|
مجتمع الغاب
قراءات | 02-07-2017
مُجْتَمَعُ الْغَاب لَقَدْ كَرَّمَ اللهُ بَنِي آدَمَ بِالْعَقْلِ، وَبِهِ جَعَلَهُمْ مُتَمَيِّزِيْنَ عَنْ كُلِّ مَخْلُوْقَاتِهِ، وَعَلَى قَاعِدَةِ الإِنْسَانِيَّةِ أَقَامَ صَرْحَ الْمُجْتَمَعِ وَوَفْقَ أَوَاصِرِهَا تَشَيَّدَتِ الْمُجْتَمَعَاتُ، وَتَعَمَّقَتْ عَلاقَاتُهَا، وَارْتَسَمَ الْهَرَمُ الاجْتِمَاعِيُّ بِالصُّوْرَةِ الَّتِيْ يَتَقَدَّمُ فِيْهَا الآمَنُ، وَالأَكْفَأُ، وَالأَكْثَرُ نَفْعاً، وَالأَشَدُّ حِرْصاً عَلَى نَفْعِ النَّاسِ هَذَا هُوَ "مُجْتَمَعُ الإِنْسَان".. عَنِ الْبَاقِرِ -عليه السلام- قَالَ: ((لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْعَقْلَ اسْتَنْطَقَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ. فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ. فَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ، وَلا أُكْمِلُكَ إِلا فِيْمَنَ أُحِبُّ أَمَا إِنِّيْ إِيَّاكَ آمُرُ، وَإِيَّاكَ أَنْهَى، وَإِيَّاكَ أُثِيْب)).. أَمَّا مُجْتَمَعُ الْغَابِ فَهُوَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْحَيَوَانُ بِقُوَّتِهِ الْمَادِّيَّةِ سَوَاءٌ بِقَرْنِهِ لِيَنْطَحَ بِهِ، أَمْ بِظِفْرِهِ لِيَنْهَشَ بِهِ، أَمْ بِجَنَاحِهِ لِيَطِيْرَ بِهِ، أَمْ بِأَسْنَانِهِ لِيَقْضُمَ بِهَا، أَمْ بِصِغَرِ جِسْمِهِ لِيَخْتَفِيَ هَارِباً فِيْ ثُقُوْبِ الأَرْضِ، أَمْ بِالتَّحَكُّمِ بِلَوْنِ جِسْمِهِ لِكَيْ يَغْشُ عَدَوَّهُ بِالْمُوَاجَهَةِ مُصْطَبِغاً بِلَوْنِ الزَّرْعِ كَالْحَرْبَاءِ، أَوْ بِاللَّدْغِ، أَوْ اللَّسْعِ، أَوْ اللَّذْعِ، أَوْ مُدَافِعاً عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ بِالرَّكْضِ السَّرِيْعِ لِلْهُرُوْبِ مِنَ الْخَطَرِ، أَوْ بِالْغَطْسِ بِالْمَاءِ تَحَاشِياً لِمُوَاجَهَةٍ خَاسِرَةٍ، أَوْ بِابْتِلاعِ الْفَرِيْسَةِ كَمَا فِيْ أَفْعَى "الكوبرا"، أَوْ الْحَرَكَةِ فِيْ فَضَاءِ الْمِجْهَرِيَّاتِ كَالْبَكْتِرِيَا، وَالْفَايرُوْس بَعِيْداً عَنْ نَظَرِ الإِنْسَانِ، أَوْ بِالْقَرْنِ الَّذِيْ يَنْتَطِحُ بِهِ فِيْ الْمُوَاجَهِة.. لا شَيْءَ مِنْ سُبُلِ الدِّفَاعِ هَذِهِ يَمْتَلِكُهَا الإِنْسَانُ؛ مِمَّا يَعْنِي أَنَّهُ وَبِمُقْتَضَاهَا فَهُوَ أَضْعَفُ مَخْلُوْقَاتِ الله.. وَلَوْ دَخَلَ عَالَمَ الْغَابَةِ لَخَسِرَ أَوَّلَ جَوْلَةِ مُوَاجَهَةٍ، وَلَمَا اسْتَطَاعَ الْحَيَاةَ بِهَا لَكِنَّهُ بِالْعَقْلِ أَقَامَ عَالَمَهُ، وَاقْتَحَمَ عَوَالَمَ بَاقِي الْمَخْلُوْقَاتِ، بَلْ تَرَبَّعَ عَلَى عَرْشِ سِيَادَتِهَا مِنْ دُوْنِ مُنَافِسٍ، وَتَحَكَّمَ بِتَوْظِيْفِ قُدْرَاتِهَا لِخِدْمَتِهِ مِنْ دُوْنِ إِعَاقَة.. مَاذَا يَكُوْنُ حِيْنَ يَتَخَلَّى عَنْ هُوِيَّتِهِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَيَتَحَيْوَنُ؟ إِنَّهُ يُضِرُّ أَكْثَرَ مِنْ أَخْطَرِ حَيَوَانٍ، وَيَنْتَفِعُ مُبْتَزّاً أَشَدَّ مِنْ أَلأَمِ حَيَوَانٍ، وَيَخْدَعُ مُرَاوِغاً أَدْهَى مِنْ أَمْكَرِ حَيَوَانٍ، وَلأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ طَرِيْقِ إنْسَانِيَّتِهِ، فَتَشَتَّتَ بِهِ السُّبُلُ، وَأَضَاعَتْهُ بِالْبَاطِل.. لَقَدْ كَلَّفَ هتلر بِإِجْرَامِهِ الْعَالَمَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ وَخَمْسِيْنَ مَلْيُوْنَ ضَحِيَّةٍ، وَكَذَا ستالين، وهيرو هيتو، وصدّام حسين قَتَلُوْا مَلايِيْنَ الضَّحَايَا كَمَا كَلَّفَ الْعَالَمَ مِنْ قَبْلُ الْحَجَّاجُ، وهولاكو، وجنكيز خان، وَغَيْرُهُمْ.. مِنْ هُنَا كَانَ الإِنْسَانُ خَيِّراً حِيْنَ عَمَّرَ الأَرْضَ، وَنَفَعَ النَّاسَ، وَوَصَلَ الرَّحِمَ، وَأَقَامَ صُرُوْحَ الْعِلْمِ، وَأَشَاعَ الثِّقَةَ، وَحَقَنَ الدَّمَ، وَصَانَ الْعِرْضَ، وَأَقَامَ مَدَنِيَّةً تَمَيَّزَتْ بِالْعَطَاءِ، وَالنَّفْعِ، وَالْخِدْمَةِ، وَتَذْلِيْلِ الْعَقَبَاتِ مِثْلَمَا أَقَامَ حَضَارَةً تَوَافَرَتْ عَلَى مَفَاهِيْمِ الْقِيَمِ، وَالأَخْلاقِ الإِلَهِيَّةِ السَّامِيَةِ، وَإِشَاعَةِ الْعَدْلِ، وَبَسْطِ الْمَحَبَّةِ، وَبَثِّ رُوْحِ التَّسَامُح..
الأربعاء 5/ذو الحجة/1437 الموافق 7/9/2016 |
|