|
صناعة القدر
قراءات | 02-07-2017
صِنَاعَةُ الْقَدَر بَعْضٌ مِنْ مُوَاصَفَاتِ الإِنْسَانِ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ إِرَادَتِهِ كَطِبِيْعَةِ شَكْلِهِ، وَلَوْنِ جِلْدِهِ، وَنَسَبِهِ، وَانْتِمَائِهِ الْقَبَلِيِّ، وَانْحِدَارِهِ الْقَوْمِيِّ، وَمَوْطِنِهِ الْجُغْرَافِيِّ، وَمَقْطَعِ حَيَاتِهِ التَّارِيْخِيِّ، وَتَحْدِيْدِ جِنْسِه.. وَالتَّفْكِيْرُ بِالتَّغْيِيْرِ مِنْ أَيٍّ مِنْ هَذِهِ الْحَقَائِقِ ضَرْبٌ مِنَ الْخَيَالِ؛ وَمِنْ ثَمَّ فَلا جَدْوَى مِنْ وَرَائِهِ؛ لأَنَّهُ قَدَرٌ "فَوْقَ الإِرَادَة".. أَمَّا سُلُوْكُ الإِنْسَانِ فَهُوَ مِنْ صِنَاعَةِ يَدِهِ "قَدَرُ الإِرَادَةِ"؛ وَمِنْ ثَمَّ فَهُوَ لا غَيْرُهُ مَنْ يَتَحَكَّمُ بِهِ، وَهُوَ مَا يُسَاءَلُ عَنْهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَأَهْلِهِ، وَمُجْتَمَعِهِ، وَمِنَ اللهِ تَعَالَى.. بِهِ يَكْبُرُ، وَيَتَعَاظَمُ، وَقَدْ يَحْتَلُّ مَقَاماً عَالِياً، وَبِهِ قَدْ يَتَدَنَّى، وَقَدْ يَصِلُ إِلَى الْهَاوِيَة؛ بِذَلِكَ كَانَتِ الثَّوَابِتُ التَّكْوِيْنِيَّةُ مِمَّا لَيْسَتْ بِمَقْدُوْرِ الإِنْسَانِ، وَلا يُسْأَلُ عَنْ وُجُوْدِهَا، أَوْ تَغْيِيْرِهَا، وَلا يُحَاسَبُ عَلَيْهَا.. غَيْرَ أَنَّ الْكَثِيْرَ مِنَ النَّظَرِيَّاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ اتَّجَهَتِ اتِّجَاهاً عُنْصُرِيّاً، وَكَلَّفَتِ الْبَشَرِيَّةَ أَثْمَاناً بَاهِظَةً. فَنَظَرِيَّةُ التَّمْيِيْزِ الْعُنْصُرِيِّ الَّتِيْ حَكَمَتْ عَلَى الإِنْسَانِ الأَسْوَدِ بِالاسْتِعْبَادِ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ بِالدُّوْنِيَّةِ، وَعَلَى الشّعُوْبِ ذَاتِ الأَصْلِ السَّامِيِّ بِالْعَجْزِ، وَالتَّخَلُّفِ عَنْ مُوَاكَبَةِ التَّطَوُّرِ (نَظَرِيَّةُ رِيْنَان)، وَلِطَبَقَةِ الإبراهاما الْهِنْدُوْكِيَّةِ بِالتَّفَوُّقِ مَا تَسَبَّبَ بِإِيْجَادِ مَشَاكِلَ، وَفِتَنٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَإِشْعَالِ الْكَثِيْرِ مِنَ الْحُرُوْبِ الَّتِيْ نَشَرَتْ ظِلَّهَا فِيْ بُلْدَانِ الْعَالَمِ الْمُخْتَلِفَةِ عِبْرَ حِقَبٍ زَمَنِيَّةٍ تَارِيْخِيَّةٍ مُتَعَدِّدَة.. حِيْنَ تَكُوْنُ مَعَايِيْرُ التَّقْيِيْمِ بِالتَّفَاضُلِ بَيْنَ النَّاسِ مَحْكُوْمَةً بِقَدَرٍ غَيْرِ قَابِلٍ لِلاكْتِسَابِ تَكُوْنُ مَعَهَا إِرَادَتُهُمْ مَشْلُوْلَةً، وَتَسْتَسْلِمُ لِمَا يُمْلِي عَلَيْهَا "الْقَدَرُ الْمَوْهُوْمُ" الَّذِيْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهِ مِنْ سُلْطَان.. وَمَا لَمْ يَكُنِ الإِنْسَانُ مُخَيَّراً لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ مَسْؤُولاً، وَمُحَاسَباً، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : 105] بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْمَقَايِيْسِ الْعَادِلَةِ اكْتَسَبَ الأَفْرَادُ، وَالأُمَمُ صِفَةَ الارْتِقَاءِ عَلَى سُلَّم ِالصَّعُوْدِ مُتَجَاوِزِيْنَ لُغَاتِهِمْ، وَجُغْرَافِيَّتَهِمْ، وَقَبَائِلَهُمْ، وَلَوْنَهُمْ، فَكَانَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَصُهَيْبٌ الرَّوُمِيُّ، وَبِلالٌ الْحَبَشِيُّ عَلامَةَ ارْتِقَاءٍ إِرَادِيٍّ لِيُعَبِّرُوْا بِذَلِكَ عَنْ "صِنَاعَةِ قَدَرِهِمْ".. وَفِي التَّارِيْخِ الْمُعَاصِرِ صَنَعَ مانديلا قَدَرَهُ الإِنْسَانِيَّ بِهَذَا الْمِقْيَاسِ الاجْتِمَاعِيِّ بِالتَّفَاضُلِ تَكُوْنُ الإِنْسَانِيَّةُ قَدَ وَضَعَتْ قَدَمَهَا عَلَى مَشَارِفِ مَرْحَلَةٍ جَدِيْدَةٍ يِكُوْنُ الْمُنْتِجُ، وَالْمُخْلِصُ، وَالْمُضَحِّي مُتَقَدِّماً عَلَى أَقْرَانِهِ مِمَّنْ يَفْتَقِرُ إِلَى هَذِهِ الصِّفَات.. هَذِهِ الْمَعَايِيْرُ هِيَ ذَاتُهَا الَّتِيْ يَتَفَاضَلُ النَّاسُ فِيْهَا فِي الْحَيَاةِ الآخِرَةِ مِمَّا يُحَقِّقُ لَدَيْهِمْ انْسِجَاماً فِيْ مَجَالِ تَعَامُلِهِمْ فِيْ حَيَاتِهِم الدُّنْيَا، وَمَا بَعْدَهَا، وَهِيَ مَا تَهَبُهُ الاسْتِعْدَادَ لِلتَّضْحِيَة..
الإثنين 18/ذو القعدة/1437 الموافق 22/8/2016 |
|