|
ترابط الأجيال
قراءات | 12-06-2017
تَرَابُطُ الأَجْيَال
عَادَةً مَا يَمْتَدُّ الْجِيْلُ لِحَوَالَى الثَّلاثِيْنَ سَنَةً؛ وَبِحُكْمِ التَّجَاوُرِ النَّفْسِيِّ، وَالْجُغْرَافِيِّ، وَالْمُجْتَمَعِيِّ يَحْمِلُ أَفْرَادُ الْجِيْلَ الْوَاحِدِ بَصَمَاتِ التَّشَابُهِ إِلَى حَدٍّ مَا مِنَ الْعَادَاتِ، وَالتَّقَالِيْدِ، وَالثَّقَافَةِ، حَتَّى الزِّيِّ، وَنَمَطِ الْحِلاقَةِ، وَنَسَقِ الأَلْوَانِ، وَطِرَازِ الْبِنَاءِ، وَالْكَثِيْرِ مِنَ الْمَظَاهِرِ الْمَدَنِيَّةِ الأُخْرَى، لَكِنَّ بُذُوْرَ التّحَوُّلِ تُزْرَعُ بِكُلِّ جِيْلٍ سَابِقٍ لِتُثْمِرَ تَطَوُّراً عَلَى الأَجْيَالِ اللاَحِقَة.. كَانَ الزِّيُّ فِيْ زَمَنٍ مَا أَدَاةً يَحْتَمِي فِيْهِ الإِنْسَانُ لِمُوَاجَهَةِ الطَّبِيْعَةِ، وَتَقَلُّبَاتِهَا. فَإِنْسَانُ الْقُطْبِ الشِّمَالِيِّ، أَوِ الْجَنُوْبِيِّ يَخْتَلِفُ مِنْ حَيْثُ الْبِيْئَةُ مَعَ إِنْسَانِ الْمِنْطَقَةِ الاسْتِوَائِيَّةِ، وَإِنْسَانُ الصَّحْرَاءِ يَخْتَلِفُ عَنْ إِنْسَانِ الْمَنَاطِقِ الْبَارِدَةِ، وَمِنَ الطَّبِيْعِيِّ أَنْ تَنْعَكِسَ الْفَوَارِقُ الْبِيْئِيَّةُ عَلَى أَدَوَاتِهِ فِي الْمُوَاجَهَةِ لِيَقِيَ نَفْسَهُ حَرَّهَا وَبَرْدَهَا، وَيَرُدَّ عَنْهَا غَائِلَةَ التَّقَلُّبِ الْحَادِّ فِيْمَا تُوَاجِهُ مِنَ الأَمْطَارِ، وَالأَعَاصِيْرِ، وَالْجَفَافِ؛ وَهِيَ مَا تَرَكَتْ آثَارَهَا عَلَى الْمَلابِسِ الَّتِيْ يَرْتَدِيْهَا الإِنْسَانُ، وَاخْتَلَفَتْ بِاخْتِلافِ الظُّرُوْفِ الْبِيْئِيَّةِ وَالْمُنَاخِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ قَفَزَاتٍ نَوْعِيَّةً حَصَلَتْ فِي مَجَالِ التَكْنُوْلُوجِيَا وَزَحَفَتْ عَلَى أَدَوَاتِ التَّعَامُلِ الإِنْسَانِيِّ لِتُضْفِيَ عَلَيْهَا طَابِعاً وَاقِعِيّاً انْسَحَبَ مُقَابِلَهَا الزِّيُّ إِلَى حُدُوْدٍ ضَيِّقَةٍ؛ مِمَّا أَتَاحَ لِلْمُحْتَوَى الْكَمَالِيِّ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى حَجْمِهِ بِدَرَجَةٍ كَبِيْرَة.. يَبْقَى الْمُحْتَوَى الْمَعْنَوِيُّ لِلزِّيِّ بِمِقْدَارِ مَا يَرْمُزُ إِلَى الْفِكْرِ، وَالْقِيَمِ يَصْمُدُ أَمَامَ التَّغْيِيْرِ مَعَ هَامِشٍ مِنَ الْمُرُوْنَةِ لِيَتَحَكَّمَ الذَّوْقُ بِمَا لا يُخِلُّ بِالْتِزَامِ صَاحِبِه.. مُرَاقَبَةُ تَطَوُّرَاتِ الأَزْيَاءِ عِبْرَ الأَجْيَالِ تَكْشُفُ عَنْ ثَوَابِتِهَا وَمُتَغَيِّراتِهَا؛ وَلأَنَّ وَرَاءَ الأَزْيَاءِ مَصَالِحَ تُدِيْرُهَا شَرِكَاتٌ، وَتَتَرَتَّبُ عَلَى ضَوْئِهَا عَلاقَاتٌ، بَلْ تَحْمِلُ فِكْراً أَحْيَاناً، وَتُحَارِبُ فِكْراً أَحْيَاناً أُخْرَى؛ بِذَلِكَ تَكُوْنُ "الظَّاهِرَةُ الْمَدَنِيَّةُ" قَدْ تَحَوَّلَتْ إِلَى "ظَاهِرَةٍ حَضَارِيَّةٍ" تَعْكِسُ مَفَاهِيْمَ فِكْرٍ، وَنَمَطِيَّاتِ سُلُوْكٍ، وَلَيْسَ مُجَرَّدَ أَدَوَاتِ مُوَاجَهَةٍ لِتَقَلُّبَاتِ الْبِيْئَة.. غَيْرَ أَنَّ تَفَاعُلَ الأَفْكَارِ، وَالْقِيَمِ يَتَسَبَّبُ بِانْعِكَاسَاتٍ عَلَى مَظَاهِرِ الْحَيَاةِ الْحَضَارِيَّةِ، وَهِيَ غَيْرُ تَفَاعُلِ الأَسَالِيْبِ التَّكُنُوْلُوْجِيَّةِ الَّتِي تَتَحَرَّكُ فِيْ حَيِّزِ الْمَدَنِيَّةِ؛ وَبِهَذَا يَكُوْنُ الْمُجْتَمَعُ أَمَامَ نَوْعَيْن ِمِنَ "التَّمَوُّجِ": "التَّمَوُّجِ الْمَدَنِيِّ"، وَ"التَّمَوُّجِ الْحَضَارِيّ". فِي التَّمَوُّجِ الْحَضَارِيِّ يُحَافِظُ عَلَى مُحْتَوَاهُ الْمَعْنَوِيِّ، وَمُرْتَكَزَاتِهِ الأَسَاسِيَّةِ فَيَكُوْنُ تَعَاقُبُ الأَجْيَالِ مِنْ مَنْظُوْرٍ حَضَارِيٍّ لَيْسَ كَتَعَاقُبِهَا مِنَ الْمَنْظُوْرِ الْمَدَنِيّ.. التَّقَالِيْدُ الْمَدَنِيَّةُ لا تَصْمُدُ أَمَامَ الزَّمَنِ، وَلا تَسْتَبْسِلُ فِيْ مُقَاوَمَتِهَا، وَلا تُضَحِّي مِنْ أَجْلِ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا عَلَى غَيْرِ الْمَظَاهِرِ الْحَضَارِيَّةِ الْمُرْتَبِطَةِ بِأَصْلِ الْعَقِيْدِةِ، وَالْمُتَشَبِّعَةِ بِمَفَاهِيْمِهَا، وَالْخَاضِعَةِ لأَحْكَامِهَا تَمْنَحُ الْمُؤْمِنِيْنَ بِهَا طَاقَةً مِنَ التَّفَاعُلِ، وَزَخْماً مِنَ التَّضْحِيَة؛ وَهُوَ مَا يَجْعَلُ مَسَارَ الْمَدَنِيَّةِ عَلَى طُوْلِ التَّارِيْخِ يَخْتَلِفُ تَمَاماً عَنْ مَسَارِ الْحَضَارَة.. التَّرَابُطُ بَيْنَ الأَجْيَالِ فِيْ كُلِّ مُجْتَمَعٍ، وَعَلَى أَيِّ أَرْضٍ يَتَّخِذُ مِنَ الْفِكْرِ الثَّابِتِ، وَالْقِيَمِ الثَّابِتَةِ مُرْتَكَزاً أَسَاسِيّاً يَمُدُّ حَمَلَتَهُ بـ"مُقَوِّمَاتِ الأَصَالَةِ"، وَ"مُقَوِّمَاتِ التَّجْدِيْدِ"، وَتَرْتَسِمُ عَلَى ضَوْئِهَا مَظَاهِرُ الْحَيَاةِ فِيْ مُخْتَلِفِ مَنَاطِقِ الْعَالَمِ رُغْمَ تَفَاوُتِ قَوْمِيَّاتِهَا، وَأَجْنَاسِهَا، وَجُغْرَافِيَّتِهَا مِنَ النَّاحِيَةِ الأُفُقِيَّة.. مِثْلَمَا تَتَشَابَهُ بَيْنَ الأَجْيَالِ الْمُتَعَاقِبَةِ رُغْمَ مُرُوْرِ الزَّمَنِ مِنَ النَّاحِيَةِ الْعَمُوْدِيَّة..
الأربعاء 5/رجب/1437 الموافق 13/4/2016 |
|