|
تجار الشهوة وبضاعة التحريض
قراءات | 15-06-2017
تُجَّارُ الشَّهْوَةِ وَبِضَاعَةُ التَّحْرِيْض كَثِيْراً مَا تُرَوِّجُ عَنَاصِرُ السُّوْءِ ثَقَافَةَ التَّفْرِقَةِ فِي سِيَاقِ التَّصَيُّدِ بِالْمَاءِ الْعَكِرِ مِنْ أَجْلِ إِلْحَاقِ الأَضْرَارِ فِي صُفُوْفِ الأُمَّة.. وَلا تَجِدُ غَيْرَ إِثَارَةِ الأَحْقَادِ الدَّفِيْنَةِ بِضَاعَةً تَتَعَاطَى بِهَا فِيْ أَسْوَاقِ الْمُزَايَدَات.. الْمُجْتَمَعَاتُ مُتَنَوِّعَةُ التَّكْوِيْنِ عَادَةً مَا تَكُوْنُ عُرْضَةً لانْتِشَارِ مِثْلِ هَذِهِ الْمَخَاطِرِ كَالْمُجْتَمَعَاتِ ذَاتِ التَّعَدُّدِ الدِّيْنِيِّ، أَوِ الْمَذْهَبِيِّ، أَوِ الْقَوْمِيِّ، أَوِ السِّيَاسِيِّ، وَالَّتِي دَرَجَتْ بِالظُّرُوْفِ الطَّبِيْعِيَّةِ عَلَى التَّعَايُشِ، وَقَد سَادَهَا الانْسِجَامُ عِبْرَ الأَجْيَالِ غَيْرَ أَنَّ الأَشْرَارَ مِمَّنَ لا يَطِيْبُ لَهُمْ مِثْلُ هَذَا الانْسِجَامِ يَعْمَلُوْنَ جَاهِدِيْنَ عَلَى إِشْعَالِ نِيْرَانِ فِتَنِ الاحْتِرَابِ الاجْتِمَاعِيِّ مِنْ خَلْفِيَّاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ مِنْهَا مَا يَرْتَبِطُ بِالشَّهَوَاتِ الْمَادِّيَّةِ، أَوِ الأَحْقَاد.. تَبَدْأُ بِشَوْطِهَا الأَوَّلِ بِتَحْرِيْكِ الاخْتِلافَاتِ بِاتِّجَاهِ التَّضَارُبِ لا التَّقَارُبِ، وَمِنْ ثَمَّ بِتَهْيِيْجِ الْعَوَاطِفِ، وَتَوْتِيْرِ الأَجْوَاءِ بِذَاتِ الاتِّجَاهِ، وَإِيْصَالِ الشَّعْبِ إِلَى حَافَّةِ الاحْتِرَابِ عَلَّهُ يَسْقُطُ فِي هَاوِيَةِ الْحُرُوْبِ الْمَحَلِّيَّةِ الَّتِي لا يَسْتَفِيْدُ مِنْهَا أَحَدٌ غَيْرُ أَعْدَائِه.. الَّذِيْنَ عَصَفَتْ بِهِمْ رِيَاحُ الأَحْقَادِ الدِّفِيْنَةِ لا يَهْدَأُ لَهُمْ بَالٌ مَا لَمْ يُحْدِثُوا الوَيْلاتِ، وَالدَّمَارَ، وَيَجِدُوْهَا قَدْ تَفَشَّتْ فِي كُلِّ جَوَانِبِ الْمُجْتَمَعِ مِنْ دُوْنِ أَنْ يَرْدَعَهُمْ رَادِع.. إِنَّهُمْ يَعْمَلُوْنَ جَاهِدِيْنَ عَلَى نَشْرِ ثَقَافَةِ الْحِقْدِ مُتَصَيِّدِيْنَ السُّذَّجَ مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ لَيْسَ لَدَيْهِمْ دُرُوْعٌ وَاقِيَةٌ مِنَ الْوَعْيِ، وَالثَّقَافَةِ لِيَسْهُلَ إِيْقَاعُهُمْ فِي شِرَاكِ التَّحْرِيْضِ. فَالاحْتِرَابُ عَلَى أَتْفَهِ الأَسْبَابِ، بَلْ لِعَدَمِ وُجُوْدِ أَيِّ سَبَبٍ أَحْيَاناً! تُجَّارُ الْحِقْدِ لا يَأْلُوْنَ جُهْداً فِي اسْتِغْلالِ كُلِّ الْفُرَصِ لإِحْدَاثِ الْفِتَنِ بَيْنَ النَّاسِ، وَعَلَى أَيِّ خَلْفِيَّةٍ كَانَتْ، وَيَتَصَيَّدُوْنَ الْبُسَطَاءَ مِنَ النَّاسِ الَّذِيْنَ تُحَرِّكُهُمْ أَبْسَطُ الإِثَارَاتِ، وَتَدْفَعُهُمْ مِنْ دُوْنِ تَأَنٍّ لِخَوْضِ مَعَارِكَ عَنِيْفَةٍ قَدْ تَمْتَدُّ عُقُوْداً مِنَ الزَّمَنِ، وَتَسِيْلُ فِيْهَا دِمَاءٌ غَزِيْرَةٌ كَحَرْبِ "دَاحِسٍ وَالْغَبْرَاء"، وَ"حَرْبِ الْبَسُوْس" الَّتِيْ حَصَلَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ قُتِلَ فِيْهَا الْكَثِيْرُ مِنَ الرِّجَالِ، وَقِيْلَ فِيْهَا الشِّعْرُ الْكَثِيْر. أَمَّا حَرْبُ المائة عَامٍ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ صِرَاعٍ طَوِيْلٍ بَيْنَ فَرَنْسَا وَإِنْجِلْتَرا، وَقَدْ دَامَتْ 116 سَنَةً مِنْ 1337 إِلَى 1453 ادَّعَى الْمُلُوْكُ الإِنْجِلِيْزُ الْعَرْشَ الْفَرَنْسِيَّ، وَكَافَحُوْا مِنْ أَجْلِه. كَانَ مِنْ أَهَمِّ الأَسْبَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِشَخْصِ مَلِكِ فَرَنْسَا الَّذِي كَانَ ضَعِيْفاً مُسْرِفاً فِيْ إِنْفَاقِهِ، وَمُحِبّاً لِلْبَذَخِ وَالْحَفَلاتِ الصَّاخِبَةِ، وَلَمْ يَحْكُمْ البِلادَ بِنَفْسِهِ، بَلْ تَرَكَ أَمْرَهَا لِخَاصَّتِهِ وَحَاشِيَتِهِ، وَتَكَالَبَ عَلَى حَفَلاتِهِ، وَمَجَالِسِهِ الْكَثِيْرُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَصَالِحِ، وَالْمُنْتَفِعِيْنَ، وَرِجَالِ الدِّيْنِ، وَالأَعْيَان. وَعَادَةً مَا تَنْتَشِرُ هَذِهِ الآفَةُ الْخَطِيْرَةُ فِي الكَثِيْرِ مِنْ أَوْسَاطِ الْعَوَامِّ مِنَ النَّاسِ خُصُوْصاً الْمَأْزُوْمِيْنَ مِنْهُمْ نَفْسِيّاً.. مَا يُؤْخَذُ عَلَى بَعْضِ الْمُثَقَّفِيْنَ هُوَ تَفَاعُلُهُمْ مَعَ دَعَوَاتِ التَّحْرِيْضِ بِسَبَبِ تَرَاكُمَاتِ الأَحْقَادِ، وَالشَّهَوَاتِ، وَعُقَدِ الْكَرَاهِيَةِ؛ وَبِذَلِكَ تَعْكِسُ الثَّقَافَةُ قُشُوْراً عِلْمِيَّةً مِنْ دُوْنِ لُبٍّ تَرْبَوِيّ.. لا قِيْمَةَ لِلْعِلْمِ مِنْ دُوْنِ مِصْدَاقٍ تَرْبَوِيٍّ يَكُوْنُ فِيْهِ الْمُثَقَّفُ بِمُسْتَوَى مَا يَقُوْلُ، وَيُطَابِقُ قَوْلُهُ فِعْلَه؛ لِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه): "إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي فَلْيُظْهِرِ الْعَالِمُ عِلْمَهُ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ". هَذِهِ الْمَسْؤُوْلِيَّةُ الَّتِيْ وُضِعَتْ عَلَى عَاتِقِ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّيْنَ نَظَراً لِمَا يَتَمَتَّعُوْنَ بِهِ مِنْ وَعْيِ الْحُكْمِ، وَمِنْ وَعْيِ الْمَوْضُوْعِ، وَمِنْ قُوَّةِ الإِرَادَةِ، وَالتَّعَفُّفِ مِنَ الْوُقُوْعِ تَحْتَ تَأْثِيْرِ الإِغْرَاءِ، أَوْ سَطْوَةِ تَهْدِيْدِ الأَعْدَاء..
الإثنين 24/رجب/1437 الموافق 2016/5/2 |
|