|
ثقافة الامتناع
قراءات | 02-07-2017
ثَقَافَةُ الامْتِنَاع الثَّقَافَةُ تَعْبِيْرٌ عَنْ مَعْرِفَةٍ، وَسُلُوْكٍ مَعاً يَسْعَى الإِنْسَانُ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْهَا زَاداً يَتَغَذَّى بِهِ مِنْ خِلالِ التَّعَامُلِ مَعَ الآخَرِيْنَ حِيْنَ يُجَالِسُهُمْ، وَيَتَفَاعَلُ مَعَ أَيٍّ مِنْهُم.. وَمُفْرَدَاتُ الْكَلامِ لَيْسَتْ إِلا قَنَوَاتٍ لِلتَّعْبِيْرِ عَمَّا يَكُنُّهُ فِيْ نَفْسِهِ، وَيَسْعَى لِلتَّبَادُلِ بِهِ مَعَهُمْ.. فَهُوَ وَمِنْ مَوْقِعِ حِرْصِهِ عَلَى الانْتِفَاعِ مِنْ سِيْرَةِ الآخَرِيْنَ، وَالتَّزَوُّدِ مِنْ ثَقَافَتِهِمْ قَدْ يُؤْثِرُ الصَّمْتَ، وَيَعُدُّهُ لُغَةً أَبْلَغَ مِنْ لُغَةِ الْكَلام.. مَا يُنَاسِبُ الْكَلامَ بِالْمُبَادَرَةِ قَدْ يَكُوْنُ غَيْرَ مَا يُنَاسِبُ بِالاسْتِجَابَةِ، أَوْ مَا يُنَاسِبُ بِالرَّدِّ حِيْنَ يُسْأَلُ، وَمِنْهُ مَا لا يُنَاسِبُ إِلا بِعَدَمِ الرَّدِّ كَمَا فِيْ أَجْوَاءِ الثَّرْثَرَةِ، وَالافْتِرَاءِ، وَالسُّخْرِيَة.. إِذْ يَكُوْنُ أَبْلَغُ الْجَوَابِ هُوَ عَدَمَ الْجَوَابِ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان : 63] كَثِيْراً مَا يُصَادِفُ الإِنْسِانُ شِجَاراً بِالْكَلامِ يَتَطَلَّبُ الْكَفَّ عَنِ الاسْتِمْرَارِ بِهِ بَعْدَ أَنْ يَفْقُدَ مُسَوِّغَهُ لِسَبَبٍ، أَوْ لآخَرَ، وَإِذَا كَانَ مَعْذُوْراً -وَالْحَالَةُ هَذِهِ- بِسَبَبِ عَدَم ِالْقُدْرَةِ عَلَى مَنْعِ الآخَرِ مِنَ التَّجَاوُزِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَعْذُوْرٍ مِنَ الامْتِنَاعِ عَنْ مُوَاصَلَتِهِ، وَالإِلْحَاحِ عَلَيْهِ بِالْحَدِيْثِ؛ وَمِنْ ثَمَّ إِثَارَتُهُ أَكْثَرَ فَأَكْثَر.. الْمُبَادَرَةُ، أَوْ الاسْتِجَابَةُ بِالْحَدِيْثِ تَعْبِيْرٌ عَنْ وَعْيٍ، وَإِرَادَةٍ، فَهُوَ لَيْسَ مُجَرَّدَ كَلامٍ مِنْ أَجْلِ الْكَلامِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْبَلِيْغُ بِلِيْغاً لأَنَّهُ يَضَعُ الشَّيْءَ فِيْ مَحَلِّهِ، وَالْفَارِقُ كَبِيْرٌ نَوْعِيّاً بَيْنَ مُتَحَدِّثٍ هَادِفٍ، وَمُتَحَدِّثٍ فُضُوْلِيٍّ، أَوْ ثَرْثَار.. لا يَنْبَغِي أَنْ تَكُوْنَ الأَحَادِيْثُ الْجَارِيَةُ عَلَى الأَلْسُنِ جَافَّةً مِنْ شِدَّةِ الْجِدِّ، وَخَالِيَةً مِنْ نَدَى الْعَاطِفَةِ، أَوْ مِنْ نَسِيْمِ الْمُزَاح.. قَدْ يُوَاجِهُ الْمُتَحَدِّثُ أَيُّ مُتَحَدِّثٍ إِهْمَالاً، أَوْ سُخْرِيَةً، أَو افْتِرَاءً مِنَ الآخَرِيْنَ مَا يُحَاوِلُوْنَ اسْتِفْزَازَهُ، وَدَفْعَهُ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، وَالْحَقّ.. وَهُوَ -وَالْحَالَةُ هَذِهِ- لا يَنْبَغِي أَنْ يَعْبَأَ بِالطَّرَفِ الْمُسْتَفِزِّ، وَلَيْسَ لَهُ إِلا أَنْ يَكْتَفِيَ بِعَدَمِ الرَّدِّ، وَفِيْ ذَلِكَ إِيْقَافٌ لِنَزْفِ الْعَاطِفَةِ، وَهَدْرِ الْوَقْتِ، وَالْجُهْدِ مِنْ غَيْرِ طَائِل.. عَلَى أَنَّ أَدَبَ الْحَدِيْثِ مِمَّا يَدْرُجُ عَلَيْهِ الإِنْسَانُ فِيْ أَجْوَاءِ الأُسْرَةِ مُنْذُ نُعُوْمَةِ أَظْفَارِهِ، وَهُوَ مَا يُحَمِّلُ الأَبَوَيْنِ مَعاً مَسْؤُوْلِيَّةَ التَّعَاطِي الْبَنَّاءِ، وَتَنْقِيَةِ الْكَلامِ مِنْ شَوَائِبِ الْفَسَادِ أَيّاً كَانَ نَوْعُهُ، وَفَتْحِ آفَاقِ الثَّقَافَةِ الْبَنَّاءَةِ الَّتِيْ تُسَاهِمُ فِي الْبِنَاءِ، وَالتَّنْمِيَة.. سَتَبْقَى "لُغَةُ الامْتِنَاعِ" مَطْلُوْبَةً مَعَ تَقَدُّمِ الْعُمْرِ مَهْمَا طَالَ إِلَى جَانِبِ "لُغَةِ الْمُبَادَرَةِ"، أَوْ"لُغَةِ الاسْتِجَابَةِ"؛ وَهِيَ مَا تَجْعَلُ الْمُتَحَدِّثَ مَالِكاً لِزِمَامِ الْمُبَادَرَةِ فِي الاخْتِيَارِ مِنْ دُوْنِ أَنْ يَكُوْنَ مَحْكُوْماً بِأَهْوَاءِ الآخَرِ، وَعَوَاطِفِه.. الشُعُوْرُ بِرُوْحِ الْمَسْؤُوْلِيَّةِ بِالتَّعَاطِي الثَّقَافِيِّ تُمْلِي عَلَى الْمُثَقَّفِ أَنْ يُحَدِّدَ وَبِحِكْمَةٍ أَيّاً مِنَ الْخِيَارَاتِ الثَّلاثَةِ "السُّكُوْتِ"، أَوْ "الْمُبَادَرَةِ"، أَوْ "الاسْتِجَابَة"..
الإثنين 25/ذو القعدة/1437 الموافق 29/8/2016 |
|