|
ثمرة العدل وثمار الإحسان
قراءات | 12-06-2017
ثَمَرَةُ الْعَدْلِ وَثِمَارُ الإِحْسَان الْعَدْلُ أَصْلٌ عَقْلِيٌّ لا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ أَحَدٌ تَتَعَدَّدُ مَيَادِيْنُهُ بِالتَّطْبِيْقِ سَوَاءٌ فِي الْمَجَالِ الشَّخْصِيِّ، أَمْ الأُسَرِيِّ، أَمْ الاجْتِمَاعِيِّ، أَمْ السِّيَاسِيِّ، أَمْ الإِنْسَانِيِّ، وَهُوَ مَوْضِعُ حَاجَةِ النَّاسِ جَمِيْعاً مَهْمَا كَانَتْ مُعْتَقَدَاتُهُمْ، وَدِيَانَاتُهُم.. وَالْخُرُوْجُ عَنْ جَادَّةِ الْعَدْلِ مَعْنَاهُ السُّقُوْطُ فِي هَاوِيَةِ الظُّلْمِ، وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْمَظْلُوْمِيْنَ؛ وَكُلَّمَا ازْدَادَ الظُّلْمُ شِدَّةً ازْدادَتْ آثَارُهُ فَدَاحَةً.. لِذَا كَانَ مِقْيَاسُ الْقُوَّةِ فِيْ أَيِّ نِظَامٍ اجْتِمَاعِيٍّ هُوَ مِقْدَارِ مَا يُحَقِّقُ مِنْ عَدَالَةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ، فَيَصُوْنُ الْحُقُوْقَ، وَيَضْمَنُ الْحُرِّيَاتِ، وَيَكْفَلُ الأَمْنَ. وَحِيْنَ تَتَعَرَّضُ حُقُوْقُ الْمُوَاطِنِيْنَ لِلانْتِهَاكِ يَشْعُرُ النَّاسُ مَعَهَا بِالظُّلْمِ؛ مِمَّا يَجْعَلُهُمْ يَتَطَلَّعُوْنَ لِحَمَلَةِ لِوَاءِ الْعَدْلِ لِتَطْبِيْقِه.. )إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَٰنَٰتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً( فَالنَّاسُ قَدْ يَتَحَمَّلُوْنَ بَعْضَ التَّقْصِيْرِ لِسَبَبٍ، أَوْ لآخَرَ لَكِنَّهُمُ لا يَتَقَبَّلُوْنَ الظُّلْمَ، وَإِذَا مَا تَمَادَى الظَّالِمُوْنَ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يُعَرِّضُهُمْ لِلرَّفْضِ وَلَوْ بِالْقُوَّة.. وَإِذَا كَانَتِ الْحَاجَةُ لِلْعَدْلِ كَبِيْرَةً فَإِنَّ الْحَاجَةَ لِلإِحْسَانِ أَكْبَرُ، وإِنَّ تَأْثِيْرَهُ أَشَدُّ؛ لأَنَّهُ لا يَقِفُ عِنْدَ حَدِّ إِعْطَاءِ صَاحِبِ الْحَقِّ حَقَّهُ، بَلْ يَتَجَاوَزُ إِلَى مَا فَوْقَ حَقِّهِ، وَذَلِكَ هُوَ الإِحْسَان.. فَفِيْمَا يَقِفُ الْعَدْلُ عِنْدَ حُدُوْدِ إِنْصَافِ الآخَرِ لِمَا لَهُ، وَلِمَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الإِحْسَانَ يَفُوْقُ الْعَدْلَ بِمَنْحِ صَاحِبِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ كَمَا يَعْفُو عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَتَوَقَّعُ.. وَكَثِيْراً مَا تَكُوْنُ الْحَاجَاتُ الْمُلِحَّةُ، أَوْ الْمُفَارَقَاتُ السُّلُوْكِيَّةُ لا يُوَازِيهَا الْعَدْلُ مَا لَمْ يُسْعِفْهَا الإِحْسَانُ بِحَجْمِهِ الأَكْبَرِ، وَتَأْثِيْرِهِ الأَبْلَغ.. وَبِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ: قَدْ تَخْتَفِي فِيْ حَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ حَالاتٌ حَسَّاسَةٌ لا يُمْكِنُ مَعَهَا حَلُّ الْمُشْكِلاتِ بِالاسْتِعَانَةِ بِأَصْلِ الْعَدَالَةِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا تَحْتَاجُ إِلَى إِيْثَارٍ، وَعَفْوٍ، وَتَضْحِيَةٍ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِرِعَايَةِ الإِحْسَان.. فَفِي مُعَادِلِ الْمَشَاكِلِ، وَالإِسَاءَاتِ الْكَبِيْرَةِ تَكُوْنُ الْحَاجَةُ مَاسَّةً لِلإِحْسَانِ بِحَيْثُ يَتُمُّ التَّجَاوُزُ عَنِ الْمُسِيْءِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ كَمَا يَكُوْنُ الْمُعَادِلُ لِلْحَاجَاتِ الَّتِيْ يَتَجَاوَزُ فِيْهَا صَاحِبُهَا حَقَّهُ الطَّبِيْعِيَّ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ وَهُوَ مَا يَمْنَحُ الْمُعْطِيَ الْمُحْسِنَ حَجْماً مِنَ الْمُرُوْنَةِ يَتَجَاوَزُ فِيْهِ حَجْمَ الْعَدَالَةِ لِيُحَقِّقَ عَلَى يَدَيْهِ كَمُحْسِنٍ مَا لا يُحَقِّقُهُ عَلَى يَدَيْهِ كَعَادِل.. لَيْسَ اعْتِبَاطاً أَنْ يَلْتَفَّ النَّاسُ حَوْلَ الْمُحْسِنِيْنَ، وَأَنْ يَتَّصِفَ أَنْبِيَاءُ اللهِ (عليهم السلام) بِالإِحْسَان.. وَأَنْ يُحْدِثَ الْمُحْسِنُ فِي الْمُسِيْءِ أَبْلَغَ الأَثَرِ، وَيَنْتَهِيَ بِهِ إِلَى أَحْسَنِ نَتِيْجَةٍ: )وَلاَ تَسْتَوِى ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ(. حِيْنَ تَمُرُّ الْمُجْتَمَعَاتُ بِظُرُوْفٍ اسْتِثْنَائِيَّةٍ مِنْ حَيْثُ الصُّعُوْبَةُ تَتْرُكُ فِيْهَا مِنْ آثَارِ الْحَاجَةِ مَا تَجْعَلُهَا تَتَطَلَّعُ لِحُلُوْلٍ غَيْرِ عَادِيَّةٍ تَرْقَى إِلَى مُسْتَوَى مِحْنَتِهَا مِنْ حَيْثُ الْعَوْزُ الْمَادِّيُّ، وَلا يُسْعِفُهَا -وَالْحَالَةُ هَذِهِ- إِلا التَّنَافُسُ بِالْعَطَاءِ بِمَا يَتَنَاسَبُ وَحَاجَةَ الْفُقَرَاءِ خُصُوْصاً أَنَّ الظُّرُوْفَ الصَّعْبَةَ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا الْبَلَدُ تَتَطَلَّبُ تَضَافُرَ جُهُوْدِ الأَغْنِيَاءِ إِلَى جَانِبِ الْحُكُوْمَةِ لِتَجَاوُزِ الْمِحْنَةِ الَّتِي يَمُرُّ فِيْهَا؛ وَهُوَ مَا يَتَطَلُّبُ فَتْحَ أَبْوَابِ الْمُبَادَرَاتِ لِكُلِّ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالإِحْسَانِ، وَتَحْرِيْكَ مَلَكَاتِ الْخَيْرِ لِلتَّنَافُسِ فِيْ تَقْدِيْمِ الْمُسَاعَدَات..
الجمعة 7/رجب/1437 الموافق 2016/4/15 |
|