|
الكهولة المبكرة
قراءات | 12-06-2017
الْكُهُوْلَةُ الْمُبَكِّرَة مُرُوْرُ الإِنْسَانِ فِيْ مَحَطَّاتِ الْعُمْرِ الْمُخْتَلِفَةِ لَيْسَتْ مِنْ صُنْعِ يَدِهِ، وَالتَّحَكُّمُ بِهَا لَيْسَ بِمَقْدُوْرِه.. [يَمُرُّ الإِنْسَانُ بِأَطْوَارِ الصِّبَا، وَالشَّبَابِ، وَالْكُهُوْلَةِ، وَالشَّيْخُوْخَة]. هَذِهِ فِي الأَحْوَالِ الاعْتِيَادِيَّةِ الَّتِيْ يَجْتَازُهَا عُمُوْمُ النَّاسِ إِذْ يَقْتَرِنُ تَقَادُمُ الزَّمَنِ بِتَدَاعِي الصِّحَّةِ، وَضَعْفِ الْبَدَنِ، وَمِنْ ثَمَّ ضَعْفُ الذَّاكِرَةِ: )وَمَن نّعَمِّرْهُ نُنْكِّسْهُ فِى ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ( [ يس: 68] لَيْسَ الزَّمَنُ وَحْدَهُ الْمُتَحَكِّمَ بِقِوَى الإِنْسَانِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالنَّفْسِيَّةِ، وَالْجِسْمِيَّةِ، بَلْ الْهُمُوْمُ وَالْمَشَاكِلُ -هِيَ الأُخْرَى- تُؤَدِّي دَوْراً مُهِمّاً فِيْ ذَلِكَ. قَالَ أَمِيْرُ الْمُؤْمِنِيْنَ (عليه السلام): "الْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَم".. مَادَامَ الْهَمُّ جُزْءاً لا يَتَجَزَّأُ مِنَ الْحَيَاةِ، وَهُوَ يُنْقِصُ مِنْ عُمْرِ الإِنْسَانِ فَلْيَكُنْ هَذَا الْهَمُّ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ إِصْلاحِ النَّاسِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ خَسَارَةً فِيْ زَمَنِ الدُّنْيَا غَيْرَ أَنَّهُ رِبْحٌ فِيْ حِسَابِ الآخِرَة.. الَّذِيْنَ حَمَلُوْا هُمُوْمَ إِصْلاحِ أَنْفُسِهِمْ، وَإِصْلاحِ عَوَائِلِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ غَيْرُ الَّذِيْنَ شَغَلَتْهُمْ هُمُوْمُ الدُّنْيَا لِطَلَبِ الْمَكَاسِبِ التَّرْفِيْهِيَّةِ، وَالإِصْرَارِ عَلى الانْغِمَاسِ بِالْمَلَذَّاتِ عَلَى حِسَابِ الآخَرِيْنَ، وَلا يَهُمُّهُمْ شَقَاءُ الْفُقَرَاءِ، وَلا عَذَابُ الْبَائِسِيْن.. هَمُّ الأُمَّةِ غَيْرُ هَمِّ الذَّاتِ، وَهَمُّ الْعَمَلِ الدَّؤُوْبِ غَيْرُ هَمِّ التَّنَعُّمِ بِالْمَلَذَّاتِ كِلا الْهَمَّيْنِ يُنْقِصَانِ مِنَ الْعُمْرِ، لَكِنَّ هَمَّ الإِصْلاحِ فِيْ دُنْيَا الإِنْسَانِ إِعْمَارٌ لَهَا، وَذَخِيْرَةٌ لِلآخِرَة.. مِنَ النَّاسِ مَنْ يَدْأَبُ مُتَوَاصِلاً عَلَى رَاحَةِ أَهْلِهِ، وَمُجْتَمَعِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُفَكِّرُ إِلا بِنَفْسِهِ يَهْتَزُّ لِخَسَارَةٍ فِيْ مَالٍ، وَلا يَهْتَزُّ لِخَسَارَةِ شَعْبِهِ حِيْنَ يَتَصَدَّعُ أَمْنُهُ، وَتُنْتَهَكُ فِيْهِ كَرَامَتُهُ، وَيُقَوَّضُ بِهِ اقْتِصَادُه.. الْهُمُوْمُ لا تَتَجَزَّأُ لَدَى أَصْحَابِ الْمَبَادِئِ؛ لأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ وَحْيِ الذَّاتِ إِنَّهَا مِنْ وَحْيِ الْمَبَادِئِ، وَالْقِيَمِ، وَالأَهْدَافِ، وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ؛ لِذَا كَانَتِ الْهُمُوْمُ الْعَامَّةُ مُتَّجِهَةً فِيْ خَطِّ الْبِنَاءِ، وَالتَّضْحِيَةِ، وَإِشَاعَةِ السَّعَادَةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ عَلَى غَيْرِ الْهُمُوْمِ الْخَاصَّةِ الَّتِي تَحْتَبِسُ فِيْ حَيِّزِ الذَّاتِ، وَتَخْتَنِقُ مِنَ الآخَرِيْن.. الَّذِيْنَ حَمَلُوْا هُمُوْمَ شُعُوْبِهِمْ، وَضَحَّوْا مِنْ أَجْلِهَا بِالْغَالِي وَالنَّفِيْسِ غَيْرُ الذَّيِنَ اسْتَهْلَكَتْهُمْ ذَوَاتُهُمْ، وَعَمِيَتْ أَبْصَارُهُمْ عَمَّا يُعَانِي عُمُوْمُ النَّاسِ وَخُصُوْصُ الْفُقَرَاء.. وَالَّذِيْنَ تَوَاصَلَتْ مَسِيْرَتُهُمْ بِتَوَاصُلِ هُمُوْمِهِمْ الْعَامَّةِ، وَتَفَانِيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مُكَافَحَةِ الْفَقْرِ، وَالْمَرَضِ، وَالْبُؤْسِ غَيْرُ الَّذِيْنَ أَسِرَتْهُمْ هُمُوْمُهُمْ الشَّخْصِيَّةُ، وَعَزَلَتْهُمْ عَنْ شَتَّى أَنْوَاعِ الْعَطَاءَاتِ الإِنْسَانِيَّة.. صَدَقُوْا مَعَ أَنْفُسِهِمْ فِيْمَا اعْتَقَدُوْا، ومَا قَالُوْا، وَمَا بَذَلُوْا، فَكَانَ طَرِيْقُهُمْ أَصْعَبَ الطُّرُقِ، وَكَانَتْ تَضْحِيَاتُهُمْ أَغْلَى التَّضْحِيَاتِ لِيَحْتَلُّوْا فِيْ ضَمِيْرِ أُمَمِهِمْ الْحَيَّةِ أَرْفَعَ الْمَوَاقِع.. يَسْهَرُوْنَ عَلَى سَعَادَةِ الْغَيْرِ، وَيَتَأَلَّمُوْنَ لأَلَمِهِ، وَشَقَائِهِ، وَيَبْذُلُوْنَ كُلَّ مَا لَدَيْهِمْ مِنْ إِمْكَانِيَّةٍ مِنْ أَجْلِهِ لا تَأْخُذُهُمْ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، وَلا يَضُرُّهُمْ بِذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِيْنَ مَادَامُوْا فِيْ رَاحَةِ ضَمِيْر.. تَأْخُذُ مِنْهُمْ الْهُمُوْمُ، وَتَنْقُصُ أَعْمَارُهُمْ، لَكِنَّهَا تَمْنَحُهُمْ التَّجْرِبَةَ، وَالْفِكْرَ، وَالْمَحَبَّةَ فِيْ قُلُوْبِ النَّاسِ، وَفَوْقَ هَذَا وَذَاكَ وَقَبْلَهُ تُكْسِبُهُمْ مَرْضَاةَ اللهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الأَعْظَمُ.. هُمُوْمٌ تَزُوْلُ مَعَ زَوَالِ الأَشْخَاصِ، وَهُمُوْمٌ تَسْتَطِيْلُ مَعَ الزَّمَنِ، وَتَخْلُدُ فِيْ ضَمِيْرِ النَّاسِ؛ لأَنَّهَا صُبَّتْ فِيْ نَفْعِ النَّاسِ، وَاتَّسَعَتْ لَهُمْ جَمِيْعاً.. )فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض( [الرعد: 17] عَرَبَةُ الزَّمَنِ لَمْ وَلَنْ تَتَوَقَّفَ عَنِ الْحَرَكَةِ غَيْرَ أَنَّ الْفَارِقَ كَبِيْرٌ بَيْنَ مَنْ يُسَخِّرُ حَيَاتَهُ بِمُرُوْرِ الزَّمَنِ لأَجْلِ الآخَرِيْنَ، وَمَنْ يُسَخِّرُ الآخَرِيْنَ مِنْ أَجْلِ حَيَاتِه..
الأربعاء 12/رجب/1437 الموافق 2016/4/20 |
|