|
الشهيد النوعي
قراءات | 12-06-2017
الشَّهِيْدُ النَّوْعِيّ
وَكَثِيْراً مَا تَتَفَتَّحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لِعُرُوْجِ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ فِيْ أَجْوَاءِ الْحُرُوْبِ الَّتِيْ يُوَاجِهُ فِيْهَا أَبْنَاءُ الْحَقِّ ضِدَّ أَزْلامِ الْبَاطِل.. كَمَا تَلْتَحِقُ تِلْكَ الأَرْوَاحُ الطَّاهِرَةُ بِبَارِئِهَا بِأَجْوَاءِ الزَّنَازِيْنِ، وَالسُّجُوْن.. قَدْ يُوَاجِهُ الْكَثِيْرُ مِنَ النَّاسِ مَصِيْرَ الْمَوْتِ الْمَحْتُوْمِ بِسَبَبِ الْقَمْعِ الَّذِيْ يُوَجِّهُهُ الدِّكْتَاتُوْرُ مِمَّا لا يَجْعَلُ الضَّحِيَّةَ فِيْ خِيَارٍ مِنْ ذَلِك غَيْرَ أَنَّ نَمُوْذَجاً مِنَ الشُّهَدَاءِ لَهُ مُوَاصَفَاتٌ خَاصَّةٌ يَخْتَارُهُمْ اللهُ مِنْ خَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَيَصْنَعُوْنَ مَصِيْرَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ خِلالِ إِصْرَارِهِمْ عَلَى مُوَاجَهَةِ الْبَاطِلِ، وَتَفَانِيهِمْ فِيْ نُصْرَةِ الْحَقّ.. تَرَاهُمْ يَتَقَدَّمُوْنَ نَحْوَ الْمُوَاجَهَةِ بِكَامِلِ وَعْيِهِمْ، وَبِمَحْضِ إِرَادَتِهِمْ فَهُمْ غَيْرُ الَّذِيْنَ يُزَجُّوْنَ فِيْهَا زَجّاً.. أَمَّا حِيْنَ تَتَجَمَّعُ فِي الشَّهِيْدِ كَمَا فِي السَّيِّدِ الصَّدْرِ مُوَاصَفَاتٌ اسْتِثْنَائِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ عَظَمَةُ عِلْمِهِ، وَعَظَمَةُ أَخْلاقِهِ، وَعَظَمَةُ خِطَابِهِ، وَعَظَمَةُ مَكَانَتِهِ مُضَافاً إِلَى مَا يَتَحَمَّلُ مِنْ شِدَّةِ عَذَابَاتِهِ، وَمَوَاجِعِهِ فَقَدْ بَلَغَ الشَّهِيْدُ أَقْصَى مَا يَتَمَنَّاهُ.. مَا مَارَسَهُ الْمُجْرِمُ صَدَّام وَجَلاوِزَتُهُ مِنْ شَتَّى الأَسَالِيْبِ الْوَحْشِيَّةِ الَّتِي لا يَتَصَوَّرُهَا عَقْلٌ، وَلا تَخْطُرُ بِبَالِ أَحَدٍ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَبْلُغُ ذَرْوَتَهَا مِنْ حَيْثُ مَرْتَبَةُ التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى.. فَالْقَتْلُ بِضَرْبَة سَيْفٍ، أَوْ بِإِطْلاقَةِ نَارٍ، أَوْ بِتَجْرِيْعِ كَأْسِ السُّمِّ، أَوْ بِدَهْسِ السَّيَّارَةِ، أَوْ غَيْرِهَا يَخْتَلِفُ تَمَاماً عَنْ فُنُوْنِ التَّعْذِيْبِ الَّذِيْ شَهِدَهُ السَّيِّدُ الشَّهِيْدُ الصَّدْرُ عَلَى يَدِ جَلَّادٍ وَحْشٍ كَصَدَّام حسين.. مَا تَمَّ نَقْلُهُ مِنَ الأَخْبَارِ الَّتِيْ تَسَرَّبَتْ مِنْ دَهَالِيْزِ الْمُخَابَرَاتِ بِمَا سُلِّطَ عَلَيْهِ (رضي الله عنه) مِنْ فُنُوْنِ التَّعْذِيْبِ الَّتِي لا تَقْوَى عَلَى تَصَوُّرِهَا الْعُقُوْلُ، بَلْ تَتَفَطَّرُ إِثْرَهَا الْقُلُوْبُ بِالأَعْمَاق.. تَرَاكُمُ خِبْرَاتِ الأَجْهِزَةِ الأَمْنِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ كُلِّهَا، وَبِكُلِّ وَحْشِيَّةٍ صُبَّتْ فِي التَّعَامُلِ مَعَ السَّيِّدِ الشَّهِيْدِ مِنِ انْتِزَاعِ مَا كَانَ الطَّاغِيَةُ يُرِيْدُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ وَلَكِنْ بِلا جَدْوَى.. وَلَمْ تَقِفِ الْمِحْنَةُ عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ، بَلْ تَجَاوَزَتْ إِلَى عَذَابِ الْعَلَوِيَّةِ الطَّاهِرَةِ بِنْتِ الْهُدَى تِلْكَ الْمَلاكِ الزَّيْنَبِيِّ الْمُقَدَّسِ الَّتِي لَمْ تُفَارِقْهَا كَأَخِيْهَا الْمَلاكِ الْحُسَيْنِيِّ تَمْتَمَاتُ الْمُنَاجَاةِ مَعَ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وَمَا غَمَرَ نَفْسَيْهِمَا الطَّاهِرَتَيْنِ مِنْ أَمْوَاجِ الصَّبْرِ الَّذِي تَنْهَدُّ دُوْنَهُ الْعَزَائِمُ، وَتَخُوْرُ الْقُوَى؛ لِتَتَأَلَّقَ رُوَحَاهُمَا الطَّاهِرَتَانِ لِتَخْتَرِقَا حُجُبَ النَّفْسِ مُتَأَلِّقَتَيْنِ فِيْ سَمَاءِ الْمَلَكُوْتِ مُنْشَدَّتَيْنِ إِلَى خَالِقِهِمَا كَأَقْوَى مَا تَكُوْنَانِ؛ وَهُنَا تَتَجَانَسُ كُلُّ مُفْرَدَاتِ الْعَظَمَةِ لِتَصُوْغَ قِلادَةَ الأَلَقِ الْمَلائِكِيِّ الَّذِيْ يَتَقَلَّدُ جِيْدِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ طِرَازٍ حُسَيْنِيٍّ اسْتِثْنَائِيٍّ تَبْقَى أَلْوَانُهُ سَاحِرَةً فِي لَوْحَةِ الْوُجُوْد.. مَا الَّذِيْ صَنَعَ الشَّهِيْدَ مِنْ إِرَادَةٍ، وَعِبَادَةٍ، وَفِكْرٍ، وَرِيَاضَةٍ رُوْحِيَّةٍ، وَسُلُوْكٍ، وَعَلاقَاتٍ، وَمَا الَّذِيْ صَنَعَهُ الشَّهِيْدُ مِنْ نِتَاجِ فِكْرٍ، وَمَا أَوْدَعَهُ لَدَى حَمَلَتِهِ مِنَ الْفِكْرِ، وَالأَخْلاقِ، وَالأَدَبِ؟ حِيْنَ نُحْيِي ذِكْرَ الشُّهَدَاءِ إِنَّمَا نُحْيِي فِيْهِمْ مُقَوِّمَاتِ حَيَاتِنَا الَّتِي نَكُوْنُ فِيْهَا.. نَعِيْشُ فِيْهِمْ مَا نَتَطَلَّعُ مِنْ فِكْرٍ، وَقِيَمٍ، وَمَوَاقِف.. وَكُلَّمَا امْتَدَّ الشَّهِيْدُ فِيْ حَاضِرِنَا امْتَدَّتْ مَعَهُ مَبَادِئُهُ، وَقِيَمُهُ، وَعُلُوْمُهُ، وَمَوَاقِفُهُ، وَمَا أُوْدِعَ مِنْ أَسْرَارِهِ.. قَابِلِيَّةُ الامْتِدَادِ لَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى قَابِلِيَّةِ الاسْتِعْدَادِ لِلأَخْذِ، وَالتَّلَقِّي مِنْه.. لَمْ تَزَلْ حَرْبُ الصَّدْر ِقَائِمَةً، وَقُلُوْبُ حُسَّادِهِ بِالْحِقْدِ مُوْغِرَةً.. مَنْ قَتَلَهُ مُجْرِمٌ وَاحِدٌ، وَمَنْ حَرَّضَ عَلَيْهِ كُثُر..
الجمعة 29/جمادى الآخرة/1437 الموافق 8/4/2016 |
|