|
التعاطي مع الوقت
قراءات | 15-06-2017
التَّعَاطِي مَعَ الْوَقْت الْجَدْوَلَةُ مِنْ أَعَزِّ مَا لَدَى الإِنْسَانِ هُوَ عُمْرُهُ الَّذِيْ وَهَبَهُ اللهُ -تَعَالَى- لَهُ
وَهُوَ يَنْقَسِمُ عِنْدَهُ إِلَى مُفْرَدَاتٍ مِنْ عُقُوْدٍ، وَسِنِيْنَ، وَشُهُوْرٍ، وَأَيَّامٍ، وَسَاعَاتٍ، وَدَقَائِقَ، وَثَوَانٍ.. يَعْلَمُ بِأَيِّ وَقْتٍ وُلِدَ لَكِنَّهُ لا يَعْلَمُ بِأَيِّ وَقْتٍ يَمُوْتُ، وَيَحْرِصُ عَلَى إِطَالَةِ عُمْرِهِ، وَيَخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْقِصَرِ، وَيُحَاوِلُ جَاهِداً أَنْ يَفِرَّ مِنَ الْمَوْتِ الَّذِيْ لابُدَّ مِنْهُ؛ بِفِعْلِ "نَزْعَةِ الْبَقَاءِ"، وَلا يَخْتَلِفُ عَلَى ذَلِكَ عَاقِلانِ فَذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الْفِطْرَةِ الَّتِيْ جُبِلَ عَلَيْهَا: )قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ"مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ( [الجمعة:8]. غَيْرَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الأَسَاسِيَّةَ تَكْمُنُ فِيْ طَرِيْقَةِ اسْتِثْمَارِ الْوَقْتِ، وَتَوْزِيْعِ مُفْرَدَاتِهِ عَلَى مُفْرَدَاتِ مَا يُوَاجِهُ فِيْ حَيَاتِه.. يُطْرَحُ فِيْ "عِلْمِ النَّفْسِ السِّيَاسِيِّ" السُّؤَالُ الْمُهِمُّ: مَا الَّذِيْ يَجْعَلُ مِنْ قَادَةِ الْعَالَمِ إِلَى مَا وَصَلُوْا إِلَيْهِ مِنْ مَكَانَةٍ قِيَادِيَّةٍ، وَتَمَيَّزُوْا بِهَا عَلَى أَقْرَانِهِمْ، هَلْ هُوَ مُجَرَّدُ الذَّكَاءِ بِحَيْثُ يَتَّصِفُوْنَ بِأَعْلَى دَرَجَاتِ "مُعَامِلِ الذَّكَاء" غَيْرَ أَنَّهُ اكْتُشِفَ إِنَّمَا تَمَيَّزَتْ بِهِ بَعْضُ الاخْتِصَاصَاتِ عَنْ غَيْرِهَا كَالْفَلْسَفَةِ، وَالطِّبِّ، وَالْقَانُوْنِ، وَالْهَنْدَسَةِ وَغَيْرِهَا كَانَ أَوْضَح، أَمْ هِيَ الْوِرَاثَةُ، أَمِ الْبِيْئَةُ؟ لَمْ يَتَّفِقِ الْمُخْتَصُّوْنَ عَلَى أَيٍّ مِنْ هَذِهِ الأُمُوْرِ، لَكِنَّهُمْ وَجَدُوْا عَامِلاً مُشْتَرَكاً عِنْدَ الْقَادَةِ فِي الْعَالَمِ وَهُوَ تَنْظِيْمُ الْوَقْتِ، وَجَدْوَلَتُهُ، وَمُرَاعَاُة الأَوْلَوِيَّةِ فِيْ اسْتِثْمَارِهِ، وَأَنَّهُمْ يُوَزِّعُوْنَ أَوْقَاتَهُمْ عَلَى شُؤُوْنِهِمْ الْحَيَاتِيَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ طِبْقاً لِتِلْكَ الأَوْلَوِيَّات.. وَقْتٌ لِلْعَمَلِ، وَوَقْتٌ لِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَوَقْتٌ لِلرَّاحَةِ، وَوَقْتٌ لِلنَّوْمِ، وَوَقْتٌ لِلطَّعَامِ، وَوَقْتٌ لِلرِّيَاضَةِ، وَوَقْتٌ لِلْعِبَادَةِ، وَوَقْتٌ لِلتَّأَمُّلِ و و و.. مِنْ أَرْوَعِ مَا مَيَّزَ الإِسْلامَ تَقْسِيْمُهُ الْوَقْتَ، وَحَثُّهُ عَلَى التَّعَاطِي مَعَهُ فَقَدْ وَرَدَ فِي الرِّوَايَةِ: "مَكْتُوبٌ فِيْ حِكْمَةِ آلِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ: حَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لا يَغْفَلَ عَنْ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ: سَاعَةٍ يُنَاجِي فِيْهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٍ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا مَعَ إِخْوَانِهِ الَّذِيْنَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ وَيُصْدَقُ عَنْ نَفْسِهِ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَوْناً عَلَى تِلْكَ السَّاعَاتِ، وَإِجْمَاماً لِلْقُلُوبِ". وَظَاهِرَةُ الْقَسَمِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيْمِ تَنْطَوِي عَلَى عَظَمَةِ مَا يَقْسِمُ اللهُ -تَعَالَى- فِيْهِ، وَعَظَمَةِ مَا يَقْسِمُ مِنْ أَجْلِه.. )وَالْعَصْرِ*إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِيْ خُسْرٍ( [العصر:1-2] وَبِغَضِّ النَّظَرِ عَمَّا يَنْطَبِقُ أَوْ لا يَنْطَبِقُ عَلَى مَفْهُوْمِ الْقِيَادَةِ عَلَى بَعْضِ الرُّؤَسَاء فَإِنَّ مِنْ هَؤْلاءِ مَنْ بَرَزَتْ فِيْ شَخْصِيَّتِهِ مُوَاصَفَاتٌ مُتَنَوِّعَةٌ إِلَى جَانِبِ كَوْنِهِ مُتَصَدِّياً لِرِئَاسَةِ بَلَدِهِ فَفِي الرِّيَاضَةِ مَثَلاً عُرِفَ عَنْ رونالد ريغن، وشرويدر، وبوتن، وأردوغان وو.. وَفِي الأَدَبِ عُرِفَ عَنْ سنغور وَهُوَ مُؤَسِّسُ جُمْهُوْرِيَّةِ السنغال الْحَدِيْثَةِ، وَأَحَدُ أَعْلامِ الأَدَبِ الزِّنْجِيِّ «الأَفْرِيْقِيّ» الْحَدِيْثِ، وَعَدَّهُ نُقَّادُ الأَدَبِ بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ دُعَاتِهِ الْكِبَار". وَفِي الْفَلْسَفَةِ بَرَزَ الْفَيْلَسُوْفُ فرانسيس بيكون 1626م رَجُلُ الدَّوْلَةِ، وَرَئِيْسُ وُزَرَاءِ بَرِيْطَانِيَا، وَالْكَاتِبُ الإِنْجِيْلِيْزِيُّ الْمَشْهُوْر.. التَّعَامُلُ الْمُتَنَوِّعُ مَعَ الزَّمَنِ يَكْشُفُ عَنْ تَنَوُّعِ مَلَكَاتِ الإِنْسَانِ مِنْ جَانِبٍ، وَتَنَوُّعِ مَيَادِيْنِ التَّطْبِيْقِ فِيْ الْحَيَاةِ مِنَ الْجَانِبِ الآخَر.. إِدَارَةُ الْوَقْتِ، وَاحْتِرَامُ الزَّمَنِ مُؤَشِّرٌ عَلَى قُوَّةِ شَخْصِيَّةِ الإِنْسَانِ وَمِقْدَارِ تَحَضُّرِهِ، وَمُرَاعَاتِهِ لِوَقْتِ الآخَرِيْن.. مِنْ عَلامَاتِ الْحَضَارَةِ الَّتِيْ تَتَعَاطَى مَعَهَا دُوَلُ الْعَالَمِ الْمُتَقَدِّمَةُ هُوَ مَدَى مُرَاعَاةِ وَقْتِ الْمُوَاطِنِيْن.. كَانَ رَسُوْلُ اللهِ يَجْلِسُ حَيْثُ يَنْتَهِي الْمَجْلِسُ إِشَارَةٌ كَرِيْمَةٌ لِمَنْ حَضَرَ مُبَكِّراً يَحْتَلُّ مَوْقِعاً مُتَقَدِّماً فِي الْمَجْلِس..
الإثنين 1/شعبان/1437 الموافق 2016/5/9 |
|