|
انهيار الأخلاق
قراءات | 02-07-2017
انْهِيَارُ الأَخْلاق قَدْ تَتَفَاوَتُ الأَخْلاقُ الإِنْسَانِيَّةُ مِنْ مُجْتَمَعٍ لآخَرَ، لَكِنَّهَا لا يُمْكِنُ أَنْ تَغِيْبَ بِشَكْلٍ كَامِلٍ بِحَيْثُ يَتَجَرَّدُ الْمُجْتَمَعُ مِنْ مِظَلَّتِهَا.. فَمُجْتَمَعُ الَّلاقِيَمِ وَالَّلاأَخْلاقِ صَعْبٌ تَصَوُّرُهُ فَضْلاً عَنْ تَصْدِيْقِهِ. فَهُنَاكَ مَمْنُوْعَاتٌ بِمَنْزِلَةِ خُطُوْطٍ حَمْرَاءَ تَسَالَمَ النَّاسُ عَلَى تَجَنُّبِهَا كَالسَّرِقَةِ، وَالْقَتْلِ، وَهُنَاكَ مُسَلَّمَاتٌ يَدْرَجُ عَلَيْهَا، وَلا يَتَقَبَّلُ التَّخَلِّيَ عَنْهَا كَإِسْعَافِ الْغَرِيْقِ، وَإِطْعَامِ الْجَائِع.. انْهِيَارُ الْمُدُنِ بِالْكَوَارِثِ، وَانْهِيَارُ الْجُيُوْشِ بِالْحُرُوْبِ، وَانْهِيَارُ الأَنْظِمَةِ السِّيَاسِيَّةِ فِي الأَزَمَاتِ لا يَتَسَبَّبُ بِالانْهِيَارِ الاجْتِمَاعِيِّ عَلَى غَيْرِ انْهِيَارِ الأَخْلاقِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى دَمَارِ الْمُجْتَمَعِ بِأَكْمَلِهِ، وَصَحَّ قَوْلُ الشَّاعِرِ أحمد شوقي حِيْنَ قَالَ: وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَـإِنْ هُمُ ذَهَبَـتْ أَخْـلاقُهُمْ ذَهَــُبوا
الأَخْلاقُ تُشَكِّلُ رُوْحاً تَدُبُّ فِيْ بَدَنِ الْكِيَانَاتِ مَهْمَا كَانَتْ لِتَبْعَثَ فِيْهَا الْحَيَوِيَّةَ وَالنَّشَاطَ، وَمَا إِنْ تَتَعَرَّضُ لِلسَّلْبِ إِلا وَتَؤُوْلُ إِلَى الدَّمَار.. بِنَاءُ الْكِيَانِ الْمُجْتَمَعِيِّ، وَتَوَاصُلُهُ، وَالدِّفَاعُ عَنْهُ، وَرَدُّ الْعُدْوَانِ عَنْهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى رَصِيْدِهِ الأَخْلاقِيِّ وَمِقْدَارِ مَا يَتَشَبَّعُ بِهِ أَبْنَاؤُهُ مِنَ الْقِيَمِ وَكَمَا تَكُوْنُ مَظَاهِرُ الْمَدَنِيَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَأَنْظِمَتِهَا الْحَيَاتِيَّةِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى تَبَنِّي مَفَاهِيْمَ رَاسِخَةٍ لِتَسْيِيْرِهَا كَأَنْظِمَةِ الْمُرُوْرِ، وَالْبُنُوْكِ، وَالْمُسْتَشْفَيَاتِ، وَالأَمْنِ، وَالأَسْوَاق.. كَذَلِكَ مَظَاهِرُ الْحَضَارَةِ بِمَا تَزْخَرُ بِهِ مِنْ حَيَوَيَّةِ الإِرَادَةِ فِي الْبِنَاءِ، وَالتَّضْحِيَةِ، وَالثَّقَافَةِ، وَالْبَذْلِ، وَالْعَطَاءِ، وَلابُدَّ لَهَا مِنْ قِيَمْ مَعْنَوِيَّةٍ تَمُدُّهَا بِالْوُجُوْدِ، وَتَصُوْنُهَا مِنَ الاخْتِرَاقِ، وَتَحُوْلُ دُوْنَ انْهِيَارِهَا.. اعْتَادَتِ الْمُجْتَمَعَاتُ مُنْذُ زَمَنٍ قَدِيْمٍ عَلَى التَّعَامُلِ بِالْقِيَمِ الثَّابِتَةِ سَوَاءٌ الْمُلْزِمَةُ مِنْهَا، أَم الرَّادِعَةُ وَهُوَ مَا سُمِّيَ (التابو) (Taboo) وَهَذَا الْمُصْطَلَحُ مِنْ سُكَّانِ جُزُرِ الْمُحِيْطِ الْهَادِي الَّذِيْ يَعْنِي الْمُحَرَّمَ، أَوْ الْمَمْنُوْعَ، وَقَدْ يَعْنِي الْمُقَدَّس.. أَمَّا مُصْطَلَحُ "الْحُدُوْدِ" الْقُرْآنِيِّ فَأَرْوَعُ تَعْبِيْرٍ بِكُلِّ مَا أَشَارَ إِلَى حَقِيْقَةِ مَنْعِ التَّجَاوُزِ لِلْحُدُوْدِ الْمَفْرُوْضَةِ الْمُقَدَّسَةِ مِنْهَا وَالْوَاجِبَة: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة : 229]، أَوْ مَنْعِ الاقْتِرَابِ مِنَ الْحُدُوْدِ الْمُدَانَةِ مِنْهَا، وَالْمُحَرَّمَةِ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة : 187] تَبْقَى إِنْسَانِيَّةُ الإِنْسَانِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى مَا يَحْمِلُ مِنْ قِيَمٍ، وَمَشَاعِرَ تَرْبِطُهُ بِأَبْنَاءِ جِنْسِهِ، وَتَتَجَلَّى بِالتَّجَمُّعَاتِ الْبَشَرِيَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَيَكُوْنُ رَائِدُهَا التَّعَارَفَ، وَجَوْهَرُهَا الأَخْلاق: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات : 13] حِيْنَ تَتَعَرَّضُ الأَخْلاقُ لِلانْهِيَارِ تَتَحَطَّمُ مَعَهَا كُلُّ الْبُنَى الاجْتِمَاعِيَّةِ الأَمْنِيَّةِ مِنْهَا، وَالإِدَارِيَّةِ، وَالاقْتِصَادِيَّةِ، وَلا تُسْتَعَادُ إِلا بِهَا..
الجمعة 29/ذو القعدة/1437 الموافق 2/9/2016 |
|