|
شرعنة الأحقاد
قراءات | 02-07-2017
شَرْعَنَةُ الأَحْقَاد الْحُبُّ وَالْكُرْهُ مَظْهَرَانِ لِحَقِيْقَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ الْعَاطِفَةُ الَّتِيْ جَعَلَهَا اللهُ مِنْ طَبِيْعَةِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَلا تَنْفَكُّ عَنْهَا بِحَال.. وَهِيَ مِمَّا لا يُمْكِنُ تَصَوُّرُ الشَّخْصِيَّةِ السَّوِيَّةِ مِنْ دُوْنِهَا، وَهِيَ تَرْسِمُ خَارِطَةَ الْعَلاقَاتِ بَيْنَ الإِنْسَانِ وَمَنْ حَوْلَهُ فِي الدَّوَائِرِ الاجْتِمَاعِيَّةِ كَافَّةً مِنْ أَقْرَبِهَا فِي الدَّائِرَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْعَائِلِيَّةِ إِلَى أَبْعَدِهَا فِي الْمَجَالِ الاجْتِمَاعِيّ.. وَإِنَّ الإِنْسَانَ الَّذِيْ يَنْسَلِخُ عَنِ الْحُبِّ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ، وَالْجَمَالِ، أَو الْكُرْهِ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الشَّرِّ وَالْقُبْحِ لا يُعَدُّ اعْتِيَادِيّاً، وَهَذِهِ الشَّرِيْحَةُ صُنِّفَتْ فِيْ عِدَادِ الشُّذَّاذِ، غَيْرَ أَنَّ لِلْحِقْدِ مَفْهُوْماً آخَرَ إِذْ إِنَّهُ يَنْطَوِي عَلَى مَعْنَى مُخْتَلِف.. فَهُوَ لُغَةً ["إِمْسَاكُ الْعَدَاوَةِ فِي الْقَلْبِ، وَالتَّرَبُّصُ لِفُرْصَتِهَا" وَأَمَّا اصْطِلاحاً فَهُوَ طَلَبُ الانْتِقَامِ، وَتَحْقِيْقُهُ.. وَقِيْلَ: هُوَ سُوْءُ الظَّنِّ فِي الْقَلْبِ عَلَى الْخَلائِقِ لأَجْلِ الْعَدَاوَة]. فَالْحَقُوْدُ يَعْرِفُ نَفْسَهُ جَيِّداً أَنَّهُ سَيِّئُ الظَّنِّ، وَيُضْمِرُ بِدَاخِلِهِ الْعَدَاوَةَ لِلآخَرِ، وَيَتَرَبَّصُ بِهِ لِلانْتِقَامِ.. وَالْحِقْدُ عَلَى غَيْرِ الْكُرْهِ مِنْ حَيْثُ طَبِيْعَتُهُ، وَدَوَافِعُهُ، وَآثَارُهُ، وَدِلالاتُه.. فَفِي الْوَقْتِ الَّذِيْ يَكُوْنُ فِيْهِ الْكُرْهُ مَظْهَراً طَبِيْعِيّاً لِلْعَاطِفَةِ عِنْدَمَا يُوْضَعُ فِيْ مَوْضِعِهِ، وَمُنْعَكِساً مُضَاهِياً، وَمُنْسَجِماً مَعَ مَا يُثِيْرُهُ مِنْ أَسْبَابٍ يَكُوْنُ الْحِقْدُ دَالاً عَلَى خُرُوْجٍ عَنِ الْعَاطِفَةِ السَّوِيَّةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَيُّ دِلالَةٍ إِنْسَانِيَّةٍ سِوَى حُبِّ الانْتِقَامِ مِنَ الآخَرِ لأَسْبَابٍ قَدْ تُخْفِي الْحَسَدَ، أَوْ الانْتِقَامَ، أَوْ التَّشَفِّي.. وَقَدْ تَتَصَاعَدُ وَتِيْرَةُ الْحِقْدِ لِتَتَحَوَّلَ إِلَى "ثَقَافَةِ الْحِقْدِ"، أَوْ "التَّحَاقُدِ"، أَيْ: تَبَادُلِ الْحِقْدِ بَيْنَ عِدَّةِ أَطْرَافٍ حَتَّى تَبْلُغَ أَقْصَى مَدَاهَا فِيْ "شَرْعَنَةِ الْحِقْدِ" عِنْدَمَا يَجِدُ الْحَاقِدُ غِطَاءً قَانُوْنِيّاً لَهُ يُسَوِّغُ حِقْدَهُ، بَلْ وَبِزَرْعِهِ لَدَى أَبْنَائِهِ، وَأَتْبَاعِهِ، وَمُحِبِّيْهِ؛ وَبِذَلِكَ يَتَّخِذُ لِنَفْسِهِ خِطَاباً حَاقِداً، وَسُلُوْكاً جَمَاعِيّاً حَاقِداً.. مِنْ مَظَاهِرِ "ثَقَافَةِ الْحِقْدِ" إِشَاعَةُ الْحُرُوْبِ، وَالتَّمْثِيْلُ بِالضَّحَايَا، وَحَرْقُ الأَطْفَالِ، وَالنِّسَاءِ، وَالتَّفَنُّنُ بِالإِمَاتَةِ، بَلْ يَمْتَدُّ الْحِقْدُ لِتَدْمِيْرِ الْمَوَارِدِ الْحَيَوِيَّةِ وَالْبِيْئِيَّة.. لَقَدْ طَوَّرَتِ الْقُوَى الإِرْهَابِيَّةُ الْمُتَمَثِّلِةُ بِدَاعِش أَبْشَعِ أَسَالِيْبِهَا بِتَرْوِيْعِ الضَّحَايَا مِنْ مُخْتَلِفِ الشَّرَائِحِ الاجْتِمَاعِيَّةِ مَا عَجَزَتْ عَنْ مُمَارَسَتِهِ كُلُّ صُنُوْفِ الإِرْهَابِ التَّارِيْخِيِّ كَقَتْلِ الإِرْهَابِيِّ لأُمِّهِ بِدَمٍ بَارِدٍ! هَذِهِ هِيَ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ حِيْنَ تَخْرُجُ عَنْ جَادَّةِ الاسْتِقَامَةِ تُصْبِحُ أَكْثَرُ وَحْشِيَّةً مِنَ الْحَيَوَانِ، وَلا تَقِفُ عِنْدَ حُدُوْدٍ مُعَيَّنَة! وَأَنَّ قَلْبَهُ الَّذِيْ يَتَشَظَّى حِقْداً عَلَى النَّاسِ لا يَقِفُ عِنْدَ حُدُوْدِ عَدَدٍ مُعَيَّن ٍمِنَ الضَّحَايَا، وَيُوْغِلُ بِالإِجْرَامِ مُتَشَفِّياً مِنْ غَيْرِ رَحْمَةٍ لِتَسْحَقَ طَاحُوْنَةُ حِقْدِهِ كُلَّ مَنْ يَقَعُ تَحْتَ طَائِلَةِ حِقْدِهِ كَالَّذِيْ حَصَلَ مَعَ هتلر، وموسوليني، وهيروهيتو، وستالين.. لَيْسَ صَعْباً عَلَى الْحَاقِدِ أَنْ يَغْزِلَ لِنَفْسِهِ مُبَرِّرَاتِ الإِبَادَةِ مِنْ خُيُوْطِ الْكَرَاهِيَةِ الْمَقِيْتَة..
الأربعاء 27/ذو القعدة/1437 الموافق 31/8/2016 |
|