون ضحيَّة، ومع ذلك انتبهت أميركا بالذات، وبقـيَّة الدول إلى خطيئتها في الحرب العالميَّة الأولى، وما كرَّرت الخطأ.

 

  • المُقارَنة جائزة، لكن هناك عناصر من التبايُن.. العراق دولة غنيَّة، ولديه احتياطات كبيرة من النفط، وهناك اتهامات بأنَّ العراق في المرحلة التي تخلـَّص فيها من استبداد النظام السياسيِّ السابق دخل هذه المرحلة من العنف، وأعمال الإرهاب، وفي الوقت ذاته كان هناك تبديد للموارد الماليَّة.. هذه هي المعايير التي سيتحدَّاكم بها المُجتمَع الدوليّ إذا طالبتم بمشروع مارشال، أو بدعم لأنـَّكم تصدَّيتم للإرهاب؟

الجعفريّ: نحن تصدَّينا للإرهاب على صعيد، وتصدَّينا لمُواجَهة الفساد بكلِّ أنواعه على صعيد آخر، والعمليَّة لا تتجزَّأ.

حركة الإصلاح، والإصرار على الإصلاح جاء كمُبادَرة عراقـيَّة؛ لأنـَّهم يشعرون أنَّ هذه مُعوِّقات لإعادة بناء الدولة.

 

  • أخشى أن تكون هذه المبادئ التي تبنـَّتها الدولة العراقـيَّة في مُحارَبة الفساد كلاماً نظريّاً، فلم نسمع عن مُحاسَبات عن أموال البلد.. أنتَ تعلم جيِّداً؟

الجعفريّ: الجهات المُختصَّة تتناول بعض الأسماء..

بالمُناسَبة.. أنا لستُ مع لغة الهتك، والتشهير بأيِّ شخصيَّة مهما كانت ما لم يثبت بالدليل القاطع أنـَّه مُتلبِّس بالفساد، وأعدُّ حتى بعض الأسماء التي وَرَدَت كانت خطيئة، وليس خطأ فقط خُصُوصاً عندما تكون من جهة قضائيَّة، أو النزاهة، أو ما شاكل ذلك.. يبقى المُتهَم بريئاً حتى تثبت إدانته، هذا شيء طبيعيّ، ومبدأ إنسانيّ اتفقت عليه كلُّ الشرائع السماويَّة، والوضعيَّة، وفي الوقت نفسه يجب أن يكون القصاص على قدر الجناية، ويكون القصاص بعد إثبات الجناية، أمَّا أن يكون القصاص أكثر من الجناية، أو القصاص قبل أن تثبت الجناية فهذه كلـُّها مُفارَقات.

أنا ابن العراق، وأقول لك: العراق مُصمِّم على مكافحة الفساد بكلِّ أنواعه، ومُصمِّم على تجاوز المُحاصَصة السياسيَّة التي نخرت أجهزة الدولة، ومُصمِّم على الإقدام على كثير من الخطوات التي سيتفاجأ بها العالم، كما تفاجأ بهزيمة داعش.

 

  • أعلنتَ النصر على داعش، وذلك يعني الكثير، لكن هناك قوى إقليميَّة، ومنها: الولايات المتحدة، والتحالف الدوليّ من عضَّد العراق بأجهزته الأمنيَّة، والعسكريَّة في هذه الحرب.. ما مصير هذه القوى التي كان لها دور في هذه الحرب، وفي الحسم العسكريّ؟

الجعفريّ: يُوجَد شيء مُتعلـِّق بالقوات المُسلـَّحة العراقـيَّة، وهو أن يخضع كلُّ أفراده إلى الانصهار في وعاء القوات المُسلـَّحة العراقـيَّة تحت أمرة الأخ رئيس الوزراء، هذا من الطرف الحكوميِّ.

الطرف الآخر عليه هو أن يُقرِّر إذا شاء أن يُحافِظ على استقلاليَّة وضعه، واندكاكه في هذه له ما يشاء، ويخرج من القوات المُسلـَّحة.

بالنسبة لنا نقبل القوات المُختلِفة بمقدار ما تقتضيه حاجة البلد، وتحت سياقات، ونمطيَّة الدستور.

 

  • العراق سيتحوَّل إلى دولة قانون بعيداً عن أيِّ اعتبارات أخرى؟

الجعفريّ: دولة قانون، والذي يحكم فيه هو القانون، والدستور هو المائز بين القبول والرفض، وليست قبولاً مزاجيّاً، ورفضاً مزاجيّاً، بل قبولاً دستوريّاً، ورفضاً دستوريّاً.

 

  • هناك ملفات سيستعصي عليك أن تحلـَّها على أرض الواقع، وهو مُقاتِلو الحشد الشعبيِّ الذين أنشِئوا بفتوى من المرجعيَّة الدينيَّة، كيف ستـُحوِّلهم أوتوماتيكيّاً إلى أجهزة عصريَّة؟

الجعفريّ: المرجعيَّة الدينيَّة ذاتها أشارت في أوَّل صُدُور الفتوى إلى ضرورة أن يكون هذا التحرُّك تحت مظلة الحكومة العراقـيَّة، وقامت ببادرة استباقـيَّة مُبكـِّرة بأنـَّه لا ينبغي أن تتحوَّل هذه إلى حالة نِدّيَّة؛ ومن ثم تـُزرَع وكأنـَّها حالة ضدّ.

 

  • التحالف الدوليِّ، والقوات الأميركيَّة ما محلـُّهم من الإعراب؟

الجعفريّ: التحالف الدوليّ تشكـَّل في شهر أيلول/ سبتمبر 2014، وشاركتُ في ذلك، ووجَّهتُ رسالة، وطلبتُ التدخـُّل بشُرُوط ستة كان أبرزها هو أن لا يمسّ الدستور، أن لا تـُمَسَّ السيادة، وأن لا تـُزرَع قواعد في العراق؛ لأنَّ شعبنا يخشى شبح الحرب العالميَّة الثانية إذ لايزال في خاطره القواعد الموجودة الآن في كوريا، والقواعد الموجودة في تركيا إنجرليك، والقواعد الموجودة في ألمانيا.. لا نـُريد أن نـُعِيد شبح هذه القواعد إلى العراق.

 

  • هل سمع منك الأميركيُّون ذلك بصريح العبارة؟

الجعفريّ: سمعوا بصريح العبارة، بل أزيدك في القصيدة بيتاً من الشعر، طلب مني وزير الخارجيَّة جون كيري أن أوصل رسالة إلى سورية بأنـَّهم نووا أن يقصفوا قواعد لداعش كانت تنطلق من هناك لقصف العراق.. قلتُ له: لا مانع لديَّ بشرط أن تـُحترَم السيادة السوريَّة، مثلما تـُحترَم السيادة العراقـيَّة، فالعراق لم يُشدِّد على احترام سيادته فقط، بل شدَّد على سيادة الدول الأخرى التي توسَّط في أن يُؤدِّي دوراً فيها.

 

  • أُعلِنَ النصر على داعش في التراب العراقيِّ، لكن متى ستـُعَدُّ المعركة مُنتهية، ولن يكون لهذا الوُجُود العسكريِّ الأجنبيِّ أيُّ مُسوِّغ على التراب العراقيّ؟

الجعفريّ: بسبب وُجُود بعض الخلايا النائمة التي تبرز بين فترة وأخرى نـُؤخـِّر الإعلان عنه لحين تطهير أرض العراق من هؤلاء بشكل نهائيّ.


العودة إلى صفحة الأخبار


 الرئيسية  |  الأخبار  |  إبراهيم الجعفري  |  تيار الإصلاح الوطني  |  رسائل الأيام  |  كلمات  |  الصور  |  المكتبة  |  الفيديو  |  اتصل بنا 
E-mail : med@al-jaffaary.net
جميع الحقوق محفوظة لـموقع الدكتور ابراهيم الجعفري©2010 - 2024
استضافة وتصميم وبرمجة ويب اكاديمي

Powered by web academy