|
حقيقة الضائقة وأدب المواجهة
قراءات | 15-06-2017
حَقِيْقَةُ الضَّائِقَةِ وَأَدَبُ الْمُوَاجَهَة لا تَخْلُو حَيَاةُ الإِنْسَانِ مَهْمَا بَلَغَ عُمْرُهُ، أَوْ كَانَتْ هُوِيَّتُهُ، أَوْ اخْتِصَاصُهُ مِنْ وُجُوْدِ الْمَشَاكِلِ، وَقَدْ تَبْلُغُ الْمُشْكِلَةُ حَدَّ الضَّائِقَةِ حِيْنَ يَشْتَدُّ تَأْثِيْرُهَا، وَيَعُمُّ ضَرَرُهَا.. هَذِهِ الْحَقِيْقَةُ لا تَغِيْبُ عَنْ حَيَاةِ النَّاسِ فَهُمْ مِنْ حَيْثُ الابْتِلاءُ بِالْمَشَاكِلِ مُتَسَاوُوْنَ غَيْرَ أَنَّ رُدُوْدَ الْفِعْلِ مُتَفَاوِتَةٌ مِنْ شَخْصٍ لآخَرَ، وَمِنْ مُجْتَمَعٍ لِآخَرَ. لا يَنْبَغِي أَنْ نَنْظُرَ إِلَى كُلِّ شَخْصٍ مِنْ خِلالِ حَجْمِ مَا يُوَاجِهُ مِنْ مَشَاكِلَ، بَلْ لابُدَّ أَنْ نَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنْ خِلالِ قُوَّةِ إِرَادَتِهِ، وَشِدَّةِ صَبْرِه.. الَّذِيْنَ هُزِمُوْا أَمَامَ بَعْضِ التَّحَدِّيَاتِ إِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ ذَلِكَ لا لِعَظَمَةِ الضَّائِقَةِ، بَلْ لِضَعْفِ نُفُوْسِهِمْ. للهِ دَرُّ الْمُتَنَبِّي وَهُوَ يَقُوْل: عَلَى قَدْرِ أهْلِ العَزْمِ تَأْتِي الْعَزائِمُ وَتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الْكِرامِ الْمَكَارِمُ وَتَعْظُمُ فِيْ عَيْنِ الصَّغِيْرِ صِغَارُهَا وَتَصْغُرُ فِيْ عَيْنِ الْعَظِيْمِ الْعَظَائِمُ حِيْنَ يَتَوَطَّنُ الإِنْسَانُ عَلَى حَقِيْقَةِ الْمِحَنِ فِيْ عَالَمِهِ، مَالِيَّةً كَانَتْ، أَمْ عَائِلِيَّةً، أَمْ اجْتِمَاعِيَّةً، أَمْ سِيَاسِيَّةً، أَمْ صِحِّيَّةً يَبْدَأُ بِوَاقِعِ مُوَاجَهَتِهَا وَبِشَجَاعَةٍ؛ إِمَّا أَنْ يَقْوَى عَلَيْهَا لِتَنْتَهِيَ، وَإِمَّا أَنْ يَتَحَدَّاهَا بِالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ. إِذَا كَانَ لابُدَّ مِنْ وُجُوْدِ الشَّدَائِدِ فِيْ حَيَاتِنَا فَلْنَصْنَعْ النَّصْرَ فِي الْمُوَاجَهَةِ، وَالتَّطَلُّعَ إِلَى الْبَدَائِلِ فِي الْحُلُوْل.. مَا مِنْ مُشْكِلَةٍ إِلاّ وَلَهَا حَلٌّ، أَوْ أَكْثَرُ، وَهُوَ قَرِيْبٌ فِيْ أُفُقِ التَّفْكِيْرِ، وَفِيْ مُتَنَاوَلِ الْبَصِيْرَةِ بِشَرْطِ أَنْ نَنْظُرَ بِعَيْنِ الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ الْمُسْتَمَدَّةِ مِنَ الثِّقَةِ بِاللهِ، وَلَيْسَتِ الْغَفْلَةَ عَنِ الْحُلُوْلِ إِلاَّ بِسَبَبِ الْغَفْلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ: )وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَٰهُمْ أَنفُسَهُمْ(. [الحشر: 19] الأُمَمُ الْحَيَّةُ اسْتَطَاعَتْ أَنْ تَسْتَحْضِرَ إِمْكَانَاتِهَا الْمُوْدَعَةَ فِي دَاخِلِهَا لِمُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ، وَخَرَجَتْ مِنَ الضَّوَائِقِ مُنْتَصِرَةً كَأَقْوَى مَا تَكُوْنُ، وَقَدْ سَجَّلَتْ فَوَارِقَ نَوْعِيَّةً بَاهِرَةً بَيْنَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّحَدِّي وَمَا آلَتْ إِلَيْهِ بَعْدَه.. فِيْ أَجْوَاءِ الْمِحْنَةِ اكْتَشَفَتْ ضَعْفَهَا مِنْ دُوْنِ يَأْسٍ، وَاكْتَشَفَتْ نِقَاطَ قُوَّتِهَا مِنْ دُوْنِ غُرُوْرٍ، وَعَزَمَتْ عَلَى الْمُضِيِّ فِيْ طَرِيْقِ الْبِنَاءِ مِنْ دُوْنِ مَلَلٍ، وَحَقَّقَتْ مَا حَقَّقَتْ مِنْ أَرْوَعِ الإِنْجَازَاتِ، أَحْيَتْ جِيْلَهَا الْمُعَاصِرَ، وَعَبَرَتْ لِلأَجْيَالِ اللاحِقَةِ، مِثْلَمَا اكْتَشَفَتْ عَنَاصِرَ الزَّيْفِ الَّتِي تَخَلَّلَتْهَا فِيْ أَجْوَاءِ الاسْتِرْخَاءِ بَيْنَمَا أَصْبَحَتْ وَاضِحَةً فِي الضَّائِقَات.. الْمُزَيَّفُوْنَ، وَالْمُتَشَبِّهُوْنَ بِالْمُصْلِحِيْنَ، وَأَصْحَابُ الشِّعَارَاتِ، وَالْمُزْدَوِجُوْنَ بِالشَّخْصِيَّةِ يَأْخُذُوْنَ نَسَقاً تَرَاتُبِيّاً يَنْسَجِمُ فِي جَوِّ الاسْتِرْخَاءِ، وَلا يُقَاوِمُ فِي وُجُوْدِهِ فِي أَجْوَاءِ التَّحَدِّيَاتِ: )أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَٰذِبِينَ(. [العنكبوت : 2-3] أَقْرَأُ فِيْ أُفُقِ الأَزْمَةِ عَلَى شِدَّتِهَا تَبَاشِيْرَ أَمَلٍ مُشْرِقٍ رُغْمَ الْجَهْلِ الَّذِيْ عَمَّ، وَالْجَهَالَةِ الَّتِي فَتَكَتْ عِنْدَ الْبَعْض.. إِنَّنِي أَقْرَأُهَا ابْتِلاءً آمَلُ أَنْ يَزُوْلَ مَا لَمْ يَكُنْ بَلاءً يَسْتَحْكِمُ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ. الأُمَّةُ الَّتِي تَرْفُضُ أَنْ تَصْحُوَ مِنْ غَفْلَتِهَا، وَتَسْتَأْنِفُ حَرَكَتَهَا بِالصَّعُوْدِ تَؤُوْلُ إِلَى الْمُوْت.. وَأُمَّتُنَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ إِنَّهَا أُمَّةٌ صَدَقَتْ مَعَ رَبِّهَا، وَقَدَّمَتْ خِيَرَةَ أَبْنَائِهَا قَرَابِيْنَ فِيْ مَيَادِيْنِ التَّحَدِّي رِجَالاً وَنِسَاءً، شِيْباً وَشُبَّاناً إِنَّمَا تَتَعَرَّضُ لِمِثْلِ هَذِهْ الْهَزَّاتِ حَتَّى تَتَخَلَّصَ بِإِذْنِ اللهِ مِنْ شَوَائِبِ الانْحِرَافِ الَّتِي مَا خَلَتْ مِنْهَا أُمَمُ الْعَالَمِ عِبْرَ التَّارِيْخ.. حَانَ وَقْتُ الْمُوَاجَهَةِ بِاعْتِمَادِ إِرَادَةِ الْمُوَاجَهَةِ وَفْقَ نَظَرِيَّةِ الْمُوَاجَهَةِ، وَشَخْصِيَّاتِ الْمُوَاجَهَةِ، وِبِمَقَاسَاتِ الْمُوَاجَهَةِ مِنَ التَّضْحِيَةِ.. هُوَ هَذَا عَالَمُ الدُّنْيَا الَّتِيْ جَعَلَهَا اللهُ -تَعَالَى- كَذَلِك.. وَفْقَ سُنَنِهِ، وَسَيَّرَهَا طِبْقَ إِرَادَتِهِ.. لَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهَا مُقْتَصِرَةً عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَ بِه.. "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ أَبَدَاً"..
الأربعاء 26/رجب/1437 الموافق2016/5/4 |
|