|
زاد الثقة ومحصلة الثبات
قراءات | 12-06-2017
زَادُ الثِّقَةِ وَمُحَصِّلَةُ الثَّبَات يَتَغَذَّى الإِنْسَانُ عَلَى الثِّقَةِ الَّتِي تَتَوَافَرُ لَهُ فِي البَيْتِ مُنْذُ طُفُوْلَتِهِ. وَحِيْنَ تَأْخُذُ نَفْسُهُ حِصَّةً كَافِيَةً مِنْهَا لا تَسْتَطِيْعُ أَيَّةُ قُوَّةٍ مَهْمَا بَلَغَتْ أَنْ تَنْتَزِعَهَا مِنْه.. زَادُ الثِّقَةِ هَذَا لا يَبْلُغُ مَدَاهُ الأَقْصَى مَا لَمْ تَتَوَافَرْ لَهُ عَنَاصِرُ الْوُضُوْحِ بِمَا يُرِيْدُ، وَالإِيْمَانِ بِمَا يَتَمَسَّكُ بِهِ، وَالاسْتِعْدَادِ لِلتَّضْحِيَةِ مِنْ أَجْلِه.. لَيْسَ مِنَ السَّهْلِ أَنْ تُمْنَحَ الثِّقَةُ لأَيِّ شَخْصِيَّةٍ مِنْ خَارِجِهَا مَا لَمْ تَنْبَعِثْ نَفْسُهُ مِنْ دَاخِلِهَا، وَمَا لَمْ تَكُنْ قَدْ تَرَسَّخَتْ، وَمُنْذُ وَقْتٍ مُبَكِّرٍ مِنَ الْعُمْرِ؛ وَهُوَ مَا يُشِيْرُ إِلَى دَوْرِ الْعَائِلَةِ فِيْ زَرْعِ بُذُوْرِهَا، وِرِعَايَتِهَا بِشَكْلٍ مُسْتَمِرٍّ مِنْ خِلالِ أَجْوَاءِ الْبَيْتِ الْمُفْعَمَةِ بِالْحُبِّ، وَالاحْتِرَامِ لِكُلِّ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ، وَتَجَنُّبِ أَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّوْهِيْنِ، وَعَدَمِ الاحْتِرَامِ لِلطِّفْلِ خُصُوْصاً أَمَامَ الآخَرِيْن.. رَصِيْدُ الْمَالِ، وَرَصِيْدُ الْعِلْمِ، وَرَصِيْدُ السُّمْعَةِ، وَكُلُّ الأَرْصِدَةِ مَهْمَا بَلَغَتْ فَهِيَ مَحْدُوْدَةٌ، لَكِنَّ رَصِيْدَ الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ الْمُسْتَمَدَّ مِنَ الثَّقِةِ باللهِ -تَعَالَى- غَيْرُ مَحْدُوْدٍ هُوَ الَّذِيْ يَمُدُّ الْمُقَاتِلَ فِي جَبَهَاتِ الْمُوَاجَهَةِ بِطَاقَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ هَائِلَةٍ،كَمَا يَمُدُّ الأَسِيْرَ فِيْ سُجُوْنِ التَّعْذِيْبِ، وَتَحْتَ سِيَاطِ الْجَلَّادِيْنَ بِطَاقَةٍ مِنَ الصَّبْرِ غَيْرِ مَحْدُوْدَة.. وَيَمُدُّ الْمُتَصَدِّيَ فِي الْعَمَلِ الاجْتِمَاعِيِّ لِمُوَاجَهَةِ الأَبَاطِيْلِ الْمُزَيَّفَةِ، وَرَفْضِ الإِغْرَاءَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ بِطَاقَةِ ثَبَاتٍ لا تَنْفَدُ، وَيَمْنَحُ كُلَّ مَنْ يُعَانِي مِنْ أَصْحَابِ التَّحَدِّيَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ بِطُمَأَنِيْنَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ تَجْعَلُ أَصْحَابَهَا لا يُهْزَمُوْن.. الْوَاثِقُوْنَ باللهِ، وَالْمُصَمِّمُوْنَ عَلَى السَّيْرِ فِي الطَّرِيْقِ الصَّعْبِ تَعَلَّقَتْ إِرَادَتُهُمْ بِأَهْدَافِهِمْ، وَاسْتَرْخَصُوا كُلَّ شَيْءٍ لِنَيْلِ تِلْكَ الأَهْدَاف.. يَبْقَى زَادُ الثِّقَةِ أَغْنَى مِنْ كُلِّ زَادٍ، وَسِرُّهُ فِي تَحْقِيْقِ النَّجَاحِ أَبْلْغَ مِنْ كُلِّ سِرّ.. الْمُتَّصِفُوْنَ بِقُوَّةِ أَجْسَامِهِمْ، وَجَمَالِ أَشْكَالِهِمْ، وَفِي رَصِيْدِ أَمْوَالِهِمْ، وَفِي حَجْمِ شُهْرَتِهِمْ، وَفِي مَوَاقِعِ سُلْطَتِهِمْ فِي الْحُكْمِ يَتَعَرَّضُوْنَ لِتَغَيُّرَاتٍ بَيْنَ حِيْنٍ وَآخَرَ؛ لأَنَّ صِفَاتِهِمْ هَذِهْ نَابِعَةٌ مِنْ خَارِجِ إِرَادَتِهِمْ عَلَى عَكْسِ الَّذِيْنَ يَسْتَمِدُّوْنَ ثِقَتَهُمْ بِاللهِ، وَمِنْ دَاخِلِ أَنْفُسِهِمْ تَرَاهُمْ فِي قُوَّةٍ رُغْمَ ضَعْفِ الْبَدَنِ، وَالشَّكْلِ، وَالْمَالِ، وَالْمَكَانَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ مَا يُكْسِبُهُمْ خُطىً ثَابِتَةً فِي السَّيْرِ فِي دُرُوْبِ الْحَيَاةِ رُغْمَ مُنْعَرَجَاتِهَا الْحَادَّةِ، وَيَنْشُرُوْنَ أَلْوِيَةَ السَّلامِ، وَيَعْبَقُوْنَ بِعِطْرِ الْمَحَبَّة: )وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا( [الفرقان : 63] عَنِ الإِمَامِ الصَّادِقِ -عَلَيْهِ السَّلامُ- قَالَ: ((يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ فِيه ثَمَانُ خِصَالٍ: وَقُورٌ عِنْدَ الْهَزَاهِزِ صَبُورٌ عِنْدَ الْبَلاءِ، شَكُورٌ عِنْدَ الرَّخَاءِ، قَانِعٌ بِمَا رَزَقَهُ اللهُ لا يَظْلِمُ الأَعْدَاءَ، ولا يَتَحَامَلُ لِلأَصْدِقَاءِ، بَدَنُه مِنْه فِي تَعَبٍ، والنَّاسُ مِنْه فِي رَاحَةٍ)).. وَجَمِيْلٌ تَصْوِيْرُ الشَّاعِرِ إِبْرَاهِيْم ناجي فِي رَائِعَتِهِ بِأَنَّ ثِقَةَ الإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ هِيَ الْعِطْرُ الَّذِيْ انْتَشَرَ مِنْ مَكَانِهِ رَائِحَةُ الطِّيْب.. وَاثِقُ الْخُطْوَةِ يَمْشِي مَلِكاً عَابِقَ الطَّرْفِ كَأَنْفَاسِ الْمَسَاء حِيْنَ تَتَأَصَّلُ الثِّقَةُ، وَيَتَعَاظَمُ رَصِيْدُهَا سَتَنْشُرُ ظِلَّهَا فِيْ أَيِّ مَجَالٍ يَتَصَدَّى فِيْهِ صَاحِبُهَا، وَسَتَلُوْحُ مَعَالِمُهَا بِشَكْلٍ مُمَيَّزٍ، لَكِنَّ النَّفْسَ الْمُشْبَعَةَ بِالثِّقَةِ مَا لَمْ يُعَادِلْهَا التَّوَاضُعُ للهِ -تَعَالَى- قَدْ يَتَمَلَّكُهَا الْغُرُوْرُ الَّذِيْ يَجْتَاحُهَا مِنْ دَاخِلِهَا.. مَوْجَاتُ الْمَدْحِ وَالإِغْرَاءِ الَّتِي يَتَعَرَّضُ لَهَا الإِنْسَانُ مِنْ خَارِجِهِ قَدْ لا تُوَلِّدُ فِيْهِ الْغُرُوْرَ مَا لَمْ تَتَحَرَّكْ نَفْسُهُ مِنْ دَاخِلِهِ بَعْدَ أَنْ تَتَشَبَّعَ بِالرِّضَا عَنِ الذَّاتِ، وَتَمْيِيْزِهَا عَلَى النَّاسِ؛ وَهِيَ مَا تَحْتَاجُ إِلَى مُعَادِلٍ تَرْبَوِيٍّ يُذَكِّرُهَا بِنَوَاقِصِهَا، وَفَضَائِلِ ذَوَاتِ الآخَرِيْن..
الإثنين 17/رجب/1437 الموافق 2016/4/25 |
|