|
المشترك الوطني
قراءات | 02-07-2017
الْمُشْتَرَكُ الْوَطَنِيّ يَخْتَلِفُ النَّاسُ مَعَ بَعْضِهِمْ فِيْ أُمُوْرٍ كَثِيْرَةٍ، وَعَلَى خَلْفِيَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْهَا مَا يَرْتَبِطُ بِالسِّيَاسَةِ، أَوْ بِالدِّيْنِ، أَوْ بِاللُّغَةِ، أَوِ الْمَوْرُوْثِ الاجْتِمَاعِيِّ، أَوْ بِالانْحِدَارِ الطَّبَقِيِّ، أَوْ بِالانْتِمَاءِ الْقَبَلِيِّ، لَكِنَّهُمْ وَبِحُكْمِ كَوْنِهِمْ يَنْتَسِبُوْنَ إِلَى وَطَنٍ وَاحِدٍ، وَيَنْعَمُوْنَ بِخَيْرَاتِهِ، وَيَتَهَدَّدُهُمْ مَا يَتَعَرَّضُ لَهُ مِنْ مَخَاطِرَ يَشْعُرُوْنَ مَعَهُ بِرُوْحِ الانْتِمَاءِ الَّذِيْ تَمْتَزِجُ فِيْهِ الأَفْكَارُ بِالْعَوَاطِفِ، وَدَوَافِعُ الشُّعُوْرِ بِاللاشُعُوْرِ؛ مِمَّا يَدْفَعُهُمْ إِلَى حُبِّهِ، وَخِدْمَتِهِ، وَالدِّفَاعِ عَنْهُ، وَالتَّضْحِيَةِ مِنْ أَجْلِه.. فَهُمْ مِنْ جَانِبٍ يَنْعَمُوْنَ بِخَيْرَاتِهِ كَافَّةً، وَيَتَقَاسَمُوْنَ مَسْؤُوْلِيَّةَ الذَّوْدِ عَنْهُ بِكُلِّ غَالٍ، وَنَفِيْسٍ، وَلا تَخْتَلِفُ شُعُوْبُ الْعَالَمِ عَلَى تَعَدُّدِهَا وَتَنَوُّعِ ثَقَافَاتِهَا عَلَى هَذِهِ الْحَقِيْقَة.. بِهَذَا أَصْبَحَتْ مِقْيَاساً لِلتَّفَاضُلِ بَيْنَ الْمُوَاطِنِيْنَ، وَمِعْيَاراً لاعْتِمَادِهِمْ فِيْ تَحَمُّلِ الْمَسْؤُوْلِيَّةِ، وَرَسْمِ خَارِطَةِ الْهَيْكَلِيَّةِ فِيْ مُؤَسَّسَاتِ الدَّوْلَة.. تَعَدُّدُ هُوِيَّاتِهَا الْفِكْرِيَّةِ لا يُسَوِّغُ لَهَا النُّزُوْعَ إِلَى التَّفْرِيْطِ بِمَصَالِحِهَا الْعَامَّةِ؛ وَبِذَلِكَ تَحَوَّلَتْ إِلَى ثَقَافَةٍ وَطَنِيَّةٍ دَرَجَ عَلَيْهَا أَبْنَاؤُهَا فِي الْبَيْتِ، وَالْمَدْرَسَةِ، وَالإِعْلامِ، وَدَوَائِرِ الْحُكُوْمَةِ يَتَغَذَّى عَلَيْهَا الْمُوَاطِنُ بِمَرَاحِلِ عُمْرِهِ الْمُخْتَلِفَة.. وَهِيَ تَتَحَرَّكُ حَوْلَ نَاظِمٍ وَاحِدٍ هُوَ الْوَطَنُ، وَبِعَقْدٍ مُحْكَمٍ هُوَ "عَقْدُ الْوَطَنِيَّةِ" الَّذِيْ يُؤَسِّسُ بَثَالُوْثِهِ "الْوَطَنِ، الْمُوَاطِنِ، وَالْوَطَنِيَّة" لِمَفْهُوْمِ الدَّوْلَة.. مِنْ هُنَا دَرَجَتْ أُمَمُ الْعَالَمِ عَلَى مَا جَمَعَهَا مِنْ مُشْتَرَكَاتٍ فِي التَّسَابُقِ عَلَى الْبِنَاءِ، وَالإِعْمَارِ، وَاسْتِثْمَارِ الْخَيْرَاتِ، وَفِيْ أَجْوَاءِ التَّحَدِّيَاتِ عَلَى الْبَذْلِ، وَالتَّضْحِيَة.. كَمَا تَمَيَّزَتْ عَنْ بَعْضِهَا بِفَلْسَفِةِ الدَّوْلَةِ، وَبِفَلْسَفِةِ مُؤَسَّسَاتِهَا الْمُخْتَلِفَةِ رُغْمَ مُشَارَكَاتِهَا الْوَطَنِيَّةِ الَّتِيْ تَحْفَظُ لَهَا مَصَالِحَهَا الْعَامَّةَ، وَتَدْفَعُ عَنْهَا مَا تَتَعَرَّضُ لَهُ مِنْ مَخَاطِرَ عَامَّةٍ كَذَلِك.. الْمُشْتَرَكَاتُ لا تَقِفُ عِنْدَ حُدُوْدِ الْوَطَنِيَّةِ فَقَطْ، بَلْ تَتَشَكَّلُ مِنْهَا مُشْتَرَكَاتٌ إِنْسَانِيَّةٌ تُضْفِي عَلَيْهَا طَابِعاً عَالَمِيّاً، وَهُوَ مَا تَهَيْكَلَ عَلَى شَكْلِ مُنْظَّمَاتٍ عَالَمِيَّةِ عَبَرَ حُدُوْدَ الدَّوْلَةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى الدُّوَلِ الْمُتَعَدِّدَة.. كَمَا شَهِدَ عَامُ 1919 ظَاهِرَةَ "عُصْبَةِ الأُمَمِ" الَّتِيْ عَزَلَتِ الدُّوَلَ الَّتِيْ لَمْ تَنْتَمِ إِلَيْهَا كَالْوِلايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الأَمَيْركِيَّةِ رُغْمَ تَبَنِّي رَئِيْسِهَا "وودرو ويلسون"؛ مِمَّا جَعَلَهَا تُسَارِعُ لِلالْتِحَاقِ بِالْمُنَظَّمَةِ الْبَدِيْلَةِ "هَيْئَةِ الأُمَمِ الْمُتَّحِدَةِ" الَّتِيْ تَشَكَّلَتْ بِتَارِيْخ 1945/10/24.. مُشْتَرَكُ الْمَصَالِحِ، وَمُشْتَرَكُ الْمَخَاطِرِ فَرَضَ نَفْسَهُ فِيْ سِيَاقَاتِ التَّعَامُلِ الْوَطَنِيِّ، وَالإِقْلِيْمِيِّ، وَالدَّوْلِيِّ، وَلَعَلَّ مَا يَشْهَدُهُ الْعَالَمُ الْيَوْمَ مِنْ تَحَدٍّ خَطِيْرٍ فِيْ مُوَاجَهَةِ الإِرْهَابِ وَحَّدَ مَشَاعِرَ الشُّعُوْبِ فِيْ كُلِّ قَارَّاتِ الْعَالَمِ رُغْمَ تَبَايُنِ أَنْظِمَتِهَا، وَاخْتِلافِ حُكُوْمَاتِهَا؛ مِمَّا يَسْتَلْزِمُ إِجْرَاءَ تَغْيِيْرَاتٍ جَوْهَرِيَّةٍ فِيْ بُنْيَوِيَّةِ الأُمَمِ الْمُتَّحَدِةِ لِتَتَجَاوَزَ مَا فِيْهاَ مِنْ نِقَاطِ ضَعْفٍ مُرْتَقِيَةً إِلَى مُسْتَوَى آلامِ، وَآمَالِ، وَتَطَلُّعَاتِ شُعُوْبِ الْعَالَمِ أَجْمَع..
الموافق 19/8/2016 |
|